نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


مع هيكل عن «طلاسم الــ 67»: الجميع في المصيدة




قراءة هيكل السيكولوجية (برنامج «مع هيكل» على قناة الجزيرة في 12 و19 آذار)، لشخصية الملك حسين تستند إلى معرفة طويلة ومباشرة وحميمة بينهما، امتدت في ما لا يحصى من اللقاءات، منذ أواخر الأربعينيات إلى ما قبل رحيل الملك بقليل. كما تستند إلى خبرات هيكل السياسية مع الرجل، وما اطّلع عليه من وثائق حوله. وبالنتيجة، فإنّ الخلاصة التي يمكن استنتاجها من حشد التفاصيل والأسرار والوثائق التي يقدمها هيكل، معروفة مسبقاً بالنسبة للنخبة الأردنية، بل بالنسبة للحكمة الشعبية: كان الملك لاعباً براغماتياً لم يفوّت فرصة واحدة لإقامة علاقات دعم وحماية لبلد فقير ــــ أراد أن يُبنى ويتقدم ــــ ولكيان مهدّد وعرش هو فعلاً في «مصيدة التاريخ».


وكان الملك حسين ذا نزعات متناقضة، منها مثلاً افتتانه بالغرب، وفي الوقت نفسه بنمط الحياة الشعبية الأردنية، ومأكولاتها وأساليبها الاجتماعية وطرقها التعبيرية واهتماماتها وأغانيها... ومنها أيضاً الجمع بين تلك النزعة الدبلوماسية البراغماتية بلا حدود، وبين هوس الحصول على الشعبية وصورة البطل. تنقص هيكل تفاصيل كثيرة عن الملك حسين تضيء شخصية قاسية ومتسامحة وودودة في آن. لقد كان هو شخصياً وراء سجن المعارض الأردني الشهير ليث شبيلات. لكنه هو أيضاً الذي ذهب إلى السجن وأطلق سراحه، وساق به، من دون مرافقين، 70 كيلومتراً إلى منزل والدة شبيلات. وهذا مثال فقط على نمط التعامل مع المعارضين وحتى الانقلابيين. لم يكن الملك يريد عداوات دائمة مع أحد داخل البلد أو خارجه. ولذلك، كان يقفز من الأقصى إلى الأقصى، كحاكم عربي قديم مطبوع بالقلق وبالقيم التقليدية.
في عام 1990 ــــ 1991، وصلت شعبية الملك في الأردن إلى الذروة، بسبب وقوفه إلى جانب العراق ضد الخليج كله. وأطال لحيته، واستعاد ذكرى كونه شريفاً هاشمياً في إشارة ضمنية إلى مطالبته بالحجاز. هل كان قد رتّب عدم تعرّضه للأذى مع الأميركيين؟ ربما. ولكنه ذهب إلى أبعد مدى ممكن في التعبير عن عدائه المكنون واستعلائه المخبوء على حكّام الخليج، حكّام «مدن الملح»، كما كان يسميهم في خطبه آنذاك، مستعيراً عنوان رواية هجائية للسعودية للكاتب الراحل عبد الرحمن منيف. في تلك الفترة، بذل الديوان الملكي الأردني جهوداً جدية لاستقطاب قصيدة في مدح الملك من قلم شاعر العرب الأكبر، محمد مهدي الجواهري. وقد تحولت زيارة الجواهري إلى عمان، وقصيدته في الملك حسين، إلى احتفال وطني.
في عام 1996، كان من بين وزراء حكومة عبد الكريم الكباريتي، وزير شيوعي هو مصطفى شنيكات. وفي اجتماع مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ضم الملك ووزراءه، سخر عرفات من شنيكات بالقول «الله، هوّا لسه فيه شيوعيين؟». حينها تجهّم الملك، وأعطى لعرفات محاضرة عن مكانة الحزب الشيوعي، بل قال «أنا نفسي كنت في شبابي أحب لو أكون شيوعياً». اصطاد الملك عصفورين معاً: سخّف خصمه اللدود ودافع عن وزيره وعن حزب أردني!
وأكتفي بهذه اللمحات، وأضيفها إلى جردة التحليل النفسي الذي أنجزه هيكل، لعلها تستكمل الصورة. وسنصل بالتالي إلى شخصية مركّبة يسهم فهمها في إضاءة «طلاسم حزيران 67».
رواية هيكل هي كالتالي: أَبلغ الملك حسين، الذي كان على صلات بالأميركيين ويلتقي مسؤولين إسرائيليين، القاهرة، بصورة مستعجلة قبل أسابيع من حرب حزيران، أن هناك فخاً منصوباً لتوريط مصر في حرب خاسرة، ووضع ضيفه عبد المنعم رياض في تفاصيل المؤامرة على مصر، وتمنى على الرئيس جمال عبد الناصر أن يكون حذراً، ويتجنّب التصعيد.
