الخبير الاقتصادي مصطفى نصر
فالبطالة المتفشيـة في أوساط الشباب وحالة الفقر التي يعيشها نسبـة كبيرة من اليمنيين مقابل استئثار قلة في السلطة بعائدات الثروات النفطية تدفـع الجميع إلى البحث عن مشاريع بديلة كالالتحاق بصفوف القاعدة أو الانضمام للقتال مع المتمرديـن في الشمال، بينما دفعت هذه الأوضاع فصيل من اليمنيين في الجنوب إلى المطالبـة بالانفصال.
غير أن ثمـة علاقة عكسية بين الاضطرابات التي تعيشها البلاد والتدهور الاقتصادي، فإذ أن الأولى نتجت عن عدة أسباب بينها الأخير، فقد قضت تلك الاضطرابات بالمقابل على التنميـة بمعناها الحقيقي وتحولت الموازنة العامة مجرد إنفاق على المرتبات ليس أكثر وذلك بسبب الفساد المتفشي وسؤ إدارة الحكومـة اليمنية. حسبما يؤكد خبراء اقتصاديون.
وفي هذا الصدد، يتحدث رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر إلى "صحيفة الهدهد الدولية" عن أسباب تدهور العملة الوطنية والآثار المترتبة عن ذلك، فضلاً عن تأثيرات تراجع أسعار النفط ونضوبـه على بلد يعتمد في موارده بشكل شبه كلي على العائدات النفطيـة... فإلى الحوار...
* تشهد العملة اليمنية "الريـال" هذه الأيام تدهورا مستمرا أمام الدولار ، ما السبب برأيك؟
يعد التدهور الحالي في العملة الوطنية الريـال امام الدولار انعكاسا طبيعيا للاختلالات التي يعيشها الاقتصادي اليمني بشكل عام والاختلالات في السياسة النقدية اليمنية بشكل خاص.
ومن المعروف ان اليمن يحصل على العملة الصعبة من مصادر خارجية تتمثل ابرزها بعائدات مبيعات النفط وعائدات الصادرات، وهذا المصدر تأثر كثيرا خلال العام الماضي والعام الجاري تمثلت بتراجع الصادرات النفطية وحالة الشلل يعانيها القطاع السياحي وقطاع الاسماك، ناهيك عن تدهور الكثير من القطاعات وتراجع تحويلات المغتربين. كل هذا تسبب في ما يحدث للعملة الوطنية من خضات عنيفة قد تجعل الاقتصاد اليمني الاعلى في نسبة التضخم بين كافة الدول العربية.
* طوال السنوات الماضية كانت الحكومة تضخ الى السوق مئات الملايين من الدولارات للحفاظ على قيمة العملة الوطنية أمام الدولار وفعلت هذا خلال الأيام القليلة الماضية، لكن تدهورا كبيرا حدث خلال الإسبوع الماضي هل أصبح هذا الإجراء الحكومي غير مجديا؟ وهل تتوقع مزيد من التدهور خلال الأيام القادمة؟
كان ذلك الاجراء رغم كونه مجرد مسكن نافعا إلى حد ما خلال الفترة الماضية، لكنه لم يعد مجديا في المرحلة الراهنة، وما يواجهه الاقتصاد اليمني من ضغوط يجعل القائمين على السياسة النقدية مضطرين لاعادة النظر فيها. نحن بحاجة إلى اجراءات عملية تؤدي إلى انعاش الاقتصاد اليمني وتعزيز مستوى النمو الاقتصادي، بحاجة إلى خطط تعزز من الصادرات غير النفطية وتنمي حركة الاستثمار لاسيما في التنمية البشرية.
اما بالنسبة للتوقعات في اعتقادي ان الايام القادمة سنشهد مزيد من التدهور للعملة الوطنية وفي حال ظلت نفس المعطيات الحالية وكانت الاجراءات الحكومية المتبعة بنفس الاليات الحالية سيتجاوز سعر الدولا250 ريـال للدولار الواحد.
