نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي


تصفية عيد للمسلسلات .."الحارة" تستغيث وبغداد تصرخ في "هدوء"و" الحسم"غارق في النكسة




تونس - صوفية الهمامي - مضى رمضان وأخذ مسلسلاته معه لكن ذكرى بعضها ستظل في الذهن خصوصا وان معظمها يركز على التاريخ السياسي القريب من الاستعمار الفرنسي لسورية ولبنان الذي طالت معالجاته على عدة اجزاء في "باب الحارة " الى نكسة حزيران التي ناقشها وغرق فيها باستفاضة " رجال الحسم " وصولا الى الحرب العراقية التي عولجت بأمتياز في "هدوء نسبي " و هنا قراءة سريعة - بمثابة تصفية عيد - لهذه المسلسلات المسيسة التي سيكون لها بالتأكيد ما يليها مع ان بعضها صار مملا ومكررا وهذه امور - كما يبدو - لا تستهجنها الدراما العربية الرمضانية التي تعتمد على جوع المشاهد ليطول صبره على متابعتها


مشهد من مسلسل باب الحارة
مشهد من مسلسل باب الحارة
عنوان رمضان الماضي الأساسي، أطباق شهية من الأكل ومن المسلسلات، كل الفضائيات تتسابق لبث ما أنتجته الماكنة المصرية والسورية وإلى حدّ ما الخليجية، سواء كان حصريا أو خلافه.
إعتاد الصائم العربي ومنذ سنين أن يتابع بطولاته التاريخية وعنترياته، من خلال المسلسلات الرمضانية الممتعة، وهي فرصته السنوية ليمتلأ بذاته كيفما يشاء دون الإلتزام طبعا بشرط تحمل مسؤولية ما آلت إليه أوضاع أمته.
أيضا إعتاد الصائم ممتلىء الذات والبطن، أن يرفه عن حاله بالفوازير والأغاني والكاميرا الخفية وما شابه ليهضم ما أكله من مائدة عادة لا تخلو من صنف.
منذ سنوات غير بعيدة وغير قريبة أيضا، أدركت المسلسلات العربية حالها وبدأت تغير لونها ولم تعد تجامل الصائم، طلعت علينا من الحفر والدهاليز والمخابئ والمستنقعات واختفى البهرج والماكياج والفيلات، واختفت تلك الدجاجة المصرية أو الفرخة المتربعة باستفزاز دائما فوق طاولات الأكل.
صانعوا هذا اللون من المسلسلات غمسوا أيديهم في رغيف الفلسطينيين والعراقيين لينقلوا معاناتهم مع الحروب والقهر والاحتلال، وما يأكلون وما يشربون وكيف يحلمون، ولماذا يحلمون، وكيف يعانون حزنهم وكيف يصنعون فرحهم ووعيهم.
صناع المسلسلات ثبّتوا كاميراتهم في أحداق العيون حيث تكمن المأساة والمحن وأثار الزمن والتحولات النفسية، باختصار جعلوها مسلسلات التذكر والتذكير ومراجعة الذات وفنا لحفظ ذاكرة الأمّة...
هدوء نسبي
تابعنا في مسلسل "هدود نسبي" صرخة بغداد في وجوه الصائمين العرب الذين نسوها أو تناسوها لحين، فلا ضير من تذكيرهم بها وأخذهم من مائدة الطعام إلى مائدة التفكير .
فوق صفحة نهر الفرات تنطلق الأحداث، من الماء تنبعث ألسنة النار ولهيب الحب و روائح الموت الرائع، من نهر هادىء لا موج فيه قرأنا الترقب والخوف والحلم، وخفقان القلوب والفوضى والتخريب والتدمير والكوابيس والأحلام والشكوك والحيلة والصبر وجيوش العواطف الحارّة وكتائب أحزاب المعارضة في شكلها الليبرالي المتوحش، وفيالق العساكر مفتولة الأسلحة إلتي لم نشارك في صنعها.
استمعنا لأنين الأجساد الحزينة بأصواتها المرحة، وللأمهات الثكالى وهلوسات العلماء الكبار، ولوقع أحذية الجنرلات فوق بلاط المرمر الموشح بأجنحة الخطاف المختنق في سماء بغداد، ولأصوات المراسلين الصحفيين المنهكين الملتحمين المحبين المحبطين المتعبين الفرحين الحزانى. فوق النهر تطفو الجثث تكتب بالحبر السرّي فوق الماء حكايتها، وتلون قوس قزح في السماء بلون الماء.