وكان رياض مقتنعاً بصحة التحذير، وكتب وقائع لقائه مع الملك في تقرير أهمله ــــ كما يقول هيكل ــــ المشير عبد الحكيم عامر، ولم يطلع عليه ناصر نفسه، لأسباب بيروقراطية، إلا في وقت متأخر. إلا أن هيكل لا يتوقف، هنا، لكي يقول كلمة نقد إزاء هذا الاستخفاف بتقرير أمني بهذا المستوى من القيادة المصرية المتجهة إلى حرب مفصلية.
كان عبد الناصر واقعاً تحت تأثير الضغط الشعبي الديماغوجي وصرخات المتطرفين المدعومة سعودياً (!) للقيام بتصعيد ضد إسرائيل، كانت هي التي تسعى إليه كذريعة للعدوان. وقد وقع ناصر، الحريص كما الملك حسين على شعبيته، في الفخ، وطلب من القوات الدولية في سيناء المغادرة، وأقفل الطريق البحري أمام السفن الإسرائيلية المتجهة إلى إيلات، وأطلق موجة إعلامية صاخبة للتمهيد للحرب المقبلة، من دون استعداد لها كما ظهر لاحقاً.
في تلك الأجواء، انضم الشارع الأردني، المتأثر بالناصرية بعمق، إلى الحملة السياسية ــــ الإعلامية الداعية للحرب. وتحت هذا الضغط الداخلي والعربي، لم يجد الملك حسين بدّاً من أن يبتلع تحذيراته ومعلوماته ويسير بنفسه نحو الفخ المنصوب من تلاق عجيب بين إسرائيل والسعودية، والمتطرفين الذين كانوا يحكمون دمشق ويسيطرون على الشارع العربي ذي الثقافة السياسية الديموغوجية.
سار الملك إلى الفخ واعياً، مطمئناً جزئياً إلى وعد أميركي بالحفاظ على وحدة أراضي المملكة. لكنه كان، في النهاية، مثلما قال هو نفسه مخيّراً بين خسارة نصف المملكة أو خسارة المملكة كلها، أي سقوط نظامه في حال أنه لم يشارك في الحرب الخاسرة.
استفاد الإسرائيليون من وقوع الملك حسين في الفخ، لتنفيذ خطة عزيزة على قلوبهم، وهي احتلال القدس والضفة الغربية، بل السعي إلى تدمير الجيش الأردني بالكامل، وخلق الظروف المؤاتية لإسقاط الكيان الأردني كله، من أجل تصفية القضية الفلسطينية على أرضه. قاومت القوات المسلحة الأردنية الغزاة باستماتة. وبالمقارنة مع الجبهتين المصرية والسورية، سيظهر بوضوح أن الجيش الأردني أخذ الحرب على محمل الجد، وأوقع بالإسرائيليين، رغم ضعف إمكاناته، نصف الخسائر التي تكبدوها في حرب 67. خسرت إسرائيل 983 قتيلاً، سقط منهم 553 على الجبهة الأردنية، فيما سقط 430 منهم على الجبهتين المصرية والسورية معاً. وتوزّع الجرحى الإسرائيليون (4517 جريحاً) كالآتي: 2442 على الجبهة الأردنية، و2075 جريحاً على الجبهتين الأخريين.
وقع الملك حسين، مثل الرئيس عبد الناصر، في الفخ نفسه، وسلكا، بغض النظر عن شخصية كل منهما وسيكولوجيته وارتباطاته ونهجه السياسي، المسلك نفسه. كانا حاكمين فرديين يتوسلان البقاء في السلطة والحصول على الشعبية وصورة البطل، بأي ثمن، حتى لو كان التورّط في حرب خاسرة مدمرة لها تأثير كارثي على التطور السياسي اللاحق للبلدين. فهل كانت الأحداث ستجري في المسار نفسه لو كان البلدان يتمتعان بنظام ديموقراطي مؤسسي، تُتَخذ فيه قرارات الحرب والسلم بصورة مهنية وجماعية؟
في الأردن، كان وصفي التل معارضاً بشدة للتورط في حرب معروف مسبقاً أنها خاسرة، ولكنه فشل في إقناع الملك برأيه، بينما كان القائد العسكري الاستراتيجي المصري، عبد المنعم رياض، عاجزاً حتى عن مناقشة مخاوفه مع رئيسه!
هكذا، فالمصيدة الحقيقية هي مصيدة الحكم الفردي القائم على شرعية الشعبوية لا شرعية المؤسسات الدستورية الديموقراطية. يتساوى في ذلك ملك بلد صغير مرتبط بالغرب ورئيس ثوري لبلد كبير يتحدى الاستعمار. لعل هذه هي الحكمة الكبرى التي يمكن استنتاجها من طلاسم 1967 وسواها من الطلاسم اللاحقة

ناهض حتر
الخميس 26 مارس 2009