التوافق على الانتخابات يشكل بادرة حسن نية طيبة من الأطراف كافة، وتعبيرا عن رغبة جادة في إنهاء الانقسام، لكن المشكلة الأساس هنا أن الطرفين – فتح وحماس – يفترضان أن الانتخابات هي الطريق نحو الوحدة الوطنية، والمخرج من الأزمة المستمرة منذ 15 عاماً، وأنها الطريق نحو إنهاء الانقسام، وهذه فرضية لا يوجد ما يدعمها على أرض الواقع، بل إن أغلب الظن أنها فرضية فاسدة وغير صحيحة، إذ أن الانتخابات (2006) هي التي تسببت بالانقسام، ولا يمكن أن تكون الوسيلة لانهائه.
بدلاً من التوافق بين حركتي فتح وحماس على خطة لإنهاء الانقسام اتفقوا على خطة لإجراء انتخابات
الوفود الممثلة لحركتي حماس وفتح، التي اجتمعت في إسطنبول والقاهرة، خلال الشهور الماضية انتهت إلى اتفاق على إجراء انتخابات عامة، وهي انتخابات تشريعية ورئاسية، وانتخابات للمجلس الوطني ستجري لأول مرة، ولا أحد يعلم كيف سيتم انتخاب أعضاء المجلس الوطني من قبل الفلسطينيين الموزعين على دول العالم، كما لا أحد يعلم كيف ستشارك حماس في هذا المجلس، وهي لا تزال خارج منظمة التحرير، وترفض أصلاً اعتبارها «ممثلاً وحيداً للفلسطينيين».
كان لافتاً أن حركة حماس وافقت على إجراء الانتخابات واتخذت قراراً بالمشاركة فيها، رغم أنه من غير المعروف حجم مشاركتها بطبيعة الحال، ومن غير المعروف كيف تم اتخاذ قرار المشاركة داخلياً، ما دامت الحركة قد أصدرت بياناً يُرحب بالانتخابات بعد نصف ساعة فقط من صدور المرسوم الرئاسي بشأنها. المهم أن حركة حماس تقف اليوم على مفترق طرق، والمستقبل يبدو لنا محصوراً بالسيناريوهات التالية، وجميعها تنتهي إلى خسارة سياسية ستتكبدها الحركة، وقد تغير شكل مسارها إلى الأبد:
أولاً: أغلب الظن أن الانتخابات لن تجري، ولو جرت «التشريعية» فلا ضمانة لأن تجري «الرئاسية» أما المجلس الوطني فإعادة تشكيله بالانتخاب تكاد تكون فكرة أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، فضلاً عن كونه مؤسسة تابعة لمنظمة التحرير، ولا يستوي عقلا أن تكون حماس ممثلة فيه، بينما هي ليست جزءاً من المنظمة. وفي حال تعرقلت كل الانتخابات أو بعضها بسبب انتخاب قيادة جديدة وشيكة لحركة حماس، أو بسبب انهيار محادثات الفصائل، فسوف يتم إلقاء اللوم على حماس حتى لو لم تكن في الحقيقة تتحمل المسؤولية، حيث سيُقال إن الرئيس أصدر مرسومه وأصبحت الكرة في ملعبكم.
ثانياً: لو جرت الانتخابات فعلاً فلا يختلفُ عاقلان على أن نصيب حماس من أصوات الناخبين سيتراجع بعد 15 عاماً من الانقسام، ومقاعدها في «التشريعي» ستتقلص، وعندها سوف تكون قد خرجت من الانتخابات بتثبيت تراجع شعبيتها وحجمها في الشارع.
ثالثاً: النتيجة الأهم والأخطر للانتخابات المقبلة هو أن الشرعية – شعبياً وديمقراطياً وسياسياً – سوف تتجدد للرئيس (سواء محمود عباس أو غيره) وللمجلس التشريعي (البرلمان) وهذا يعني أن مؤسسات السلطة الفلسطينية، التي ستنتج عن الانتخابات ستكون لديها الشرعية الكافية لتوقيع أي اتفاق مع إسرائيل مستقبلاً، بل سيكون -ولأول مرة – اتفاقاً توقعه السلطة التي تضم تحت مظلتها الفصائل كافة بما فيها حماس، وهو ما لم يسبق أن حدث من قبل.
والخلاصة هي، أن المسار الذي تسلكه حماس اليوم بالمشاركة في الانتخابات يعيد إلى الأذهان كارثة المشاركة في عام 2006، وهي التي نتج عنها الانقسام الكبير والسنوات العجاف الـ15 الماضية في تاريخنا الفلسطيني. وهذا المسار هو عبارة عن رهان لا يمكن أن ينتهي إلا بخسارة.. هنا خسارة لا مناص منها. ثمة حقائق يجب وضعها بالاعتبار دوماً، منها أن الانتخابات هي أداة من أدوات الديمقراطية، وهذه الديمقراطية هي نظام سياسي يحتاج إلى دولة، والفلسطينيون اليوم ليس لديهم دولة وإنما هم شعب تحت الاحتلال. أعيدوا للشعب الفلسطيني حريته وحرروه من الاحتلال ثم استدعوه للانتخابات. أما الحقيقة الأخرى فالانتخابات شيء والمصالحة شيء آخر وأغلبُ الظن أن تؤدي الانتخابات إلى تعميق الانقسام.. من قال لكم إن الفلسطينيين بحاجة لتغيير رئيسهم؟ ومن قال إنهم بحاجة لتغيير أعضاء المجلس التشريعي الذين لم يقوموا أصلاً بأعمالهم؟ إنما الشعبُ الفلسطيني بحاجة لإنهاء الاحتلال أولاً ثم بناء الدولة ثم فليتنافس المتنافسون على ما شاؤوا من مناصب.
-------------
القدس العربي
كاتب فلسطيني