نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي


( إستراتيجيات مقترحة لمواجهة الطائفية في المجتمع السوري )





أنتجت جغرافيا سورية وتاريخها تركيبة ديموغرافية متعددة في التكوينات الاثنية والدينية وتفرعاتها الطائفية، وشكّلت ما نُحبّ أن نسمّيه بفخر “الموزاييك السوري”.
ولكن هل شكّلت التركيبة الثقافية الغنيّة للمجتمع السوري موزاييكًا بالفعل؟ وهل كوّنت تلك التركيبة لوحة “منظومة” ذات ملامح واضحة، وخصائص مميزة، تسمح بالحديث عن وجود شعب سوري متعدد الثقافات، تجمعه شبكة تفاعل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى درجة يمكن لنا معها الحديث عن تنوع في إطار الوحدة؟! أم أن سورية لم تكن أكثر من وعاء تجمّعت فيه تلك المكونات أو العناصر التي لا عقد يجمعها، تتناحر تارة فيما بينها، وتنعزل عن بعضها تارات أخرى، فأفقدها ذلك خاصية المنظومة “لوحة الفسيفساء الجميلة”!



على الصعيد الديني، شكَّل المسلمون الكتلة السكانية الأكبر بين السوريين، وسوادهم الأعظم من السُنّة، وإلى جانبهم، أو على حواشيهم، عاشت تاريخيًا أقليّات مُسلمة، لكنها تنتمي إلى طوائف متنوعة: عَلويّة، وشيعيّة اثني عشرية، وإسماعيليّة، ودرزية. وهناك أقليّة سكانية مسيحية توزعت بين مذاهب شرقية وغربية، فضلًا عن وجود سكان ينتمون إلى أقليات دينيّة أخرى، تشمل المُرشديين والإيزيديين.
لم يتسنّ لهذا التنوع من الانتماءات أن تكون له شروط وظروف تكفل للسكان تأسيس حياة تشاركية قائمة على شروط عقد اجتماعي توافقي، يتفاعلون بموجبه أخذًا وعطاءً، على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فتُغني بعضها وتغتني من بعضها.
وقد شاركت السلطات المتعاقبة على حكم سورية في تغذية النعرات الطائفية والدينية بين التكوينات السورية، واستثمرت القوى الاستعمارية “فرنسا وبريطانيا بصورة رئيسة” التنوّع القومي والديني والمذهبي لمصالحها، وذلك باتباعها أساليب متنوعة.
لقد عاش السوريون خلال تاريخهم الحديث خبرات التشتيت والتحريض والاستقطاب، على المستويين الديني-المذهبي والاثني. وقد خبِروا أنماط حياة لم تُتح لهم أن يعرفوا بعضهم، ويجرّبوا ميزات العيش المشترك الحقيقية.
ومن أقسى خبرات الاستقطاب الديني والمذهبي التي مَرَّ بها السوريون، تلك الناجمة عن الأزمة السياسية العميقة التي نشبت بين جزء مهمّ من الشعب السوري، والنظام ومن والاه، عندما وضع للصراع عنوانًا طائفيًا (سنيًا)، ودعا أبناء الطوائف الأخرى للانحياز إلى روايته، معتبرًا نفسه حاميًا لهم من غُلوِّ السُنِّة!! وأدى ذلك إلى شطر السوريين على أسس مذهبية أكثر مما هي سياسية، بمعونة قوى سياسية “معارضة”، من خلال سعيها إلباس الثورة ثوبًا سنّيًا، وفي حالات عديدة، دار الصراع المسلّح على قاعدة طائفية، فأسهم ذلك في نمو مشاعر الظلم لدى العديد من الطوائف، وظهر مصطلح “المظلوميات” على أسس طائفية، ما أسهم في زيادة الاستقطاب والتحشيد على أساس طوائفي، وزيادة التشظي، وبذلك تقلصت مساحة العوامل الضامنة للسلم الأهلي.
