واستمرت المطالبات المتكررة بضرورة استقلال الجنوب اليمني عن شماله، في ظل دعوات إلى السيطرة على المؤسسات الإيرادية وطرد الحكومة الشرعية من محافظات الجنوب المحررة من مسلحي جماعة أنصار الله الحوثية.
ويتبنى مطلب الانفصال في جنوب اليمن، ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي سبق أن اشتبكت قواته مع القوات الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي في عدن، مخلفة عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.
وفي مطلع تشرين أول / أكتوبر الماضي، دعا المجلس الانتقالي، إلى انتفاضة في محافظات الجنوب، تتمثّل في طرد الحكومة وتمكين الجنوبيين من إدارة محافظاتهم، والاستفادة من عائدات ثرواتهم وإيراداتهم، وبناء مؤسساتهم المدنية والعسكرية والأمنية، حسب بيان صدر حينها.
كما دعا حينها إلى السيطرة الشعبية على كل المؤسسات الإيرادية، متهما من وصفها بـ"عصابات الفساد" بنهبها ( في إشارة إلى الحكومة الشرعية).
وأعلن المجلس محافظات الجنوب كافة مناطق منكوبة نتيجة للسياسات الكارثية التي تنتهجها ما تسمى بالشرعية وحكومتها، حسب قوله.
وعلى الرغم من أن المجلس الانتقالي لم يقم بأي إجراء ميداني حقيقي، ضد تواجد الحكومة اليمنية، إلا أن مراقبين يشيرون إلى أن الأوضاع في جنوب اليمن، قد تتجه إلى واقع مضطرب، مالم تستطع الشرعية فرض سيطرتها على الواقع بشكل كامل.
ويتخذ الانفصاليون تردي الخدمات والضعف الكبير للجانب الأمني في الجنوب، ذريعة للانتفاضة ضد الحكومة الشرعية ومن ثم تحقيق الانفصال.
ويتهم يمنيون المجلس الانتقالي بتلقي الدعم من الإمارات العربية المتحدة، ثاني دولة في التحالف العربي الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين، في حين سبق أن أكدت أبوظبي أنها تقف مع سيادة ووحدة اليمن.
ويقول حسن الفقيه، وهو صحفي يمني متابع قضية الجنوب لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، "إن تأثيرات تواجد المجلس الانتقالي الجنوبي ليست كبيرة، لأنه لا يمتلك شعبية واسعة، ولا يعد ممثلا واقعيا للمحافظات الجنوبية".
وأعتبر أن مسألة التصادم في الجنوب مرتبط بعلاقة الحكومة الشرعية بالتحالف العربي، مشيرا إلى أن الوقائع السابقة تفيد بأنه كان يتم استخدام المجلس الانتقالي كورقة بوجه الحكومة المعترف بها دوليا، عندما يشوب التوتر في العلاقة بين الحكومة و التحالف.
وحول واقع اليمن المستقبلي، يتحدث الفقيه أنه "من الصعوبة بمكان الاستدلال الآن إلى أن الأمور ستتجه للانفصال؛ رغم الواقع الذي أفرزته الحرب ووجود تداعيات تدفع نحو الانفصال".
واستدرك قائلا" لكن فرض الانفصال كواقع، يعد غير موات لأسباب، لعل أهمها أن الطرف الذي يدفع باتجاه ذلك لا يملك القوة الفعلية، وإنما يستغل ظروفا وقتية معروفة لرفع صوته إزاء ذلك".
وأشار إلى أن أولويات الشرعية، تتمثل في تطبيع الأمن وتوفير الخدمات الأساسية، والأهم من ذلك تواجدها في الداخل، ودمج التشكيلات الموازية في الجيش والأمن.
وبشأن فرض النفوذ بالكامل من قبل الحكومة، فإن هذا يعتمد بالأساس على مدى تفاهماتها مع التحالف، ووضع حل للإشكال القائم الذي جعل من المناطق المحررة من الحوثيين مرتعا للفوضى الأمنية والاغتيالات، حسب الفقيه.
قضية اليمن لم تعد يمنية
تعدد الأهداف وتضاربها من قبل المكونات الفاعلة في اليمن، أدى إلى استمرار الفوضى والخراب في البلاد المصنفة من بين أفقر دول العالم، في حين لا زال العامل الخارجي هو المتحكم في الفاعلين المحللين، وهو ما جعل البعض يقول إن القضية اليمنية لم تعد محلية.
