
المعتصم القذافي ..اختصاصات امنية
قبل سنوات غير بعيدة، لم يكن أحد يجرؤ على الحديث عن التوريث في ليبيا، لكن مع تقدم العقيد القذافي في العمر، وصعود نجم سيف الإسلام السياسي، أصبح البحث عن خليفة له أمرا ملحا، تفرضه استحقاقات داخلية ودولية. والتوريث في ليبيا منحصر حتى اللحظة بين أبناء الزعيم معمر القذافي، بعد أن أوكلت لهم مهام الإشراف عن القطاعات الحيوية جدا في الجماهيرية الليبية.
فالمعتصم بالله القذافي يتولى مهمة مستشار الأمن القومي الليبي، وهو قريب من الحرس القديم الذي يعارض الإصلاحات التي اقترحها سيف الإسلام، فضلا انه منصب نافذ يمكنه عمليا من الإمساك برقبة البلد في قبضته، الأمر الذي قد يسير به إلى مرتبة متقدمة في الخلافة المنتظرة .
أما سيف الإسلام الذي أطلق مشروع ليبيا الغد في أغسطس 2005 فقد أسندت إليه مهمة "منسق القيادات الشعبية والاجتماعية" (هيئة استشارية لزعماء القبائل)، ووصف بعض الليبيون هدا المنصب بالغامض لأنه لا يحمل وظيفة محددة وغير مؤطر دستوريا، خاصة وان تحركات سيف الإسلام تجاوزت منصبه هذا، بدليل تعاطيه مع كل الملفات والقضايا الليبية العائدة بالنظر لقرارات والده الزعيم القذافي.
هذا ويتمتع الابن خميس القذافي بنفوذ قوي في الجيش وله أنصار في محيطه العسكري لا يستهان بهم، وتبقى حظوظ بقية الأبناء الدين خيروا القطاع الاقتصادي أقل من هؤلاء.
لكن البحث عن إيجاد مخرج لقضية التوريث تناسب طبيعة النظام السياسي الجماهيري في ليبيا هي القضية الأساسية في هدا الأمر، فالنظام الجماهيري في ليبيا نظام سياسي ، نظريا لا يعترف بوجود حاكم وهي الأزمة السياسية الداخلية التي تعيشها السلطة الليبية، وتتمثل في البحث عن آلية تمكن انتقال السلطة من الأب إلى أحد الأبناء، والمعضلة الكبرى أن الأب "نظريا" لا يملك أي سلطات أو صلاحيات يورثها لأبنائه، فكيف سيتم الخروج من أزمة التخريج إذا ؟
"لست الشخص المؤهل لأكون وليا للعهد، لأن ليبيا ليست دولة ملكية والقائد معمر القذافي ليس ملكا، والتوريث ليس مسألة واردة في ليبيا، لأن ذلك يعني العودة إلى الوراء".
هذا ما صرح به سيف الإسلام القذافي المرشح القوي للخلافة أثناء إلقاءه محاضرة في لندن وكرره في أكثر من مناسبة، أما أحمد إبراهيم أقوى الشخصيات الثورية في ليبيا والذي أطلق عليه الزعيم معمر القدافي لقب لينين الثورة الليبية، فقد قال للمهندس سيف الإسلام القذافي في أحد الملاسنات : "لو كانت هناك وراثة في الثورة لكنت أنا وريثها لاننى ابنها الشرعي الذي خرج من رحمها ولست أنت".
وأحمد إبراهيم هو بالفعل الرجل الأقرب اجتماعيا إلى معمر القذافي وأحد الأركان الرئيسية في حركة اللجان الثورية، ويقود حاليا التيار المضاد لسيف الإسلام أو ما يسمى بالإصلاح في ليبيا.
وسط جملة التناقضات الكبري التي تعيشها ليبيا ووفقا للوضع الحالي يطرح السؤال بإلحاح: كيف سيتم قبول قيادة سيف الإسلام للدولة الليبية حسب لما تطرحه وسائل الإعلام وما يثار في الأروقة المختلفة؟
عادل صنع الله الإعلامي الليبي المقيم في لندن يقول : "التوريث في ليبيا يتناغم مع الاتجاه السائد في المحيط الجغرافي، وهو ليس غريبا عن تراثنا وتاريخنا باختلاف مستوياته، فبعد أن ضمن نظام "سلطة الشعب" للأب البقاء دون أي قيود، بدا الوضع الراهن بحاجة إلى إيجاد آلية يتم من خلالها إضفاء شرعية لتأكيد وجود الأبناء".