وقد أشارت نتائج دراسة ميدانية[1]،جُمِعت بياناتها في تموز/ يوليو 2022، لقياس اتجاهات السوريين، إلى عدد من المسائل ذات العلاقة بصيغة العيش المشترك، ومنها المسألة الدينية والمذهبية:
لم يعد بإمكان السوريين المتباينين، دينيًا أو مذهبيًا، العيش معًا بعد ما جرى في سورية؛ حيث فَقَدَ (37%) من أفراد العينة الثقة في إمكانية تعايش المختلفين دينيًا أو مذهبيًا من السوريين، و(16.5%) من أفراد العينة لم يصرحوا باتجاهاتهم، فقد اتخذوا موقف الحياد أو التشكيك في إمكان العيش المشترك، في مقابل (46.5%) ما زالوا يحتفظون باتجاه ايجابي (موافق) على صلاحية فكرة العيش المشترك بين السوريين بين المختلفين دينيًّا ومذهبيًّا.
1- مفهوم الطائفية وأسس نموها:
الطائفية مصطلح يشير إلى اعتقاد مجموعة بشرية بتميّزها وأفضليتها على مجموعات دينية أو مذهبية أخرى، والاستعداد لنبذها، ما يؤدي بالضرورة إلى نمو مشاعر الرفض أو الكره والعداء لتلك المجموعات، وقد تتصاعد مشاعر التميّز والتفضيل والتفوق، انطلاقًا من مستوى الاعتقاد في ظروف معينة، إلى استعداد للقيام بممارسات قد تؤدي إلى إحداث اضطرابات وصراعات مجتمعية على خلفية مذهبية.
وقد يُفسّر نمو اعتقاد أيّ مجموعة أو طائفة دينية بتميزها وأفضليتها، بأن “أصحاب المصلحة” يسعون إلى “تسييس الهوية الدينية أو المذهبية لتلك المجموعة أو المجموعات”[2]، بغرض وضعها في حالة مواجهة مع المجموعات الدينية-المذهبية الأخرى، على قاعدة حقّها في احتكار الشرعية في السيادة أو السيطرة الاجتماعية، ما يتبعه بالضرورة نزع تلك الشرعية وذاك الحق عن الطوائف الأخرى.
وعلى صعيد آخر، يفيد علم النفس الاجتماعي بإمكانية النظر إلى الطائفية على أنها اتجاه (Attitude) نفسي- عصبي، يتضمن مكونات معرفية ووجدانية وسلوكية، بمعنى أنه يتضمن إمكانية تحوّله من مستوى العاطفة والمشاعر، إلى السلوك، أي إلى الممارسة الفعلية في ظروف معينة.
يُكتسب اتجاه التعصب نحو طائفةٍ ما بفعل خبرات معينة يراكمها الفرد في بيئة ملائمة لاكتسابها. ومن تلك الخبرات، مثلًا، أن ينخرط أفراد الجماعة المعنية بحُمّى “تسييس الهوية الطائفية”، وما يرافقها عادةً من الترويج لبروباغندا تعتمد التزييف والادعاء والشحن وشدّ العصب المذهبي، والسعي لوضع الفكرة- الاعتقاد- في ساحة الممارسة العملية.
والطائفية مركب مكتسب يمكن تعديله أو تغييره، وذلك من خلال اتباع استراتيجيات معينة في سياق بيئة آمنة، سياسيًا وثقافيًا واقتصاديًا، ويقف على رأس تلك الاستراتيجيات تعلّم أو اكتساب خبرات جديدة، يتمكن الفرد معها من تعديل خبراته السلبية، ومن تعديل اتجاهه نحو طائفته وباقي الطوائف.
وهنا لا بد من القول بأن ظروف الصراعات الحادة على خلفية مناخات نُظم سياسية مستبدة وفاسدة تشكل السياق الأمثل لتوليد لاتجاهات الاستقطابية -العصبوية، بين السكان، وفي مقدمها عصبوية الطائفية. وعندئذٍ تغدو الطائفية أداةً للسيطرة والتحكّم وحشد القوى المناصرة في وجه القوى المعارضة.
