نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :


تنقية النفوس قبل تعديل النصوص ....سجال طائفي ملتبس في لبنان حول إلغاء الطائفية السياسية




بيروت - حسن عباس - تهيمن على الحياة السياسية اللبنانية اليوم السجالات حول "إلغاء الطائفية السياسية". المبدأ مذكور في "إتفاق الطائف" الذي اوقف الحرب اللبنانية الأهلية واوصى بتعديلات على الدستور اللبناني. وهو مذكور في الدستور اللبناني نفسه الذي ينص في المادة 95 منه على انشاء "هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية".


الفرقاء والطوائف في احدى جلسات الحوار الوطني اللبناني
الفرقاء والطوائف في احدى جلسات الحوار الوطني اللبناني
لكن تطبيق هذا المبدأ يثير مخاوف المسيحيين اللبنانيين الذين يخشون من أن يؤدي تفعيله الى خسارتهم بعض مواقعهم في السلطة، خاصة وأنّهم باتوا يشكلون أقلية ديمغرافية في لبنان، قياساً على المسلمين.
يعني "إلغاء الطائفية السياسية" في لبنان التخلي عن قاعدة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في المقاعد النيابية وفي وظائف الفئة الاولى. كما يعني عدم تكريس أيّ موقع لأيّة طائفة في لبنان. يرى المسيحيون ان تفعيل هذا المبدأ في النصوص في ظل هيمنة الوعي الطائفي على ابناء الطوائف اللبنانية لا يؤدي الى تطور النظام السياسي اللبناني، بل يؤدي الى خسارة المسيحيين بعض مواقعهم في السلطة السياسية والوظائف الإدارية لمصلحة المسلمين. ومن هنا أثار طرحه حديثاً عاصفة سياسية في لبنان.

الأزمة بدأت مع طلب رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه برّي، خلال ترؤسه اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس، تقديم اقتراحات بأسماء لتشكيل "الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية" تمهيداً لـ"السير بالإجراءات مباشرة في ما يتعلق بالهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية."
وتطرّق رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان في كلمة ألقاها مساء الذكرى السادسة والستين لاستقلال لبنان الى المسألة معتبراً "ان هنالك ثمة حاجة إلى تشكيل الهيئة المذكورة ولتطوير قانون الانتخابات النيابية لإنتاج التمثيل الأفضل وإعادة حقوق المغتربين، بما فيها حق الجنسية والانتخاب، وذلك بغية الحفاظ على المشاركة الكاملة، بما لا يناقض ميثاق العيش المشترك." واضاف قائلاً "ان الشرط الضروري لإنشاء هيئة إلغاء الطائفية السياسية هو التوافق طبعاً، وذلك بعيداً عن المحاصصة، وعلى قاعدة توزيع المسؤوليات لا التنازع على الصلاحيات." وبذلك اضاف الى طرح برّي شرطي إعادة حقوق المغتربين والتوافق. فالمسيحيون اللبنانيون يربطون إلغاء الطائفية السياسية بإعطاء حق الاقتراع للمغتربين اللبنانيين على اعتبار ان اكثريتهم من المسيحيين.

الرئيس برّي علل طرحه في حديث الى صحيفة "الشرق الاوسط" بأنّه "إذا لم تُنشأ الهيئة الآن فلا أعتقد أن لبنان يستطيع البقاء". وحذّر من أن "لبنان الآن أمام عدوين، عدو في الداخل اسمه الطائفية السياسية، وعدو في الخارج اسمه إسرائيل"، معتبراً ان عرقلة القضاء على الاوّل يخدم الثاني.
واوضح ان طرحه ليس جديداً، فهو كان قد قدّمه في الاول من كانون الاول سنة 1995، مضيفاً أنه "لقد أجرينا الاستشارات اللازمة مع الفاعليات، ولما لم نجد كهيئة مكتب المجلس النيابي التجاوب اللازم، صرفنا النظر مؤقتاً عن الموضوع تحيّناً لفرصة أخرى".
ودعا البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، تعليقاً على طرح برّي، الى وجوب إلغاء الطائفية من النفوس قبل النصوص. ما حدا ببرّي الى القول: "شكراً لهذه النصيحة التي عمرها من عمر الانتداب، ولكننا سنأخذ بها تماماً بإلغاء الطائفية من النصوص والنفوس معاً، لا على طريقة البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة".

يثير الطرح حالياً سجالات حادّة بين الأفرقاء السياسيين اللبنانيين رغم تأكيد برّي أن "تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية لا يعني إلغاء الطائفية الآن أو بعد سنة أو سنتين"، ورغم عدم تحديدة مهلاً زمنية للتنفيذ وقوله: "أحلم لمن يأتي من بعدنا بعد عشرات السنين أن يحقق هذا إذا أنشأنا الهيئة الآن".
دخلت كتلة تيار المستقبل النيابية السجال، ورأت في بيان لها أن الطرح من حيث المبدأ "خطوة على طريق إستكمال تطبيق إتفاق الطائف، كما أنها خطوة على صعيد تحقيق اللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس الشيوخ"، مشيرة في الوقت عينه إلى أن بحث هذه الأمور "يتطلب إختيار الوقت المناسب لطرحها". وهي بذلك فضّلت التضامن مع حلفائها المسيحيين، خاصة وأنهم ممتعضون من تشكيلة الحكومة اللبنانية التي يعتبرون انها لم تفهم حقوقهم، دون تحاملها على المبدأ نفسه.
أدّى طرح "الغاء الطائفية السياسية" الى تضامن كافة الافرقاء المسيحيين المنتمين الى الموالاة كما المعارضة على رفضه. فقد أكد عضو كتلة نواب "القوات اللبنانية" النائب انطوان زهرا "ان إلغاء الطائفية السياسية في ظل وجود احزاب طائفية وقبل حل الميليشيات وفي ظل غياب التوازن في البلد هو دعوة للمسيحيين المتبقين الى توضيب اغراضهم والرحيل من البلد".