ويضيف الإعلامي عادل صنع الله: "مشروع التوريث في ليبيا إضافة لافتقاره إلى الشرعية، يفتقد أيضا إلى الجدية في تطبيق الشعارات المرفوعة، فالتركيز على كسب الأصوات وتحقيق مكاسب اقتصادية آنية، مثل إغلاق ملفات قد تعيق عملية التوريث، وتحسين صورة البلاد خارجيا.
وإن تم الإعلان عن بعث بعض المشاريع المؤسساتية كمقترح الدستور، وإنشاء مؤسسات إعلامية وحقوقية، فقد بدت هده المشاريع مشوهة، مفتقدة لإرادة حقيقية لإرساء دولة مؤسسات وخدمات، فضلا أنها نابعة من السلطة نفسها".
أستاذ جامعي مختص في العلوم السياسية رفض ذكر اسمه قال "للشرق الأوسط" : "بالعودة إلى أحد خطابات العقيد القذافي في مدينة سبها التي دعا فيها أن يتولى المهندس سيف الإسلام منصب "المنسق العام للقيادة الشعبية" في ليبيا، وهي تنفيذ لخطة تم تبنيها فعليا منذ عشر سنوات تقريبا، ستمكن سيف الإسلام من الإشراف الكامل على أجهزة الدولة حيث أنه ومن خلال هذا المنصب سيتولى قيادة فعاليات الجموع الشعبية الغفيرة المكونة من الضباط الأحرار ورفاق معمر القذافي وضباط الشعب المسلح والشرطة واللجان الثورية وزعماء القبائل ومسئولي الشركات والمؤسسات الإدارية.
والذين يشكلون القيادات الفعلية للمجتمع الليبي بتركيبته القبلية، ويقول ان منصب "المنسق العام للقيادة الشعبية" تخريج ذكي ومقبول سياسيا وأيضا من الناحية الفكرية حيث يتماشي مع الطرح الجماهيري".
ويضيف محدثنا بقوله : "إن تخريج هذا المنصب سيعطى الشرعية لتداول السلطة وراثياً ، حيث أن معمر القذافي يمثل أية الله الجماهيري بالنسبة لليبيين، وهو أيضا الولي الفقيه والمرجع الأعلى في الدولة الليبية حسب ما أقرته المؤتمرات الشعبية الأساسية في إحدى دوراتها السابقة وبما أن منصب القيادة فى ليبيا نهائي في شخص معمر القذافي".
فهل موضوع التوريث في الجماهيرية الليبية حقيقة قد يشهدها الشارع الليبي مستقبلا أم هو من نسج خيال كتاب الصحافة الرسمية وغير الرسمية، الساعية إلى إقناع الشارع العربي بأن التوريث قد يحصل في كل الأنظمة بمختلف توجهاتها حتى الجماهيري منها.
الإعلامي سليمان دوغة العائد من منفاه لندن لتولي شركة الغد المملوكة لسيف الإسلام القدافي يقول أمام سيف الإسلام مستقبلان إما أن يحكم ليبيا أو يختار منفاه، وفي ذات السياق يقول المحامي والنقابي عبد السلام المسماري :"نحن لم نقرأ عن التوريث في الإعلام الليبي الداخلي، القضية طرحتها الصحف والمواقع الالكترونية الليبية في الخارج كذلك وسائل الإعلام الأجنبية التي تتناول هذه القضية بإسهاب وتطرح في ذلك وجهات نظر مختلفة، فيما ركز إعلام شركة الغد العائدة لسيف الإسلام كقناة الليبية سابقا وصحيفتي "أويا" و"قورينا" على تغطية نشاط نجل القدافي ومشروعه عن ليبيا الغد، والأهم في رأيي هو نفي سيف الإسلام قصة التوريث إلى حد إعلانه في أغسطس 2008 الانسحاب من المشهد السياسي، وهو انسحاب وصفه المراقبون بأنه انسحاب تكتيكي ودللوا على ذلك باستمرار الحضور المؤثر سياسياً لسيف الإسلام في أكثر من مناسبة، تعزز هذا الاعتقاد بعد مطالبة العقيد القذافي في 10/7/2009 بمنح صلاحيات لسيف الإسلام تمكنه من متابعة مشاريعه لأجل ليبيا الغد".
أما الدكتور إبراهيم قويدر الأمين العام السابق لمنظمة العمل العربية فيقول : "إن عملية التوريث في ليبيا لم يتم تناولها رسميا من قبل الجهات التي تملك السلطة التنفيذية أو التشريعية، كل ما يدور مجرد كلام واستنتاجات سواء كانت من أفراد احترفوا التبجيل والتطبيل والتزمير أو من معارضين متطرفين تعودوا السب والقذف بسبب أو بدون سبب".
