نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر


رحيل مصطفى محمود الرجل الذي بدأ موسيقيا مع فرقة "حسب الله " قبل أن يتحول الى مفكر




القاهرة زينة احمد - رحل عن دنيانا صباح اليوم السبت المفكر والعالم المصري الدكتور مصطفى محمود عن عمر يقترب من الثمانية وثمانين عاما بعد سنوات من المرض ابتعد خلالها عن الحياة العامة بعد رحلة حافلة من العطاء الفكري اشتهر من خلالها كأحد ابرز مفكري الفلسفة العرب وانتج العديد من الكتب الدينية
والفكرية والفلسفية التي كان من أشهرها "حوار مع صديقي الملحد" و"رحلتي من الشك إلى الإيمان" و"القرآن محاولة لفهم عصري" و"لماذا رفضت الماركسية؟" و"أكذوبة اليسار الإسلامي" و"الإسلام ما هو؟".


الدكتور مصطفى محمود :قيمة الانسان ما يضيفه الى الحياة بين ميلاده وموته
الدكتور مصطفى محمود :قيمة الانسان ما يضيفه الى الحياة بين ميلاده وموته
@ لوتس عبد الكريم عرفته عن قر ووضعت كتابا عنه وعدة مقالات
@كان حلمه ان يصبح موسيقارا ولديه القدرة ان يصفعك بنظرة ويربت علي كتفيك بيد حانية

@ حواراته مع السادات كانت مدخلا للنقد و اعادة تقييم الكثير من الكتاب
@اختار مهنةَ الطبِ ليلتقي بكل طبقاتِ المجتمعِ وهم في حالة عري كأنهم يخلعون ثيابهم وأسرارهم

------------------------------
اشتهر المفكر الراحل بتقديم برنامج تلفزيوني أسبوعي بعنوان "العلم والإيمان" على شاشة التلفزيون المصري تحدث فيه عن معجزات الله في الكون، ووصل عدد حلقاته إلى الرقم 400 حلقة وقد شيعت جنازة الكاتب الراحل بعد صلاة ظهر اليوم من المسجد الذي أنشأه بحي المهندسين في العاصمة المصرية القاهرة.

ومن المعروف ان الدكتور مصطفى محمود تَخَرَّج في كلية الطب دفعة 1952وتخصَّص في الأمراض الصدرية،وتتلمذ على ثلاثةٍ من كبارِ الأطباءِ هم الدكاترة أنور المفتي وعبد العزيز سامي وعبد العزيز شريف.ثم احترف الأدب،
وتتلمذ على ثلاثةٍ من كبارِ الأدباءِ والمفكرينِ وهم: عباس العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم.
وقبل أن يصبح مصطفى محمود طبيبًا وأديبًا شهيرًاكان وهو طالب بطنطا الثانوية، يجوب الموالد وراء دراويش إبراهيم الدسوقي ومجاذيب السيد البدوي.

وفي القاهرةِوجد في شارع محمد علي الموسيقيين الذين يعزفون على النوتةِ والمطرباتِ والعوالمِ اللائى يحفظن أغنياتِ كبارِ المطربين والمطرباتِ فهجر الدراويشَ والمجاذيبَ

واصطدم الفيلسوف المفكر بأنه سيكون واحدًا في طاقمٍ أو عازفًا في تخت، وفكَّر في احتراف الطب
والتحق بكلية الطب وهجر الموسيقى وحارةَ العوالمِ إلى المشرحةِ وقصر العيني.وهو يقول: "إنه اختار مهنةَ الطبِ ليلتقي بكل طبقاتِ المجتمعِ وهم في حالة عري
كلهم يخلعون ثيابهم وأسرارهم وكل إنسانٍ جاء ليقول السر الذي لم يبح به لملخوقٍ..
الحشَّاش والسكرى وغيرهما يصارحون الطبيبَ الذي يسجل تاريخ حياة مريضه.
وبهذا يتصل الطبيبُ بقلب المجتمع وروحه..
والطبيب هو الوحيد الذي يحضر لحظة الموت والميلاد

اتجه محمود إلى الكتابة والبحث وألف نحو مائة كتاب ومسرحية في مختلف المجالات الطبية والدينية والفلسفية والاجتماعية.
وأنشأ الراحل جمعية خيرية تحمل اسم "جمعية محمود" ضمت مسجدا ومستشفى يطلان على ميدان شهير حمل اسمه أيضا في شارع جامعة الدول العربية بالقاهرة، كما واظب لفترة على كتابة مقال أسبوعي بصحيفة الأهرام قبل أن يعتزل الناس بسبب أمراض الشيخوخة.
بالإضافة إلى مجموعاته القصصية، قدمت السينما المصرية أفلاما مأخوذة عن بعض رواياته ومنها فيلم "المستحيل" الذي اختير بين أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية في استفتاء للنقاد عام 1996.

