يعتبر جوتيريز /65عاما/ أحد أهم أعلام الأدب الكوبي المعاصر، لا يضاهيه في مكانته سوى ليوناردو بادورا. ولكن جوتييريز تنطبق عليه تماما مقولة "لا كرامة لنبي في وطنه". بالرغم من ذلك، في الآونة الأخيرة بدأت كتبه تلقى صدى في الجزيرة، إلا أن انتشارها يظل أقل بكثير مقارنة بالترحيب الذي يلقاه في الخارج.
يعتقد جوتيريز أن "التعتيم الذي تتعرض له أعمالي متعمد"، بالرغم من أن معظم أعماله تدور في قلب العاصمة الكوبية، ربما بسبب النبرة الحادة التي يتناول بها تفاصيل الحياة. ومع ذلك احتفت العاصمة الكوبية بثلاثة من أعماله خلال معرض هافانا الدولي للكتاب الذي أقيم الشهر الماضي. وتتضمن هذه الأعمال قصص وقصائد لم تنشر من قبل.
يقدم الكاتب، الروائي والشاعر الكوبي نفسه على أنه ممثل لما يعرف بتيار "الواقعية القذرة"، والذي تأسس على يد الصحفي الأمريكي بيل بوفورد عام 1970، ولكن بلمسة كاريبية، حسب قوله، حيث تعكس نصوصه دوما الجانب الأكثر انحطاطا وبؤسا في هافانا في عالم موسوم بالفقر والعنف والجنس المفتوح بلا حدود وسط كئووس من الشراب الرخيص بوسط هافانا، خاصة حي ماتانزا أو "المذبحة" مسقط رأس الكاتب، والذي يتردد عليه من حين لآخر خلال العقود الثلاثة الأخيرة التي عاشها بالخارج.
وكانت شهرة جوتيريز قد تجاوزت الأفاق بعد نشر ثلاثيته المثيرة للجدل "هافانا القذرة"، والتي يقدم من خلالها موزاييك يصور مدى بشاعة الحياة في الحي الذي شهد مسقط رأسه، خلال ما عرف بالمرحلة الخاصة خلال عقد التسعينيات، بعد سنوات من انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو أهم حدث أثر على وضع الثورة الكوبية ومواردها بل وأدى إلى حدوث انهيار اقتصادي في الجزيرة.
في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية ( د .ب. أ ) يقول جوتيريز "إنها أعمال تفيد كل من يريد أن يبحث في تطورات تاريخ هافانا خلال حقبة التسعينيات. يجب أن نسجل شهادتنا على ما حدث آنذاك، خاصة وأن الصحافة كانت مسيسة ومن ثم من سيبحث لن يجد شيئا".
يتابع الأديب الكوبي الشهير "لقد كانت سنوات عصيبة على كل أبناء جيلي، وعلى كل أولئك الذين آمنوا بمشروع سياسي". كان جوتيريز يعمل آنذاك صحفيا براتب مزري كان يكفيه بالكاد لشراء ثلاثين بيضة.
يذكر أنه في عام 1994 بدأت ظاهرة نزوح السكان على أطواف فرارا من الوضع على الجزيرة، وهو ما عاينه الكاتب بنفسه من فوق سطح منزله المواجهة للكورنيش أو ممشى هافانا البحري، يقول "شعرت بالخزي والعار وأنا أشاهد كل هذا وسيظل العار يلاحقني طيلة حياتي".
بعد عدة أسابيع من اندلاع الظاهرة بدأت حكومتا الولايات المتحدة و كوبا التدخل في الأمر، حيث توصلتا لاتفاق في أيلول/ سبتمبر من العام ذاته بشأن قضية الهجرة، والذي يعد واحدا من آليات الحوار التي صمدت حتى الآن إلى أن بدأ ذوبان جليد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. بدأ جوتيريز يكتب ثلاثيته بعد شهور قليلة من هذه الأحداث.
تضم مؤلفات الكاتب الكوبي أعمالا محورها الأساسي الحياة بوسط هافانا، ومن بينها "ملك هافانا" 1999، "حيوان استوائي" 2002، و"الرجل العنكبوت الذي لا يشبع" 2002، و"لحم كلب" 2003.
"حياة الناس الفقراء، تعد المحور الرئيسي لمعظم أعمالي، ماذا يفعل الفقر بالناس، وكيف تدمر حياتهم. البؤس والفقر والعيش في بلد نامي. كيف يدمر الناس على كافة الأصعدة، فكريا وبدنيا وأخلاقيا، كل ما يفعله الفقر هو تحويل حياتك إلى جحيم"، يحكي الروائي الكوبي عن خبراته مع هذا العالم.
بالرغم من أن جوتيريز فقد عمله كصحفي بعد نشر ثلاثيته عام 1998، ومر بعدة سنوات في غاية السوء والتوتر في علاقته بالنظام، نشر له في كوبا حتى الآن 17 كتابا، ليس من بينها "الثلاثية"، ولكن "ملك هافانا" أجيزت، بالرغم من أنها تتناول المصاعب التي تعرض لها شاب كوبي خلال "الفترة الخاصة". ومن المقرر تحويل الرواية إلى عالم السينما قريبا، وسوف يقوم بذلك المخرج الإسباني أوجوستي بيارونجا.
ويؤكد جوتيريز عدم اهتمامه بالتحليل السياسي أو النظرة التاريخية ، موضحا أن كتبه لا تسعى لطرح تقييم، بل استعراض اللحظة كما هي بما لها وما عليها. أما كتابه القادم فسوف يتناول فيه ماضيا أكثر عمقا. ومن المقرر أن تحمل الرواية عنوان "فابيان والفوضى" ومن المقرر أن ينشر في إسبانيا اعتبارا من أيلول/ سبتمبر وتشرين أول / أكتوبر من العام الحالي.
يوضح جوتيريز أن "إنها رواية تنتمي بكل تفاصيها لأدب السيرة الذاتية. بطلها عازف بيانو مثلي، وتدور أحداثها في فترة الستينيات والسبعينيات حيث كان يتم ملاحقة المثليين".