كما رأى رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون أن "إلغاء الطائفية السياسية لا يمكن ان نعمل به طالما ان الطوائف تلزم المواطن باموره اليومية"، متمنياً على الرئيس نبيه بري استرداد الطرح لدراسته بعيداً عن الضوضاء.
واعتبرت "حركة التجدد الديموقراطي" التي يترأسها الوزير السابق نسيب لحود "أن ضمان مستقبل لبنان يتوقف من حيث المبدأ على بلوغ الدولة المدنية القائمة على الانتماء المواطني والمساوة التامة في الحقوق والواجبات. وبلوغ الهدف يتطلب مساراً تدريجياً هادئاً تتخلله إجراءات فعلية لبناء الثقة بالتزامن مع تعزيز المساحات العامة التي يتشارك فيها المواطنون بمعزل عن انتمائهم الطائفي".
ورأى حزب "الكتلة الوطنية" الذي يترأسه النائب السابق كارلوس إدّه أن "دعوة رئيس المجلس النيابي المفاجئة لوضع آلية للشروع بإلغاء الطائفية السياسية كلام حق يراد به باطل وإن البدء بإطلاق مشروع البحث في إلغاء الطائفية السياسية يبدأ أولاً بإلغاء السلاح والميليشيات الطائفية ويليه إلغاء الأحزاب الدينية والمذهبية والمرتبطة بأيديولوجيات خارجية". واضاف "ان طرح المسألة اليوم غايته الالتفاف على قضية السلاح خارج إطار الدولة ويذكرنا بالتكتيكات التي كان يلجأ إليها السوريون كلما ارتفع صوت مطالباً بإنجاز السيادة وتحقيق الانسحاب العسكري".
وأعلن حزب "الوطنيين الأحرار" الذي يترأسه النائب دوري شمعون أن "إثارة إلغاء الطائفية السياسية استلهام للمعادلة السورية للرد على حصرية مرجعية الدولة بالنسبة الى السلاح وقرار الحرب والسلم". ورفض "البحث في أي مسألة خلافية في ظل وجود السلاح غير الشرعي"، مؤكداً أن "الأولوية هي لحسم الاستراتيجية الدفاعية بما يضمن قيام الدولة الواحدة الموحدة صاحبة الكلمة الفصل". واعتبر ان "أكثر المغالين في الدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية هم المسكونون بالطائفية التي تطبعهم عقيدة وأداء؟".

واعتبر النائب سامي الجميّل، نجل رئيس الجمهورية اللبنانية السابق امين الجميّل انه لا يمكن الغاء الطائفية السياسية في ظل وجود احزاب تنتهج ايديولوجيات دينية، وقبل نشوء احزاب علمانية في كافة الطوائف اللبنانية.
طرح برّي لاقى استحسان ودعم رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان. فقد اعتبر في رسالة عيد الاضحى انه "يجب دعم إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية ليتساوى كل اللبنانيين في الحقوق والواجبات، ويجب ان يكون لبنان وطناً للجميع يحتضن كل أبنائه على اختلاف طوائفهم ومناطقهم".
السجال الأحدّ حول الموضوع دار بين رئيس الهيئة التنفيذية في "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وبين المعاون السياسي للرئيس برّي، النائب علي حسن خليل. فقد اعتبر جعجع أن "طرح الرئيس بري تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية في هذا الوقت بالذات، غير مفهوم بديهياً، فالاصطفافات الطائفية في لبنان غير خافية على أحد، وبالنسبة لنا فإن إلغاء الطائفية السياسية يعني إلغاء الطائفية بأوجهها كافة، وكل بحث غير ذلك هو بحث عقيم".
واشار الى أن "هذا الموضوع طُرح بهدف التغطية على موضوع آخر". وأكد ان إلغاء الطائفية السياسية "يتطلب بسط سلطة الدولة على كل أراضيها"، ولفت الى انه "عندما يبدأ البحث جدياً في الموضوع، فإن حزب الله هو أول من سيهب لإلغاء الموضوع برمته". واعطى للمسألة بعداً آخر بتأكيده أن اتفاق الطائف لم يأت على ذكر المقاومة أو "حزب الله"، مشدداً على أن "وجود "حزب الله" كما هو حالياً يعرّض لبنان للمخاطر".

كلام جعجع اثار خليل، فعقد مؤتمراً صحافياً في ساحة النجمة قال فيه: "نحن نقول بتشكيل الهيئة الوطنية والتي ستكون مهمتها البحث عن السبل الآيلة أو التي تؤدي الى إلغاء الطائفية السياسية وبالتالي ربما نحتاج الى عقود من الزمن لنصل الى الاتفاق والتوافق على برنامج عملها وعلى تشكيلها وعلى النتائج التي ستصل إليها". وبعد هجوم حاد على جعجع، أوضح أن "بري لا يتحدث عن إلغاء الطائفية السياسية مباشرةً، بل عن تطبيق نص دستوري هو المادة 95 الواضحة، ومن مسؤوليته وواجبه أن يطرح هذا الأمر، فهو سيبقى الحريص والحارس على تطبيق الدستور".
يبقى السجال السياسي حول إلغاء الطائفية السياسية محور الحياة السياسية اللبنانية في هذه الايام، ومن المتوقع ان يستمر تفاعله على المدى القريب، ثم إقفاله دون التوصل الى نتائج، كما تتم معالجة الامور السياسية الحساسة في لبنان.


حسن عباس
الاثنين 30 نونبر 2009