2- إستراتيجيات للتصدي لظاهرة التعصّب الديني:
على الرغم من أن الإطار السياسي والاقتصادي والثقافي السائد في المجتمع، الموصوف أعلاه، يمثّل بيئة ملائمة لنمو الطائفية بصورة رئيسة، فإنه يسمح باستخلاص إستراتيجيات مضادّة لها، فالطائفية ليست قدرًا محتمًا علينا الاستسلام له. وهذي بعض الاستراتيجيات المقترحة التي يمكن عدّها في مرتبة السياسات التنموية، أما مسؤولية وضع الخطط، على المستوى المحلي والإقليمي والكلّي للمجتمع، فإنها تقع على الأجهزة الحكومية والمحلية، في مجتمعٍ حسم خياره على أسس الديمقراطية والمواطنة المتساوية.
1- شبكات المصالح الاقتصادية – الاجتماعية:
إن وجود قوى السيطرة والتحكم في عدد من الجغرافيات السورية الناشئة، ورسم حدود بين قوى الصراع وتحوّلها إلى ما يشبه المنعزلات، والتضييق على القوى المنتجة في تلك المناطق من مزارعين وصناعيين وتجار وغيرهم، فضلًا عن نمو المنعزلات الثقافية فيها واستمرار حالات التوتر الأمني- العسكري فيما بينها، جميعُها تشكّل شروطًا ملائمة لازدهار مشاعر المظلوميات الطائفية واستمرار التعصّب.
وفي سياق مواجهة الظروف السائدة، تبرز أهمية بناء رؤية تنموية متكاملة على مستوى الجغرافية السورية، ينبثق عنها مشروعات غايتها تشكيل شبكات مصالح (خطوط) مؤسسة على المصالح الاقتصادية – الاجتماعية المشتركة، تؤدي دورًا مهمًّا في نمو ديناميات ديموغرافية ثقافية، تؤدي إلى تخفيف التوترات الطائفية وزيادة التفاهم والتعاون بين مختلف المكونات، وهذه بعض الأمثلة:
– تعزيز الاقتصاد المشترك: يمكن للشركات والمؤسسات الاقتصادية أن تعمل على تعزيز الاستثمارات والأعمال المشتركة بين مناطق مختلفة تعاني التوترات الطائفية. ما يشجّع على تبادل المصالح الاقتصادية وزيادة التعاون.
– توفير فرص العمل في المناطق المتضررة من الصراعات الطائفية: لأنه يسهم في تحسين الاقتصاد المحلي وزيادة استقرار المجتمع، ويؤدي إلى التخفيف من التوترات والعنف.
– تنشيط العمليات التجارية والتبادل الثقافي المصاحب بين مناطق التوتر: لأنه يؤدي إلى زيادة التواصل والتفاهم بين المجتمعات المختلفة وتبادل المعرفة المتبادلة، ويوفر فهمًا أفضل للثقافات والأديان المختلفة.
– تحقيق الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين المناطق المختلفة: لأنه يزيد مستوى التعاون، ويجعل التصادم أكثر صعوبة.
– توجيه الحكومة، وكذلك المؤسسات المالية، الاستثمارات نحو دعم المشاريع التي تعمل على تعزيز التنمية الاقتصادية في المناطق التي تعاني الطائفية، وتحسين البنية التحتية، وزيادة فرص العمل.
– العمل على تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في القطاع الاقتصادي: لأنه يؤدي دورًا في زيادة الثقة وتعزيز العدالة الاجتماعية، ومن ثمَّ يساعد في التخفيف من الانقسامات والاستقطابات الاجتماعية والثقافية.
2- التربية النظامية وغير النظامية:
كما أن جغرافيا الأمر الواقع التي أنشأتها قوى الأقاليم السورية الانعزالية قد أساءت إلى الاقتصاد الكلي السوري، فقد أساءت كذلك إلى النظام التعليمي الكلي، عندما عمدت قوى الأمر الواقع إلى تأسيس نظمها التعليمية المغلقة، وعبثت بالمحتوى التعليمي عندما كيفتها لأغراضها الأيديولوجية، ولا سيما ذات التوجه الديني – الطائفي.
من دون شك، سوف تبرز أولوية توحيد النظم التعليمية الراهنة في نظام واحد، وإعادة توجيه محتويات مناهجها وفق فلسفة جديدة، تتبنى قيم الانفتاح العقلي – النقدي وقبول الآخر والتعددية، وغيرها من قيم مجتمع المواطنة المتساوية. وعندئذٍ يمكن للنظام التربوي أن يكون أحد روافع التصدي للطائفية ولجميع أشكال الانعزال والاستقطاب، وهذه بعض الإجراءات التي يمكن أن تؤديها التربية النظامية، على صعيد مقاومة نزعات الانغلاق والانحياز المرافقة للطائفية:
– تضمين المناهج التعليمية محتوًى يسلّط الضوء على التنوع الثقافي والديني في المجتمع، وتعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة.
– تعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل بين الأفراد من خلال المناهج التعليمية.
– تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى المتعلّمين، مما يساعدهم في تقييم المعلومات والتفاهم بشكل أعمق حول المسائل المتعلقة بالطائفية.
– العمل على إكساب المتعلّمين مهارات التواصل والحوار البنّاء، إذ يسهم ذلك في تقليل التوترات وزيادة فهم الآخرين.
– تعليم الطلاب حقوق الإنسان، من خلال تضمينها في المناهج التعليمية، الأمر الذي يمكن أن يسهم في تعزيز المساواة والعدالة في المجتمع.
– تعليم الحوار البناء، من خلال عقد أنشطة حوارية تشجّع المتعلمين على التفاعل مع بعضهم، وفتح النقاشات حول قضايا الطائفية والتعايش السلمي.
– توفير نماذج إيجابية يقدّمها المدرّسون والمرشدون تهدف إلى الترويج لقيم التسامح والتعايش السلمي، من خلال سلوكهم وأفعالهم.
ويمكن للتربية غير النظامية،التي تشمل البرامج والأنشطة التعليمية التي تُقدّم خارج البيئة المدرسية، أن تسهم في نقل المعرفة والفهم الصحيح حول الأديان والمعتقدات المختلفة، وتعزيز الوعي والاحترام المتبادل من خلال:
– دعم الحملات الإعلامية والتوعية، عبر إنتاج محتوى إعلامي يروّج للتسامح ويشجّع على النقاش المفتوح ويكشف عن أخطار الطائفية.
– توفير مساحات للحوار، عبر منصات بين ممثلين عن مختلف الأديان والمعتقدات، حيث تسهم هذه المناقشات في فهم القضايا وتقليل التوترات.
– يمكن للبرامج التطوعية أن تكون فرصة للأفراد من مختلف الخلفيات، للتعاون والتفاعل وتعزيز التفاهم والتعايش من خلال العمل المشترك.
ومن دون شكّ، يتعاظم دور التربية، بنوعيها النظامية وغير النظامية، عندما توحّدها غايات مشتركة تؤدي إلى تكامل عملياتها التعليمية-التعلمية، وتزيد تأثيراتها التربوية الإيجابية في المتعلمين.
3- البحث العلمي:
للبحث العلمي في ميادين العلوم الإنسانية: التربية وعلم النفس وعلوم الاجتماع والأنثروبولوجيا والاقتصاد… وظائف مهمة في سياق مقاومة نزعات الاستقطاب الطائفي في المجتمع، وذلك من خلال:
– المساعدة في فهم الجذور التاريخية للطائفية في سورية، وكيف تطورت عبر العقود؟ هذا يمكن أن يساعد في التعرف إلى العوامل التي أدت إلى تصاعد التوترات الطائفية.
– يمكن للبحث الاجتماعي والأنثروبولوجي أن يسلّط الضوء على الديناميات الاجتماعية والثقافية التي تلعب دورًا في تعزيز الطائفية وتأجيج التوترات بين الطوائف المختلفة.
– يمكن للبحث العلمي، وبخاصة البحث الإجرائي في ميادين علوم التربية والنفس التربوي، أن يسهم في تطوير مناهج تعليمية تعزز التفاهم الطائفي وتعليم الأجيال الصاعدة حول أهمية الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.
– يمكن للأبحاث العلمية توفير الأدلّة والمعلومات التي يمكن لمؤسسات الدولة المعنيّة والمنظمات غير الحكومية استخدامها من أجل تطوير سياسات وبرامج تعمل على تقليل التوترات الطائفية وتعزيز السلام والاستقرار.
