وكما يحتفل المسلمون في مناطق كثيرة من العالم العربي بالمولد النبوي بالحلوى، في إسبانيا أصبح رواج حلوى التورون من اللزمات الأساسية في نهاية العام، وأحد مظاهر الاحتفال بموسم أعياد الميلاد. من بلباو في أقصى الشمال، إلى قادش في أقصى الجنوب، لن يخلو محل سوبرماركت هذه الأيام من تشكيلة متنوعة من هذه الحلوى التقليدية، ذات الأصول العربية والتي كانت تصنع في الأساس من اللوز والعسل والسكر وبياض البيض. وقد تجاوز انتشار هذه الحلوى حدود إسبانيا، فبالإضافة إلى حرص السائحين الأجانب الذين يزورون إسبانيا في تلك الفترة على اقتناء هذه الحلوى، دخلت منذ فترة مجال التصدير إلى الخارج، خاصة إلى دول أمريكا اللاتينية، والعالم العربي واليابان وجزء كبير من أوروبا. ومع ذلك، إلى الآن يظل الإسبان هم أكثر من يستمتع بهذه الحلوى في موسم أعياد الميلاد، حيث يصل معدل الاستهلاك السنوي منها 46 مليون كيلوجرام، وهذا يعني أن نصيب الفرد منها يتجاوز الكيلوجرام، والأمر في تزايد من عام لآخر، نظرا لابتكار المزيد من النكهات والطعوم سنويا، ولحرص صناع حلوى التورون على تلبية احتياجات العملاء وأن يبقوا دائما عند حسن ظنهم. وإذا كانوا في الماضي يصنعون نوعين فحسب الصلبة واللينة، وظل اللوز المكون الرئيسي في الحالتين، الآن لا يوجد فحسب اختيارات ترضي جميع الأذواق، بل توجد أيضا أصناف من حلوى التورون خالية من السكر، وخالية من الجلوتين أو الدهون النباتية، حيث يحرص صناع هذه الحلوى خلال حملاتهم الترويجية للمنتج على التأكيد باستمرار على أن التورون صحي تماما أكثر بكثير مما يبدو للبعض. " نظرا لقيمته الغذائية العالية، يتعبر اللوز من العناصر الأساسية فيما يعرف بحمية البحر المتوسط، فهو يحتوي على معدلات كبيرة من البروتين والألياف النباتية، بالإضافة إلى أنه غني بالمغنسيوم والحديد والبوتاسيوم"، يوضح الخبراء. أما العسل، وهو من المكونات الأساسية في صناعة حلوى التورون، فيحتوي على العديد من مضادات الأكسدة والعديد من المكملات الغذائية الحيوية. ومن ثم الأكثر إخلاصا للنمط التقليدي بنكهته الطبيعية يصنعون نوعين فقط الصلب واللين، وتحضر بتسخين مقادير العسل مع مزجه بالسكر وبياض البيض ثم تضاف في النهاية عجينة اللوز. وبالرغم من أن المكونات في كل الأحوال تكون هي نفسها، إلا أن كل صانع تورون، لديه وصفته الخاصة، ولمسته المميزة، ومن بينها تحميص اللوز أو تقشيره، أو إضافة بشر قشر الليمون أو بعض القرفة. ولكن ما هو أصل التورون وكيف ظهر في إسبانيا؟ تدعي كلا من مدينة اليكانتي شرق إسبانيا ومدينة خيخون، شمال غرب إسبانيا أنها الأجدر بأن تكون منشأ هذه الحلوة الغنية بالسعرات الحرارية اللازمة خلال برودة شهر كانون أول/ديسمبر، وتزعمان أن أصلها يرجع للقرن الخامس عشر. يوجد في خيخون متحف التورون، الذي يوثق تاريخ هذه الحلوى التقليدية العريقة، ويمكن زيارته للتعرف على الطرق البدائية التي كانت تصنع بها هذه الحلوى. لكن حقيقة الأمر أن حلوى التورون أقدم من ذلك بقرون، ولم تكن حتى إسبانيا بلد المنشأ لها، حيث كانت اليونان توجد بها حلوى مشابهة تصنع من صنف آخر من المكسرات هو عين الجمل بالإضافة إلى العسل وجوز الهند، وكانت تستخدم لتزويد الرياضيين في موسم الشتاء بالطاقة والسعرات الحرارية اللازمة لتدفئة أجسادهم. أما المؤكد فإن جميع الخبراء يجمعون على أن العرب كانوا أول من جلب هذه الحلوى شرقية السمات إلى شبه جزيرة أيبيريا. وقد ذكرها بالفعل طبيب عربي في القرن الحادي عشر في تذكرته "أدوية وأغذية سهلة" أو " De medicinis et cibis semplicibus "، تحت مسمى "تورون". في القرن السادس عشر كان التورون قد اكتسب صيتا وانتشارا كبيرا لدرجة أنه أصبح الحلوى الرئيسية التي تقدم في بلاط الملك كارلوس الخامس. وأيا ما كان الأمر، الإسبان هذه الأيام، لا فارق عندهم كثيرا من أين أتت حلوى التورون، إلا أنهم ليلة عيد الميلاد، وأثناء تكسير قوالب تلك الحلوى ووضعها في الأطباق وبينما يتناولونها بشهية كبيرة تتناسب مع لذة طعومها المختلفة، يتناسون المنافسة القائمة بين اليكانتي وخيخون. وخير دليل على ترسخ تقليد تناول التورون في موسم أعياد الميلاد في الثقافة الإسبانية الشعبية حاليا، المقولة الشائعة التي تشير إلى أن سياسي أو مدرب، أصبحت أيامه معدودة في منصبه: "في هذه الأيام لم يعد أحد يتناول التورون"، وهي تشبه إلى حد بعيد المقولة الشعبية في مصر وبعض الدول العربية "بعد العيد لا يؤكل كعك"، في إشارة إلى انتهاء الفرص أو فوات الآوان.
عيون المقالات
|
عودة حلوى التورون ذات الاصول العربية بمناسبة أعياد الميلاد
|
|
|