تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


كيف أصبحت العلوم السياسية علماً مستباحاً على الشاشات؟




كانت العلوم السياسية يومًا حقلًا للتفكير النقدي والتحليل العميق، والرؤية المتبصرة لمآلات الظواهر السياسية وآفاقها، حتى غدت حقلا لمعالجة الواقع بفكر موضوعي مستقل ونزيه. اليوم، تبدو هذه المساحة وقد أُقحم فيها الولاء والواسطة، وأصبحت المعرفة مجرد زينة تُعرض على المنابر، وادعاء على متطفلين على الساحة، بينما تُهمش الحقيقة العلمية في الظل.
فما هي مظاهر استباحة العلوم السياسية، من الجامعات إلى الشاشات، ومن المقالات إلى المنابر الرقمية، وما أسباب الظاهرة ونتائجها الملموسة على المجتمع والسياسة والوعي العام.


 

تتحول المنصات الإعلامية أحياناً إلى دوائر مغلقة أو بازارات مفتوحة تمنح المساحة لمن يمتلك العلاقات! 

 

المحور الأول: الاستباحة الأكاديمية

ضعف معايير البحث والتحليل في بعض الجامعات، وتوجيه الدراسات نحو أهداف سياسية أو تجارية. واستبدال النقد العلمي بالتحليل الموجّه أو التبريري… ناهيك عن غياب الدور التنويري للباحث أمام ضغوط الوظيفة، والتمويل وتحكم الممول بأفكاره واتجاهاته لدرجة فرض عليه التركيز على ظواهر دون غيرها، ناهيك عن الخوف من المحاسبة السياسية في بعض الدول التي يحاسب فيها الناس على أفكارهم… كل هذا حقق نوعا من الاستباحة الأكاديمية التي شوهت هذه العلوم

المحور الثاني: الاستباحة الإعلامية

لعب الإعلام دورا ملموساً في تكريس تلك الاستباحة من خلال الانتقائية في استضافة “المحللين السياسيين”، مع تكرار نفس الأسماء في نفس القنوات التلفزيونية… بسبب وجود كم كبير من الأشخاص الذين يقولون ما تحب كل محطة سماعه، أي يحاولون إرضاء الجهات التي تستضيفهم عبر معرفة توجهها السياسي، كي تواظب على استضافتهم!
كما تحولت صفة “محلل سياسي” بالأساس إلى مجرد واجهة، يفتقر أصحابها إلى أي دراية أو ثقافة حقيقية، فصار هذا التحليل بلا مضمون معرفي حقيقي.
أيضا يمكننا أن نلاحظ هذا التضخيم الزائف للصفة الأكاديمية: كل من نشر مقالًا أو منشورًا يُصنّف باحثًا، حتى لو لم يكن لديه منهجية تحليلية واضحة في الكتابة والتحليل!

المحور الثالث: الوجوه المكررة والركاكة اللغوية

بعض المحللين المتكررين على الشاشات يفتقرون إلى مهارة التعبير السليمة أو اللغة الفصيحة، ويعتمدون على الجمع الانتقائي للأفكار من مصادر أخرى… وأحيانا سرقتها من مقالات وكتابات الآخرين.  ولهاذ غدا الحديث الإعلامي ذي المضمون السياسي أشبه باستعراض شخصي، وليس إسهامًا معرفيًا أو تحليليًا جادًا.
وبالتالي أدى هذا كله إلى فقدان العمق التحليلي فضلا عن تشويه صورة الباحث الحقيقية، والوعي العام بالعلوم السياسية لدى الجمهور.

المحور الرابع: المنابر المغلقة والواسطة

حتى الأكفاء يواجهون أبوابًا مغلقة في المنصات الإعلامية الكبرى. إذ غالبًا ما يعتمد القبول على معرفة أحد أفراد الكادر أو سكرتارية التحرير أو مسؤولي النشر، وليس على جودة المقال أو القيمة العلمية.
وأقول من واقع تجربتي الشخصية فإن مقالاتي المنشورة في منصات مرموقة مثل (الجزيرة نت)، (العربي الجديد)، و(العربي القديم)، و(الأحياء والتجديد)، نشرت باهتمام من قبل مسؤولي تلك المنصات، بينما بعض المنصات الأخرى لم تنشر المقالات رغم جودتها، والسبب عدم وجود “واسطة”.
النتيجة: تضيع الأصوات المستقلة والجادة، بينما يُعطى المنبر لمن يمتلك الوساطة فقط، مما يحوّل المنصة إلى دائرة مغلقة تعيد إنتاج نفسها على حساب الجودة والتحليل العلمي.
المحور الخامس: تجربتي الشخصية مع المنابر الإعلامية
حتى الباحثون ذوو الخبرة يواجهون قيودًا صارمة عند محاولة النشر في بعض المنصات. ورغم المقالات المنشورة لهم في منصات مرموقة، لم تُنشر مقالات ف تقدموا بها إلى منصة معينة وتم تجاهل الرسائل المتكررة للتواصل.
عند السؤال، أخبرتني صديقة لها مقالات منشورة في نفس المنصة أن النشر يعتمد على وجود واسطة أو معرفة أحد العاملين في سكرتارية التحرير أو الكادر الإعلامي، مهما كانت المقالات قيّمة أو ذات محتوى معرفي قوي.
هذه التجربة تؤكد أن الاستبعاد لا علاقة له بالجدارة أو المعرفة، بل بالانتماء الداخلي، وأن المنصات الإعلامية أحيانًا تتحول إلى دوائر مغلقة أو بازارات مفتوحة، تمنح المساحة لمن يمتلك العلاقات لا لمن يمتلك العلم.
المحور السادس: المنصات الرقمية والتجاوز على العلوم السياسية
مع انتشار التطبيقات الرقمية مثل “توك توك” و”المساحات” على منصة X، أصبح هناك عدد متزايد من المنصات يديرها أشخاص غالبًا ليس لديهم أي خلفية أكاديمية أو حتى شهادة ثانوية، ومع ذلك لهم تأثير كبير على المشهد السياسي.
هؤلاء يقومون باختيار ضيوف ووضع عناوين ونشر محتوى وكأنهم محللون، رغم افتقارهم لأي تكوين معرفي في العلوم السياسية.
المحتوى غالبًا سطحية وانتقائي، ما يحوّل النقاش السياسي إلى استعراض لحظي، وليس إلى تحليل علمي رصين.
هذا التوجه يشكّل تعديًا صارخًا على مكانة العلوم السياسية، ويهدد بتحويله إلى علم مستباح، حيث يُقدَّم بطريقة مبتسرة تخلو من العمق والمصداقية.
النتيجة: تضيع الأطر المنهجية للتحليل السياسي، ويصبح لدى الجمهور صورة مشوّهة عن العلم السياسي، ما يمهد الطريق لكارثة معرفية حقيقية.
استباحة العلوم السياسية لم تعد مجرد ظاهرة نظرية، بل واقع ملموس يضر بالعلم وبالمجتمع الذي يحتاج إلى تحليلات دقيقة ونقدية.
استعادة هيبة هذا العلم تتطلب استقلال الباحث، حماية المنهج، وفتح المنابر أمام المعرفة والجدارة، لا أمام الولاء والواسطة.
حينها فقط يمكن للعلوم السياسية أن تعود إلى دورها الحقيقي: منصة للتنوير، والتحليل العميق، واستشراف المستقبل، بعيدًا عن أي مصالح ضيقة أو دوائر مغلقة، سواء في الجامعات أو الإعلام التقليدي أو المنصات الرقمية الحديثة.

خليل البطران- العربي القديم
الاحد 9 نوفمبر 2025