نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر


الجزائر في مواجهة رهان إصلاحات تجنبها انفجارقنبلة اجتماعية





الجزائر - خالفت الجزائر كل التوقعات الخارجية و نجحت في البقاء بعيدا عن لهيب الثورة الذي أطاح بنظام الرئيسين زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، ولا زال يهدد عرش الزعيم الليبي معمر القذافي في ليبيا، بعدما تمكنت من احتواء كل المظاهر المطالبة بقلب نظام الحكم أو هكذا يبدو حتى اليوم


إحدى مسيرات التغيير بالعاصمة الجزائرية
إحدى مسيرات التغيير بالعاصمة الجزائرية
صحيح أن الجزائر شهدت اضطرابات عنيفة مطلع كانون ثان/ يناير الماضي أطلق علليها اسم" ثورة الزيت والسكر"، انتهت بمقتل ثلاثة أشخاص و إصابة المئات بحسب أرقام رسمية، وبحراك سياسي أفضى لغاية الآن إلى رفع حالة الطوارئ التي كانت سائدة في البلاد منذ أيار/ مايو 1992، لكن الأمر لم يصل أبدا إلى تهديد كيان النظام رغم محاولات حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية العلماني وما بات يعرف بالتنسيقية الوطنية من اجل التغيير والديمقراطية، الاستثمار في الشارع واستغلال الظروف الإقليمية المحفزة.

أحزاب و منظمات منقسمة على نفسها و مجتمع مدني غائب
يعترف الكثير من الجزائريين إن ما قاسته البلاد من معاناة و مآسي في بداية تسعينيات القرن الماضي بعد اندلاع أعمال العنف التي تحولت إلى أعمال إرهابية،عقب توقيف المسار الانتخابي لمنع الجبهة الإسلامية للإنقاذ (تم حظرها فيما بعد بقرار قضائي) من ولوج مجلس النواب، لم يكن ليساعد الشعب على ركوب موجة مطالب التغيير فضلا على انشغاله الدائم باللهث وراء قوت عيشه.

ظروف خدمت أكثر أحزاب الموالاة التي تداولت على اقتسام غنائم الاستحقاقات الانتخابية والاستقواء بالنظام القائم بينما فضلت أحزاب المعارضة البقاء خارج أسوار اللعبة وانطوت على نفسها وزادتها الانقسامات الداخلية والخلافات الشخصية ضعفا.

وبات من الواضح اليوم عجز المعارضة سواء كانت أحزابا أو منظمات المجتمع المدني في تجنيد الشعب لأية قضية حتى لو كانت عادلة، فبعض أحزاب المعارضة ذهبت ضحية أطروحاتها الإيديولوجية و العقائدية بينما تسببت المصالح الضيقة في إحداث شرخ كبير في صفوف منظمات المجتمع المدني إلى درجة أن الكثير منها أصبحت عبارة عن دمى تحرك حسب الأهواء و الظروف.

يفسر وزير الخارجية، مراد مدلسي، " فشل" التعبئة الحالية للنداءات الداعية إلى تنظيم مسيرات احتجاجية بهدوء الشعب الجزائري الذي عانى من حرب أهلية دامت عشر سنوات"تركت آثارا بالغة في ذاكرة الجزائريين و في أجسادهم" ، وقال انه يجب " التساؤل لماذا هذا الشعب الجزائري هادئ لهذه الدرجة اليوم في حين هناك أحداث تشتعل حوله".

وذكر مدلسي بما وقع بالجزائر في الخامس من تشرين أول/ أكتوبر 1988، من حركة تشبه كثيرا ما سجل في تونس و مصر مؤخرا وهو ما يعبر حسب مفهومه عن خصوصية حالة الجزائر.

أما الدكتور، ناصر جابي، المختص في علم الاجتماع، فأكد على تأثر الجزائريين فرديا و جماعيا من التجربة التي عاشتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي داعيا النظام إلى أخذ هذه المرحلة بعين الاعتبار والجزائريين إلى الاستلهام من تاريخهم المعاصر.