* هل لذلك علاقة بالأوضاع الأمنية السيئة والحرب في الشمال والقلاقل في الجنوب، والمواجهات مع القاعدة؟
تمثلت أول ضربة للاقتصاد اليمني في الأزمة المالية العالمية، وكان ذلك من خلال تراجع اسعار النفط التي وصلت إلى أدنى مستوياتها 38 دولار للبرميل وبما أن اليمن يعتمد بدرجة اساسية على مورد النفط فقد تراجعت موارده بنسبة تصل إلى 75% ، وعندما بدأ العالم يتعافى من تأثير الأزمة المالية دخلت اليمن في أزمات أخطر تمثلت في القرصنة البحرية وحرب صعدة والحراك المقلق في الجنوب وأخيراً الحرب على القاعدة ... وما سبق قضى على التنمية بمعناها الحقيقي، واصبحت الموازنة العامة مجرد إنفاق على المرتبات ولا شيء أكثر.
* ما هي التأثيرات المترتبة على تدهور العملة وهل سيؤثر ذلك بشكل مباشر على حياة المواطن العادي من خلال ارتفاع أسعار السلع مثلا؟
بالتأكيد سيكون هناك تأثير سلبي كبير على المواطنين، وكما قلت سابقا ان التدهور الحالي في سعر الريـال سيجعل اليمن الاولى عربيا من حيث التضخم وإرتفاع الأسعار، فالإقتصاد اليمني يستورد معظم احتياجاته من الخارج بالدولار والعملات الصعبة الأخرى، وعندما تتراجع أسعار الريـال يدفع المواطن ذلك الفارق من جيبه ... ولا يتوقف التأثير على ارتفاع الاسعار فقط، بل ينعكس على الحركة التجارية والاستثمارية بشكل عام، فعندما ترتفع الاسعار يحجم الناس الشراء وتتراجع القوى الشرائية للمواطنين وهذا يقود إلى انكماش اقتصادي وتراجع في مستوى النمو.
* تتحدث تقارير الحكومية عن تراجع في إيرادات النفط بنسب كبيرة بسبب تراجع كميات النفط المستخرجة وتراجع أسعار النفط عالميا .. ما مدى تأثير ذلك في حدوث عجز في الموازنة العامة، وهل تتوقع مزيد من التراجع خلال العام الجديد 2010م ؟
إذا عدنا إلى موارد عام 2009م سنكتشف ان عائدات اليمن من النفط تراجعت بنسبة مخيفة تجاوزت 75%، وبما ان اليمن يعتمد على النفط كمورد أساسي فلك ان تتخيل كيف سيكون الوضع؟
كان الوضع سيئا طبعا، وارتفعت مؤشرات العجز بنسبة تفوق كثيرا النسبة التي قدرت مسبقا عند 7% فقط، لكن الاخطر من ذلك ان الحكومة اتخذت قرارات غير مدروسة تمثلت في تخفيض الانفاق بنسبة 50% وهذا اصاب كثير من القطاعات بحالة من العجز وغياب الانتاجية، وانعكس ذلك بصورة مباشرة على اداء الاقتصاد اليمني بصورة عامة.
* إلى أي مدى يمكن لتصدير الغاز الذي بدأ في أواخر العام الماضي 2009م أن يحد من التأثيرات السلبية لتراجع إيرادات النفط؟
سيعوض جزء من الفاقد في قطاع النفط، لكنه لن يحل مشكلة الموارد في اليمن، فإجمالي ما سيتحصل عليه اليمن ما بين 25 – مليار دولار وفق التوقعات خلال 25 عاما، وهو مبلغ قليل إذا قارنته بحجم الاحتياج، وبإيرادات اليمن من النفط قبل ان يبدأ العد التنازلي لنضوبه، وتراجع اسعاره.
