نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


لماذا انسحبنا من الائتلاف؟




أكثر من العبارة البسيطة الواردة كعنوان لهذا المقال.


ورغم حساسية الموضوع، فلا حاجة في الحقيقة لتعقيد السؤال، كما أن الجواب ليس معقداً إلى درجةٍ يظنها البعض.


 

 لا يمكن اختصار التساؤلات التي يطرحها بعض السوريين ب
من السهل طبعاً أن يسيء البعض من ذوي النيات الحسنة فهم موضوع الانسحاب من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بعد أن كنا من الأطراف الرئيسة التي شاركت في تشكيله.

ومن المغري لأصحاب النوايا السيئة أن يكيلوا الاتهامات نحونا وأن ينعتونا بأوصاف لا تليق بأن تكون من مفردات عاملين لخدمة الثورة السورية، ولا نرضى لأنفسنا الدخول في ذكرها فضلاً عن الرد عليها بنفس الطريقة.

بل إننا، أكثرَ من ذلك، نتفهم الظروف التي تفتح المجال لسوء الفهم أو للاستجابة لإغراء الشتائم والاتهامات. فالثورة السورية تمر بمرحلةٍ حساسة جداً تداخلت فيها تعقيدات الوضع الداخلي بحسابات الدول إقليميا وعالمياً. وإذا أضفنا إلى هذا كل القصص والأخبار والتجارب التي لازمت العمل السياسي الثوري المعارض على مدى أكثر من عامين، يمكن القول إن اختلاط الحقائق بالأوهام والأكاذيب، والفوضى العارمة الفكرية والسياسية، أصبحا بشكلٍ عام وللأسف سمة المعارضة السورية، تحديداً في أعين غالبية السوريين، وبشكلٍ عام لدى غالبية القوى الإقليمية والدولية.

والحقيقة أن هذا الانطباع، الصحيح في كثيرٍ من جوانبه، يشكل تحدياً كبيراً للعاملين في المسار السياسي للثورة السورية، حيث أصبح ممكناً تفسير كل موقف وكل قرار وكل ممارسة تفسيراً سلبياً بمقياسٍ من المقاييس. وصار اتخاذ المواقف المبدئية، وبناءً على حسابات دقيقة، نوعاً من الأحداث النادرة في أعين الكثيرين.

قد يعود كثيرون إلى التفسير أو التبرير القائل بأننا كسوريين خرجنا من طغيان عقودٍ مورس فيها علينا الكبتُ السياسي والفكري، بالإضافة إلى أنواع الكبت الاقتصادي والاجتماعي الكثيرة، وأن ذلك الواقع أنتج ثقافة لم تستطع استيعاب الأدوار والوظائف الكبرى المطلوبة لخدمة الثورة، بل ربما نقول لإدارتها.

ورغم قبولنا المبدئي بهذا التفسير، إلا أننا نعتقد أن تجربة ثلاث سنوات من العمل السياسي في ظل ظروف أقل ما يقال إنها صعبة لا يمكن أن تمر مرور الكرام على كل من يريد أن يتعلم، وأن الخبرة المتراكمة من ذلك العمل صارت تفرض علينا جميعاً الارتقاء إلى مستوى من التفكير والعمل في حقل السياسة يليق بالثورة السورية العظيمة، وبتضحيات السوريين.

وليس كثيراً القول بأن استخدام لغة العصر وأدواته في التحليل والرصد والتخطيط والإدارة، في ظل هذه التجربة الكثيفة، يمكن أن تسمح باختزال الزمن بشكلٍ من الأشكال، وبالوصول إلى ذلك المستوى الذي نتحدث عنه في مجال الفكر السياسي وما ينتج عنه من مواقف وقرارات.

ونحن إذ نؤكد أن هذا ما حصل معنا إلى درجة كبيرة، إلا أننا لا نملك سوى اللجوء إلى وعي الشعب السوري وإلى التاريخ في مجال الحكم على هذا الموضوع. لقد بدأنا، كفريقٍ من أعضاء الائتلاف الوطني، نقوم في الأشهر الأخيرة بجملةٍ من المراجعات العميقة والشاملة لوضع الثورة وكل ما يحيط بها من ملابسات، إن لجهة الأطراف المؤثرة فيها داخليا وخارجيا، أو لجهة مصادر القوة والضعف الحقيقية فيها، أو لطبيعة الأدوار والوظائف التي يجب أداؤها للمساهمة في خدمة الثورة بفعالية.

وقد ظهرت ضرورة هذا الموضوع مع تطورات الوضع في داخل سوريا من جهة ومع الجمود السياسي الذي أصابها خارجيا من جهة أخرى. ثم إن موقعنا في الائتلاف بعد انتخابات العام الماضي أعطانا فسحة للعمل ولتسخير الوقت والطاقات الفكرية والبحثية للتفكير في كل ما يتعلق بالثورة بشكلٍ جديد ومختلف.

وكان طبيعياً لهذا الجهد أن يصل بنا إلى رؤية متكاملة، منها ما يتعلق بوضع الائتلاف في تركيبته الحالية من حيث ما يستطيع وما لا يستطيع القيام به، ومنها ما يتعلق بالاستحقاقات القادمة وسيناريوهات التعامل معها، وفي مقدمتها مؤتمر جنيف2، ومنها ما يتعلق بتصاعد وبلورة القوى الثورية داخل سوريا، سواء على صعيد تطورها العسكري والسياسي، أو على صعيد وضوح الفرز بين صفوفها في مجال الولاء للثورة وأهدافها وأهلها السوريين.

