
كان ذلك بمثابة إعلان لنهاية الأزمةالخانقة التي تضرب القطاع في تلك المدينة الساحلية المطلة على بحر المتوسط والقريبة من الحدود الجزائرية منذ أشهر بسبب الكساد والإضراباتالعمالية والفلتان الأمني.
غير أن الأنباء التي يتردد صداها من المدن المجاورة التابعة لمحافظة جندوبة لا تبعث على الطمأنينة لدى أرباب القطاع السياحي ولا حتى للعائلات التونسية التي دأبت على الاصطياف في موسم الصيف.
وقال يزيد بن عبد الله /34 عاما/ الذي يعمل دليلا سياحيا مستقلا لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) "نشهد بطئا في حركة السياح. لا يمكن ان نعلق كل الأسباب على السلفيين فحسب. فالسلفيون موجودون حتى في أوروبا".
ومن سوء حظ طبرقة تزامن قدوم الوفد السياحي الإيطالي مع اندلاع أعمال عنف قادها سلفيون متشددون قاموا بتكسير حانات في مدينة جندوبة القريبة وتبادلوا العنف مع قوات الأمن ثم امتدت الاحداث باتجاه مدينة الكاف المجاورة.
وتجددت أعمال العنف في محافظة جندوبة في العاشر من حزيران/ يونيو الجاري بعد عرض لوحات فنية اعتبرت مسيئة للمقدسات في معرض فني بقصر العبدلية بضاحية المرسى بالعاصمة ما أدى بالسلطات إلى فرض حظر ليلي للتجوال استمر بضعة أيام.
والآن ومع انطلاق موسم الاصطياف يخشى العاملون في القطاع أن تتجه أنظار السلفيين نحو مدينة طبرقة وهي المتنفس السياحي الوحيد في منطقة الشمال الغربي بتونس.
وزادت المخاوف مع انتشار أنباء عن استعداد مجموعات سلفية لتمشيط الشواطئ في موسم الإصطياف لهذا العام للتصدي للعري و"ارتكاب المعاصي" على حد وصفهم.
ومرد هذه المخاوف أن شهر رمضان الذي يكثر فيه التعبد يتزامن هذا العام مع ذروة النشاط السياحي ويخشى ان يؤدي ذلك إلى تغذية النعرة الدينية لدى المتشددين في ظل الهامش الواسع من حرية التعبير الذي يتمتع به التونسيون بعد الثورة.
وقال محمد بلعجوزة رئيس الفدرالية التونسية للفنادق خلال مسيرة منظمة بالتعاون مع الفدرالية التونسية لوكالات الأسفار في السادس عشر من شهر حزيران/ يونيو الجاري وكانت تهدف لتحسيس السلطات بضرورة ببذل المزيد من الجهد لتأمين الموسم السياحي "عملنا في خطر. القطاع السياحي يطعم مليوني نسمة داخل العائلات التونسية.. علينا انقاذه. الحجوزات تسير ببطئ ولا زلنا بعيدين عن المؤشرات المسجلة في 2010".
وأضاف بلعجوزة "لا يمكن إعادة الاستقرار إلا بفرض الأمن وتطبيق القانون. نحن بصدد خسارة الوقت لكننا ما زلنا قادرون على جلب المزيد من السياح هذا العام".
وشهد القطاع السياحي الذي يشغل 400 ألف عامل في تونس ويدر 50 بالمئة من العملة الصعبة انتعاشة خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الجاري بتسجيله نسبة نمو في عدد الوافدين من السياح بلغت 48.4 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من عام 2011 الذي شهد كسادا حادا للقطاع بسبب الفلتان الأمني اثر سقوط نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وفراره إلى السعودية.
لكن تلك النسبة لا تزال متأخرة عن مؤشرات 2010 التي سبقت أحداث الثورة بـ13.6 بالمئة. وهناك مخاوف الآن من تسجيل انتكاسة جديدة بعد أحداث العنف الخطيرة التي هزت العاصمة وعدد آخر من المحافظات التونسية بسبب اللوحات الفنية المسيئة للمقدسات.
وتتردد في الصحافة المحلية تعليقات من قبيل ان الغزوات السلفية القادمة ستكون مركزة على الشواطئ التونسية التي تتسم بنزعة تحررية الأمر الذي ساهم في نشر القلق بين التونسيين الذين تعودوا على نمط معين من اللباس وبأجواء اصطياف خاصة.
ولباس البيكيني منتشر على الشواطئ التونسية منذ عقود ليس بين السائحات فقط وإنما بين التونسيات أيضا، تماما مثل لباس المحافظات والمحجبات.
