تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


هانيبال القذافي: من طفل في ليبيا إلى رهينة في لبنان.. والعدالة تدفع الفاتورة




في بلدٍ تتداخل فيه الرمزية الدينية مع الحسابات السياسية، وتُختزل فيه العدالة إلى رهينة، لا يبدو غريبًا أن يُسجن رجل تسع سنوات في قضية كان عمره وقت وقوعها ثلاث سنوات.


 

هانيبال القذافي، ابن الدكتاتور الذي لا يستحق الاحترام، تحوّل إلى ضحية لممارسات لا تختلف كثيرًا عن تلك التي مارسها والده. وكما يقول الصديق يوسف بزي: "احتقاري لمعمر القذافي لا يمنعني من اعتبار ما جرى لابنه في لبنان ممارسة تشبه سلوك الدول المارقة: اختطاف، احتجاز من دون محاكمة، وابتزاز مالي تحت غطاء قضائي."

منذ لحظة اختطافه من سوريا ووضعه في السجن اللبناني، بدا واضحًا أن القضية ليست قانونية بل سياسية بامتياز. لا أدلة، لا محاكمة، لا تقدم في ملف الإمام موسى الصدر؛ فقط رجل محتجز لأن اسمه "القذافي". وكأن لبنان، الذي يئنّ تحت وطأة الانهيار، وجد نفسه أمام ضغط سياسي من جهات نافذة، فاستُدرج القضاء إلى لعب دور لا يشبه وظيفته الأصلية.
لا يمكن القول إن القضاء اللبناني هو من بادر إلى تحويل هانيبال إلى رهينة، لكنه وجد نفسه في موقع صعب، بين مطالب سياسية مُلحّة ورمزية دينية لا تحتمل التراجع. وهنا، لا يُعفى القضاء من مسؤوليته، لكنه لا يُدان وحده.

حزب الله وحركة أمل، اللذان رفعا شعار «لا إفراج قبل عودة الإمام»، لم يقدّما شيئًا في ملف الحقيقة، بل اكتفيا بالمزايدة. الإمام لم يعد، وهانيبال لم يُحاكم، والعدالة بقيت معلّقة بين الشعارات والرهائن.

القرار الأخير بالإفراج عن هانيبال مقابل كفالة قدرها 11 مليون دولار ليس مجرد إجراء قانوني، بل صفعة أخلاقية. هل يُعقل أن يُطلب من رجل دفع هذا المبلغ ليخرج من سجن لم يُدان فيه؟
هل هذه كفالة أم تعويض للدولة عن سنوات احتجازه؟ أم أن الدولة اللبنانية ستدفعها له لاحقًا كتعويض عن اعتقال سيئ بلا ذنب أو مبرر قانوني؟
السؤال ليس ماليًا، بل أخلاقي. حين تتحوّل العدالة إلى صفقة، وتصبح الكفالة وسيلة لتبرير الاحتجاز، فإننا أمام انهيار كامل لمنطق الدولة.

الإمام موسى الصدر، الذي اختفى في ليبيا عام 1978، كان رمزًا للعدالة والكرامة. لكن حين يُستخدم اسمه لتبرير احتجاز رجل لا علاقة له بالقضية، تُشوَّه رمزيته. لا أحد يعرف مصير الإمام، ولا أحد يملك أدلة على تورط هانيبال، ومع ذلك بقي في السجن تسع سنوات.
حزب الله وحركة أمل، اللذان رفعا شعار «لا إفراج قبل عودة الإمام»، لم يقدّما شيئًا في ملف الحقيقة، بل اكتفيا بالمزايدة. الإمام لم يعد، وهانيبال لم يُحاكم، والعدالة بقيت معلّقة بين الشعارات والرهائن.

ما جرى ليس استثناءً، بل نموذج لانهيار العدالة حين تُختزل إلى أدوات ضغط. الدولة اللبنانية، التي يُفترض أن تحمي القانون، استخدمت القضاء كوسيلة ابتزاز. لا تفسير منطقيًّا لاحتجاز رجل بهذه الطريقة، ولا مبرر قانونيًّا لطلب كفالة بهذا الحجم. إنها ممارسة لا تختلف عن سلوك الأنظمة التي تحتقر القانون وتُوظف القضاء لخدمة الولاء السياسي.
حين يُصبح اسم العائلة سببًا للاحتجاز، فنحن أمام عدالة انتقائية لا تُحاسب على الفعل، بل على الهوية.

