نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي

حرب لإخراج إيران من سوريا

06/04/2024 - محمد قواص


هل صدمة الحداثة وراء الانهيار أخلاق الجزائريين الأصيلة ؟




الجزائر - تعيش الجزائر منذ سنوات على وقع تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة، اثرت بشكل واضح على السلوكيات والنمط المعيشي في المجتمع الذي كان يوصف بالمحافظ والملتزم دينيا وأخلاقيا حتى إلى وقت قريب. لكن ماذا تغير لدى الجزائريين ليتحول قسم كبير منهم من النقيض إلى النقيض؟ وهل لارتدادات العولمة دور في ذلك، أم أن موجة العنف التي عرفتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي اثرت في التماسك الأسري وفككت اواصر المجتمع؟


 

الجزائريون وأخلاقهم
تعكس ردة فعل منشط أحد البرامج التفاعلية في الاذاعة المملوكة للدولة، عندما سأل أحد المستمعين الذي أكد له أنه لا زال يلتقي مع طليقته التي انفصل عنها على الطريقة الأوروبية، هل انت جزائري خالص؟... حالة من الشعور المتناقض الذي باتت تسيطر على الكثير من الجزائريين، رغم أن هذا المنشط المعروف بخفة دمه، حاول عبثا إخفاء دهشته من خلال التظاهر بالاعتذار لـ" المستمع كول".
لكن هذه الدهشة والاستغراب سرعان ما تمحى من الذاكرة، على اعتبار أن بعض الجزائريين ينحدرون من مناطق محافظة جدا، لم يجدوا حرجا في عرض " خدماتهم على بلاتوهات التلفزيونات الخاصة"، وبوجوه مكشوفة راحوا يسردون حياتهم الخاصة جدا حتى في أدق التفاصيل (خيانة زوجية وزنا المحارم)، أمر ما كان ليحدث بالعودة للوراء قبل سنوات قليلة فقط.
ما إن تفتح صحيفة واسعة الانتشار في الجزائر، حتى تُصدم بأخبار جرائم القتل البشعة، واختلاسات المال العام والسرقة بكل طرقها و"فنونها" وقطع الطرقات، وحتى زنى المحارم. فهل أصبحت أخلاق الجزائريين من الماضي؟ أم أن الأمر مجرد "كلام جرائد" وأن الحقيقة في مكان آخر غير تلك الصفحات "الصفراء"؟
يقول الروائي الخير شوار لوكالة الانباء الألمانية (د. ب. أ) إن ذلك النوع من الجرائم منتشر منذ القدم بأشكال متفاوتة، غير أنه تفاقم أكثر مع زوال النظام القبلي والعشائري القديم وبروز الدولة الوطنية أولا قبل طوفان العولمة الذي أزال الحدود من العقول، وجعل ذلك النوع من الاخبار ينتشر بسرعة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قبل أن يلتقطه هذا النوع من الصحف ليطغى على غيره من الأخبار "الجميلة" التي لا تجد لها مكانا في الميديا الجديدة.
ويضيف بالقول " صحيح أن كثيرا من الجزائريين أصبحوا يشعرون يوما بعد آخر بأن أخلاقهم الأصيلة في طريقها إلى الزوال، بفعل عوامل كثيرة، لعل أبرزها غياب قيم مجتمع مدني بديلة، والمجتمع أصيب بالفعل بصدمة حداثة قوية جدا ولم يكن مهيئا لمثل هذه التحولات. لكن الحقيقة الكبرى تقول بأن من فقد أخلاقه بشكل نهائي هو كثير من أصحاب الصحف والقنوات الإعلامية الجديدة الذين فقدوا البقية الباقية من الأخلاق وتناسوا أخلاقيات المهنة وراحوا ينهشون ما تبقى من عقل القارئ طمعا في جيبه والنتيجة هي هذه الاخبار التي تدمر ما بقي من قيم".
الأصل في التربية
في مفهوم الاعلامية خديجة كرجاني، المهتمة بكتابة التاريخ، لا يختلف اثنان في أن المجتمع الجزائري يعيش انهيارا أخلاقيا كبيرا، وفي ذات الوقت تتفق الغالبية أيضا على أن ذلك يحد من تبعات العشرية السوداء التي كان له تأثير على المجتمع الجزائري في كل مكوناته.
وتعتقد كرجاني، أنه لا يمكن نكران تأثير ما عاشته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي ( موجة العنف التي عصفت بالجزائر في ذلك الوقت) على المجتمع عامة والأسرة –خليته الأولى- بشكل خاص، فالأولياء الذين كان همهم الوحيد حينها أن "ينفذوا بجلدهم" وينقذوا أبناءهم من أيادي الإرهاب، يعتبرون أن أبناءهم لم يعيشوا حياتهم كما يجب حينها، فتركوا لهم "الحبل على الغارب" بعد انتهاء المحنة وعودة الاستقرار، لدرجة أن أصبح الوالد لا يجرؤ على محاسبة ابنه، فما بالك بمعاقبته إذا فعل شيئا مخالفا للأخلاق أو للأعراف، بل في أحيان كثيرة انقلبت الآية وأصبح الابن يحاسب أباه أو أمه بل ويعاقبهما، وأكبر دليل قضايا الاعتداء على الأصول –التي وصلت بعضها حد القتل- التي أصبحت تعج بها أروقة المحاكم. هؤلاء الشباب الذين كانوا في العشرية السوداء أطفالا أو في بداية المراهقة، بلغوا سن الزواج في السنوات الأخيرة، وبدأوا في تشكيل أسر، سرعان ما تنهار لانهيار سلم القيم في مجتمعنا، والضحية أطفال أتوقع أن يكون حالهم أسوأ حينما يصبحون شبابا.
