تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


فوزٌ مؤقّت لأوكرانيا وأوروبا... فهل يدوم؟





وقفت أوكرانيا وأوروبا على أعصابها تراقبان زيلينسكي يتبختر بطقمه الجديد في ذات المكتب البيضاوي، الذي شهد لقاءه الكارثي في فبراير الماضي. بل تجاوز ذلك إلى ممازحة ترامب بهدوء وجاذبية، مشيراً بلطف إلى أن مضيفه لم يبدّل طقمه هذه المرّة. ثم سلّم زيلينسكي رسالة من أولينا زيلينسكايا إلى ميلانيا ترامب، تشكرها فيها على رسالتها التاريخية إلى بوتين، التي طالبته فيها بالاستجابة لمطلب أوكرانيا باستعادة عشرين ألفاً من أطفالها الذين اختطفتهم القوات الروسية.


 
ورغم الذكريات المفزعة التي ارتبطت بلقاء فبراير، يمكن القول إن لقاء أغسطس جاء مختلفاً جذرياً؛ إذ كان حصاداً لجهود استراتيجية ودبلوماسية أوكرانية وأوروبية محمومة، أسفرت عن تحولات متسارعة يُفترض أن تغيّر الكثير من الحسابات داخل إدارة ترامب.

ولعل أبرز المؤشرات على جدية التحول، غياب نائب الرئيس عن اللقاء، وتقليص دور ويتكوف، إلى جانب توافق أوروبي على خطاب مُعد بعناية لاستمالة ترامب وإبراز دوره. وقد أعاد ترامب تأكيد التزامه بالبند الخامس من ميثاق الحلف الأطلسي، الذي ينص على الدفاع المشترك ضد أي اعتداء على أحد أعضائه.

استند زيلينسكي في ظهوره إلى دعم أوروبي راسخ، وإلى حلف شمال الأطلسي الذي بدأ يستعيد زخمه، ويجدد قواه. فقد نسّق رئيس الوزراء البريطاني ستارمر مع زيلينسكي بدقّة حول تفاصيل الحوار مع ترامب. وفي الاجتماع الثاني، انتشر القادة الأوروبيون كجبهة غير مسبوقة، لا شك أن بوتين لاحظها، ووقفوا إلى جانب زيلينسكي، وقدّموا لترامب صيغة تفاوضية مقبولة في مسألة الأراضي.

تضمنت هذه الصيغة موافقة أوكرانيا على حدود جديدة مؤقتة، مع احتفاظها بحق استعادة أراضيها بالوسائل السلمية، مقابل حصولها على ضمانات أمنية استراتيجية مماثلة لتلك التي يوفرها حلف "الناتو" (Nato Like). وبهذا لم يُحرج الأوروبيون ترامب، ولم يخرقوا تعهده، بل غيّروا ببراعة قواعد اللعبة الدبلوماسية.

تحوّلت المعركة من لعبة ثنائية غير متكافئة بين بوتين وزيلينسكي، إلى لعبة توازن متعددة الأطراف، تُدار من خلال ميزان قوى وتحالفات دولية جديدة، تنخرط فيها أوروبا والولايات المتحدة بعمق لإعادة تشكيل المشهد، على أمل إرغام بوتين على كشف أوراقه.

بعد طرح مقترح الأراضي، أصبحت مسألة الضمانات الأمنية الأوروبية – أو "شبه الأطلسية" – هي محور اللعبة الدبلوماسية. وتحولت هذه اللعبة المنسقة إلى معركة عضّ الأصابع، يخسر فيها من يضعف أولاً.

في هذا السياق، يجد بوتين نفسه أمام خيارين: إما المضي في التصعيد ورفض هذه الضمانات، ما يُفشل وساطة ترامب ويمحو مكاسب ألاسكا؛ أو القبول بشروط تنقذ ماء وجهه، وتكرّس احتلاله طويل الأمد لبعض الأراضي، مقابل التخلي عن مطلب نزع سلاح أوكرانيا.

