نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر


حرية الإعلام أكبر مكاسب "ثورة الياسمين " ورحيل بن علي أنعش الصحافة التونسية




تونس - منير السويسي - تخلّص الإعلام التونسي من الأغلال والقيود التي كبّلته 23 عاما بعد الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي هرب إلى السعودية يوم 14 كانون ثان/ يناير الماضي.


حرية الإعلام أكبر مكاسب "ثورة الياسمين " ورحيل بن علي أنعش الصحافة التونسية
منظّمة "مراسلون بلا حدود" الفرنسيّة التي تعنى بحرية التعبير صنّفت منذ سنوات الرئيس المخلوع ضمن القائمة السّوداء لرؤساء الدول "أعداء" و"صيّادي" حريّة التّعبير والصحافة (وحريّة) الإبحار على شبكة الانترنت.

وكان الرئيس المخلوع قال في آخر خطاب توجّه به إلى الشعب التونسي يوم 13 كانون ثان/ يناير الماضي أي قبل يوم واحد من الإطاحة به:"قرّرت الحريّة الكاملة للإعلام بكل وسائله وعدم غلق مواقع الانترنت ورفض أي شكل من أشكال الرّقابة عليها مع الحرص على احترام أخلاقياتنا ومبادئ المهنة الإعلاميّة".

لكنّ التونسيين الذين فقدوا الثّقة في بن علي ونظامه وسئموا وعوده "الكاذبة" خاصة في مجال الحريات لم يعطوا رئيسهم فرصة "أخيرة" لينفّذ ما تعهّد به هذه المرّة فأطاحوا به يوم 14 كانون ثان/ يناير في أعقاب انتفاضة شعبية باتت تعرف باسم "ثورة الياسمين" التي هبت معها رياح الحريّة على إعلام وصحافة تونس.

انقلب الإعلام الرّسمي (وخاصة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء) رأسا على عقب بعد الإطاحة ببن علي الذي جنّد طوال فترة حكمه وسائل الإعلام للدعاية لنظامه وتمجيد نفسه وزوجته ليلى الطرابلسي والمقربين من دائرة الحكم.

القناة التّلفزيونية الأولى التي كان اسمها "تونس 7" (ورقم سبعة أكثر الأرقام استعمالا في عهد بن علي الذي وصل إلى الحكم يوم 7 تشرين ثان/نوفمبر 1987) غيّرت اسمها إلى "التلفزة التونسية الوطنية" وغيرت معها توجهها الإعلامي بالكامل.

صحفيو القناة تمرّدوا على المسيّرين الذين تمّ تعيينهم في عهد بن علي- والذين برعوا طوال سنوات في وضع الخطوط الحمراء وممارسة التعتيم والرقابة على الأخبار- إذ أبعدوا الوجوه "المتورّطة" مع النظام السابق وانتخبوا مجالس تحرير لتسيير العمل بشكل "ديمقراطي" فأصبح التلفزيون يبثّ أولا بأول كل ما يجري في البلد وينقل جميع الآراء دون استثناء.

أما "وكالة تونس إفريقيا للأنباء" (وكالة الأنباء الرسميّة) التي كانت في عهد بن علي حنفيّة للغة الخشبية وبوق دعاية لبن علي وزوجته وللحزب الحاكم والتنظيمات والشخصيات المقربة من دائرة الحكم، فقد تحوّلت إلى مصدر شبه رئيسي للمعلومات التي ينقلها مراسلو وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الدولية بعد أن أصبحت المادة التي تبثها تتوفر على المعايير العالمية للمهنية والحرفية.

رياح الحرية هبّت أيضا على الإعلام الخاص (الإذاعات والتلفزيون والصحف الورقية والالكترونية) الذي تخلّص من القائمة الطويلة للمحظورات والخطوط الحمراء التي كبلته في عهد بن علي.

نفس الوضع ينطبق على وسائل إعلام خاصة مملوكة لمقربين من بن علي مثل إذاعة "موزاييك إف إم" التي أسسها بلحسن الطرابلسي (شقيق زوجة الرئيس المخلوع) الذي هرب إلى كندا و"شمس إف إم" المملوكة لسيرين بن علي (ابنة الرئيس بن علي) وجريدة "الصّباح"المملوكة لصخر الماطري صهر بن علي (زوج ابنته).

رفعت السّلطات منذ ليلة 13 كانون ثان/ يناير الحظر على كل المواقع الالكترونية المحجوبة في عهد بن علي وخاصة تلك التي تبث من خارج البلاد مثل موقع "تونس نيوز" الذي يعتبره مراقبون أبرز منبر لأصوات معارضي ومنتقدي الرّئيس المخلوع، والموقع الرّسمي لـ"حركة النهضة" الإسلامية المحظورة (في عهد بن علي وتم الاعتراف بها بعد الإطاحة به) التي اتّهمتها السلطات بمحاولة قلب نظام الحكم بالقوّة مطلع التسعينيات.

كما رفعت الحجب عن مواقع اجتماعية شهيرة مثل موقع "ديليموشن" و"يوتيوب" المغلقة بسبب بثها مقاطع فيديو ساخرة أو شديدة الانتقاد للرئيس التونسي وعائلته وزوجته ليلى الطرابلسي وعائلتها، وعن الموقع الالكتروني لقناة الجزيرة الفضائية القطريّة التي وصفها مسئولون تونسيون خلال الأيام الأخيرة بـ"المعادية" بسبب تغطيتها "المغرضة" لثورة تونس.