رافقه خلال رحلته الممتدة العديد من الكتاب والمفكرين والاصدقاء منهم من غاب عن الحياة وكثيرين غابوا احياءا يرزقون واختفوا عنه في خضم الصراع اللاهث والمستعر وراء ما تفرضه الحياة من تحولات تحيل الاصدقاء الي مجرد اشخاص عابرين مروا بحلم في ليلة غابت عنها الشمس وانطفأ قمرها. متناسين أنه واجهةٌ مضيئةٌ بكل ألوان الثقافة التى أصبحنا نفتقدها اليوم فى عالمنا الخاوي المتناسي لكل أنواعِ الإبداعِ..

ومن الذين عبروا واستقروا بحياة الراحل د مصطفي محمود واحتفظوا بمكان الصدارة وواصلوا الاقتراب من الانسان والاديب الكاتبة والاديبة د لوتس عبد الكريم صاحبة مجلة "الشموع"الثقافية "اصدرت لوتس عنه العديد من الكتابات كان آخرها كتاب "مصطفي محمود اسئلة الوجود" الصادر عن سلسلة "كتاب اليوم " عاصرته في كل احواله ورصدت حياته كمراحل وشهادات عن رجل اجتمعت فيه خصال لم تتوفر لدي الكثيرين من ابناء جيله العظيم وفي احيان كثيرة حاربت من اجل الا يتم تجاهل قامة كبيرة كمصطفي محمود بما فتح عليها العديد من الجبهات .

تحكي د لوتس عن الراحل قائلة: عاقل جدا ومجنون جدًّا وهو طيب جدًّا وقاس جدًّا..عاطفيٌّ أحيانًا وجامدٌ ومتحكم في أحاسيسه أحيانًا كثيرة..
وهو سهلٌ وممتنعٌ وهو هادئٌ وثائرٌ
بسيطٌ للغايةِ ثم مبهمٌ وغامضٌ أكثر المراتِ.. وهو عميقٌ ومدركٌ وأذكى الأذكياء ثم يبدو غير ذلك مرات كثيرة
تتلمذ في حارة العوالم على عازف الناي حسين فاضل والمايسترو حسب الله والأسطى منيرة المعداوى،
وأصبح حلمه الأول أن يصبح موسيقارًا
دائمًا يحفظُ المسافةَ بينه وبين أقربِ الناسِ إليه..
إنه يصفعك بنظرةٍ
ويربت كتفك بيدٍ حانيةٍ
تصيف د لوتس:حين كتبتُ مقالى عن الدكتور مصطفى محمود فى مجلة "الشموع" أول مرة
كان القصد منه إيقاظ غفلة أهل العلم والفن والإعلام الذين ينامون فى سباتٍ عميقٍ
متناسينَ قيمةَ ما قدَّم هذا العالمُ العظيمُ من فكرٍ وعلمٍ ودينٍ لمصر وكل العرب على مدى زمنٍ طويلٍ
وأنه واجهةٌ مضيئةٌ بكل ألوان الثقافة التى أصبحنا نفتقدها اليوم فى عالمنا الخاوي المتناسي لكل أنواعِ الإبداعِ..
وهو مريضٌ وقد طال به المرضُ
لم يلاحظ أحدهم انقطاعه عن الكتابةِ المعتادةِ والمطلوبةِ دائمًا فى صحفنا، والتي تزخرُ بآرائه الملأى بكل ما هو مفيدٌ وعميقٌ وجديدٌ من كل الوجوه..
لم يلاحظ أحدٌ انقطاع برنامجه الشهير
والذى كانت تتابعه الجماهيرُ العربيةُ بشغفٍ واستزادةٍ (برنامج العلم والإيمان).. لم يذكره أحدٌ منذ أمدٍ ليس بقصيرٍ
ونحن لا نذكر عظماءنا وآثارهم إلا بعد أن يرحلوا..

