نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص

على هامش رواية ياسر عبد ربه

04/04/2024 - حازم صاغية


الكنز الابيض ...طقوس استخراج الملح في وزان المغربية




وزان (المغرب) مروة سالم -أكوام بيضاء يرى أثرها من بعيد، نساء وشباب يرفسون بأرجلهم بحثا عن "الكنز الأبيض". إنها أحواض متخصصة في استخراج الملح الطبيعي الذي ينتظره مسار طويل ليصبح في متناول المستهلك النهائي بعد أن يمزج بمادة اليود كشرط أساسي ليجد طريقه نحو الأسواق المغربية. أهالي منطقة قريبة من مدينة وزان (شمال المغرب) يحفظون عن ظهر قلب مسار استخراج الملح... إنه النشاط الذي يعرف ازدهارا كبيرا عندما يكون الطقس جافا ودرجة الحرارة مرتفعة.


شاب يستعين بمعول لجمع الملح ووضع في أكياس خاصة.
شاب يستعين بمعول لجمع الملح ووضع في أكياس خاصة.
أحواض منتشرة هنا وهناك ونشاط في أوجه خلال فصل الصيف من كل عام. بعض السكان يحالفهم الحظ ويتمكنون من حفر آبار فوق الأراضي التي يملكونها. كل شيء يتم وفق قواعد معروفة بل ومفروضة من قبل السلطات المحلية المعنية... إنه نشاط مقنن ويخضع إلى ضوابط محددة.

قبل حفر البئر في منطقة وزان، يحصل مالك الأرض على مؤشرات قبلية تفيد وجود الملح، دليله في ذلك وجود بقع بيضاء تتمدد مع ارتفاع درجة الحرارة، ربما لهذا السبب يكون استخراج الملح خلال أيام الحر. مهندس متخصص في البحث عن المياه الجوفية، ابن منطقة وزان، صرح بأن هناك صخورا ملحية توجد على سطح الأرض ما يعني وجود الملح علما أن درجته تختلف من منطقة إلى أخرى ثم إن وجود الملح يعني أن المكان غني بالماء.

بعد تأكد أهالي المنطقة، عن طريق متخصصين، بوجود الماء الكافي في المنبع، وبتوفر كميات من شأنها أن تتبخر وتعطي الملح المناسب، تبدأ إجراءات حفر الآبار. غير أنه في الغالب ما تسبق هذه الخطوة مبادرة أخرى تتمثل في حمل عينة من الماء الموجود في المنطقة إلى مختبر متخصص، غالبا ما يكون تابعا لمحافظة المنطقة أو التوجه إلى العاصمة الرباط أو في أية مدينة كبيرة أخرى حيث المختبرات في درجة عالية من الأداء والخبرة، بقصد الفحص لأنه لا بد من التأكد من أن الماء "أجاج" بغية الحصول على كميات من الملح تنسي مالك الأرض المسار الطويل الذي ينتظره.

كما يستعين صاحب الأرض بمهندس متخصص يكون على علم بالصخور وبالطبقات الجيولوجية، خلال الخطوات الأولى لاستخراج الملح. الانطلاقة مرتبطة بحصول المعني على تقرير إيجابي يفيد أن المكان صالح للاستغلال ليكون "ملاحا" أي مكانا لاستخراج مادة الملح.

بعد انتهاء هذه الترتيبات الإدارية، تسلم الرخصة لصاحب الحقل أو الورش من قبل السلطات المعنية. يؤذن للمعني بحفر بئر أو آبار حسب مساحة الأرض، ليتم إطلاق اسم مميز على المكان ويصبح "ملاحا" بامتياز. لا تبدأ عملية حفر البئر إلا بإتباع تعليمات المهندس المتخصص..عمق يتراوح بين 10 إلى 20 مترا، مع مراعاة طبيعة الفرشة المائية. وغير بعيد عن البئر، يتم حفر صهريج أو مجموعة من الصهاريج التي تتميز بعمقها وطولها الذي يتجاوز أحيانا عشرة أمتار. كما أنه إلى جانب هذه الصهاريج، تجهز أحواض مربعة وأخرى مستطيلة عمقها يقل عن المتر الواحد، إنها أحواض تمتد على طول المساحة استعدادا لاستقبال"الكنز الأبيض".