لا اختلاف أن سيف الإسلام الداعي للانفتاح السياسي يحظى بمكانة هي الأعلى بين أبناء القائد القذافي، لكن ما تتداوله وسائل الإعلام المختلفة حول توريثه لإدارة شئون البلاد تدريجيا بوجود والده الآن لم يقنع المجتمع الليبي بتركيبته القبلية السائر على مبدأ سلطة الشعب، حيث تلعب قيادات القبائل الدور الفاعل في الحراك السياسي والاقتصادي والأمني، فضلا أن الإعلام لم يقدر على حجب الصراع المندلع بين سيف الإسلام والأركان الرئيسية في حركة اللجان الثورية، ويعترف المختصون أن معمر القذافي بنى الثورة على أكتافهم، ولولاهم لما استمر في الحكم أربعين سنة، لأنهم عقائديون ويؤمنون به ولو اعتمد القذافي على الأمن والجيش لما بقي حتى 3 سنوات في الحكم وهو الذي تعرض لأكثر من 40 عملية انقلابية ومن اقرب الناس إليه لكن اللجان الثورية كانوا دائما إلى جانبه .
هذا الدور أعطي هولاء القياديين فى اللجان الثورية المكانة السامية عند القذافي نفسه لدرجة انه أعلن تبنيهم، ومكنهم من أن تتولى قبائلهم من مواقع لها نفوذها ، و من خلال عملية ترتيب وتوزيع الأدوار على قبائل قوية وكبيرة مثل ورفلة وترهونة في الغرب والقذاذفة وأولاد سليمان والمقارحة في الوسط والجنوب والعواقير والبراعصة والعبيدات في الشرق وقبائل المرابطين المنتشرة في ليبيا.
ويرى المحللون أن نجل الرئيس القذافي الذي تلقى تعليمه في لندن وأمضى سنوات في بناء صورته كإصلاحي، سعى جديا إلى جمع التأييد لوضع دستور للبلاد وإصلاح نظامها الإداري وتعزيز قضاءها لكنه يواجه مقاومة شرسة من اللجان الثورية الرافضة لانطلاق قطار الإصلاحات في البلد والمنتفعين من الأوضاع الحالية .
ويذكر أن سيف الإسلام في أول مواجهة له مع أركان اللجان الثورية من المتنفذين في أجهزة الدولة كان قد وصفهم بالقطط السمان، ويرى المتابعون لمجريات الأحداث أن ما قام به سيف هو "حركة طفولية عفوية" وحماس شبابي .
فيما يرى شق آخر أن سيف الإسلام شاب ذكي وليبرالي، وقد سعى بتلك الحركة إلى تحييدهم واستمالة رموزهم البارزة مثل وزير الخارجية الحالي موسى كوسة (كان يدير جهاز المخابرات) ومدير المخابرات السابق وعديل والده عبد الله السنوسي، وبعض القيادات الشابة الأخرى فى اللجان الثورية والمناوئة للشخصيات التقليدية الذين يمثلون التيار المحافظ .
محدثنا الذي رفض ذكر اسمه يقول :" الذين وصفهم سيف الإسلام بالقطط السمان، هم من تصدوا في السابق لكل محاولات الاستيلاء على الثورة ونجحوا في بناء وحدات أمنية وعسكرية تحت مسميات مختلفة تستهدف حماية الثورة وفى الواقع حمايتهم هم شخصيا بحكم استفادتهم من النظام الحالي، حيث تمكن هؤلاء وخلال فترات طويلة من عمر الثورة حماية النظام وقائده والالتحام معه في الوقت الذي كان النظام يواجه العالم كله متمردا على نهج وإرادة أمريكا، هذا ما سهل لهم التأسيس لكيانات اجتماعية خاصة بهم وثروات وقدرات عسكرية وأمنية تمكنهم من البقاء والاستمرار في مواجهة أي رياح تغييريه، و التي دعا إليها سيف الإسلام مع مجموعة الشباب الذين كانوا بالخارج أو من كانوا في الجبهة المضادة، ووفقا لهذه الصورة لن يسمح له بقيادة ليبيا وبهذه النماذج التي كانت في الضفة الأخرى ولو أدى الأمر إلى إفشال مشروعه الاصلاحى".
أما المحامي والنقابي الأستاذ عبد السلام المسماري فيرى أن الصراع القائم بين سيف الإسلام واللجان الثورية أو ما يسمى بالحرس القديم غير حقيقي، بدليل أن سيف الإسلام ذاته أعلن في خطابه في 20/8/2008 أن الحديث عن هذا الصراع نوع من الوهم.
