
وتقع مدينة المحلة التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة في منطقة دلتا نهر النيل الخصبة حيث يزرع الفلاحون تربتها الغنية منذ زمن الفراعنة، وتبعد المدينة عن شمالي القاهرة بمسافة 120كيلومترا عبر حقول خضراء وقرى تطل بيوتها على ترع تأخذ مياهها من النيل.
ويقول أبناء المحلة إن هذه المدينة المتربة التي يوجد بها أكبر مصنع للنسيج هي المكان الذي بدأت فيه حقيقة نذر الثورة ضد نظام مبارك وليس ميدان التحرير بالقاهرة كما هو معتقد.
وكانت شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة وهي مجمع مصانع يقع على مساحة واسعة تقدر بألف فدان هي التي شهدت أول احتجاجات ضد مبارك في السادس من نسان/إبريل 2008، حيث قام العمال بتمزيق لوحة تحمل صورة الرئيس السابق وداسوا على وجهه في الميدان الرئيسي للمدينة.
وكانت هذه الاحتجاجات إشارة قوية تنم عن التحدي وجاءت قبل أعوام من الاحتجاجات المماثلة التي وقعت بميدان التحرير.
وتؤكد ذلك إيمان عز الدين / 24عاما / وهي واحدة من المحتجين حيث تقول من خيمة بميدان التحرير حيث استمر الاعتصام خلال كانون أول/ديسمبر الماضي ضد الرئيس الإسلامي محمد مرسي : " إن عمال المحلة هم من قاموا بالخطوة الأولى في ثورتنا، ويمكننا القول إنهم كانوا الشعلة التي أضاءت لنا الطريق ".
وكان النشطاء السياسيون الذي يعملون من خلال المواقع الإلكترونية قد نشروا الأخبار المتعلقة بإضراب عام 2008بالمحلة قبل مظاهرات التحرير بشهور عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل النصية بالهواتف المحمولة، حيث دعوا جميع المصريين إلى الاقتداء بعمال المحلة والاحتجاج ضد ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور وتزايد معدلات خصخصة الشركات المملوكة للدولة.
وكان إضراب عمال المحلة قد استمر لعدة أيام وقتل خلال الأحداث شخصان على الأقل وتم إلقاء القبض على آلاف الأشخاص قبل أن يلبي المسؤولون مطالب العمال.
وجدير بالذكر أن حركة 6نيسان/إبريل الشبابية التي تعد إحدى القوى المحركة للثورة المصرية قد ولدت بعد أن قرر مجموعة من النشطاء تشكيل مجموعة ضغط مستلهمين الاحتجاجات التي قام بها عمال المحلة.
ويقول محمد عادل وهو أحد مؤسسي الحركة ويبلغ من العمر 25عاما " إننا كنا نرى أنه يمكننا فعل شيء ما، وتعد 6نيسان/أبريل أول ضوء للثورة ".
ويوضح الشناوي المصري الذي كان يعمل مهندسا بمصنع مصر بالمحلة إن جميع عمال الشركة تقريبا شاركوا في احتجاجات السادس من نيسان/أبريل، مؤكدا أن المحرك الذي أدار الربيع العربي بدأ تشغيله من مصنع المحلة ثم نقله الناس في وقت لاحق خارج أسوار المصنع.
ويقول المصري إن الاحتجاجات التي اندلعت داخل أسوار الشركة امتدت إلى شباب المحلة الذين أخذوا قبسا من شعلة الاحتجاجات العمالية وحملوا شعلة النار متقدمين بها إلى الأمام.
وكان هذا الاحتجاج العمالي هو الأول من نوعه الذي وطأت فيه الأقدام صورة مبارك، كما أنه مهد الطريق لاندلاع الثورة التي أنهت حكمه الذي استمر لقرابة ثلاثين عاما.
وسمعت هتافات معادية لمبارك في ميدان التحرير عندما بدأت الثورة في 25كانون ثان/يناير 2011مماثلة لتلك الهتافات التي ترددت في احتجاجات المحلة.