وتنوه كرجاني، إلى عامل اخر وهو التكنولوجيا وما فعلته بشباب الجزائر، إلى الحد الذي جعل العائلات تعجز عن وضع حدود لأبنائها في التعامل مع وسائط التواصل الاجتماعي وما شابهها، وألغت بهذا العولمة كلمة "محظورات" من قاموس المجتمع الجزائري وأصبح كل شيء مباحا.
واستطردت تقول " اعتقد في النهاية ان كل هذا مرتبط أساسا بالتربية التي تلقاها الشاب منذ صغره من والديه على الخصوص، لأنها العامل المشترك بين كل الأجيال، فالجزائر عاشت استعمارا لمدة 132 سنة، لكن المجتمع بقي محافظا على قيمه، فلماذا تلغيها مأساة الـ 10 سنوات؟".
استقالة جماعية لمؤسسات التنشئة الاجتماعية
يرى سمير عيمر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن الكل يتفق على أن الانهيار الاخلاقي هو وليد الممارسات الاجتماعية، ووليد المجتمعات العصرية، كما أنه نتيجة اللامبالاة والاستقالة الجماعية للمؤسسات الاجتماعية وعدم الرقابة، اضافة إلى العولمة وما تبثه من سموم تعود على المجتمع بالضرر، كل ذلك يحدث باسم التحضر، متسائلا لماذا كل التحولات والتغيرات التي شهدها العالم الغربي لم تعرقل مسيرته التنموية وتقدمه، بخلاف مجتمعاتنا نحن؟
ويعترف الأستاذ عيمر أن الأزمة الاخلاقية التي تشهدها الجزائر حاليا، لا مثيل لها، وتعود إلى التنشئة الأسرية والاجتماعية السيئة المعادية للدين، وللعادات والأعراف، كما تعود إلى العناد الذي تعود عليه الجزائري، على اعتبار أن هذه الأزمة قد مست كل فئات المجتمع باختلاف المكانات المهنية والاجتماعية، وهذا ما ولد عدة ظواهر كالعنف والانحراف والجرائم.
يكشف مراد هاشمي، وهو مختص في علم الاجتماع تجاوز العقد الرابع بقليل، عن الصور التي تبرز السقوط الأخلاقي في المجتمع الجزائري، فيشير إلى انتشار غريب للتحرش الجنسي في أوساط الشباب الجزائري، مستدلا بما وقف عليه كشاهد عيان، بما قام به ثلاثة شبان أمام مرأى الشرطة والمارة، عندما هموا بمعاكسة فتيات وحتى سيدات دون أي حياء أو اعتبار للمواطنين أو حتى رجال الأمن، وقد ظهر جليا أن الشبان الثلاثة كانوا تحت تأثير الحبوب والمخدرات، في مشهد يعكس حالة اليأس والضياع التي وصل إليها الشاب الجزائري الذي يخالف بمثل هذه التصرفات، قيم وتقاليد مجتمعه الذي كان لا يتسامح مع مثل هذه السلوكيات التي كانت غائبة عن المظهر العام قبل عقدين من الزمن.
مراد، أبرز ايضا، صورة أخرى من الانحلال الأخلاقي في الأماكن العامة، حيث أكد أنه صدم لرؤية مجموعة من المراهقين ( رجح أنهم ثانويون لحملهم حقائب مدرسية) من الجنسين يدخنون بشكل علني ويقومون بحركات غير أخلاقية دون أي حرج أو اعتبار لرواد حديقة وسط العاصمة الجزائر.
ويؤكد مراد، أن الجزائر اصبحت تعرف انتشارا رهيبا لظواهر لا تمت بصلة لقيم المجتمع الجزائري، تحمل في طياتها انهيارا اخلاقيا أصاب الشباب من الجامعي إلى البطال، بما يهدد كيان المجتمع برمته، باعتبار أن زوال الأمم مرتبط بزوال أخلاقها- كما قال الشاعر الخالد احمد شوقي.
يتحدث مراد، عن الأسباب التي ساهمت في تردي الأخلاق وسط المجتمع الجزائري، فيلخصها في تخلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية عن القيام بدورها التربوي، بعدما تخلى المسجد، والنادي الرياضي، والكشافة الإسلامية، والمدرسة، عن جوهر مهامهم المتمثل في تنشئة الخلف على ما تركه الأسلاف والأجداد. إضافة إلى تزايد خطر الاغتراب الفكري الذي هدم الشباب الجزائري من كل النواحي عبر مختلف الوسائل ( قنوات أجنبية، تنوع شبكات التواصل الاجتماعي، الحداثة والعولمة).
ويشير إلى ما يسميه " استراتيجية مبرمجة لكسر الأنسان الجزائري الذي كان قدوة في التزامه بالقيم الخلقية ومتمسكا بالقيم التربوية في كل سلوكياته ومواقفه الاجتماعية"، وأن الانترنيت والعولمة، انتجتا شابا جزائريا منحلا خلقيا، متخلفا فكريا، وضعيفا ثقافيا. بينما يلفت الاستاذ عيمر، أن لمثل هذه المجتمعات تسمية اخرى، وهي " مجتمع المخاطرة والمجازفة".

د ب ا
السبت 2 يونيو 2018