نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


مهرجان كان: "سعفة القلب" تنبض بنسق "120 خفقة في الدقيقة"




يسدل الستار مساء اليوم الأحد على الدورة السبعين لمهرجان كان، واخترنا هذا العام "سعفة القلب" لفيلم "120 خفقة في الدقيقة" للفرنسي روبين كامبيو.


قد تقرر لجنة التحكيم منح السعفة الذهبية في ختام مهرجان كان 2017 لأي من الأفلام الـ19 المشاركة في المسابقة الرسمية، وعادة ما تكون اختياراتها مختلفة عن توقعات النقاد، لكن يبقى أفضلهم بالنسبة إلينا "120 خفقة في الدقيقة" للفرنسي روبين كامبيو.

"120 خفقة في الدقيقة"، ثالث فيلم للمخرج، يتناول بدايات حركة "اكت اب" في فرنسا، وهي جمعية يناضل فيها مرضى الإيدز ومسانديهم.

يقول عملاق السينما الفرنسية جان لوك غودار إن "السينما هي الحقيقة 24 مرة في الثانية". لن يكون حديثنا عن فيلم ميشال هازانافيسيوس حول "الرهيب" غودار، والذي شارك أيضا في المسابقة الرسمية نحو السعفة الذهبية، بل عن مواطنه روبين كامبيو الذي جعل قلب الكروازيت يخفق بنسق 120 نبضة في الدقيقة.

يتناول فيلم كامبيو بدايات نضال أعضاء جمعية "اكت اب" لمكافحة الإيدز (مرض نقص المناعة المكتسبة) التي أسست عام 1989 في فرنسا، والمنبثقة عن ائتلاف المثليين. يصور المخرج من الداخل اجتماعات الحركة والتظاهرات التي تنظمها والمصاعب التي تواجهها.

في المشاهد الأولى، يصل بعض الناشطين إلى مقر إحدى شركات الأدوية، يصرخون "مجرمون !" ويلطخون المكاتب بالدم المزيف. التجارب في تلك الفترة كانت في مراحلها الأولى، ملفوفة في صمت السلطات وخوف الناس وحفيظة مصنعي اللقاح، مع غياب علاج فعال.

شهرت "اكت اب" بعملياتها الصادمة. فأهداف الحركة هي جلب انتباه وسائل الإعلام والضغط على الشخصيات السياسية لتحسين ظروف المرضى وتغيير الصورة المكتسبة عنهم في المجتمع مهما كانت ميولهم الجنسية أو انتمائهم الاجتماعي، لا سيما مدمني المخدرات والمساجين وبائعي الهوى والمهاجرين غير الشرعيين.

يرى العديد في "اكت اب" قوة سياسية مبنية على معارضة الوضع السائد. تقول إيمانويل كوس وهي رئيسة سابقة للجمعية إن "أبعد من غضب آكت آب، يوجد فضح للمعيار العام الذي يقرر لنا ما هو خير أو شر ويحكم على حياتنا ما إذا كانت مقبولة أم لا".

يتابع الفيلم اجتماعات الحركة وجدالاتها الداخلية، ويصور مواجهاتها مع العالم الخارجي وأساليبها الاستعراضية التي صارت ترعب الطبقة السياسية بتاريخها المشوب بإقصاء الأقليات والمسائل الشائكة على غرار قضية "الدم الملوث". وسط لحمة باهرة تربط الأعضاء رغم الانقسامات والاختلافات أحيانا، يسبر الشريط أغوار المعاناة التي يخلفها "مرض العصر".

بين وضعيتين معقدتين يحاول فيها الناشطون كسر ضعف التوعية الحكومية بشأن المرض وكيفية تناقله، بين خطابين ملتهبين، يصنع كامبيو وصلات شاعرية: بقبلة، بعلاقة جنسية، بنظرة الحب النابض بالحياة. تصوير ممارسة الجنس بين رجلين بتلك الطريقة الرقيقة الغضة والفضة، أمر نادر في السينما الفرنسية.