ويقول محمد الطوراقي أحد أبناء المحلة ويبلغ من العمر 29عاما إن الاحتجاجات انتشرت أثناء الثورة في جميع المحافظات المصرية، غير أن أقل الخسائر في الأرواح وقعت في مدينة المحلة حيث أن الشرطة تعلم سمعة المدينة التي تتسم بالقوة وبالتالي كانت أكثر ترددا في قمع المتظاهرين.ويضيف إن القوات المسلحة تدرك أنه لا يجب إغضاب أهالي المحلة.
وعندما تخلى مبارك عن الحكم في 11شباط/فبراير احتفل آلاف المحتجين بالقاهرة بهذه الخطوة ببهجة طوال الليل وحتى الصباح الباكر.
وبالعودة إلى مدينة المحلة كان المهندس الشناوي المصري يعمل في نوبة كمدير عام للورشة الميكانيكية حيث تصنع قطع الغيار اللازمة لاستمرار آلات المصنع في العمل.
وقال المصري لوكالة الأنباء الألمانية ( د.ب. أ ) إنه شعر في لحظة تخلي مبارك عن الحكم بأن مدينته لعبت دورا في سقوط الرئيس السابق.
وأضاف إنه شعر بالفخر الشديد، مشيرا إلى أن بعض الأشخاص شعروا بالبهجة بينما شعر آخرون بالصدمة ولم يستطيعوا تصديق رحيل مبارك، ومضى قائلا إنه بعد انتهاء ساعات العمل خرج العاملون مع الأصدقاء واشتروا زجاجات المياه الغازية والحلوى للاحتفال بهذه المناسبة.
ولم تكن احتجاجات المحلة عام 2008هي المرة الأولى التي يطالب فيها عمالها بحقوقهم، فهذه المدينة لها تاريخ من الإضرابات العمالية.
وأسس شركة مصر للغزل والنسيج رائد الصناعة المصرية طلعت حرب عام 1927وكان عدد عمالها وقتذاك 2000عامل، وزاد هذا العدد ليصل حاليا إلى 20ألف عامل يعملون في ثلاث نوبات على مدار اليوم لإنتاج نحو مئة مليون متر من الأقمشة القطنية سنويا.
وكان أول إضراب يقوم به عمال الشركة عام 1938حيث نجحوا في تنفيذ مطالبهم بتقليص ساعات العمل من 12ساعة في النوبة الواحدة في يوم العمل إلى ثماني ساعات.
وفي عام 1947قتل ثلاثة أشخاص أثناء احتجاج ضد فصل بعض الزملاء بسبب نزاع حول ظروف العمل.
وقد لعبت العاملات دورا حاسما في عملية الاحتجاج المهم الذي وقع في كانون أول/ديسمبر 2006بعد أن رفضت إدارة الشركة دفع حوافز للعاملين بعد أن وعدتهم بها.
ففي السابع من كانون أول/ديسمبر من ذلك العام تركت عدة آلاف من العاملات أماكن العمل لوقف الإنتاج احتجاجا على عدم صرف الحوافز المقررة، وتوجهت العاملات إلى زملائهن من الرجال لتوبيخهم بترديد هتافات مثل " أين الرجال ؟، نحن النساء ها هنا " وحينما شعر الرجال بالحرج توقفوا أيضا عن العمل وانضموا إلى الإضراب الذي جمع نحو عشرة آلاف من العاملين في ميدان الشون الرئيسي بمدينة المحلة.
ويعد مجمع مصانع النسيج بالمحلة مؤسسة مصرية وعملاق إنتاجي.
ويستخدم المجمع الكبير نحو 50ألف طن من القطن الخام سنويا وهو ما يمثل ربع إجمالي إنتاج مصر من القطن، ويزرع القطن في محافظات مثل الغربية والشرقية في دلتا النيل التي تعد إحدى أكثر مناطق العالم خصوبة في التربة الزراعية.
ويحيط بمجمع المصانع سور عال مزود بحراسة شديدة، ويعد المجمع بمثابة مدينة ذات اكتفاء ذاتي حيث يضم مدرسة ومساجد ودور للسينما واستاد لكرة القدم ومستشفى لعلاج العاملين وأسرهم.
