نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي


كورونا ...طريق الجزائريين لاستعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها






الجزائر - تخوض الحكومة الجزائرية ومختلف مؤسساتها وهيئاتها معركة كسر عظام حقيقية لاستعادة كسب ثقة الرأي العام الوطني الذي انتفض احتجاجا على ممارسات النظام السياسي "السابق"، وجعلته ينفر ويكذب كل ما تقوله هذه السلطة أو تنقله قنواتها المتوزعة بين الأحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني فضلا عن أذرعها الاعلامية.
بات واضحا أن السلطات في الجزائر تواجه متاعب جمة في فرض إجراءاتها المتعلقة بمواجهة انتشار وباء كورونا رغم الحملة التحسيسية الكبيرة التي انخرط فيها الكثير من الفاعلين بمن فيهم مشاهير الرياضة يتقدمهم جمال بلماضي، المدير الفني لمنتخب الجزائر لكرة القدم المتوج بلقب بطولة أمم أفريقيا 2019.


 
نظرية المؤامرة والثقافة المتوسطية المتمردة

يرجع مراد، وهو أحد الكفاءات التي هجرت الجزائر باتجاه الخليج منذ عدة سنوات بحثا عن أفق أفضل في حديثه مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) متاعب سلطات بلاده إلى جملة من الأسباب لخصها في أربع نقاط أساسية.
أول هذه النقاط برأي مراد، تتعلق بطبيعة الجزائري وثقافته المتوسطية المتمردة على كل ما يرمز للتقييد والنظام المفروض من قبل الحكومات مثلما هو الأمر لدى الإيطاليين الذين تجاهلوا تحذيرات حكومتهم في الأيام الأولى من انتشار الفيروس فكان ان انتشر على نطاق واسع.
ويعتقد مراد، وهذا ثانيا، أن الرأي العام في الجزائر من الصعب أن يتم صياغته من قبل السلطات التي تعاني فشلا في مصداقية ما تقوله، وكما هو الأمر في قضايا السياسة تجد السلطات عموما مصاعب في اقناع الرأي العام بما تقوله وبتقديرها للمشكلات.
ويشير مراد في المقام الثالث، إلى نقص الوعي الصحي لدى عامة الناس وتعود المجتمع على نمط حياة يعتمد على الاتصال المباشر بين أبناء الحي الواحد ومناقشة قضايا المجتمع في اطار شعبي وفي الشارع. يضاف الى ذلك غياب مراجع علمية من الاطباء موثوق بها مثل خبراء علم الفيروسات وغيابهم عن النقاش في وسائل الاعلام.
وأخيرا، الجزائريون غير معتادين على مثل هذه الأزمات، إذ لأول مرة يواجهون أزمة صحة عامة، هم يميلون إلى تفسيرها وفق نظرية المؤامرة وغير متأكدين من أن الأمر يتعلق بوباء عالمي قاتل.
يقول الإعلامي حسان حويشة، إنه يعتقد أن الأيام السابقة كانت بمثابة عرض مباشر لعدم ثقة شريحة من الجزائريين بدولتهم ومؤسساتها، حيث قامت بعض الجماعات بالترويج بأن الحديث عن كورونا هو تهويل مقصود من السلطة هدفه قتل الحراك الشعبي والتمكن من إيقافه.
ويضيف أن هذا الترويج ظهر خصوصا لدى أطراف تحاول تصدر الحراك الشعبي، عبر منصات الوسائط الاجتماعية وخلال مسيرات الجمعة 13 آذار/ مارس ، وانتشار دعوات للمشاركة بقوة في الحراك وعدم الالتفاف لأصوات المخوفين منه لأنها –حسبهم- من خطط السلطة.
ونبه حويشة، أن الموازين انقلبت بمرور الأيام عندما وجد "الحراكيون" أنفسهم في مواجهة الواقع والأرقام التي تقدمها السلطات خصوصا أن السياق العالمي أكدها وجعل منها بيانات ذات مصداقية، وهو ما جعل الكثير من فعاليات مشاركة فيه تعلن ما يشبه توبة مؤقتة وتقرر التوقف عن المشاركة في المسيرات حتى السيطرة على فيروس كورونا تفاديا لانتشار الوباء.
ويربط حويشة، ظاهرة عدم ثقة المواطنين بالإجراءات الحكومية بتعاطي السلطات مع فيروس كورونا المستجد والذي تجلى ذلك من خلال حملات التشكيك في عدم وقف الدولة للرحلات الجوية من وإلى فرنسا بشكل سريع رغم أن 95 بالمئة من الاصابات بالفيروس قدمت من هذا البلد.
واستطرد " أعتقد أن تشكيك الجزائري دوما فيما تقدمه السلطات من أرقام وتصريحات راجع لتراكمات طبعت العلاقة بين السلطة والمواطن لثلاثة عقود وخصوصا خلال حقبة الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة التي ميزها تضليل كبير، حيث كانت السلطات الرسمية في واد والمواطن في واد آخر".
وتابع " النظام البوتفليقي كان يصم الآذان في كل مرة عندما يخاطب من طرف المواطنين والمنتقدين بأنه على خطأ بمنطق "ما أريكم الا ما أرى".
لقد بين انهيار منظومة حكم بوتفليقة أن عدم ثقة المواطن في دولته كان في محله بدليل الفضائح المدوية التي أعقبت سقوط الرئيس بوتفليقة ومحيطه".
لكن الدكتور جمال فورار، مدير الوقاية والصحة بوزارة الصحة، أكد على أن كورونا أصبح قضية وطنية في صدارة اهتمام كل الحكومة والسلطات العليا للبلاد حتى لو كانت وزارة الصحة هي من تتصدر المشهد.
والقى فورار، باللائمة على بعض المواطنين الذين يتعاملون مع الوضع باستهتار كبير مشيرا في ذات الصدد أن كل التدابير الاحترازية التي وضعتها وزارة الصحة لن تنجح اذا لم يتحل الناس بالمسؤولية ويقدرون خطورة الوضع.
أما الدكتور كمال ايت أوبلي، المختص في علم الأوبئة، فشدد على ضرورة أن يقتنع الفرد الجزائري بان هذه الأمراض ليست خيالا بل واقعا حقيقيا، لافتا أن قرار تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى كان الهدف منه الحد من انتشار وباء كورونا وليس لتمكين العائلات من التنزه والفسحة في الحدائق والأماكن العامة.