يعيدنا الفيلم إلى زمن المخرج الكبير باتريس شيرو ولا سيما "الرجل المجروح" (1983) الذي يروي تعلق وعشق فتى برجل يعمل في مجال "تجارة الجنس". تحضر إلى أذهاننا أيضا بقوة كتب هيرفي غيبار الذي توفي بسبب الإيدز، ونشر خصوصا عام 1990 "إلى الصديق الذي لم ينقذ حياتي" ويسرد فيه الراوي قصة مرض صديقه موزيل (الشخصية مستوحاة من حياة الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو) واكتشافه أنه مصاب بنقص المناعة المكتسبة.

توفي الآلاف في تلك الفترة التي انتشر فيها المرض، ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، خصوصا في وسط المثليين. وتتواصل الهزة التي أحدثها "الوباء" إلى يومنا هذا. عبر "120 خفقة في الدقيقة" يصور كامبيو المظاهرات التي حملت فيها التوابيت على الأكتاف، والملصقات على الجدران، وتوزيع الواقيات الرجالية، والصوالب التي تغطي الأرض، والشعارات التي طبعت شبابه "الصمت = الموت".. كما صور نهرا السين دما يسيل تحت جسور باريس في مشهد أخاذ ومؤثر.

التدهور الصحي لبعض الشخصيات يطبع وقع الفيلم، وأبرزها "شان" الذي يوصي بذر رفاته في مأدبة تقيمها شركة تأمين. يزعزع كاميلو العلاقة بين الواقع والخيال، فيقحم بقوة النزعة إلى الحياة في صلب السير المحتم نحو الموت. يمارس شان الجنس مع صديقه وهو على فراش المستشفى. يخفق قلب المشاهد 120 مرة في الدقيقة. السينما حياة أكبر من الحياة. وموت هؤلاء مكن بعد سنوات الكفاح الملايين من العيش في ظروف أحسن، استرجعت فيها كرامة وحرمة الجسد.

في 1994، تماما كما في الفيلم، تمدد المتظاهرون كالأموات وسط شارع الشانزليزيه في قلب باريس احتجاجا على مصير مرضى الإيدز.

في 2002 تكتب الروائية الفرنسية نينا بوراوي في "الحياة السعيدة" "كلاوس نومي (المغني الألماني) مات بالإيدز. الإذاعة تبث أغنيته الأخيرة عدة مرات في اليوم، على غرار قداس. إنه أول جسد أتصوره دون لحم، شفاف، معرّى العظام وعيونه تأكل وجهه. يدخل الموت في الصيف".

في 2009 وأمام كاتدرائية نوتر دام دو باري في وسط العاصمة الفرنسية تمدد أيضا المحتجون في شكل جثامين، رافضين أقوال بابا الفاتيكان بنيدكتوس السادس عشر المشككة في فاعلية الواقي الذكري لمكافحة الإيدز".

رغم صعوباتها المالية، تواصل "اكت اب" أنشطتها على غرار رش واجهة مؤسسة "لوجون" بالدم المزيف عام 2013 لأن إحدى مسؤوليها، لودوفين دي رشار، هي رئيسة حركة "مظاهرة للكل" المناهضة لزواج المثليين.

يقول غيبار "إن لم تكن الحياة سوى نذير الموت، فتعذبنا باستمرار بسبب جهلنا لأجلنا، فالإيدز بتحديده لذلك الأجل يرفع عنا الجهل ويجعلنا بشرا واعين بقوة بالحياة". دون ذكرها مباشرة، يحمل الفيلم كل مراجع هذا الموروث، في تسجيل خيالي للتاريخ، ويصنع منا أناسا واعين بقوة الحياة.

في 2017، لا يزال المثليون يضطهدون في مناطق عديدة عبر العالم، لا سيما في الشيشان حيث هزت قضيتهم الرأي العام الدولي مؤخرا. وخلال صعود مدرج قصر المهرجان المغطى بالسجاد الأحمر لحضور عرض فيلم كامبيو، رفع عدد من رواد المهرجان لافتات للتنديد باضطهاد المثليين في الشيشان في تدخل يذكر بعمليات "آكت آب".

في 2017، عرض كامبيو في مهرجان كان السينمائي الذي انطلق بعيد انتخاب رئيس جديد للبلاد، فيلما ينبض بالحقيقة التي هي السينما، ففاز... هل يفوز بالسعفة الذهبية المرصعة بالألماس للدورة السبعين ؟


فرانس 24
الاحد 28 ماي 2017