وتحيط بالمجمع مجموعة من المقاهي حيث يجلس الرجال لتدخين الأرجيلة ذات التبغ المشبع بالروائع العطرية والمغموس في العسل الأسود أو احتساء عصير القصب المائل لونه للخضرة، وتباع في المتاجر القريبة كثير من المناشف الملونة أو ثياب العرس اللامعة من إنتاج المصنع.
وتمتلئالمدينة بالضوضاء مثل القاهرة، فتدور سيارة تحمل مكبرا للصوت في الشوارع لتعلن عن موعد تشييع جنازة شخص توفى بينما ينطلق القطار المتوجه إلى الأسكندرية مدويا فوق شريط السكك الحديدية في الوقت الذي يرجع صدى الآذان خلال الشقق السكنية الأسمنتية.
ويضم حي البرج المجاور الذي تقيم فيه الطبقة العاملة كثيرا من مصانع النسيج بالمدينة التي يبلغ عددها 470مصنعا.
وتعمل غالبية هذه المصانع من الطوابق المقامة تحت الأرض أو الطوابق الأرضية أسفل المباني السكنية.
ويعد مجمع مصانع شركة مصر الأكبر في المدينة ويضم ثمانية مصانع للغزل وعشر للنسيج ومحطة لتوليد الكهرباء الخاصة بالمصانع تعمل بالطاقة البخارية، ويقول المتحدث بإسم الشركة خالد محفوظ إن المصانع تنتج 40ألف طن من غزول القطن وثمانية ملايين متر من نسيج البوليستر ومئة مليون متر من الأقمشة الصوفية سنويا.
ويتم تصدير نحو نصف إنتاج المصانع إلى 70دولة خاصة أوروبا والولايات المتحدة حيث تعد العلامة التجارية " قطن مصري مئة في المئة " دافعا أساسيا للشراء في المتاجر متعددة الأقسام.
ويشعر عمال مصانع المحلة بالزهو حيال سمعة مدينتهم في إنتاج الغزل عالي الجودة كما يشعرون بالفخر أيضا بتراث المدينة الاحتجاجي.
غير أنهم يشعرون بالولاء الشديد لشركتهم ويقولون إن من أسباب لجوئهم إلى الإضراب هو رغبتهم في زيادة أرباحها.
ويقول المهندس المصري الذي عمل في الشركة لمدة 32عاما ويبلغ من العمر الآن 61عاما إن كل أعمال الاحتجاجات كانت دائما تجرى من أجل الشركة ومن أجل تحسين حياة العاملين وزيادة الإنتاج.
ومرة أخرى عاد أبناء المحلة إلى ريادة الاحتجاجات حيث أن الثورة ضد مبارك أفسحت الطريق إلى اندلاع مظاهرات ضد من خلفه في منصب الرئاسة.
وأعلن آلاف المحتجين وعمال المصانع الحكم الذاتي لمدينة المحلة في كانون أول/ديسمبر الماضي قائلين إنهم لا يريدون أن تحكم جماعة الإخوان المسلمون التي ينتمي إليها الرئيس مرسي مدينتهم.
وانتشرت بسرعة أنباء هذا الإعلان الرمزي وذاعت معها نكات في موقع فيس بوك الإلكتروني ومن بينها أن رسوم الاتصالات الهاتفية المحلية مع مدينة المحلة من داخل مصر سترتفع نظرا لأنها أصبحت مكالمات دولية.
وكانت هذه أحدث عملية احتجاج نابضة بالحيوية في مدينة اشتهرت منذ زمن طويل بمنتجاتها القطنية وأصبحت تشتهر الآن بفاعلية وثبات عملياتها الاحتجاجية.
ويقول عادل من حركة 6نيسان/أبريل إن المصريين يعرفون المحلة من الملابس التي تنتجها حيث أن أفضل أنواع الثياب تصنع في هذه المدينة، ولكن المحلة أصبحت تعرف الآن بالاحتجاجات.