4- تنمية التفكير النقدي:
يؤدي التفكير النقدي دورًا حاسمًا في مواجهة الطائفية، حيث يساعد في تحصيل فهم أعمق للقضايا وفي تقدير الأمور بشكل أكثر صدقًا وعقلانية. وهذه بعض الأفكار التي تتصل بدور التفكير النقدي في مواجهة الطائفية:
– القدرة على تقييم المعلومات بشكل مستقل، والبحث عن مصادر موثوقة. ويمكن لذلك أن يساعد في تفادي نشر المعلومات الزائفة أو الإشاعات التي قد تزيد من التوترات الطائفية.
– يشجع التفكير النقدي على النظر إلى القضايا من مختلف الزوايا، وعلى فهم الأمور بشكل أشمل، ويساعد في تجنب الاعتقادات السطحية أو الأفكار أحادية البُعد التي تقوض التعاون والتفاهم.
– يشجع التفكير النقدي على طرح الأسئلة والمشاركة في النقاش، ويمكن لهذا النقاش أن يساعد في توضيح المفاهيم وتبادل وجهات النظر بشكل بناء.
– يمكن للتفكير النقدي أن يساعد في تعزيز التواصل البناء بين الأفراد والمجموعات المختلفة، وأن يؤدي إلى فهم أفضل للآخرين، وبناء الجسور بين المجموعات المختلفة.
5- العدالة وتكافؤ الفرص:
إن بناء نظام سياسي – اقتصادي، يهدف إلى تعزيز العدالة وتكافؤ الفرص، يسمح في مواجهة الطائفية. وهذه بعض المقترحات التي تسهم في تقليل التوترات الطائفية وزيادة التفاهم والتسامح:
– إن توفير فرص اقتصادية متساوية لجميع الأفراد، بغض النظر عن انتمائهم الديني أو الطائفي، يمكن أن يُقلل من الانقسامات الاقتصادية والاجتماعية التي تشجّع على الصراعات.
– إن توفير التعليم والرعاية الصحية بشكل متساوٍ لجميع الأفراد يمكن أن يسهم في توجيه الجهود نحو تحسين الفرص والحياة الكريمة للجميع.
– تشجيع المشاركة المجتمعية والمشاركة في عمليات اتخاذ القرار سيجعل الأفراد يشعرون بأنهم جزء من المجتمع، ويساعد في تعزيز التفاهم والتعاون.
– العمل على معالجة الصراعات والظروف الهشة التي يمكن أن تؤدي إلى نشوء التوترات الطائفية سيساعد في تعزيز الاستقرار والسلام في المجتمع.
6- العدالة الانتقالية:
تؤدي العدالة الانتقالية في البلدان التي خرجت حديثًا من الصراعات السياسية – الاقتصادية والمذهبية دورًا مهمًا في مواجهة الطائفية، فكيف يكون ذلك؟
– تطبيق العدالة الانتقالية في معالجة الانتهاكات والجرائم التي ارتُكبت أثناء النزاعات الطائفية يُسهم في تحقيق العدالة للضحايا، عبر محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات.
– تُسهم العدالة الانتقالية في تعزيز عمليات المصالحة بين المجتمعات والأديان المتنازعة، وذلك من خلال تقديم العدالة والحقيقة والتعويض للضحايا، وهو ما يمكن عدَّه أداة للشفاء والتسامح.
– تشجع العدالة الانتقالية على الشفافية في عمليات التحقيق والمحاكمات، ويساعد ذلك في بناء الثقة بين المجتمعات المتنازعة وتقديم الحقيقة.
– يمكن للعدالة الانتقالية أن تساعد في تعزيز الحوار بين المجتمعات المختلفة والأديان، من خلال تقديم الفرص للنقاش حول الأحداث التاريخية والانتهاكات، وقد يكون ذلك ضروريًا لبناء الفهم المشترك والتعاون بين تلك المجتمعات.
– يمكن للعدالة الانتقالية أن تسهم في توثيق التاريخ والأحداث التي وقعت خلال النزاعات الطائفية، الأمر الذي يمكن أن يساعد في منع تكرار الأخطاء في المستقبل.
– وكذلك يمكن للعدالة الانتقالية أن تعزز الثقافة القانونية، وتشجّع احترام حقوق الإنسان وقوانين الدولة.