* دائما ما ينصح الخبراء الاقتصاديون بضرورة أن تعمل الحكومة اليمنية على تنمية الموارد البديلة حتى لا تجد نفسها أمام كارثة إذا ما تراجعت كميات النفط المستخرجة بشكل حاد بحسب ما تشير التقارير، لكن شيئا من ذلك لم يحدث فهل تعول الحكومة على مخزون نفطي ومعدني كبير أم أن طريقتها في الإدارة لا تهيئها للقيام بدور تنمية الموارد البديلة؟
الإدارة في اليمن اثبتت فشلها لمواطنيها في الداخل ولاصدقاءها في الخارج، فخلال اكثر من عقد ونصف من بدء الاصلاحات الاقتصادية التي تنفذها اليمن بالتعاون مع البنك الدولي، لم تحقق سوى اصلاحات جزئية تتعلق بالمواطنين كرفع الدعم عن المشتقات النفطية، وغيرها من السلع الاساسية، وإصلاحات مالية بسيطة بدأت بالتلاشي مع تراجع سعر الريـال إلى مستويات قياسية وتناقص الاحتياطي اليمني من النقد الاجنبي.
ولو تحسن الادارة في اليمن، اي نفذت الاصلاحات المتعلقة بالحكم الرشيد، لوجدت اليمن الكثير من الفرص البديلة للنفط والغاز، فاليمن يمتلك مخزون كبير من الثروة المعدنية، كما يمتلك فرص بديلة تتمثل بالقطاع السمكي والقطاع السياحي، ويمتلك مخزون كبير من العمالة الرخيصة لو احسنت الحكومة تأهيلها وإعدادها إلى سوق العمل.
* مؤتمر لندن للمانحين في نهاية 2006 خرج بمخصصات لليمن وصلت إلى قرابة خمسة مليار دولار، لكن الحكومة أبدت ضعف في قدرتها لاستيعاب ذلك المبلغ، فهل تعتقد أن ذلك سيشكل قناعات لدى المانحين بعدم جدوى تقديم مزيد من المعونات، وما البديل أمامهم في هذه الحالة؟
هم يعرفون ان الحكومة اليمنية فاسدة، لكن الخارج سواء دول الخليج او الدول الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ليس امامهم خيار إلا دعمها لكي لا تتحول إلى دولة فاشلة، وتكون نتائج ذلك سلبا على استراتيجياتهم ومصالحهم في المنطقة.
وكما ذكرت فإنه ورغم قلة ما تحصل عليه اليمن من مساعدات ومنح خارجية مقارنة بدول شبيهة فإن القدرة الاستيعابية للحكومة اليمنية ضعيفة جدا، وهذا لايعود إلى عدم وجود كفاءات لتنفيذ المشاريع ولكن لوبي الفساد هو المسيطر على مفاصل مهمة في الدولة، وأية مشاريع يشعر أنها ستنفذ بطريقة نزيهة وشفافة لن يستفيد منها، لذلك يعمل على عرقلتها.
وفي اعتقادي ان هناك العديد من البدائل التي يمكن السير فيها لتصحيح الاخلالات منها ما هو استراتيجي، ومنها ما هو آني ... فعلى سبيل المثال كان هناك تجربة رائدة لتنفيذ المساعدات الكويتية لليمن عبر الصندوق الكويتي خلال الثمانينات من القرن الماضي ونفتذ مشاريع بكفاءة عالية داخل اليمن
ويمكن ان تكون هناك تجارب مشابهة لتلك التجربة. اما على المدى الطويل فلابد ان تعمل الدول الصديقة والشقيقة على تعزيز الحكم الرشيد في اليمن، ولن يكون ذلك إلا عندما يتم تغليب مصلحة الشعب اليمني على أية مصالح مؤقتة، لابد من برامج عملية لتحسين بيئة الحكم الجيد أو الرشيد يتزامن مع رغبة جادة في انتشال اليمن من حالة الفقر والتخلف الذي يعيشه.
* أين يكمن أهمية انضمام اليمن لمنظمة الشفافية العالمية؟ وأين وصلت الخطوات التي يجب على الحكومة اتخاذها في سبيل قبولها عضواً في المنظمة؟
كانت اليمن قد بادرت عام 2007م للانضمام المبدئي لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، وهذه المبادرة تحسب لليمن وبالأخص لوزير النفط والثروات المعدنية حينها الاستاذ خالد بحاح. لكن لا يكفي ان ننظم مبدئيا للمباردة إذ لابد لليمن ان تعد تقرير مفصل عن إيراداتها من النفط واسعار المبيعات للشركات النفطية العاملة. وكان هنا المشكلة حيث تشعر الوزارة وشركات النفط امام اختبار صعب، وان القطاع النفطي ما يزال ابعد ما يكون عن الشفافية في اليمن لذلك تفجرت الخلافات داخل مجلس الشفافية اليمني.