ويضيف إنه قبل 6نيسان/أبريل كان كل فرد في مصر يعرف المحلة على أنها مدينة القطن، أما الآن فإن المصريين يتحدثون عنها باعتبارها أم الثورة.
ويقول أبناء المحلة إن هذه المدينة المتربة التي يوجد بها أكبر مصنع للنسيج هي المكان الذي بدأت فيه حقيقة نذر الثورة ضد نظام مبارك وليس ميدان التحرير بالقاهرة كما هو معتقد.
وكانت شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة وهي مجمع مصانع يقع على مساحة واسعة تقدر بألف فدان هي التي شهدت أول احتجاجات ضد مبارك في السادس من نسان/إبريل 2008، حيث قام العمال بتمزيق لوحة تحمل صورة الرئيس السابق وداسوا على وجهه في الميدان الرئيسي للمدينة.
وكانت هذه الاحتجاجات إشارة قوية تنم عن التحدي وجاءت قبل أعوام من الاحتجاجات المماثلة التي وقعت بميدان التحرير.
وتؤكد ذلك إيمان عز الدين / 24عاما / وهي واحدة من المحتجين حيث تقول من خيمة بميدان التحرير حيث استمر الاعتصام خلال كانون أول/ديسمبر الماضي ضد الرئيس الإسلامي محمد مرسي : " إن عمال المحلة هم من قاموا بالخطوة الأولى في ثورتنا، ويمكننا القول إنهم كانوا الشعلة التي أضاءت لنا الطريق ".
وكان النشطاء السياسيون الذي يعملون من خلال المواقع الإلكترونية قد نشروا الأخبار المتعلقة بإضراب عام 2008بالمحلة قبل مظاهرات التحرير بشهور عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل النصية بالهواتف المحمولة، حيث دعوا جميع المصريين إلى الاقتداء بعمال المحلة والاحتجاج ضد ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور وتزايد معدلات خصخصة الشركات المملوكة للدولة.
وكان إضراب عمال المحلة قد استمر لعدة أيام وقتل خلال الأحداث شخصان على الأقل وتم إلقاء القبض على آلاف الأشخاص قبل أن يلبي المسؤولون مطالب العمال.
وجدير بالذكر أن حركة 6نيسان/إبريل الشبابية التي تعد إحدى القوى المحركة للثورة المصرية قد ولدت بعد أن قرر مجموعة من النشطاء تشكيل مجموعة ضغط مستلهمين الاحتجاجات التي قام بها عمال المحلة.
ويقول محمد عادل وهو أحد مؤسسي الحركة ويبلغ من العمر 25عاما " إننا كنا نرى أنه يمكننا فعل شيء ما، وتعد 6نيسان/أبريل أول ضوء للثورة ".
ويوضح الشناوي المصري الذي كان يعمل مهندسا بمصنع مصر بالمحلة إن جميع عمال الشركة تقريبا شاركوا في احتجاجات السادس من نيسان/أبريل، مؤكدا أن المحرك الذي أدار الربيع العربي بدأ تشغيله من مصنع المحلة ثم نقله الناس في وقت لاحق خارج أسوار المصنع.
ويقول المصري إن الاحتجاجات التي اندلعت داخل أسوار الشركة امتدت إلى شباب المحلة الذين أخذوا قبسا من شعلة الاحتجاجات العمالية وحملوا شعلة النار متقدمين بها إلى الأمام.
وكان هذا الاحتجاج العمالي هو الأول من نوعه الذي وطأت فيه الأقدام صورة مبارك، كما أنه مهد الطريق لاندلاع الثورة التي أنهت حكمه الذي استمر لقرابة ثلاثين عاما.
وسمعت هتافات معادية لمبارك في ميدان التحرير عندما بدأت الثورة في 25كانون ثان/يناير 2011مماثلة لتلك الهتافات التي ترددت في احتجاجات المحلة.