– وأخيرًا، تشجّع العدالة الانتقالية على تعزيز الوعي بقضايا الحقوق والعدالة بين المجتمعات، الأمر الذي يساعد في تقوية الالتزام بالقيم المشتركة والتفاهم.
إن جملة الاستراتيجيات الهادفة إلى معالجة المشكلة الطائفية، وتهيئة المجتمع لدخول فضاءات جديدة من الحرية والتسامح وقبول الآخر والرغبة في العيش المشترك، تستلزم القطع مع الواقع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه سورية، والتوجّه نحو بناء دولة المواطنة المتساوية لكل السوريين.
هذا لا يعني أن على قوى المجتمع الحية الانتظار حتى بلوغ التغيير المأمول في النظام السياسي- والاقتصادي الاجتماعي، بل يمكن البحث في استراتيجيات آنية، يمكن اعتمادها في ظروف اللااستقرار الأمني والصراع السياسي، وسورية اليوم مثال على ذلك، وهذه بعض المقترحات بقصد التفكير والمناقشة:
– تشجيع الحوار البنّاء بين المكونات المختلفة في المجتمع، حول المسائل الخلافية، كالطائفية وصراع الاثنيات وغيرها، واعتبار الحوار بندًا حاضرًا دائمًا على جداول أعمال القوى الفاعلة، من أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع أهلي ومدني.
– تضمين برامج مراكز الأبحاث والدراسات وخططها أهدافًا تتصل بالمسألة الطائفية: تاريخها وديناميتها الراهنة وآفاقها المستقبلية، والسعي لتقديم خلاصات واضحة ومختصرة عنها، تُنشر في أماكن عامة باعتبارها إعلانات/ بوستات ذات مغزى توعوي-تربوي.
– العمل قدر المستطاع على تضمين مناهج بعض المواد الدراسية، وأنشطتها الصفية واللاصفية، معلومات عن الديانات والقيم المشتركة بينها، وتنشيط التفاعل والتواصل بين المتعلمين وأهليهم.
– إصدار وثائق تشبه الخطاب أو ما يشبه مدونات السلوك “قواعد قيمية مبادئ”، تعتمد استراتيجيات التهدئة، والتطمين المتبادل، لاحتواء الصراع ومنعه من بلوغ عتبة الانفجار، باعتبار ذلك ضرورة حيوية للجميع. وهذا يمكن أن ينجح على يد شخصيات مؤثرة وموثوقة، يجري البحث عنها في جميع الفئات الدينية والمذهبية.
– تنشيط الفعاليات المشتركة بين مختلف الفئات المجتمعية: ثقافة، رياضة.
أخيرًا، تُعَدُّ القضية الطائفية من أصعب القضايا الاجتماعية، لأن مولداتها متعددة ومتشابكة، ولأنها مرتبطة بالجانب الوجداني-القيمي لدى الإنسان، ما يُعقِّد الجهود والمقاربات الهادفة للتصدي لها، أو التخفيف من حدتها.
ولذلك نعتقد بأن تنوع الاستراتيجيات المطروحة وتكاملها: البعيدة والآنية، وتنوّع أبعادها الثقافية والاقتصادية والسياسية.. هو الخيار الأفضل على هذا الصعيد.

-*باحث وأستاذ جامعي سوري، تخصّص أصول تربية، عضو هيئة تدريسية في كلية التربية بجامعة دمشق سابقًا، حاصل على جوائز، شارك في لجان وورشات عمل لتطوير المناهج الدراسية، ولربط خطة البحث العلمي في جامعة دمشق بحاجات المجتمع، استاذ الثقافة العربية في مركز اللغات/ جامعة كونكورديا/ مينسوتا - الولايات المتحدة، له عشرات البحوث العلمية المُحكمة المنشورة وعدد من الكتب.
- هوامش :
[1] ريمون المعلولي، إحياء صيغة العيش المشترك بين السوريين ودور التربية في تأكيدها ونشرها، 26 آب/ أغسطس 2022، الرابط: https://www.harmoon.org/?p=32241
[2] مؤسسةRand (2019) مكافحة الطائفية في المشرق العربي ص 7 . كاليفورنيا. الرابط: https://tinyurl.com/mtce46wf
 

ريمون المعلولي*- مركز حرمون
السبت 25 نونبر 2023