نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


العاصمة الكوبية هافانا تحتفل بمرور 500 عام على تأسيسها




هافانا – تحتفل العاصمة الكوبية هافانا بالقرن الخامس على تأسيسها، بدون ناطحات سحاب أو مراكز تجارية أو سلاسل ماركات عالمية، بل مازال يغلب على شخصية المدينة الطابع الهادئ، والمنازل المشيدة على الطراز المعماري الكولونيالي، على الرغم من بروز فنادق جديدة مؤخرا إلى جوار منازل متهالكة بسبب درجة الملوحة العالية بتأثير الرطوبة لقرب المدينة من البحر أو بسبب تخلي السكان عن هذه المنازل. يشكل هذا التوازن الغريب حالة خاصة تجعل المدينة كما لو كانت متوقفة في الزمن عند بوابة عصر العولمة و لا تريد عبورها.


في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب. أ) يقول المؤرخ الكوبي اويسبيو ليال، المتخص في تاريخ هافانا "العاصمة الكوبية ليست مجرد مدينة تمر بها مرورا عابرا، بل هي مدينة يلفها السحر ويكتنفها الغموض، وبالتالي لا يسع أحد أن يشعر بها مثلها مثل أي مدينة أخرى مر عليها". يشار إلى أن" ليال" كان له دور كبير في ضم هافانا إلى قائمة اليونسكو لتراث الانسانية عام 1982 تقديرا للقيمة الهامة لمعمار منطقة وسط المدينة التاريخية التي تعود للعصر الكولونيالي. تعتبر هافانا من أوائل الحواضر التي أسسها المستعمرون الإسبان في العالم الجديد، بعد أقل من ثلاثة عقود من اكتشاف كولمبس للأمريكتين عام 1492، حيث تأسست في السادس عشر من تشرين ثان/ نوفمبر 1519، وظلت لقرون نقطة عبور إجبارية خلال العصر الكولونيالي، حيث كانت تمر السفن بموانئها ذهابا وإيابا القادمة من إسبانيا والمتجهة إليها فيما يسمى بعصر الكشوف الجغرافية، والذي تحول إلى حقبة من النهب الاستعماري الرهيب والعنف الدموي وتدمير ثقافات شعوب مسالمة وأخيرا أكبر مراكز تجارة الرقيق القادم بصفة أساسية من قارة أفريقيا. يقدر عدد البشر الذين تم المتاجرة بهم خلال القرنين السادس والسابع عشر بنحو 40 مليونا. ونظرا لأهمية هافانا الاستراتيجية في تلك الفترة، فقد كانت مطمعا وتعرضت للدمار أكثر من مرة سواء في حروب على السلطة أو بسبب هجمات القراصنة والمغامرين. يذكر أن كوبا تعتبر أيضا آخر مستعمرة فقدها التاج الإسباني عام 1898، أثناء حرب مع الولايات المتحدة، مارس فيها الأمريكيون خداعهم المعتاد، فقد ادعوا أن البحرية الإسبانية المتمركزة بالمدينة، هاجمت سفينة أمريكية أمام سواحل الجزيرة، وأن هذا الهجوم تسبب في مقتل عدد كبير من جنود "الجرينجو"، فكان هذا سببا لغزو كوبا وتحريرها من يد الإسبان، ولكن الحقيقة أن الأمريكان فجروا إحدى غلايات السفينة البخارية، وربما توفي جندي أو اثنين، ولكن الحادث كان الذريعة لتنفيذ ذلك المخطط. ويشبه فقدان كوبا لدى الإسبان، هزيمة العرب في 1967، أو ما بات يعرف بالنكسة، وهو ما أدى لظهور جيل من الكتاب والفلاسفة والشعراء والمفكرين (جيل 98)، طرحوا تساؤلات عن أسباب تحول إسبانيا من امبراطورية لا تغيب عنها الشمس إلى بلد فقير منكفئ على نفسه ومن أشهر أبناء ذلك الجيل الفيلسوف الكبير ميجل دي أونامونو، وشاعرها الكبير أنطونيو ماتشادو. عقب استقلال كوبا عن إسبانيا، تحولت هافانا إلى "كباريه" للمستعمر الجديد، الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد نحو نصف قرن، تحولت إلى بؤرة الثورات ضد التدخل الأمريكي في القارة. وتعيش في الوقت الراهن مرحلة تحول انتقالي، تتضح بجلاء في تجاور المنازل الكولونيالية العريقة بحالتها المتردية لأسباب عديدة مع الفنادق ذات الخمس نجوم التي بدأت تبزغ في كل مكان. تقول إلبيرا سانتانا وهي معلمة متقاعدة تعيش في هافانا منذ خمسين عاما "لم أولد في هافانا، بل جئت من بلدة صغيرة شرقي البلاد، ولكن هذه المدينة أصبحت مدينتي، لأنني أشعر بها كذلك في كل مرة أتطلع فيها كل صباح إلى البحر من نافذة منزلي". تعيش سانتانا مع خمس عائلات أخرى في الشقة القديمة لإحدى شركات الإعلانات التي رحلت إلى ميامي في عام 1959 والتي قدمتها الدولة للمعلمين الشباب الذين ساهموا في محو الأمية في المناطق