إبراهيم قويدر يؤكد بقوله : "لدي القناعة التامة بأنه لا يوجد لا حرس قديم ولا فريق مناهض لسيف الإسلام، فقط يوجد قائد منحته السلطة التشريعية صلاحيات ترقى لاعتبار توجيهاته بقوة القانون، وهو يمارسها غير ذلك فالجميع يعمل في إطار تنفيذ توجيهات وقرارات فقط، بالتالي فإن عملية التوريث في ليبيا غير مطروحة بشكل واضح ورسمي أو غير رسمي، المتداول أن تمنح الفرص للشباب لقيادة مواقع مختلفة في البلاد، ووفقا للخلفيات التي سبق طرحها سيكون في مقدمتهم أبناء القائد وأبناء أعضاء القيادة التاريخية من بعدهم وأبناء الضباط الذين ساهموا في الثورة يوم الفاتح من سبتمبر، وهذا ليس سرا بل معلن، وقيل في عدة لقاءات رسميه معلنة".
وفي شأن الحرس القديم الذي يسعي إلى الاستمرار في نفس الأوضاع السابقة بما يمثله من حصن للدفاع عن البنية الأساسية للنظام، وعلاقته مع كل ما يطرح من مشاريع أصلاحية، يوضح لنا محدثنا المجهول الاسم الذي يقول :"بحكم قدرة معمر القذافي على إدارة الأمور فهو الماسك الوحيد بمفاتيح اللعبة والتي يجيد تداولها للمناورة وامتصاص الضغوط الداخلية والخارجية، ومن خلال عملية صهر لما يسمى بالمعارضة، وتحت إشرافه شخصيا ومن خلال إظهار شخصية سيف الإسلام كمسئول عن هذه المصالحات لتحقيق قبوله شعبيا محليا وخارجياً، تم تخريج هذه العملية من خلال غسيل أمنى لهذه القيادات المعارضة بما سمي (بالمراجعة) للإسلاميين واستخدام لفاعلية أطراف أخرى دخلت على الخط يستفاد من وجودها، واحتراما للشارع الليبي تم استقدام عدد من المشايخ والوعاظ العرب من مصر ودول الخليج، إحدى هذه المبادرات أثمرت إطلاق سراح أكثر من مائتي كادر من المعارضة الإسلامية المسلحة، لكي تصب في جهود سيف الإسلام لتعزيز موقعه وإعادته إلى صدارة الملعب السياسي وترمم الصورة الشاحبة التي بدا عليها في الأشهر الأخيرة، في ظل سطوع نجم الحرس القديم."
أما لماذا انحصرت قضية التوريث بين أبناء القذافي يؤكد المحامي عبد السلام المسماري أن الحديث المتصل بقضية التوريث وانحصارها في عائلة معينة لا تقتصر على الحالة الليبية، فبعد تجربة بشار الأسد في سوريا، أصبح الحديث عن إمكانية تحول كثير من الدول العربية إلى جمهوريات وراثية، بالتزامن مع صعود نجم أبناء رؤساء أو زعماء تلك الدول في الساحة السياسية كجمال مبارك في مصر وأحمد عبد الله صالح في اليمن، والملاحظ أن الرابط المشترك بين كل هذه الحالات هو نفي" أولياء العهد المفترضين" وآبائهم الزعماء لفكرة التوريث، بينما تظهر على الساحة السياسية خطوات عملية ترسخ هذه الفكرة، في ليبيا نجد أن الأمر يتصادم أيضاً مع أسس الأيديولوجية السياسية المتبعة في البلد ومن المؤكد أنه لا منطقية في القول بعدم توافر دولة ما على العديد من أبنائها المؤهلين لقيادتها".
أما كيف يرى المسماري مستقبل ليبيا السياسي ؟ فيرد : "في غياب الدستور الذي ينظم ويؤطر العلاقات بين الدولة والمواطن وبين مؤسسات الدولة بعضها ببعض، يكون الحديث عن المستقبل السياسي ضرباً من التخمينات البائسة، والحقيقة ليس ثمة مخرج في رأيي المتواضع من هذا الوضع إلا بإعادة اكتشاف أهمية الدستور، إلا أننا ننظر بأمل لمستقبل ليبيا وتفاؤل ينبع من الثقة في أن الشعب الليبي يستطيع في كل مراحل تاريخه أن يبتدع آليات التعامل مع كل أزمة وتجاوزها".