وكان اول خطأ تم ارتكابه طريقة تشكيل مجلس الشفافية الذي يفترض ان يتم انتخابه من الشركات النفطية ومنظمات المجتمع المدني وممثلين عن الوزارة، حيث غابت الشفافية في اختيار مجلس الشفافية، وعندما طلب من اليمن إعداد تقريرها لاستكمال مراحل الانضمام للمبادرة، رفضت شركات النفط الافصاح عن المعلومات ...
لذلك نحن في المركز حذرنا في وقت سابق من اسقاط اليمن من المبادرة وعدم اعداد تقرير بصورة عاجلة يوضح كل المطالب الدولية في هذا الشأن، ووصلتني معلومات مؤخرا أن هناك إجراءات لإعداد التقرير، فليس أمامنا سوى الالتزام بالشروط، وإن كنا لم نعرف طبيعة الأرقام التي سيتم إعدادها ومدى مصداقيتها.
* لم تجب .. أين يكمن أهمية انضمام اليمن لمنظمة الشفافية؟ وماذا يمكنها أن تكسبه؟
في حال انضمام اليمن للمبادرة ووفاءها بشروطها المتمثلة بشفافية المعلومات حول التصدير والبيع والشراء ستتحسن مؤشرات الشفافية في اليمن وهذا سيعكس صورة إيجابية على الاقتصادي الوطني من نواحي عدة، أبرزها، ثقة المجتمع الدولي والمانحين بجدية اليمن في مكافحة الفساد والسير في خطى الحكم الرشيد، وبالتالي ستزيد حجم المساعدات والمنح إلى اليمن، أيضا مؤشرات مدركات الفساد مؤشر مهم على البيئة الاستثمارية لأي بلد، فالمستثمرون دول وأفراد عادة ما يراقبون مستوى النزاهة وسيادة القانون في أي بلد قبل أن يقرروا ضخ مزيد من الأموال الاستثمارية، ولعل أكبر طارد للاستثمار في اليمن ما يعانيه من فساد وبيروقراطية وغياب حكم القانون وفي حال تحسن البيئة ولو جزئيا من خلال تحسين إدارة الموادر النفطية سينعكس على بقية القطاعات.
* لماذا ترفض برأيك شركتي النفط العاملتين في البلاد "نكسن وتوتال" الإفصاح عن فواتير وأسعار بيع النفط وحصة الحكومة منها؟ وهل هناك تواطؤ من قبل الحكومة في ذلك لما من شأنه إعاقة عمل مجلس الشفافية.
بالتأكيد هناك تواطؤ، والدليل على ذلك ان الشركتين وغيرها من الشركات ملزمة بموافاة الوزارة بإعتبارها الجهة المشرفة بكل البيانات، لكن بسبب غموض المعلومات وغياب الشفافية في قطاع النفط بشكل عام يجعل هذه الشركات تتحفظ، ويجعل الوزارة غير جادة.
فالمعروف ان قطاع النفط في اليمن ملئ بالألغاز، حتى رئيس البرلمان اليمني السابق الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر عندما سئل عن النفط قال انه يجهل الكثير من المعلومات حوله، والمعروف لدى الجميع ان كثير من الشركات التي تعمل في هذا القطاع من الباطن هي شركات يمتلكها كبار المسئولين أو أبناءهم أو القريبين منهم.
* هل تعتقد أن إدراج اختلاس الأموال والرشوة ضمن قانون لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب من شأنه أن يحد من عملية الفساد المتفشي في الأروقة الحكومية؟ وما هي الآليات لضمان تطبيق هذا القانون؟
يعد إضافة الأموال المتحصلة من الفساد إلى جرائم غسل الاموال خطوة إيجابية نرحب بها، لأنه وعلى صعيد التشريع ستكون هناك أرضية لمكافحة الفساد إذا دعمتها إرادة سياسية جادة تثبت عمليا أنها جادة في محاربة الفاسدين .