الجزائر ليست تونس و لا مصر، لكن
يشدد الكاتب الصحفي ،إسماعيل يبرير،على اختلاف المشهد السياسي والاجتماعي السابق في تونس ومصر وبين المشهد في الجزائر، مشيرا بان الوجه الديمقراطي الذي تسعى السلطة إلى تسويقه أصبح مكشوفا حتى لدى المواطن البسيط، كون الوضع الاجتماعي السطحي يتحدث عن ظروف طبيعية، لكن الحقيقة العميقة للجزائر تنفي تلك الظروف، فهناك نسب بطالة عالية، وفقر متفش وحالة احتقان وإحباط في أغلب الولايات، وشعور مشترك بالتهميش والخداع لدى غالبة الجزائريين.

ويضيف يبرير " الحياة السياسية التي تدور في فلك شخص الرئيس بالنسبة لأحزاب التحالف أو الموالاة، وفي فلك المعارضة التي اثبثت هي الأخرى فشلها في استيعاب تطلعات المواطن، تلك الحياة السياسية لا يؤمل منها أي شيء ولم تستثمر لا في الاهتمام بالمواطن ولا في قهره ما يؤكد حقيقة غياب الفاعلين السياسيين تماما مثل الاجتماعيين، نحن هنا نتحدث عن استقالة للسياسي وللمجتمع المدني معا".

ويجزم ناصر جابي، بان التحولات الاجتماعية التي تشهدها المنطقة العربية ستمس كل الدول ولو بدرجات مختلفة و في توقيت مختلف، "هذه الدول أسست للأحادية الحزبية في وقت واحد وانتقلت إلى التعددية ونظمت الانتخابات في وقت واحد، فلماذا لا تعرف التحول السياسي في وقت واحد؟"

ويفسر جابي، الاحتجاجات الشاملة التي تشهدها الجزائر على أن ظاهرها يحمل مطالب اجتماعية اقتصادية (السكن،الشغل و توزيع الدخل)لكن باطنها يخفي مطالب سياسية كفتح وسائل الإعلام الثقيلة وإجراء انتخابات ديمقراطية لا يجب على النظام تجاهلها أو التستر عليها.

وحذر جابي، من التأثيرات العكسية لمعالجة الحكومة لقضايا المجتمع الجزائري في جوانبها الاقتصادية البحتة، وطالب من السلطة اتخاذ مبادرات حتى لا تنفلت الأمور، وقال إن كل الشروط متوفرة للانتقال بالجزائر إلى ديمقراطية حقيقية، فالموضوعية منها تتمثل في الضغوطات الخارجية على منطقة المغرب العربي والسيولة النقدية التي تتوفر عليها البلاد، أما الشروط الذاتية فلخصها في البحث عن التوافق بين السلطة السياسية يفضي في النهاية إلى إجراء إصلاحات سياسية ينتهي بتغيير سلمي وسلس، وهو أمر يقول يمكن تحقيقه لو تتوفر النية الصادقة.

الحكومة في مواجهة قنبلة اجتماعية
ربط الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن مبتول، التحولات التي تشهدها المنطقة العربية بثورات الاتصال في مجال الانترنت التي كان وراءها شباب طموح تواق إلى الحرية والديمقراطية مؤكدا بان الحكام لم يتماشوا مع هذه التطلعات إلا من اجل الاستئثار بالحكم والبقاء في المنصب إلى ما لا نهاية.

وانتقد مبتول، طريقة تعامل حكومة بلاده مع الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها الجزائر موضحا إن ذلك ينم عن رؤية وسياسة اقتصادية فاشلة ستؤدي بالنهاية إلى نتائج عكسية و كارثية. ودعا بالمقابل إلى فتح نقاش وطني صريح وبناء وحوصلة النفقات العمومية من اجل ضبط سياسة اقتصادية اجتماعية سليمة تمتد حتى الفترة 2020 على اعتبار أن البلد يعيش انسدادا سياسيا و اقتصاديا.