سلطة العادة والشجاعة المغلوطة

تعلق الدكتورة سامية قطوش، اخصائية في علم الاجتماع وعضو المجلس الاسلامي الأعلى، على السلوكيات " الغريبة" للجزائريين في تعاملهم مع وباء كورونا، فتقول إن الجزائري معروف عنه احتماعبا أنه فرد كثير النخوة والمراس الحربي وظل دائما مستعدا لمجابهة الخطر والتواجد على خط النار.
واوضحت أن هذه الصفات تنسحب على سلوكياته الاجتماعية اليومية واستعداده لتطليق الخوف ومواجهة هذا الخطر دون أقنعة حتى لو كان هذا الخطر وباء كورونا. وشددت على أن الشجاعة التي تؤسس لشخصية الفرد الجزائري لا يجب أن تكون مغلوطة بل بجب ان تكون مقرونة بمواطن الشجاعة الفعلية.
في زخم الأخبار المتواترة عن انتشار وباء كورونا في البلاد، اضطر جهاز الدفاع المدني الجزائري إلى اصدار بيان دعا فيه إلى " الكف والتوقف عن بث الإشاعات والتي لا تزيد إلا من نشر الرعب والهيستيرية في نفوس المواطنين"، مشيرا إلى أن "وزارة الصحة تقوم وتقدم كل المعلومات الخاصة بالحالات المشتبه فيها أو المؤكدة".
بث الاشاعات وتكذيب البيانات الرسمية، صنفه طه كوزي، أستاذ الفكر الإسلامي ضمن "السلوك الالكتروني" الذي بات مقلقا ويؤدي إلى الاستهتار بحياة الناس وبالأنفس البريئة، مؤكدا انه يأسف ويسوءه هذا السلوك الفايسبوكي الذي حول كل شيء إلى نكتة.
ودعا كوزي، إلى الارتقاء بمستوى الوعي إلى مفهوم الحرب البيولوجية داعيا إلى اتباع طريق المسؤولية الذي ينص على أن ما يقوله المتخصص في علم الأوبئة من توصيات وتدابير احترازية يجب أن يؤخذ به على أنه فتوى شرعية ملزمة وليس من باب الثقافة الصحية العامة.