لذلك لن تكون هناك جدوى من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب بما تضمنه من نصوص مجرمة للفساد ما لم يتم تفعيله. وفي اعتقادي ان الإدارة الحالية للبنك المركزي اليمني غير مؤهلة لتنفيذ القانون، وما يزال مشورانا طويل في هذا الجانب
غير أن ثمـة علاقة عكسية بين الاضطرابات التي تعيشها البلاد والتدهور الاقتصادي، فإذ أن الأولى نتجت عن عدة أسباب بينها الأخير، فقد قضت تلك الاضطرابات بالمقابل على التنميـة بمعناها الحقيقي وتحولت الموازنة العامة مجرد إنفاق على المرتبات ليس أكثر وذلك بسبب الفساد المتفشي وسؤ إدارة الحكومـة اليمنية. حسبما يؤكد خبراء اقتصاديون.
وفي هذا الصدد، يتحدث رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر إلى "صحيفة الهدهد الدولية" عن أسباب تدهور العملة الوطنية والآثار المترتبة عن ذلك، فضلاً عن تأثيرات تراجع أسعار النفط ونضوبـه على بلد يعتمد في موارده بشكل شبه كلي على العائدات النفطيـة... فإلى الحوار...
* تشهد العملة اليمنية "الريـال" هذه الأيام تدهورا مستمرا أمام الدولار ، ما السبب برأيك؟
يعد التدهور الحالي في العملة الوطنية الريـال امام الدولار انعكاسا طبيعيا للاختلالات التي يعيشها الاقتصادي اليمني بشكل عام والاختلالات في السياسة النقدية اليمنية بشكل خاص.
ومن المعروف ان اليمن يحصل على العملة الصعبة من مصادر خارجية تتمثل ابرزها بعائدات مبيعات النفط وعائدات الصادرات، وهذا المصدر تأثر كثيرا خلال العام الماضي والعام الجاري تمثلت بتراجع الصادرات النفطية وحالة الشلل يعانيها القطاع السياحي وقطاع الاسماك، ناهيك عن تدهور الكثير من القطاعات وتراجع تحويلات المغتربين. كل هذا تسبب في ما يحدث للعملة الوطنية من خضات عنيفة قد تجعل الاقتصاد اليمني الاعلى في نسبة التضخم بين كافة الدول العربية.
* طوال السنوات الماضية كانت الحكومة تضخ الى السوق مئات الملايين من الدولارات للحفاظ على قيمة العملة الوطنية أمام الدولار وفعلت هذا خلال الأيام القليلة الماضية، لكن تدهورا كبيرا حدث خلال الإسبوع الماضي هل أصبح هذا الإجراء الحكومي غير مجديا؟ وهل تتوقع مزيد من التدهور خلال الأيام القادمة؟
كان ذلك الاجراء رغم كونه مجرد مسكن نافعا إلى حد ما خلال الفترة الماضية، لكنه لم يعد مجديا في المرحلة الراهنة، وما يواجهه الاقتصاد اليمني من ضغوط يجعل القائمين على السياسة النقدية مضطرين لاعادة النظر فيها. نحن بحاجة إلى اجراءات عملية تؤدي إلى انعاش الاقتصاد اليمني وتعزيز مستوى النمو الاقتصادي، بحاجة إلى خطط تعزز من الصادرات غير النفطية وتنمي حركة الاستثمار لاسيما في التنمية البشرية.
اما بالنسبة للتوقعات في اعتقادي ان الايام القادمة سنشهد مزيد من التدهور للعملة الوطنية وفي حال ظلت نفس المعطيات الحالية وكانت الاجراءات الحكومية المتبعة بنفس الاليات الحالية سيتجاوز سعر الدولا250 ريـال للدولار الواحد.
* هل لذلك علاقة بالأوضاع الأمنية السيئة والحرب في الشمال والقلاقل في الجنوب، والمواجهات مع القاعدة؟
تمثلت أول ضربة للاقتصاد اليمني في الأزمة المالية العالمية، وكان ذلك من خلال تراجع اسعار النفط التي وصلت إلى أدنى مستوياتها 38 دولار للبرميل وبما أن اليمن يعتمد بدرجة اساسية على مورد النفط فقد تراجعت موارده بنسبة تصل إلى 75% ، وعندما بدأ العالم يتعافى من تأثير الأزمة المالية دخلت اليمن في أزمات أخطر تمثلت في القرصنة البحرية وحرب صعدة والحراك المقلق في الجنوب وأخيراً الحرب على القاعدة ... وما سبق قضى على التنمية بمعناها الحقيقي، واصبحت الموازنة العامة مجرد إنفاق على المرتبات ولا شيء أكثر.