هذه هي الجماهيرية الليبية أطياف قبلية متباينة، لا يمكن التكهن لسيف الإسلام أو غيره من تولي القيادة دون الرجوع إلى المنظومات القبلية القوية، وأي حديث آخر دون الرجوع للقائد معمر القدافي ربما يؤدى إلى إشعال حالة حرب لن تخمدها حتى الأمم المتحدة أو جيوش العالم كلها، لان ليبيا صحراء مترامية عاشت تجربة التمرد طويلا في مواجهة الطغاة والاستعمار ...
فالمعتصم بالله القذافي يتولى مهمة مستشار الأمن القومي الليبي، وهو قريب من الحرس القديم الذي يعارض الإصلاحات التي اقترحها سيف الإسلام، فضلا انه منصب نافذ يمكنه عمليا من الإمساك برقبة البلد في قبضته، الأمر الذي قد يسير به إلى مرتبة متقدمة في الخلافة المنتظرة .
أما سيف الإسلام الذي أطلق مشروع ليبيا الغد في أغسطس 2005 فقد أسندت إليه مهمة "منسق القيادات الشعبية والاجتماعية" (هيئة استشارية لزعماء القبائل)، ووصف بعض الليبيون هدا المنصب بالغامض لأنه لا يحمل وظيفة محددة وغير مؤطر دستوريا، خاصة وان تحركات سيف الإسلام تجاوزت منصبه هذا، بدليل تعاطيه مع كل الملفات والقضايا الليبية العائدة بالنظر لقرارات والده الزعيم القذافي.
هذا ويتمتع الابن خميس القذافي بنفوذ قوي في الجيش وله أنصار في محيطه العسكري لا يستهان بهم، وتبقى حظوظ بقية الأبناء الدين خيروا القطاع الاقتصادي أقل من هؤلاء.
لكن البحث عن إيجاد مخرج لقضية التوريث تناسب طبيعة النظام السياسي الجماهيري في ليبيا هي القضية الأساسية في هدا الأمر، فالنظام الجماهيري في ليبيا نظام سياسي ، نظريا لا يعترف بوجود حاكم وهي الأزمة السياسية الداخلية التي تعيشها السلطة الليبية، وتتمثل في البحث عن آلية تمكن انتقال السلطة من الأب إلى أحد الأبناء، والمعضلة الكبرى أن الأب "نظريا" لا يملك أي سلطات أو صلاحيات يورثها لأبنائه، فكيف سيتم الخروج من أزمة التخريج إذا ؟
"لست الشخص المؤهل لأكون وليا للعهد، لأن ليبيا ليست دولة ملكية والقائد معمر القذافي ليس ملكا، والتوريث ليس مسألة واردة في ليبيا، لأن ذلك يعني العودة إلى الوراء".
هذا ما صرح به سيف الإسلام القذافي المرشح القوي للخلافة أثناء إلقاءه محاضرة في لندن وكرره في أكثر من مناسبة، أما أحمد إبراهيم أقوى الشخصيات الثورية في ليبيا والذي أطلق عليه الزعيم معمر القدافي لقب لينين الثورة الليبية، فقد قال للمهندس سيف الإسلام القذافي في أحد الملاسنات : "لو كانت هناك وراثة في الثورة لكنت أنا وريثها لاننى ابنها الشرعي الذي خرج من رحمها ولست أنت".
وأحمد إبراهيم هو بالفعل الرجل الأقرب اجتماعيا إلى معمر القذافي وأحد الأركان الرئيسية في حركة اللجان الثورية، ويقود حاليا التيار المضاد لسيف الإسلام أو ما يسمى بالإصلاح في ليبيا.
وسط جملة التناقضات الكبري التي تعيشها ليبيا ووفقا للوضع الحالي يطرح السؤال بإلحاح: كيف سيتم قبول قيادة سيف الإسلام للدولة الليبية حسب لما تطرحه وسائل الإعلام وما يثار في الأروقة المختلفة؟
عادل صنع الله الإعلامي الليبي المقيم في لندن يقول : "التوريث في ليبيا يتناغم مع الاتجاه السائد في المحيط الجغرافي، وهو ليس غريبا عن تراثنا وتاريخنا باختلاف مستوياته، فبعد أن ضمن نظام "سلطة الشعب" للأب البقاء دون أي قيود، بدا الوضع الراهن بحاجة إلى إيجاد آلية يتم من خلالها إضفاء شرعية لتأكيد وجود الأبناء".
ويضيف الإعلامي عادل صنع الله: "مشروع التوريث في ليبيا إضافة لافتقاره إلى الشرعية، يفتقد أيضا إلى الجدية في تطبيق الشعارات المرفوعة، فالتركيز على كسب الأصوات وتحقيق مكاسب اقتصادية آنية، مثل إغلاق ملفات قد تعيق عملية التوريث، وتحسين صورة البلاد خارجيا.