وقالت ألفة بن عطية /25 عاما/ وهي تعمل بشركة للإشهار والتسويق "بدأنا نسمع حديثا عن تحريم لباس المايوه والبيكيني على البحر. لا يمكنهم ان يغيروا عادات التونسيين بين عشية وضحاها. انا مقتنعة بأنني لن أغير لباسي".
وأضافت ألفة "التونسيون يختلفون في لباسهم لكنهم يستحمون جنبا إلى جنب في البحر. ولم نر مثل هذا الجدل من قبل".
ويتهم علمانيون في تونس السلفيين بمحاولة تغيير نمط عيش التونسيين وبالسعي لتطبيق صريح لأحكام الشريعة في البلاد. وهو ما ينفيه على الأقل أتباع هذا التيار المنضويين تحت جناح حزبي.
وقال محمد دوجة رئيس جبهة الصلاح وهو أول حزب سلفي في تونس لوكالة الانباء الألمانية (د.ب.أ) "لا نلزم الأشياء بالقوة. هذا الأسلوب يزيد في تعميق الأزمة وإنما نميل إلى الحوار والتدرج وسياسة المراحل" وأضاف دوجة "ليست كل الشواطئ في تونس خليعة. هناك اماكن محافظة تتركز فيها تجمعات عائلية".
وعلى عكس الجدل الذي دار في مصر حول الشواطئ فإنه إلى حد الآن لم يطرح في تونس على العلن مشكلة "شواطئ البيكيني" غير ان ذلك لا يمنع من وجود دعوات تتردد على مواقع الكترونية وعلى الفيس بوك للتصدي إلى المايوه الذي يرمز الى التحرر الغربي ويخالف اللباس الشرعي في نظر المتشددين.
وقالت رحمة العياري /18 عاما/ وهي طالبة بالمرحلة الإعدادية "أفضل اللباس المحتشم على البحر وآمل ان تتغير الأمور تدريجيا. ولكن ليس من حقي معارضة لباس الآخرين. التونسيون من طبعهم لا يحبون التزمت".
وقال محمد دوجة لـ(د. ب. أ) "لدينا تصور لسياحة بديلة في تونس. فنحن نشجع مثلا على السياحة الخليجية والإسلامية ولكننا مع ذلك نرحب بكل سائح يأتي إلى تونس".
غير أن كلام دوجة قد لا يعكس ما يعتمل في نفوس أغلب الأطياف السلفية المتشددة في البلاد.
ومن الواضح أن وزارة الداخلية لن تعول على هذه النغمة الديبلوماسية وقد صرح وزير الداخلية علي العريض في مؤتمر صحفي عقده في 31 أيار/مايو الماضي إن الوزارة ستعزز حضور الأمن السياحي على الشواطئ وفي الإمكانالسياحية تحسبا لأي تهديد سلفي.
لكن بالإضافة إلى العنصر الأمني الحاسم فإنه يتعين على تونس إذا أرادت تحقيق توقعاتها باستقدام اكثر من ستة ملايين سائح هذا العام بذل الكثير من الجهد لترميم سمعة البلاد التي اهتزت بقوة في الخارج بسبب تكرر أحداث العنف السلفية.
وقال يزيد بن عبد الله "الدولة لم تقم بالتسويق بالشكل الكافي في الخارج. الكثير من السياح يأتون تلقائيا وليس بفعل الدعاية".
وأضاف يزيد "لا يمكن ان نحصر المخاوف في تداعيات العنف السلفي. في أوروبا هناك اعتصامات يومية وهناك عنف وهناك أيضا أزمة اقتصادية خانقة ساهمت في تراجع السياحة في بلدنا".
وتابع "علينا تحسين صورتنا والعمل على مزيد من التسويق وتحسين الخدمات في النزل. على الدولة أن تهتم بالسياحة في الجهات الداخلية في البلاد".
وتقول السلطة إن هناك مبالغة في نقل الصورة الحقيقية على الأرض في تونس على الرغم من اعترافها باهتزاز الوضع الأمني في البلاد. واتهم حسين الجزيري المكلف بالهجرة والتونسيين في الخارج بوزارة الشؤون الاجتماعية الإعلام الفرنسي بتحريك حملة منظمة ضد تونس مثل تلك التي كان يقودها الإعلامالاشتراكي ضد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وسواء كان هذا الاتهام صحيحا أم خاطئا فإن التحدي الذي تواجهه السلطة الآن هو إثبات الصورة الحقيقية لتونس على أرض الواقع. وهو إثبات يحتاجه التونسيون قبل السياح على شواطئهم هذا الصيف.التحدي الذي تواجهه السلطة الآن هو إثبات الصورة الحقيقية لتونس على أرض الواقع. وهو إثبات يحتاجه التونسيون قبل السياح على شواطئهم هذا الصيف