* ما هي التأثيرات المترتبة على تدهور العملة وهل سيؤثر ذلك بشكل مباشر على حياة المواطن العادي من خلال ارتفاع أسعار السلع مثلا؟
بالتأكيد سيكون هناك تأثير سلبي كبير على المواطنين، وكما قلت سابقا ان التدهور الحالي في سعر الريـال سيجعل اليمن الاولى عربيا من حيث التضخم وإرتفاع الأسعار، فالإقتصاد اليمني يستورد معظم احتياجاته من الخارج بالدولار والعملات الصعبة الأخرى، وعندما تتراجع أسعار الريـال يدفع المواطن ذلك الفارق من جيبه ... ولا يتوقف التأثير على ارتفاع الاسعار فقط، بل ينعكس على الحركة التجارية والاستثمارية بشكل عام، فعندما ترتفع الاسعار يحجم الناس الشراء وتتراجع القوى الشرائية للمواطنين وهذا يقود إلى انكماش اقتصادي وتراجع في مستوى النمو.
* تتحدث تقارير الحكومية عن تراجع في إيرادات النفط بنسب كبيرة بسبب تراجع كميات النفط المستخرجة وتراجع أسعار النفط عالميا .. ما مدى تأثير ذلك في حدوث عجز في الموازنة العامة، وهل تتوقع مزيد من التراجع خلال العام الجديد 2010م ؟
إذا عدنا إلى موارد عام 2009م سنكتشف ان عائدات اليمن من النفط تراجعت بنسبة مخيفة تجاوزت 75%، وبما ان اليمن يعتمد على النفط كمورد أساسي فلك ان تتخيل كيف سيكون الوضع؟
كان الوضع سيئا طبعا، وارتفعت مؤشرات العجز بنسبة تفوق كثيرا النسبة التي قدرت مسبقا عند 7% فقط، لكن الاخطر من ذلك ان الحكومة اتخذت قرارات غير مدروسة تمثلت في تخفيض الانفاق بنسبة 50% وهذا اصاب كثير من القطاعات بحالة من العجز وغياب الانتاجية، وانعكس ذلك بصورة مباشرة على اداء الاقتصاد اليمني بصورة عامة.
* إلى أي مدى يمكن لتصدير الغاز الذي بدأ في أواخر العام الماضي 2009م أن يحد من التأثيرات السلبية لتراجع إيرادات النفط؟
سيعوض جزء من الفاقد في قطاع النفط، لكنه لن يحل مشكلة الموارد في اليمن، فإجمالي ما سيتحصل عليه اليمن ما بين 25 – مليار دولار وفق التوقعات خلال 25 عاما، وهو مبلغ قليل إذا قارنته بحجم الاحتياج، وبإيرادات اليمن من النفط قبل ان يبدأ العد التنازلي لنضوبه، وتراجع اسعاره.
* دائما ما ينصح الخبراء الاقتصاديون بضرورة أن تعمل الحكومة اليمنية على تنمية الموارد البديلة حتى لا تجد نفسها أمام كارثة إذا ما تراجعت كميات النفط المستخرجة بشكل حاد بحسب ما تشير التقارير، لكن شيئا من ذلك لم يحدث فهل تعول الحكومة على مخزون نفطي ومعدني كبير أم أن طريقتها في الإدارة لا تهيئها للقيام بدور تنمية الموارد البديلة؟
الإدارة في اليمن اثبتت فشلها لمواطنيها في الداخل ولاصدقاءها في الخارج، فخلال اكثر من عقد ونصف من بدء الاصلاحات الاقتصادية التي تنفذها اليمن بالتعاون مع البنك الدولي، لم تحقق سوى اصلاحات جزئية تتعلق بالمواطنين كرفع الدعم عن المشتقات النفطية، وغيرها من السلع الاساسية، وإصلاحات مالية بسيطة بدأت بالتلاشي مع تراجع سعر الريـال إلى مستويات قياسية وتناقص الاحتياطي اليمني من النقد الاجنبي.