وإن تم الإعلان عن بعث بعض المشاريع المؤسساتية كمقترح الدستور، وإنشاء مؤسسات إعلامية وحقوقية، فقد بدت هده المشاريع مشوهة، مفتقدة لإرادة حقيقية لإرساء دولة مؤسسات وخدمات، فضلا أنها نابعة من السلطة نفسها".
أستاذ جامعي مختص في العلوم السياسية رفض ذكر اسمه قال "للشرق الأوسط" : "بالعودة إلى أحد خطابات العقيد القذافي في مدينة سبها التي دعا فيها أن يتولى المهندس سيف الإسلام منصب "المنسق العام للقيادة الشعبية" في ليبيا، وهي تنفيذ لخطة تم تبنيها فعليا منذ عشر سنوات تقريبا، ستمكن سيف الإسلام من الإشراف الكامل على أجهزة الدولة حيث أنه ومن خلال هذا المنصب سيتولى قيادة فعاليات الجموع الشعبية الغفيرة المكونة من الضباط الأحرار ورفاق معمر القذافي وضباط الشعب المسلح والشرطة واللجان الثورية وزعماء القبائل ومسئولي الشركات والمؤسسات الإدارية.
والذين يشكلون القيادات الفعلية للمجتمع الليبي بتركيبته القبلية، ويقول ان منصب "المنسق العام للقيادة الشعبية" تخريج ذكي ومقبول سياسيا وأيضا من الناحية الفكرية حيث يتماشي مع الطرح الجماهيري".
ويضيف محدثنا بقوله : "إن تخريج هذا المنصب سيعطى الشرعية لتداول السلطة وراثياً ، حيث أن معمر القذافي يمثل أية الله الجماهيري بالنسبة لليبيين، وهو أيضا الولي الفقيه والمرجع الأعلى في الدولة الليبية حسب ما أقرته المؤتمرات الشعبية الأساسية في إحدى دوراتها السابقة وبما أن منصب القيادة فى ليبيا نهائي في شخص معمر القذافي".
فهل موضوع التوريث في الجماهيرية الليبية حقيقة قد يشهدها الشارع الليبي مستقبلا أم هو من نسج خيال كتاب الصحافة الرسمية وغير الرسمية، الساعية إلى إقناع الشارع العربي بأن التوريث قد يحصل في كل الأنظمة بمختلف توجهاتها حتى الجماهيري منها.
الإعلامي سليمان دوغة العائد من منفاه لندن لتولي شركة الغد المملوكة لسيف الإسلام القدافي يقول أمام سيف الإسلام مستقبلان إما أن يحكم ليبيا أو يختار منفاه، وفي ذات السياق يقول المحامي والنقابي عبد السلام المسماري :"نحن لم نقرأ عن التوريث في الإعلام الليبي الداخلي، القضية طرحتها الصحف والمواقع الالكترونية الليبية في الخارج كذلك وسائل الإعلام الأجنبية التي تتناول هذه القضية بإسهاب وتطرح في ذلك وجهات نظر مختلفة، فيما ركز إعلام شركة الغد العائدة لسيف الإسلام كقناة الليبية سابقا وصحيفتي "أويا" و"قورينا" على تغطية نشاط نجل القدافي ومشروعه عن ليبيا الغد، والأهم في رأيي هو نفي سيف الإسلام قصة التوريث إلى حد إعلانه في أغسطس 2008 الانسحاب من المشهد السياسي، وهو انسحاب وصفه المراقبون بأنه انسحاب تكتيكي ودللوا على ذلك باستمرار الحضور المؤثر سياسياً لسيف الإسلام في أكثر من مناسبة، تعزز هذا الاعتقاد بعد مطالبة العقيد القذافي في 10/7/2009 بمنح صلاحيات لسيف الإسلام تمكنه من متابعة مشاريعه لأجل ليبيا الغد".
أما الدكتور إبراهيم قويدر الأمين العام السابق لمنظمة العمل العربية فيقول : "إن عملية التوريث في ليبيا لم يتم تناولها رسميا من قبل الجهات التي تملك السلطة التنفيذية أو التشريعية، كل ما يدور مجرد كلام واستنتاجات سواء كانت من أفراد احترفوا التبجيل والتطبيل والتزمير أو من معارضين متطرفين تعودوا السب والقذف بسبب أو بدون سبب".