هانيبال القذافي ليس بريئًا من تاريخ والده، لكنه ليس مسؤولًا عنه. لا يمكن محاسبة الأبناء على جرائم الآباء، ولا يمكن تحويلهم إلى رهائن في قضايا لم يشاركوا فيها.
العدالة لا تُبنى على الانتقام الرمزي، بل على الأدلة والمحاسبة. ما جرى في لبنان هو نقيض العدالة، ونقيض الأخلاق، ونقيض ما دعا إليه الإمام موسى الصدر نفسه.

ما جرى في لبنان هو درس في كيف تُستخدم الرمزية لتبرير الظلم، وكيف يُختزل القانون إلى أداة انتقام. لا أحد يربح في هذا المشهد سوى من يُراكم السلطة على حساب الحقيقة.

أن يُحتجز رجل تسع سنوات، ثم يُطلب منه دفع 11 مليون دولار ليخرج، هو إعلان صريح بأن العدالة ماتت.

ما جرى لهانيبال القذافي يجب أن يكون لحظة مراجعة، لا لحظة نسيان. ليس لأننا ندعم قضيته العادلة، بل لأننا نحتقر الظلم، ونرفض أن يُستخدم القضاء كأداة انتقام. العدالة لا تُبنى على الكراهية ولا على الرمزية، بل على الحقيقة. وما جرى في لبنان هو نقيض الحقيقة، ونقيض الدولة، ونقيض ما نريد أن يكون عليه لبنان قويًّا بقضائه العادل.

العدالة ليست مجرد نصوص قانونية، بل منظومة أخلاقية تُحاسب الفعل لا الاسم، وتُفرّق بين المسؤولية والرمزية. حين يُحتجز شخص لأنه يحمل اسمًا ثقيلًا، لا لأنه ارتكب جرمًا، فإننا نُفرّغ العدالة من معناها.
وحين يُطلب منه دفع مبلغ خيالي ليخرج، فإننا نُحوّل العدالة إلى سوق، لا إلى محكمة. هذا ليس فقط ظلمًا لهانيبال، بل إهانة للبنان وللقضاء اللبناني الذي نتوسم فيه العدل.

الملف القضائي الذي لم يتقدّم خطوة واحدة في قضية الإمام موسى الصدر، رغم مرور عقود، يكشف أن الاحتجاز لم يكن بحثًا عن الحقيقة، بل استثمارًا في الغموض. كلما طال الغياب، زادت المزايدة، وكلما تعقّدت الرمزية، زادت الحاجة إلى رهائن.
وكان هانيبال الرهينة المثالية: ابن الدكتاتور، بلا دعم داخلي، وبلا قدرة على الدفاع. لكن حين تتحوّل الرمزية إلى أداة قمع، فإننا نُسيء إلى الرمز نفسه ونُفرّغ قضيته من معناها.

العدالة لا تُستعاد بالكفالات، ولا تُرمّم بالصفقات، بل تُستعاد حين يُحاسب من ارتكب، ويُبرّأ من لم يرتكب. حين يُفرّق بين الفعل والاسم، وبين الرمز والرهينة.
وما جرى في لبنان هو درس في كيف تُستخدم الرمزية لتبرير الظلم، وكيف يُختزل القانون إلى أداة انتقام. لا أحد يربح في هذا المشهد سوى من يُراكم السلطة على حساب الحقيقة.

في النهاية، السؤال ليس عن هانيبال، بل عن الدولة.
هل يمكن لدولة أن تحتجز رجلًا تسع سنوات بلا محاكمة، ثم تطلب منه 11 مليون دولار ليخرج، وتبقى دولة؟
هل يمكن لقضاء أن يُستخدم بهذه الطريقة، ويبقى قضاء؟
وهل يمكن لمجتمع أن يصمت على هذا الانهيار، ويبقى مجتمعًا؟
ما جرى ليس مجرد قضية فردية، بل اختبار أخلاقي لكل من يزعم الدفاع عن العدالة.


ميشال شماس
الجمعة 7 نوفمبر 2025