ولو تحسن الادارة في اليمن، اي نفذت الاصلاحات المتعلقة بالحكم الرشيد، لوجدت اليمن الكثير من الفرص البديلة للنفط والغاز، فاليمن يمتلك مخزون كبير من الثروة المعدنية، كما يمتلك فرص بديلة تتمثل بالقطاع السمكي والقطاع السياحي، ويمتلك مخزون كبير من العمالة الرخيصة لو احسنت الحكومة تأهيلها وإعدادها إلى سوق العمل.
* مؤتمر لندن للمانحين في نهاية 2006 خرج بمخصصات لليمن وصلت إلى قرابة خمسة مليار دولار، لكن الحكومة أبدت ضعف في قدرتها لاستيعاب ذلك المبلغ، فهل تعتقد أن ذلك سيشكل قناعات لدى المانحين بعدم جدوى تقديم مزيد من المعونات، وما البديل أمامهم في هذه الحالة؟
هم يعرفون ان الحكومة اليمنية فاسدة، لكن الخارج سواء دول الخليج او الدول الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ليس امامهم خيار إلا دعمها لكي لا تتحول إلى دولة فاشلة، وتكون نتائج ذلك سلبا على استراتيجياتهم ومصالحهم في المنطقة.
وكما ذكرت فإنه ورغم قلة ما تحصل عليه اليمن من مساعدات ومنح خارجية مقارنة بدول شبيهة فإن القدرة الاستيعابية للحكومة اليمنية ضعيفة جدا، وهذا لايعود إلى عدم وجود كفاءات لتنفيذ المشاريع ولكن لوبي الفساد هو المسيطر على مفاصل مهمة في الدولة، وأية مشاريع يشعر أنها ستنفذ بطريقة نزيهة وشفافة لن يستفيد منها، لذلك يعمل على عرقلتها.
وفي اعتقادي ان هناك العديد من البدائل التي يمكن السير فيها لتصحيح الاخلالات منها ما هو استراتيجي، ومنها ما هو آني ... فعلى سبيل المثال كان هناك تجربة رائدة لتنفيذ المساعدات الكويتية لليمن عبر الصندوق الكويتي خلال الثمانينات من القرن الماضي ونفتذ مشاريع بكفاءة عالية داخل اليمن
ويمكن ان تكون هناك تجارب مشابهة لتلك التجربة. اما على المدى الطويل فلابد ان تعمل الدول الصديقة والشقيقة على تعزيز الحكم الرشيد في اليمن، ولن يكون ذلك إلا عندما يتم تغليب مصلحة الشعب اليمني على أية مصالح مؤقتة، لابد من برامج عملية لتحسين بيئة الحكم الجيد أو الرشيد يتزامن مع رغبة جادة في انتشال اليمن من حالة الفقر والتخلف الذي يعيشه.
* أين يكمن أهمية انضمام اليمن لمنظمة الشفافية العالمية؟ وأين وصلت الخطوات التي يجب على الحكومة اتخاذها في سبيل قبولها عضواً في المنظمة؟
كانت اليمن قد بادرت عام 2007م للانضمام المبدئي لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، وهذه المبادرة تحسب لليمن وبالأخص لوزير النفط والثروات المعدنية حينها الاستاذ خالد بحاح. لكن لا يكفي ان ننظم مبدئيا للمباردة إذ لابد لليمن ان تعد تقرير مفصل عن إيراداتها من النفط واسعار المبيعات للشركات النفطية العاملة. وكان هنا المشكلة حيث تشعر الوزارة وشركات النفط امام اختبار صعب، وان القطاع النفطي ما يزال ابعد ما يكون عن الشفافية في اليمن لذلك تفجرت الخلافات داخل مجلس الشفافية اليمني.