ويقول محمد الطوراقي أحد أبناء المحلة ويبلغ من العمر 29عاما إن الاحتجاجات انتشرت أثناء الثورة في جميع المحافظات المصرية، غير أن أقل الخسائر في الأرواح وقعت في مدينة المحلة حيث أن الشرطة تعلم سمعة المدينة التي تتسم بالقوة وبالتالي كانت أكثر ترددا في قمع المتظاهرين.ويضيف إن القوات المسلحة تدرك أنه لا يجب إغضاب أهالي المحلة.
وعندما تخلى مبارك عن الحكم في 11شباط/فبراير احتفل آلاف المحتجين بالقاهرة بهذه الخطوة ببهجة طوال الليل وحتى الصباح الباكر.
وبالعودة إلى مدينة المحلة كان المهندس الشناوي المصري يعمل في نوبة كمدير عام للورشة الميكانيكية حيث تصنع قطع الغيار اللازمة لاستمرار آلات المصنع في العمل.
وقال المصري لوكالة الأنباء الألمانية ( د.ب. أ ) إنه شعر في لحظة تخلي مبارك عن الحكم بأن مدينته لعبت دورا في سقوط الرئيس السابق.
وأضاف إنه شعر بالفخر الشديد، مشيرا إلى أن بعض الأشخاص شعروا بالبهجة بينما شعر آخرون بالصدمة ولم يستطيعوا تصديق رحيل مبارك، ومضى قائلا إنه بعد انتهاء ساعات العمل خرج العاملون مع الأصدقاء واشتروا زجاجات المياه الغازية والحلوى للاحتفال بهذه المناسبة.
ولم تكن احتجاجات المحلة عام 2008هي المرة الأولى التي يطالب فيها عمالها بحقوقهم، فهذه المدينة لها تاريخ من الإضرابات العمالية.
وأسس شركة مصر للغزل والنسيج رائد الصناعة المصرية طلعت حرب عام 1927وكان عدد عمالها وقتذاك 2000عامل، وزاد هذا العدد ليصل حاليا إلى 20ألف عامل يعملون في ثلاث نوبات على مدار اليوم لإنتاج نحو مئة مليون متر من الأقمشة القطنية سنويا.
وكان أول إضراب يقوم به عمال الشركة عام 1938حيث نجحوا في تنفيذ مطالبهم بتقليص ساعات العمل من 12ساعة في النوبة الواحدة في يوم العمل إلى ثماني ساعات.
وفي عام 1947قتل ثلاثة أشخاص أثناء احتجاج ضد فصل بعض الزملاء بسبب نزاع حول ظروف العمل.
وقد لعبت العاملات دورا حاسما في عملية الاحتجاج المهم الذي وقع في كانون أول/ديسمبر 2006بعد أن رفضت إدارة الشركة دفع حوافز للعاملين بعد أن وعدتهم بها.
ففي السابع من كانون أول/ديسمبر من ذلك العام تركت عدة آلاف من العاملات أماكن العمل لوقف الإنتاج احتجاجا على عدم صرف الحوافز المقررة، وتوجهت العاملات إلى زملائهن من الرجال لتوبيخهم بترديد هتافات مثل " أين الرجال ؟، نحن النساء ها هنا " وحينما شعر الرجال بالحرج توقفوا أيضا عن العمل وانضموا إلى الإضراب الذي جمع نحو عشرة آلاف من العاملين في ميدان الشون الرئيسي بمدينة المحلة.
ويعد مجمع مصانع النسيج بالمحلة مؤسسة مصرية وعملاق إنتاجي.
ويستخدم المجمع الكبير نحو 50ألف طن من القطن الخام سنويا وهو ما يمثل ربع إجمالي إنتاج مصر من القطن، ويزرع القطن في محافظات مثل الغربية والشرقية في دلتا النيل التي تعد إحدى أكثر مناطق العالم خصوبة في التربة الزراعية.
ويحيط بمجمع المصانع سور عال مزود بحراسة شديدة، ويعد المجمع بمثابة مدينة ذات اكتفاء ذاتي حيث يضم مدرسة ومساجد ودور للسينما واستاد لكرة القدم ومستشفى لعلاج العاملين وأسرهم.