خذوا العبرة من الصين وانضباط مواطنيها

مقابل الاستخفاف الذي قابل به كثير من الجزائريين التدابير الاحترازية التي أقرتها الحكومة للحد من انتشار وباء كورونا، سجل عودة بروز السلوك الاستهلاكي الغريب من خلال التهافت على المتاجر ومحال بيع المواد الغذائية، وهي تصرفات ساقها حويشة، ضمن التوجه العالمي وما شاهده الجزائريون في إيطاليا والصين من حجر صحي ومنع للتنقل، دفعهم لشراء المنتجات الغذائية بكثافة وتكديسها مخافة وصول البلاد إلى مرحلة حجر صحي بالفعل.
وتحدثت مصادر مؤكدة عن وفاة أحد التجار بولاية جيجل شرقي الجزائر متأثرا بأزمة قلبية اثر تدفق هائل للزبائن على محله لاقتناء مادة الطحين، مما جعل أحد المواطنين يعلق على المشهد بالقول " هذا هو الكورونا الحقيقي".
ويبدو أن غياب الرقابة فاقم من هذه الظاهرة المنتشرة عالميا في حقيقة الأمر وليست حكرا على الجزائر، مما دفع بالإعلامي حويشة، إلى مطالبة السلطات بالتحرك لتطمين المواطنين وتنظيم عمليات توزيع المنتجات الاستهلاكية من جهة، ومن جهة أخرى، لفرض رقابة وتسقيف مشتريات الشخص الواحد من المواد الغذائية.
من جهته يرى فورار، أن اقرار الحجر الصحي في حال تطور الوباء لن يكون تضييقا على الحريات بل يدخل ضمن نطاق المصلحة العامة التي يجب أن تعلو على كل شيء.
ودعا الدكتور فورار، إلى الاقتداء بالصين التي تغلبت على وباء كورونا بفضل انضباط مواطنيها، وهي الدعوى التي شاركه فيها الدكتور ايت أوبلي الذي أكد على ضرورة اخذ العبرة من الصين التي نجحت في أقل من ثلاثة أشهر في تقليص عدد الاصابات بالوباء إلى أقل من الثلث بفضل التزام الجميع بالتدابير الاحترازية.
وشددت قطوش، على ضرورة الغاء واختفاء العديد من العادات التي وصفتها بـ" السيئة" من قاموس سلوكيات الجزائريين كالمصافحة والعناق، معترفة بأن الاقلاع عن هذه التصرفات يجعل الناس تشعر بالحرج بالنظر للتقاليد والأعراف الاجتماعية النافذة في السلوكيات الاجتماعية.
كما بدت واثقة من جنوح الجزائريين لتغليب المصلحة العامة على المصلحة الفردية رغم اقرارها بان الشعب الجزائري لا يحب التراجع لكن هذا التراجع لا يجب ان يكون عنوان للفشل بل هو في كثير من الأحيان يرمز للقوة والبطولة بعيدا عن الشجاعة المغلوطة والشعارات المزيفة التي تضع حياة الناس على المحك.
ويعتبر الأستاذ كوزي، ان ما تعيشه الجزائر هو ابتلاء له بعده في الخير وله بعده في الشر، خاصة اذا نجح في تصحيح سلوكيات الأفراد، مؤكدا ان وباء كورونا يعد فرصة ليزداد الجزائريون وعيا ورشدا ونضجا والاستفادة من تجربة الصين والمناطق الموبوءة في محاربته.

د ب ا
الاربعاء 18 مارس 2020