وطبع هذا العام حدثان، الأول غياب الزوجة والحبيبة الإعلامية الزميلة جيزيل خوري في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بعد معاناة مع المرض، بما مثلته في حياة سمير من قيمة ومعان، ومن تحمل لمسؤولية المسيرة بعد غيابه الكبير، لاسيما في “مؤسسة سمير قصير” المعروفة بدفاعها عن الحريات.
والحدث الثاني يتمثل بجلجلة غزة وجنوب لبنان. وهنا يحضر سمير بنضالاته التحررية وحيّزه الفلسطيني المنادي بالحق وعودته لأصحابه، والمراجع بدقة والناقد لمسار السياسة الداخلية الفلسطينية، بما يوازي بين تحرير الأرض وتحرّر الإنسان.
 
اعتبر سمير أن القضية الفلسطينية تختصر القضايا العربية. وفي مقال له في “النهار” بعنوان “المفاجأة الفلسطينية الدائمة” بتاريخ 14 كانون الثاني 2005، كتب: “في ما مضى، كانت فلسطين تفاجئ العرب بقدرة شعبها الهائلة والمتجدّدة على الاستعصاء وباستنباطها سبل المقاومة من لا شيء. لم يختفِ الاستعصاء الفلسطيني، ولا انتهت إرادة المقاومة، وفي ذلك إعجاز كبير بذاته. لكن المفاجأة الجديدة تأتي من درس الحياة الذي يعطيه الشعب الفلسطيني وسط الموت الذي يتهدده…”.
سمير قصير يعدُّ من رموز الثورة الفكرية والثقافية والتحررية العربية قاطبة وليس فقط ضمن الدائرة اللبنانية. نشأ في الأشرفية، ودرس في الليسيه الفرنسية، قبل أن ينتقل إلى باريس عام 1981، بعد ست سنوات من اندلاع الحرب، ليتابع دراسته الجامعية، فحصل عام 1984 على دبلوم دراسات معمّقة في الفلسفة والفلسفة السياسية من “جامعة السوربون” (باريس الأولى)، ثم عام 1990 على شهادة دكتوراه في التاريخ المعاصر من جامعة باريس الرابعة. كتب خلال إقامته الباريسيّة مجموعة من المقالات لصحيفتَي “الحياة” و”اللوريان لوجور”، كما كتب لمجلة “لو موند ديبلوماتيك” الفرنسية، والتزم بالمساهمة الدورية في أسبوعية “اليوم السابع” وفي النسخة الفرنسية لمجلة الدراسات الفلسطينية.
في العام 1992، تشارك سمير قصير مع صديقه المؤرّخ والناشر السوري فاروق مردم بك في كتابة “مسارات من باريس إلى القدس: فرنسا والصراع العربي الاسرائيلي” الذي يرصد في جزءين (بالفرنسية) تاريخ السياسات الفرنسية في المشرق العربي، المتعلقة بالنكبة الفلسطينية وبالصراع العربي الإسرائيلي.
 
وبعد صدور الكتاب بسنة واحدة، عاد سمير إلى بيروت ليدرّس في دائرة العلوم السياسية في “جامعة القديس يوسف”، ولينضم إلى مؤسسة “النهار”، مديراً لدار نشرها، وكاتباً في يوميّتها. في العام 1994، نشر كتابه الثاني بالفرنسية “الحرب اللبنانية: من الانقسام الأهلي إلى الصراع الإقليمي” المستند إلى أطروحته الجامعية والمحلّل ديناميات الحرب وتداخل العناصر الداخلية والخارجية فيها بين العامين 1975 و1982. وقد صدرت ترجمته العربية عام 2008.
وفي العام 1995، أطلق مجلة “لوريان أكسبرس” الفرنكوفونية الشهرية، وأسس دار “الليالي”، ناشراً فيها عدداً من الكتب الجامعة مقالات “لوريان إكسبرس”، ثم مجموعة جميلة من ملصقات الحقبة الكولونيالية التي تصوّر مدناً ومنتجعات متوسطية، ومجموعة ثانية من ملصقات الأفلام المصرية. شكّلت مقالات سمير قصير وافتتاحياته في “النهار” في نهاية التسعينيات ومطلع الألفية الثانية أبرز ما كُتب في مواجهة هيمنة النظام السوري على لبنان وحكم الرئيس إميل لحود وأجهزته الأمنية، الأمر الذي عرّضه لمطاردات وملاحقات ترهيبية من جهاز الأمن العام اللبناني آنذاك.
 
في العام 2003، نشر كتابه “تاريخ بيروت” بالفرنسية، وفيه يروي تاريخ المدينة وعائلاتها وثقافتها واقتصادها وتطوّرها العمراني والمديني والاجتماعي، ويوثّق لعلاقتها بسائر المناطق اللبنانية والحواضر العربية والمتوسّطية. وأتبع هذا الكتاب بكتابين بالعربية صدرا عام 2004، “ديموقراطية سوريا واستقلال لبنان” و”عسكر على مين”، وفيهما مجموعة من مقالاته المنشورة في “النهار” والمركّزة على الترابط بين قضية التغيير الديموقراطي في سوريا والاستقلال في لبنان من جهة، وعلى التنافر بين قضايا الحرية وقيم الجمهورية وسلطة العسكر من جهة أخرى.
ونشر كتاباً جديداً بالفرنسية عنوانه “تأملات في شقاء العرب”، عن أسباب إجهاض النهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر.
 
شارك سمير قصير ابتداء من العام 2003 في تأسيس “حركة اليسار الديموقراطي”، وانتُخب في مؤتمرها التأسيسي في تشرين الأول 2004 عضواً في المكتب التنفيذي. وساهمت كتاباته في توجيه أدبيات الحركة السياسية ومواقفها لجهة الدعوة إلى استقلال لبنان عن هيمنة البعث السوري، وإلى التغيير السلمي والعلمنة والعدالة الاجتماعية وبناء دولة الحق والقانون.
 
بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005، شارك سمير بفاعلية في إطلاق الانتفاضة الشعبية بوجه الهيمنة المخابراتية السورية، وكان له الفضل الأبرز في تسميتها “انتفاضة الاستقلال”، تأكيداً لطابعها الوطني الاستقلالي، وربطاً لها بالانتفاضة الفلسطينية بوجه الاحتلال الإسرائيلي عام 1987. وصارت مقالاته في “النهار” صوت الانتفاضة الأشد تعبيراً عن روح الثورة السيادية، إلى أن استُشهد على أيدي عتاة الإجرام المترصد برموز الحركة الاستقلالية والتحرريّة.