ويرى مبتول انه من غير المقبول أن تبقى الجزائر الدولة العضوة في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، تعيش على ريع دخل المحروقات لان ذلك سيؤدي إلى انفجار اجتماعي، كون نسبة البطالة تجاوزت 20 بالمئة بينما لم تتعد نسبة النمو 4 بالمئة، في حين انه كان من المفروض أن تتراوح نسبة النمو ما بين 13 و 14 بالمئة، متسائلا كيف يمكن للحكومة القادمة أن تواجه الوضع عندما يصل عدد الطلبة الجامعيين إلى مليوني طالب مما يرفع أليا نسبة البطالة.

وذكر مبتول، إن مخرج الجزائر من أزمتها مرهون بالتحكم الجيد في احتياطات النقد الأجنبي التي تصل اليوم إلى150 مليار دولار وبالتأسيس لنظام الحكم الراشد وتثمين الكفاءات والقفز بنسبة النمو خارج المحروقات إلى مستوى محترم جدا مذكرا أن الجزائر تقترب من صرف حوالي 500 مليار دولار في عشر سنوات دون أن يلمس الناس تحسنا في مستوى معيشتهم اليومية وظروف عملهم.

تعديل الدستور "حصان" المرحلة المقبلة
اتفقت الكثير من الأحزاب على ضرورة تعديل جذري للدستور يسمح من جهة للقضاء بلعب دوره في محاربة الفساد وإقامة انتخابات بعيدة عن الشبهات والشكوك المريبة، ومن جهة أخرى يعبد الطريق أمام نظام سياسي واضح يحدد مسؤوليات وصلاحيات مؤسسات الدولة.

لكن هذه الأحزاب نفسها اختلفت فيما تعلق بأمور أخرى ذات صلة بموضوع الدستور. فمثلا حزب جبهة التحرير الوطني، أقدم الأحزاب في الجزائر وصاحب الأغلبية في مجلس النواب، يرفض فكرة حل المجلس و بالمرة تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكون الانتخابات التشريعية القادمة ستتم الدعوة إليها العام المقبل، مثلما يرفض فكرة المجلس التأسيسي لان ذلك مثلما جاء على لسان زعيمه ،عبد العزيز بلخادم، يعود بالبلاد إلى نقطة الصفر ويلغي كل الانجازات المحققة منذ الاستقلال يوم الخامس من تموز/ يوليو 1962.

وفي خضم هذا الزخم السياسي الذي عاد ليسطر على المشهد العام في البلاد، يتصور الكاتب الصحفي، إسماعيل يبرير، أن غياب بدائل لا يرجح في الوقت الحالي أي انتفاضة أو انفجار، بسبب التعب الذي نال من الناس.. "الجزائريون عانوا أكثر من أي شعب عربي آخر، وما زالت معاناتهم مستمرة، وإذا كانت السلطة قد نجحت في أمر فهو في إبعاد المواطن عن السياسة وتكريس الفجوة بينه وبين الشأن السياسي، فضلا عن تلقي بعضهم رشاوى غير مباشرة أو مباشرة وتورط عدد كبير منهم بشكل مباشر أو غير مباشر (ديون البنوك بالنسبة للشباب، عقود ما قبل التشغيل وغيرها من الأحلام، مضاعفة تواجدهم في الجامعات بغير حق). "

ودعا يبرير، الجزائريين في الفترة الحالية إلى ممارسة السياسة والبحث عن وعي بواقعهم وتفسيرات لحقيقة النظام والحكم في الجزائر التي لا تملك رموز نظامها فهو متعدد عكس نظام حسني مبارك وبن علي، وعكس نظام القذافي أيضا-على حد قوله.

والظاهر أن الجزائر التي تستعد للاحتفال بذكرى استقلالها الخمسون في الخامس من تموز/ يوليو 2012، تأمل في لملمة جراحها وتجاوز كبواتها في أسرع وقت ممكن، ولو أن ذلك يتطلب الكثير من التضحيات وتقديم الكثير من التنازلات من الحكام وأيضا من الشعب الذي يتطلع إلى مستقبل يضمن له الحياة الكريمة والرفاهية التي ينشدها

د ب أ
الاربعاء 23 مارس 2011