وكان اول خطأ تم ارتكابه طريقة تشكيل مجلس الشفافية الذي يفترض ان يتم انتخابه من الشركات النفطية ومنظمات المجتمع المدني وممثلين عن الوزارة، حيث غابت الشفافية في اختيار مجلس الشفافية، وعندما طلب من اليمن إعداد تقريرها لاستكمال مراحل الانضمام للمبادرة، رفضت شركات النفط الافصاح عن المعلومات ...
لذلك نحن في المركز حذرنا في وقت سابق من اسقاط اليمن من المبادرة وعدم اعداد تقرير بصورة عاجلة يوضح كل المطالب الدولية في هذا الشأن، ووصلتني معلومات مؤخرا أن هناك إجراءات لإعداد التقرير، فليس أمامنا سوى الالتزام بالشروط، وإن كنا لم نعرف طبيعة الأرقام التي سيتم إعدادها ومدى مصداقيتها.
* لم تجب .. أين يكمن أهمية انضمام اليمن لمنظمة الشفافية؟ وماذا يمكنها أن تكسبه؟
في حال انضمام اليمن للمبادرة ووفاءها بشروطها المتمثلة بشفافية المعلومات حول التصدير والبيع والشراء ستتحسن مؤشرات الشفافية في اليمن وهذا سيعكس صورة إيجابية على الاقتصادي الوطني من نواحي عدة، أبرزها، ثقة المجتمع الدولي والمانحين بجدية اليمن في مكافحة الفساد والسير في خطى الحكم الرشيد، وبالتالي ستزيد حجم المساعدات والمنح إلى اليمن، أيضا مؤشرات مدركات الفساد مؤشر مهم على البيئة الاستثمارية لأي بلد، فالمستثمرون دول وأفراد عادة ما يراقبون مستوى النزاهة وسيادة القانون في أي بلد قبل أن يقرروا ضخ مزيد من الأموال الاستثمارية، ولعل أكبر طارد للاستثمار في اليمن ما يعانيه من فساد وبيروقراطية وغياب حكم القانون وفي حال تحسن البيئة ولو جزئيا من خلال تحسين إدارة الموادر النفطية سينعكس على بقية القطاعات.
* لماذا ترفض برأيك شركتي النفط العاملتين في البلاد "نكسن وتوتال" الإفصاح عن فواتير وأسعار بيع النفط وحصة الحكومة منها؟ وهل هناك تواطؤ من قبل الحكومة في ذلك لما من شأنه إعاقة عمل مجلس الشفافية.
بالتأكيد هناك تواطؤ، والدليل على ذلك ان الشركتين وغيرها من الشركات ملزمة بموافاة الوزارة بإعتبارها الجهة المشرفة بكل البيانات، لكن بسبب غموض المعلومات وغياب الشفافية في قطاع النفط بشكل عام يجعل هذه الشركات تتحفظ، ويجعل الوزارة غير جادة.
فالمعروف ان قطاع النفط في اليمن ملئ بالألغاز، حتى رئيس البرلمان اليمني السابق الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر عندما سئل عن النفط قال انه يجهل الكثير من المعلومات حوله، والمعروف لدى الجميع ان كثير من الشركات التي تعمل في هذا القطاع من الباطن هي شركات يمتلكها كبار المسئولين أو أبناءهم أو القريبين منهم.
* هل تعتقد أن إدراج اختلاس الأموال والرشوة ضمن قانون لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب من شأنه أن يحد من عملية الفساد المتفشي في الأروقة الحكومية؟ وما هي الآليات لضمان تطبيق هذا القانون؟
يعد إضافة الأموال المتحصلة من الفساد إلى جرائم غسل الاموال خطوة إيجابية نرحب بها، لأنه وعلى صعيد التشريع ستكون هناك أرضية لمكافحة الفساد إذا دعمتها إرادة سياسية جادة تثبت عمليا أنها جادة في محاربة الفاسدين .
لذلك لن تكون هناك جدوى من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب بما تضمنه من نصوص مجرمة للفساد ما لم يتم تفعيله. وفي اعتقادي ان الإدارة الحالية للبنك المركزي اليمني غير مؤهلة لتنفيذ القانون، وما يزال مشورانا طويل في هذا الجانب


الصفحات
سياسة