لا اختلاف أن سيف الإسلام الداعي للانفتاح السياسي يحظى بمكانة هي الأعلى بين أبناء القائد القذافي، لكن ما تتداوله وسائل الإعلام المختلفة حول توريثه لإدارة شئون البلاد تدريجيا بوجود والده الآن لم يقنع المجتمع الليبي بتركيبته القبلية السائر على مبدأ سلطة الشعب، حيث تلعب قيادات القبائل الدور الفاعل في الحراك السياسي والاقتصادي والأمني، فضلا أن الإعلام لم يقدر على حجب الصراع المندلع بين سيف الإسلام والأركان الرئيسية في حركة اللجان الثورية، ويعترف المختصون أن معمر القذافي بنى الثورة على أكتافهم، ولولاهم لما استمر في الحكم أربعين سنة، لأنهم عقائديون ويؤمنون به ولو اعتمد القذافي على الأمن والجيش لما بقي حتى 3 سنوات في الحكم وهو الذي تعرض لأكثر من 40 عملية انقلابية ومن اقرب الناس إليه لكن اللجان الثورية كانوا دائما إلى جانبه .
هذا الدور أعطي هولاء القياديين فى اللجان الثورية المكانة السامية عند القذافي نفسه لدرجة انه أعلن تبنيهم، ومكنهم من أن تتولى قبائلهم من مواقع لها نفوذها ، و من خلال عملية ترتيب وتوزيع الأدوار على قبائل قوية وكبيرة مثل ورفلة وترهونة في الغرب والقذاذفة وأولاد سليمان والمقارحة في الوسط والجنوب والعواقير والبراعصة والعبيدات في الشرق وقبائل المرابطين المنتشرة في ليبيا.
ويرى المحللون أن نجل الرئيس القذافي الذي تلقى تعليمه في لندن وأمضى سنوات في بناء صورته كإصلاحي، سعى جديا إلى جمع التأييد لوضع دستور للبلاد وإصلاح نظامها الإداري وتعزيز قضاءها لكنه يواجه مقاومة شرسة من اللجان الثورية الرافضة لانطلاق قطار الإصلاحات في البلد والمنتفعين من الأوضاع الحالية .
ويذكر أن سيف الإسلام في أول مواجهة له مع أركان اللجان الثورية من المتنفذين في أجهزة الدولة كان قد وصفهم بالقطط السمان، ويرى المتابعون لمجريات الأحداث أن ما قام به سيف هو "حركة طفولية عفوية" وحماس شبابي .
فيما يرى شق آخر أن سيف الإسلام شاب ذكي وليبرالي، وقد سعى بتلك الحركة إلى تحييدهم واستمالة رموزهم البارزة مثل وزير الخارجية الحالي موسى كوسة (كان يدير جهاز المخابرات) ومدير المخابرات السابق وعديل والده عبد الله السنوسي، وبعض القيادات الشابة الأخرى فى اللجان الثورية والمناوئة للشخصيات التقليدية الذين يمثلون التيار المحافظ .
محدثنا الذي رفض ذكر اسمه يقول :" الذين وصفهم سيف الإسلام بالقطط السمان، هم من تصدوا في السابق لكل محاولات الاستيلاء على الثورة ونجحوا في بناء وحدات أمنية وعسكرية تحت مسميات مختلفة تستهدف حماية الثورة وفى الواقع حمايتهم هم شخصيا بحكم استفادتهم من النظام الحالي، حيث تمكن هؤلاء وخلال فترات طويلة من عمر الثورة حماية النظام وقائده والالتحام معه في الوقت الذي كان النظام يواجه العالم كله متمردا على نهج وإرادة أمريكا، هذا ما سهل لهم التأسيس لكيانات اجتماعية خاصة بهم وثروات وقدرات عسكرية وأمنية تمكنهم من البقاء والاستمرار في مواجهة أي رياح تغييريه، و التي دعا إليها سيف الإسلام مع مجموعة الشباب الذين كانوا بالخارج أو من كانوا في الجبهة المضادة، ووفقا لهذه الصورة لن يسمح له بقيادة ليبيا وبهذه النماذج التي كانت في الضفة الأخرى ولو أدى الأمر إلى إفشال مشروعه الاصلاحى".
أما المحامي والنقابي الأستاذ عبد السلام المسماري فيرى أن الصراع القائم بين سيف الإسلام واللجان الثورية أو ما يسمى بالحرس القديم غير حقيقي، بدليل أن سيف الإسلام ذاته أعلن في خطابه في 20/8/2008 أن الحديث عن هذا الصراع نوع من الوهم.