وبشكلٍ طبيعي، قادتنا الرؤية المذكورة إلى إدراك مجموعة حقائق، منها أن الائتلاف بتركيبته الحالية لم يعد قادراً على القيام بدوره المطلوب. فعملية صناعة القرار داخليا عشوائية ومحصورة في أفراد معدودين حتى فيما يتعلق بقضايا حساسة سياسية وعسكرية ومالية، إذ لم تكن هناك أي مشاورات فيما يتعلق بالاجتماع مع هيئة التنسيق لتشكيل ما يُسمي بموقف موحد للمعارضة، ولا في قرار رئيس الائتلاف بزيارة موسكو، ولا في طريقة إنفاق الأموال المرصودة للائتلاف، ولا في غيرها من القرارات.

أما الخلافات الداخلية، حتى في أوساط التيار الواحد الذي يقود الائتلاف، فقد باتت تشل قدرة الائتلاف على العمل الفعال في أي مجالات من المجالات، بل إن الائتلاف عجز عن تحقيق تقدم حتى في المجال الإغاثي الذي يفترض فيه أن يكون بعيدا عن التسييس، رغم أن الشعب السوري شهد في الأشهر الماضية ما يمكن القول بأنه أقسى مرحلة من مراحل الثورة على مختلف المستويات.

ثم جاء تشكيل الحكومة المؤقتة ليكون نموذجاً على افتقاد عقلية رجال الدولة إن في تشكيلها أو في وضع برنامجها، بل بدا وكأن قيادة الائتلاف تتقصد إفشالها وعدم مساعدتها على أداء دورها مع الإهمال الكبير الذي أحاط بظروف تشكيلها.

أما الطامة الكبرى فتتمثل ليس فقط في عدم قدرة الائتلاف على إيجاد لغة مشتركة مع القوى الثورية في الداخل للتواصل معها بشكل جدي يؤمّن لها حق التمثيل والمشاركة، بل في افتقاد الإرادة لحصول مثل ذلك التواصل أصلاً. لهذا، كان طبيعيا ألا يتمكن رئيس الحكومة المؤقتة المفترض أن تعمل في الداخل السوري من مجرد الاقتراب من الحدود السورية، وصارت الحكومة ومعها الائتلاف جسماً منفصلاً تماماً عن الداخل السوري أكثر مما كانا عليه في أي وقت سابق.

ومع اقتراب الموعد الذي وضعه المجتمع الدولي لمؤتمر جنيف2، بقيت قيادة الائتلاف عاجزةً عن التحضير الجدي المحترف له في حال انعقاده، واكتفت بإرسال بعض الأعضاء إلى دورات تقيمها بعض الدول الأوربية هنا وهناك. وفي حين أن المعركة الدبلوماسية قد تكون أكثر شراسة من المعركة العسكرية، فقد تم التعامل مع التحضيرات اللازمة لها باستخفاف، وأصبح من الخطير جدا أن تقوم القيادة بالاستفراد بقرار مفاجئ بالحضور في ظل افتقاد أي جاهزية لمثل هذه الخطوة الخطيرة.

بناءً على هذه الرؤية، عملت المجموعة المذكورة على إيجاد قنوات اتصال مع الداخل، في محاولة لفهم متطلباته وإشعاره صدقا بأنه شريك رئيس في صناعة القرار وإقناعه بضرورة التكامل المدروس بين ما هو سياسي وما هو عسكري، مع حوارات لمعرفة أكبر من السياسيين في الخارج لظروف الداخل وخصوصياته، ومن القوى الثورية في الداخل لظروف العالم الخارجي وتعقيداته.

ومع اتضاح الرؤية الكلية بشكلٍ أكبر، حاولنا وضع القيادة في صورة المأزق الذي يسير الائتلاف نحوه، وإقناعها بضرورة إجراء تغييرات جذرية في الهياكل وطرق التفكير وصناعة القرار لتصحيح الأوضاع، بحيث تستجيب للمتغيرات والظروف الجديدة، لكن الكلام ذهب أدراج الرياح كما يقولون.

ثم إننا لا ننكر محاولتنا لتصحيح الأوضاع عبر عمليات الانتخاب الأخيرة، لكن إجراءها في ظروف غير طبيعية ضيع تلك الفرصة الأخيرة.

هكذا، وجدنا أنفسنا كفريق مضطرين في النهاية إلى الانسحاب رفضاً للاستمرار في القبول بتلك الممارسات، ولعدم رضانا بمجرد عضوية فخرية سلبية لا نستطيع من خلالها القيام بواجبنا الأخلاقي والسياسي لا كأفراد ولا كمجموعة سياسية.

ونحن إذ نشعر بالأسف لركوب هذا المركب، إلا أننا نعتقد جازمين بأن هذا القرار ربما يكون قد حمى الثورة بأسرها من مضاعفات وسيناريوهات أخرى. فالانحياز الواضح والحقيقي إلى القوى الفاعلة على الأرض، بعيداً عن المناورات والتكتيكات السياسية، هو الذي يعطيها الثقة بالعاملين في المسار السياسي والطمأنينة تجاه حركتهم وقراراتهم، وهو الذي يضمن في رأينا مصلحة ثورة لم يبخل أهلها بالتضحيات، وليس كثيرا عليهم الانحياز لهم والتأكيد على ضرورة كونهم شريكا أساسيا في كل ما يحدد مصيرها وفي جميع المسارات.

لكل هذا كان الانسحاب من الائتلاف، ولئن كان هذا اجتهاداً بشرياً فإننا نشعر بالراحة على أنه لم يأت انفعاليا وبطريقة ردود الأفعال، وإنما كان مبنيا على دراسة وحسابات نرجو أن تظهر مصداقيتها ونتائجها العملية الإيجابية لدى السوريين من جميع الشرائح والأطياف.

 

مصطفى صباغ
الاربعاء 15 يناير 2014