يلتزم الجميع بوضع قطع بلاستيك داخل الأحواض وهو نوع خاص من البلاستيك في الغالب يباع في مدينة الدار البيضاء، وهو يتميز بمجموعة من المواصفات أهمها أنه ثقيل وسميك و قوي للغاية ومدة صلاحيته تصل إلى خمس سنوات. العارفون بالمجال يفسرون سبب التأكيد على هذا النوع من البلاستيك لأنه يقاوم درجة الملوحة التي تحتاج لقوة عالية في الغطاء البلاستيكي الذي سيفرش فوق الحوض. وفي حال تعرضه لتمزق، يمكن ترقيعه بمادة خاصة سوداء اللون.

فور حفر البئر، يكون من الضروري استعمال محركات كهربائية لاستخراج الماء. وهي محركات كهربائية جاءت لتنافس المحركات اليدوية التي تشتغل بالبنزين أو الغازوال. وكشف شاب من منطقة معروفة باستخراج الملح أن المحركات اليدوية تعرف انتشارا واسعا على اعتبار أن أغلب المناطق المعنية تبقى بعيدة عن محطات توليد الكهرباء وعن الرباط الكهربائي، لذلك يبقى من الضروري اللجوء إلى ما هو يدوي.

يسحب الماء وتملئ به الصهاريج حيث يمكث من ثلاثة إلى أربعة أيام تحت حرارة الشمس المرتفعة، لذلك يصر مستخرجو الملح على أن تتم العملية خلال فصل الصيف لارتباطها بارتفاع درجة الحرارة، ففي حال بلوغ الحرارة 40 درجة مئوية، يمكن أن تستغرق العملية مدة أقل.

بعد ذلك يتم يحمل الماء ويفرغ في الأحواض المهيأة سابقا. وهي أحواض بدورها مفروشة بالبلاستيك الخاص على اعتبار أن في هذه الأحواض يعول على الماء لكي يتبخر بعرضه تحت أشعة الشمس. من أربعة أيام إلى أسبوع، تلك هي المدة الكافية لضمان تبخر الماء في الأحواض وتحوله إلى ملح. مجرد بلوغ هذا الهدف يبدأ عمل النساء والشباب.

بأحذية طويلة بلاستيكية، يدخل شباب في مقتبل العمر الأحواض يشرعون في عملية الرفس من أجل تهشيم وتحطيم أكوام الملح التي تكونت جراء تبخر الماء بالكامل. نساء يتحركن بحذر كبير وسط الأحواض للتأكد من أن كميات الماء كلها تبخرت. ينخرط الجميع في وضع الملح في أكياس خاصة بتصبير الملح ويسع الكيس لحوالي 25 كيلوجراما.

الآن الملح الخام جاهز ويتم شحن هذه الأكياس لنقلها إلى أقرب مصنع، حيث يخضع الملح إلى عملية تصفية من التراب ومن الحصى بعد ذلك تضاف مادة اليود ليصبح الملح جاهزا للاستعمال في المطبخ. فالسلطات المغربية منذ سنوات سارت في منع تسويق الملح غير المزود بمادة اليود.

مقابل هذا المجهود، هناك من يحمل أكياس الملح الخام لبيعها في الأسواق، وهو ملح يستعمل في تصبير الزيتون الذي تشتهر به المنطقة الجبلية الكائنة شمال المملكة. وبسعر لا يتجاوز درهم واحد، يباع الكيلوجرام من الملح الخام. العائلات التي تشتغل في هذا النشاط تعي جيدا أن هامش ربحها يبقى محدودا وأن أكبر مستفيد هي المصانع التي تعالج الملح وتمزجه بمادة اليود لتعيد بيعه بسعر يفوق بكثير السعر الذي يسوق به الملح الخام في الأسواق الأسبوعية. أما الشباب الذين يشتغلون في أحواض استخراج الملح، فإن راتبهم اليومي يتراوح بين 50 و70 درهما لليوم الواحد، فيما لا يتعدى أجر النساء 40 درهما، إنه قانون سوق استخراج الملح.


مروة سالم
الاثنين 14 سبتمبر 2009