وتحيط بالمجمع مجموعة من المقاهي حيث يجلس الرجال لتدخين الأرجيلة ذات التبغ المشبع بالروائع العطرية والمغموس في العسل الأسود أو احتساء عصير القصب المائل لونه للخضرة، وتباع في المتاجر القريبة كثير من المناشف الملونة أو ثياب العرس اللامعة من إنتاج المصنع.
وتمتلئالمدينة بالضوضاء مثل القاهرة، فتدور سيارة تحمل مكبرا للصوت في الشوارع لتعلن عن موعد تشييع جنازة شخص توفى بينما ينطلق القطار المتوجه إلى الأسكندرية مدويا فوق شريط السكك الحديدية في الوقت الذي يرجع صدى الآذان خلال الشقق السكنية الأسمنتية.
ويضم حي البرج المجاور الذي تقيم فيه الطبقة العاملة كثيرا من مصانع النسيج بالمدينة التي يبلغ عددها 470مصنعا.
وتعمل غالبية هذه المصانع من الطوابق المقامة تحت الأرض أو الطوابق الأرضية أسفل المباني السكنية.
ويعد مجمع مصانع شركة مصر الأكبر في المدينة ويضم ثمانية مصانع للغزل وعشر للنسيج ومحطة لتوليد الكهرباء الخاصة بالمصانع تعمل بالطاقة البخارية، ويقول المتحدث بإسم الشركة خالد محفوظ إن المصانع تنتج 40ألف طن من غزول القطن وثمانية ملايين متر من نسيج البوليستر ومئة مليون متر من الأقمشة الصوفية سنويا.
ويتم تصدير نحو نصف إنتاج المصانع إلى 70دولة خاصة أوروبا والولايات المتحدة حيث تعد العلامة التجارية " قطن مصري مئة في المئة " دافعا أساسيا للشراء في المتاجر متعددة الأقسام.
ويشعر عمال مصانع المحلة بالزهو حيال سمعة مدينتهم في إنتاج الغزل عالي الجودة كما يشعرون بالفخر أيضا بتراث المدينة الاحتجاجي.
غير أنهم يشعرون بالولاء الشديد لشركتهم ويقولون إن من أسباب لجوئهم إلى الإضراب هو رغبتهم في زيادة أرباحها.
ويقول المهندس المصري الذي عمل في الشركة لمدة 32عاما ويبلغ من العمر الآن 61عاما إن كل أعمال الاحتجاجات كانت دائما تجرى من أجل الشركة ومن أجل تحسين حياة العاملين وزيادة الإنتاج.
ومرة أخرى عاد أبناء المحلة إلى ريادة الاحتجاجات حيث أن الثورة ضد مبارك أفسحت الطريق إلى اندلاع مظاهرات ضد من خلفه في منصب الرئاسة.
وأعلن آلاف المحتجين وعمال المصانع الحكم الذاتي لمدينة المحلة في كانون أول/ديسمبر الماضي قائلين إنهم لا يريدون أن تحكم جماعة الإخوان المسلمون التي ينتمي إليها الرئيس مرسي مدينتهم.
وانتشرت بسرعة أنباء هذا الإعلان الرمزي وذاعت معها نكات في موقع فيس بوك الإلكتروني ومن بينها أن رسوم الاتصالات الهاتفية المحلية مع مدينة المحلة من داخل مصر سترتفع نظرا لأنها أصبحت مكالمات دولية.
وكانت هذه أحدث عملية احتجاج نابضة بالحيوية في مدينة اشتهرت منذ زمن طويل بمنتجاتها القطنية وأصبحت تشتهر الآن بفاعلية وثبات عملياتها الاحتجاجية.
ويقول عادل من حركة 6نيسان/أبريل إن المصريين يعرفون المحلة من الملابس التي تنتجها حيث أن أفضل أنواع الثياب تصنع في هذه المدينة، ولكن المحلة أصبحت تعرف الآن بالاحتجاجات.
ويضيف إنه قبل 6نيسان/أبريل كان كل فرد في مصر يعرف المحلة على أنها مدينة القطن، أما الآن فإن المصريين يتحدثون عنها باعتبارها أم الثورة.