العرض الأوروبي يتضمن اتفاقيات أمنية ملزمة، تفرض استقرار الحدود، وتؤدي فعلياً إلى عزل روسيا دبلوماسياً، ما يجعل من السلام التزاماً مؤسسياً أوروبياً، ويمثل تمركزاً غربياً مباشراً على حدود روسيا.

لذا، تخطط أوروبا لإطلاق "آلية ردع" تُعرف بـ"سيناريو الزناد"، والتي تتيح، في حال لجوء روسيا إلى التصعيد، تفعيل سلسلة تدابير عسكرية واقتصادية بشكل شبه آلي لضمان تنفيذ الاتفاقات.

غير أن هذا التوازن الجديد يتطلب استقراراً سياسياً وعزيمة أوروبية راسخة، كما يحتاج إلى التزام حقيقي بإنفاذ العقوبات ومنع بوتين من إعادة فرض نفوذه بالقوة. وبدون التزام عسكري أوروبي، أو عقوبات غربية صارمة، تصبح المكاسب الأوكرانية – الأوروبية بلا قيمة تُذكر.

تكتيكياً، وضع ترامب بوتين أمام لحظة الحقيقة. فدعوة ترامب إلى لقاء ثلاثي يجمعه مع بوتين وزيلينسكي، تضع بوتين في موقف حرج، إذ سيبدو معرقلًا للسلام إذا رفض، بينما يُطلب منه الدخول في مفاوضات بشروط أقسى بكثير من تلك التي واجهها في ألاسكا.

بل إن ترامب لمّح إلى استعداد الولايات المتحدة للمشاركة في تقديم الضمانات الأمنية، وهو ما يُعد ضربة لمطلب روسيا في الاحتفاظ بحق النقض على الاتفاقات الدفاعية لأوكرانيا. وروسيا تعلم تماماً أن ترامب، على عكس بوتين، سيغادر السلطة بعد ثلاث سنوات، ما يجعل من هذه الضمانات قصيرة الأمد.

لكن رفض هذه العروض قد يُحمّل بوتين مسؤولية فشل السلام أمام المجتمع الدولي، بينما القبول بالقمة الثلاثية قد يزجّ به في زاوية دبلوماسية ضيقة.

ولعل بوتين سيلجأ إلى دبلوماسية كسب الوقت، آملاً في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أو في تفكيك الموقف الأوروبي الموحّد، وتفتيت التفاهمات الأطلسية.

أما ترامب، فهو يوازن بين التنازلات التي يضطر إلى تقديمها لإتمام صفقة استراتيجية، وبين صورته أمام قاعدته الشعبية في "أمريكا العظيمة"، والتي لا يجرؤ على خسارة ثقتها أو الظهور بمظهر المتساهل مع روسيا. لذلك يفضّل أن يبدو كمستثمر سياسي في شروط السلام، مدبّراً حالة من الغموض المقصود في نواياه والتزاماته، بهدف ضبط إيقاع جميع الأطراف.

في هذا الإطار، يقف العالم أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة:

أن يوافق بوتين على مفاوضات تؤدي إلى اتفاقات تتيح لأوروبا تحقيق مكاسب إقليمية محدودة، عبر القبول بحدود مؤقتة جديدة، مقابل اعتراف روسي ضمني بالحضور الأوروبي في أوكرانيا.

أن يرفض بوتين لقاء زيلينسكي ويتجه نحو التصعيد، ما يدفع الغرب إلى فرض عقوبات أقسى، ويعيد القارة إلى حالة من عدم الاستقرار تقترب من أجواء الحرب الباردة.

أن يتراجع ترامب عن تقاربه مع أوروبا، فتتقدّم الأخيرة منفردة في مواجهة روسيا، وهو ما سيؤدي إلى اهتزاز مصداقية ترامب والولايات المتحدة معاً.

في ضوء ذلك، يمكن القول إن زيلينسكي وحلفاءه الأوروبيين نجحوا – حتى الآن – في استعادة زمام المبادرة من خلال تحولات تكتونية. غير أن هذه التحولات، على أهميتها، لا تزال هشّة ولم تترسّخ بعد في الواقع.
فهل تدوم
-------
النهار

د . سمير التقي
الخميس 18 سبتمبر 2025