الجبلية. أنشأوا على مساحة 100 متر مربع، العديد من المنازل. تم تقسيم السقوف العالية لعمل طابقين في نفس الغرفة عن طريق الهياكل المعدنية والخشبية التي تشتهر في كوبا باسم "حفلات الشواء". يطلق على هذا المسكن الجماعي اسم "سولارس". يتجاور في هذا المنزل الجماعي الفقر والثراء، نظرا لقيام بعض السكان بتأجير غرف في مسكنهم للسياح عن طريق تطبيق شبكة Airbnb مقابل 50 يورو (55 دولارًا) في الليلة. وعلى نفس السلم، يبدأ الترف وشظف العيش في التعايش بين نوعية جديدة من الناس لم ينشأوا في حالة عدم التفاوت الطبقي والاجتماعي. توقفت العمارة عن التطور مع مجيئ المناضلين الثوريين من جيل الرجل ذي اللحية "فيدل كاسترو" وتشي جيفارا، الذين انحصرت أولوياتهم في تطوير المناطق الريفية التي كانت معاقبة بالتجاهل من قبل السلطات السابقة. ولهذا بدون تحولات حضرية، تتمتع المدينة اليوم بشخصية توافقية حيث يمكن أني يُرى عبر شوارعها مباني فاخرة مهيبة من طراز "آرت ديكو" و"آرت نوفو" وأعمدة ذات أقواس من الفن العربي المصهور في الأندلس المعروف باسم "الموديخار" أو "المدجن الجديد" إلى جوار مباني "بلوكات" أو كتل خراسانية متكدسة رمادية من تأثير العمارة الشيوعية السوفييتية. أما أشهر معالم المدينة، فيعتبر الممشى البحري أو "كورنيش هافانا" كما يطلق عليه شعبيا، ويعتبر من الجولات السياحية الإجبارية التي لا يجب أن يفوتها أي سائح يزور هافانا. ويعتبر من أكثر الفضاءات ديمقراطية بالمدينة، نظرا إلى أنه حتى الآن مازال العديد من سكان هافانا أو "الهافانيروس" يترددون على الكورنيش ليجلسوا ويتسامروا ويحكوا قصص تتناول تفاصيل حياتهم اليومية بينما يحتسون المشروبات ويستمعون إلى الموسيقى الكاريبية الشهيرة بصوت مرتفع، وخلال الفترات الصباحية، يتناثر حفنة من الصيادين على الشاطئ يبحثون عن رزقهم القليل. يعتبر البحر بمثابة سوط مسلط على المدينة، ويعد تهديدا مستمرا بجانب الرطوبة ودرجات الملوحة المرتفعة في الجو التي تنحر الشاطئ باستمرار، ومن ثم تعترف السلطات الكوبية أنه بسبب تأثير هذه الأوضاع المناخية، أكثر من 70% من المباني القائمة على الكورنيش في حالة متردية لدرجة أنه يجب هدمها كلياً أو جزئياً. وعلى الرغم من ظهور الحانات والمطاعم والمتاجر ومصففي الشعر في خضم إصلاحات راؤول كاسترو ونتيجة لمرحلة ذوبان الجليد بين هافانا وواشنطن، خاصة في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، مازالت المدينة تعاني من مشاكل كبيرة تتعلق بالنقل العام، وشبكة المياه، ونقص المرافق الحضرية والإسكان. يقول كاميلو اليزوندو، متحدثا عن كفاحه اليومي لكسب عيشه في مبنى مكون من 15 طابقًا من طراز المعمار السوفيتي بالقرب من ميدان الثورة التاريخي "بلازا دي لا ريبولوسيون "يتوافر الماء هنا بشكل متواتر، يوم نعم ويوم لا، ولكن عندما تصل، فإن المشكلة تصبح توافر الكهرباء لرفعها إلى الخزان". يطرح المشهد البانورامي صورة متناقضة بين هافانا الحديثة والعالمية للسياحة والتي تتعايش فيها أيضًا شوارع سيئة الرصف وحيث تمر أيام بدون أن تأتي شاحنة جمع القمامة المتراكمة. ومع ذلك لا تعاني هافانا من مشاكل حواضر لاتينية أخرى تتعلق بأمن المواطن وبؤر البؤس والفقر المرافقة دائمة للسكان الفقراء بالأحياء العشوائية ومدن الصفيح. في تصريحات لــوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) يقول الكاتب الكوبي بدرو خوان جوتيريث "نحن بصدد تحسين التغييرات بسرعة كبيرة"، في حين ينظر بقلق كيف "توجد بالفعل مبانٍ يشتري فيها شخص ما جميع الشقق ويحولها إلى بنسيونات". ضمن قلة من الكتاب، رسم جوتيريث صورة متكاملة لقاع المدينة تعكس إيقاع الحياة اليومية لسكانها من خلال روايته الشهيرة "ثلاثية هافانا القذرة"، يتناول فيها مشاهد عنف وفقر ممتزجة مع مشاكل الجنس والإفراط في تناول الكحوليات. في هدوء ووداعة يجلس روبرتو جوميس كل يوم على الكورنيش، يلقي بخيط صنارته في الماء لعله يفوز بسمكة. يقول "قد تكون لدينا آلاف المشاكل، لكننا ننعم هنا بحياة هادئة مستقرة".

جييرمو نوفا
الخميس 21 نونبر 2019