وأعلنت كتابة الدولة لتكنولوجيات الاتصال في بلاغ أصدرته يوم 22 كانون ثان/ يناير أن "كافة المواقع الالكترونية على شبكة الانترنت مفتوحة ماعدا المواقع المنافية للأخلاق أو ذات المحتوى العنيف أو التي تحرّض على الكراهية".

وقد احتفل مستعملو شبكة "فيسبوك" الاجتماعية التي لعبت دورا هاما في الإطاحة بالرئيس المخلوع برفع الحظر عن الانترنت و"ترحّموا" على روح "عمّار 404" وهي العبارة التي يرمز بها مستعملو الانترنت في تونس إلى جهاز الرقابة الحكومي على شبكة الانترنت.

منظمة "مراسلون بلا حدود" أصدرت بمناسبة "اليوم العالمي لمكافحة الرقابة" الموافق ليوم 12 أذار /مارس الجاري تقريرا حول "حرية الإعلام على الإنترنت" سحبت فيه تونس من لائحة أعداء الإنترنت لكنها أبقت البلاد "تحت المراقبة".

وفي سياق آخر رفعت الحكومة التونسية المؤقتة الحظر الذي فرضه النظام السابق على نشر الكتب وتوريدها وخاصة تلك السياسية الناقدة لنظام زين العابدين بن علي.

وأصبح كتاب "حاكمة قرطاج" الذي ألّفه الصحفيان الفرنسيان "نيكولا بو" و"كاترين جراسيه" وفضحا فيه فساد ليلى الطرابلسي (زوجة الرئيس المخلوع) من أكثر الكتب مبيعا في تونس.

أظهر سبر لأراء عدد من المواطنين أجراه التلفزيون العمومي التونسي مؤخّرا أن التونسيين تصالحوا مع وسائل إعلامهم وخاصة التلفزيون. وحذّر مواطنون خلال برنامج بثه التلفزيون من العودة إلى سياسة "المقصّ" (التعتيم).

وقال فتحي (صاحب كشك لبيع الجرائد والمجلات في منطقة المنار) لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إنّ مبيعات الجرائد لديه حققت أرقاما قياسيا منذ الإطاحة ببن علي ورفع السلطات الحظر المفروض على دخول صحف أجنبية "عريقة" مثل "لوموند" و"كوريي أنترناسيونال" الفرنسيتين.

وأضاف أن الناس أصبحوا يقبلون على شراء الصحف بـ"نهم" لمتابعة ما يجري في البلاد بعد أن صارت الجرائد "تكتب كل شيء".

وأظهر موقع "ألكسا" الأمريكي المتخصص في قياس شعبيّة المواقع الإلكترونية أن الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء التونسية احتل المرتبة 16 من أصل 100 موقع هي الأكثر تصفّحا في تونس (بتاريخ 14 أذار مارس الجاري).

الصحفي يوسف الوسلاتي حذّر مؤخرا في مداخلة عبر التلفزيون الرسمي من "أشخاص كانوا يأتمرون بأوامر عبد الوهاب عبد الله" ويطبّقون سياسته في عديد المؤسسات الإعلامية، تحوّلوا اليوم إلى دعاة لحرية التعبير والصحافة.
ويعتبر عبد الوهاب عبد الله الذي يوصف بأنه "مركّع" الإعلام التونسي مهندس المشهد الإعلامي في عهد بن علي.

وأودع القضاء التونسي عبد الوهاب عبد الله السجن يوم 12 آذار /مارس الجاري من أجل تهم تتعلق بالفساد المالي نفاها المتهم بشدة وأقر في المقابل بسيطرته على الإعلام التونسي طيلة 23 عاما من حكم بن علي.

ولاحظ مراقبون أن وسائل إعلام خاصة مثل جريدة "الحدث" الأسبوعية التي يعتبرون أنها كانت في عهد بن علي متخصصة في ثلب خصوم النظام والدفاع عن خياراته غيرت خطها التحريري بالكامل لتهاجم الحزب الحاكم ورموز الفساد في عهد بن علي.

بوبكر الصغير مالك مجلّة "الملاحظ" التي تعتبر من أبواق الدعاية لنظام بن علي هاجم في تصريحات أدلى بها لقناة العربية الفضائية مباشرة بعد سقوط بن علي واتهمه بـ"مغالطة" الشعب و"خداعه' طوال سنوات.

بشير الصغاري الصحفي بالإذاعة التونسية قال لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إنه "يتعيّن كنس كل رموز العهد البائد من الصحافيين المتملقين والمنافقين وإبعادهم عن الحياة الإعلامية نهائيا لأن الحفاظ على الحرية يستوجب أصواتا وأقلاما جديدة صادقة ومخلصة ولا تقلب المعطف (لا تغير مواقفها) بسرعة مع كل ريح معاكسة".

خالد الحداد الصحافي بجريدة الشروق قال لـ(د.ب.أ) إن "الإعلام كان مقيدا ومضغوطا عليه عبر آليات متعددة تصل حد التهديد مما افقده المصداقية ومنعه من خدمة الشعب".

ولاحظ أن "حرية الإعلام هي أكبر مكسب" تحقق بعد الإطاحة ببن علي وشدّد على ضرورة أن يبقى "الإعلام الحارس الحقيقي للثورة" وأن "يكشف عن أي انحراف في تجسيد تطلعات الجماهير" التي صنعت الثورة.

منير السويسي
الجمعة 18 مارس 2011