فوق سطح نهر دجلة، يصّاعد بخار الموت الجليل، ورائحة البارود وتراب الخيانة يملأ السماء غبارا أسودا، على ضفاف النهر نفايات المتاحف المدمرة والمسارح والأسواق والمدارس، وضفائر شعور النساء التي كانت تطوق كعب السيقان، وفساتين بيضاء حمراء لأعراس لم تكتمل، وبقايا سجلات الخيانة يفتحها جرذ مديد القامة للضابط العسكري.
فوق سطح الماء رسمت صورة لبغداد تعلوها مأذنة يصيح فيها البوم ويؤذن فيها الغراب : "أيتها الشعوب العربية الصائمة حتى التخمة ألم تصابوا بعسر الهضم بعد، لتنهمر دموعكم مدرارة ما دمتم في زمن الدّموع،إشربوا من أسطل الدموع المسروقة من مياه نهري دجلة والفرات وما أعزها من دموع.
الدموع سالت من الأقلام الجريئة فقط، الحرةّ التي رفضت التستّر على الجرائم، نقلت لكم كيف تم تلقيح النفط العراقي في مخبر إفريقي ليلد نفطا أمريكيا إسمه الثور المجنح.
إستسمحوا الإمام علي عليه السلام و"تكربلوا" وانتحبوا علّ في تنحيبكم أملا، نوحوا وإبكوا حتى تمطر الغيوم في طريق النجف، وحين تبتل وجوهكم الطرية استعينوا بمناديل صبايا المغرب.. وإن خانتكم دموعكم فلتذرفها نائحة أندونيسية أو فنزويلية بلا مقابل، أفضل من بكاء خائف ناتج عن أزمات ضمير... آه وأواه ، يا ليتكم تغتسلوا في مياه العراق".
* باب الحارة...
فلسطين قوس أساسي في حياتنا، خارطة فلسطين طرقات لخطوات تربط بين الرئة والقلب، أجساد العرب منقوعة في مأساة فلسطين، ولأن غزة جرح صغير في الجسم الفلسطيني الموجوع، رأينا في باب الحارة صورة مصغرة لمعاناة غزة ومحاصرة أهلها وجوعهم، رأينا الأزقة المغسولة بالأوجاع، وحركة الدماء الفائرة في الشرايين وخفقان القلوب، وكيف يكون الموت مرادفا للحياة.
كانت غزّة أو حارة الضبع تستغيث أمام العرب ولم ينجدها رجال السياسة بل البسطاء من الناس، الذين أوصلوا الخبز والدواء عبر الأنفاق فيما وقفت الجيوش العربية الموالية للاستعمار تحاصر المعابر وتمنع الدخول والخروج، باب الحارة رسالة حارّة المعاني من أهل غزة إلى إخوانهم من جميع الفصائل، وصيغة للقول بأن الشعوب قادرة على الفعل حين تصبح رجل واحد، مسيحيين ومسلمين شيعة وسنة، يسار ويمين. شعب واحد يدافع على أرض واحدة ويواجه عدو واحد، وأن الثورة إبرة في عين الاحتلال والطريق الوحيد للحرية.
* رجال الحسم ...
منذ 1967 خلقت أجيال جديدة كان لزاما تذكريها بنكسة العرب وزرع الوعي والسؤال،آثار الفجيعة مازالت مرة في حلق من عاشها وعايشها وحكاها وحكي له عنها، لم يكن سهلا أن يقرع رجال الحسم أبوابا مشغولة بنزق الحياة لتذكريها بالنكسة العربية وبقطعة أرض خصيبة سليبة، لكن الرجال نجحوا في كشف جهاز يسقط من تلقاء نفسه لأن بيته قش وزجاجه هشّ ونسائه على الرش.
بطل ملتهب المشاعر عاش طفولة واعية جدّا فإختار نداء الوطن، فتحول مسلسل "رجال الحسم" إلى قصيدة شعرية، غنتها فيروز قبل أن يولد هذا الممثل الشاب على أرض الجولان المحتل...
"يا غريب الديار، نسيم الجنوب ظل فيك المزار، بات الهبوب أنت من بلادنا يا نسيم، يا عبيرا يقطع المدى حاملا هموم أرض يهيم أهلها في الأرض شردا..
نحن من الأرض الخصيبة نحن من الدّار السليبة، يا ترى بعد ليال نجيئها تلك الحبيبة، في البال تحيا دروبها السمر، سطوحها الحمر، في البال زهر التلال في البال".
وعليه ... ستظلّ الكتابة دائما شاهدة على الكتابة، وبهذا المعنى فإن المسلسلات ستحمل تاريخ الأمم فوق صبر الجمال.


صوفية الهمامي
الاثنين 21 سبتمبر 2009