وطلب الكثيرون مني أن أكتب عنه كتابًا ككل ما كتبتُ عن أصدقائي المقربين الملكة فريدة، ثم إحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، ومحمد عبد الوهاب، ويوسف وهبي.. ولكن..
إنَّه غير كل هؤلاء
لقد اضطرتنى الكتابةُ عنه إلى إعادة قراءة كل ما كتب
وأصابتني العدوى..
عدوى القلقِ والكآبةِ والتشاؤمِ والتفكيرِ في الموت وما بعد الموت وما قبل الموت وباللاجدوى من كل شىء حتى حياتنا نفسها ثم... الصعود إلى السماء والتوسُّل إلى الله واللجوء إلى كل ما يقربني منه.

وكانت حواراته العديدة مع الرئيس محمد أنور السادات مدخلاً للنقد،
وإعادة النظر مع تدخُّل الكثيرين من كتَّاب مصر
منهم الكاتب أحمد بهاء الدين والكاتب أنيس منصور ثم الدكتور مصطفى محمود الذي كان صديقًا شخصيًّا وحميمًا للرئيس السادات ثم جاءت كامب ديفيد

وتزوج مصطفى محمود مرة اخرى وعقد قرانه على زوجته بالكعبة وظن خطأ أنه سيستقر أخيرًا
ولكنَّ النزاع بينهما لم يكن ينتهي..
واعتبرتني الزوجة صديقةً حميمةً لها فى هذه الفترة
حتى أنهما كانا يقضيان بعضًا من أيام الصيف معي في فيلا أمتلكها بالعجمي
وكنت أرقبُ علاقتهما عن كثبٍ
وأقولُ في نفسي لن يستمرَ هذا الزواج...
وفجأة حادثتني هاتفيًّا في يوم ما قائلة:
صاحبك أرسل لي ورقة الطلاق!...
هكذا قال الدكتور مصطفى محمود.. لن تحتمل زواجي أية امرأة..
وهكذا كانت علاقتى ومعرفتى الحميمة بالدكتور مصطفى محمود..

مصطفى محمود في حديث مع لوتس عبد الكريم
مصطفى محمود في حديث مع لوتس عبد الكريم
بعد ذلك تباعدت بيننا الزياراتُ بسبب الظروفِ والأسفار إلا من السؤالِ الدائمِ تليفونيًّا وبعض الدعوات التي يوجهها لي أو لزوجي لحضورِ مناسباتٍ ثم حضوره إلى بعض الصالونات الأدبية التى أقيمها في مسكني
ونأتي إلى مرحلةٍ أخرى من مراحلِ حياتي المهمة وطدت صلتي بالدكتور مصطفى محمود وهي المرحلة الدينية..
كان هذا هو الوقت الذي التقيت فيه بالشيخ محمد متولي الشعراوي أثناء العمرة
وقضيتُ بمنزله فترةً طويلةً فى مواجهة الكعبة
وكانت بيننا حواراتٌ طويلةٌ..
ثم التقيتُ بالإمام الأكبر الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود أثناء الحج وحدثته عن الدكتور مصطفى محمود
الذي لجأت إليه مرةً ثانيةً لمساعدتي في حل ألغاز ما أحطتُ به نفسي وقتذاك.. وطالت بيننا الحوارات بطريقةً أخرى فهو عالم وفيلسوف وطبيب وفنان ورجل دين فى وقت واحد..
ولذا كان أسهلهم جميعًا في إقناعي واقتناعي.. واستمرت صداقتنا..
كان مدخل الدكتور مصطفى محمود إلى ذروة الإيمان من خلال العلم – وعلى حد قوله بدءًا بالطب ودروس التشريح وتكوين الجسد البشرى كيف أبدع الله بمعجزاته في البشر (وفى أنفسكم أفلا تبصرون)..
ثم الفلسفة التي تثير وتُعمِّق كل فكرةٍ
فتقودها إلى الحيرةِ ثم الشكَّ ثم الانغلاقِ والانفتاحِ حتَّى الوصول إلى الحقيقةِ أو الاقترابِ منها والتأمل فيها.. وأخيرًا الفن.رحم الله الراحل فقد كان ذا سماحة نادرة الوجود


زينة احمد
السبت 31 أكتوبر 2009