إبراهيم قويدر يؤكد بقوله : "لدي القناعة التامة بأنه لا يوجد لا حرس قديم ولا فريق مناهض لسيف الإسلام، فقط يوجد قائد منحته السلطة التشريعية صلاحيات ترقى لاعتبار توجيهاته بقوة القانون، وهو يمارسها غير ذلك فالجميع يعمل في إطار تنفيذ توجيهات وقرارات فقط، بالتالي فإن عملية التوريث في ليبيا غير مطروحة بشكل واضح ورسمي أو غير رسمي، المتداول أن تمنح الفرص للشباب لقيادة مواقع مختلفة في البلاد، ووفقا للخلفيات التي سبق طرحها سيكون في مقدمتهم أبناء القائد وأبناء أعضاء القيادة التاريخية من بعدهم وأبناء الضباط الذين ساهموا في الثورة يوم الفاتح من سبتمبر، وهذا ليس سرا بل معلن، وقيل في عدة لقاءات رسميه معلنة".
وفي شأن الحرس القديم الذي يسعي إلى الاستمرار في نفس الأوضاع السابقة بما يمثله من حصن للدفاع عن البنية الأساسية للنظام، وعلاقته مع كل ما يطرح من مشاريع أصلاحية، يوضح لنا محدثنا المجهول الاسم الذي يقول :"بحكم قدرة معمر القذافي على إدارة الأمور فهو الماسك الوحيد بمفاتيح اللعبة والتي يجيد تداولها للمناورة وامتصاص الضغوط الداخلية والخارجية، ومن خلال عملية صهر لما يسمى بالمعارضة، وتحت إشرافه شخصيا ومن خلال إظهار شخصية سيف الإسلام كمسئول عن هذه المصالحات لتحقيق قبوله شعبيا محليا وخارجياً، تم تخريج هذه العملية من خلال غسيل أمنى لهذه القيادات المعارضة بما سمي (بالمراجعة) للإسلاميين واستخدام لفاعلية أطراف أخرى دخلت على الخط يستفاد من وجودها، واحتراما للشارع الليبي تم استقدام عدد من المشايخ والوعاظ العرب من مصر ودول الخليج، إحدى هذه المبادرات أثمرت إطلاق سراح أكثر من مائتي كادر من المعارضة الإسلامية المسلحة، لكي تصب في جهود سيف الإسلام لتعزيز موقعه وإعادته إلى صدارة الملعب السياسي وترمم الصورة الشاحبة التي بدا عليها في الأشهر الأخيرة، في ظل سطوع نجم الحرس القديم."
أما لماذا انحصرت قضية التوريث بين أبناء القذافي يؤكد المحامي عبد السلام المسماري أن الحديث المتصل بقضية التوريث وانحصارها في عائلة معينة لا تقتصر على الحالة الليبية، فبعد تجربة بشار الأسد في سوريا، أصبح الحديث عن إمكانية تحول كثير من الدول العربية إلى جمهوريات وراثية، بالتزامن مع صعود نجم أبناء رؤساء أو زعماء تلك الدول في الساحة السياسية كجمال مبارك في مصر وأحمد عبد الله صالح في اليمن، والملاحظ أن الرابط المشترك بين كل هذه الحالات هو نفي" أولياء العهد المفترضين" وآبائهم الزعماء لفكرة التوريث، بينما تظهر على الساحة السياسية خطوات عملية ترسخ هذه الفكرة، في ليبيا نجد أن الأمر يتصادم أيضاً مع أسس الأيديولوجية السياسية المتبعة في البلد ومن المؤكد أنه لا منطقية في القول بعدم توافر دولة ما على العديد من أبنائها المؤهلين لقيادتها".
أما كيف يرى المسماري مستقبل ليبيا السياسي ؟ فيرد : "في غياب الدستور الذي ينظم ويؤطر العلاقات بين الدولة والمواطن وبين مؤسسات الدولة بعضها ببعض، يكون الحديث عن المستقبل السياسي ضرباً من التخمينات البائسة، والحقيقة ليس ثمة مخرج في رأيي المتواضع من هذا الوضع إلا بإعادة اكتشاف أهمية الدستور، إلا أننا ننظر بأمل لمستقبل ليبيا وتفاؤل ينبع من الثقة في أن الشعب الليبي يستطيع في كل مراحل تاريخه أن يبتدع آليات التعامل مع كل أزمة وتجاوزها".
هذه هي الجماهيرية الليبية أطياف قبلية متباينة، لا يمكن التكهن لسيف الإسلام أو غيره من تولي القيادة دون الرجوع إلى المنظومات القبلية القوية، وأي حديث آخر دون الرجوع للقائد معمر القدافي ربما يؤدى إلى إشعال حالة حرب لن تخمدها حتى الأمم المتحدة أو جيوش العالم كلها، لان ليبيا صحراء مترامية عاشت تجربة التمرد طويلا في مواجهة الطغاة والاستعمار ...