وتعليقا على الواقع المضطرب في جنوب اليمن، يقول ثابت الأحمدي، كاتب وباحث سياسي، في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)" إن القضية اليمنية لم تعد يمنية، لأنها أصبحت قضية إقليمية ودولية بالدرجة الأولى".
وتابع " بالتالي، فالحديث عما يسمى حكومة يمنية أو مجلس انتقالي من قبيل الحديث عن أدوات تنفيذية لا تملك زمام أمرها في ظل قيادة سياسية شرعوية رخوة وفاسدة، لا تعرف أخلاق المسؤولية؛ بل لا تملك صفة القائد من أساسها".
وأضاف" كل هذا مقابل انقلاب فاجر(يقصد جماعة الحوثي) ينشط على كل المستويات، دون توقف آو ملل".
ولفت إلى أن"المجلس الانتقالي أداة خارجية يدار عن بعد، ومتى ما تم قطع الحبل السري عنه سينتهي على الفور، وسيصبح في خبر كان".
ومضى بالقول إن" المجلس الانتقالي قابل لصناعة المزيد من الفوضى والعبث، إذا ما طُلب منه ذلك، من باب لي ذراع الشرعية وخطوة في طريق الانفصال وإن لم يملك هذا المجلس الحاضنة الشعبية في مجتمع الجنوب، فتأثيره في الغالب لا يتجاوز محافظات الضالع، ولحج، وعدن وهو تأثير نسبي ضمن مؤثرين آخرين".
وحول الأولويات التي يفترض من الحكومة الشرعية القيام بها في مواجهة الواقع المضطرب في الجنوب، ذكر الأحمدي أن الأولويات كثيرة، منها عودة الحكومة والقيادة السياسية والعسكرية إلى داخل البلاد والعمل منها، مشيرا إلى أنه "ما لم يتم ذلك فالعملية لا تعدو أن تكون مسرحية هزلية لا تجدي نفعا أمام انقلاب مستميت في الدفاع عن مشروعه بكل وسائل الباطل".
وفي تقييمه للوضع هناك اختتم الأحمدي قائلا" الواقع في الجنوب ضبابي، فلا هو بالانفصالي ولا هو بالوحدوي. ومسألة الانفصال ليست بالأمر السهل، ولن يكتب لها ذلك ما لم تكن بتوجيهات خارجية".
صوت المواطن اليمني
انتشار الفوضى في اليمن، وطغيان الواقع المضطرب جنوبا وشمالا، جعل العديد من المواطنين يشككون في أهداف مختلف المكونات السياسية، التي يتهمونها بأنها هي من أوصلت البلاد إلى هذه الحالة المزرية، وأنها لا تفكر بالمصلحة العامة مثلما تركز على مصلحتها الشخصية.
ويؤكد يمنيون أن معظم السكان يريدون فقط دولة قوية تقدم الخدمات والمشاريع، ولن يفكر حينها أحد بمسألة الانفصال والتمزق.
ويقول المواطن اليمني، علي السالمي، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، "إن سكان بلاده باتوا يركزون أكثر على كيفية إنهاء الحرب في البلاد، وهي الأولوية التي تشغل تفكير معظم المواطنين".
وأضاف أن" المواطن اليمني بطبيعته يحب أن يعيش الوحدة دون تشتت أو تمزق؛ لكن ليس على حساب حياته المعيشية التي تدهورت بشكل كبير بسبب الحرب".
ولفت إلى أن المواطن اليمني لم يعد يثق كثيرا بالمكونات السياسية التي أصبحت فقط تتاجر بآلام السكان من أجل تحقيق مآرب وطموحات خاصة.
وتابع" صحيح هناك اضطراب كبير في الجنوب؛ لكن هناك مأساة ووضع مؤلم في الشمال أيضا".
وذكر أن" الانفصال لن يتحقق، وأن الجنوبيين معظمهم ليسوا مع هذا الخيار".
ومضى بالقول" الجنوبيون يريدون دولة قوية توفر لهم الخدمات وسبل جيدة للمعيشة، حينها لن يتجرأ أحد على ترديد شعار الانفصال".
وعبر عن أمله في أن تعيش بلاده في واقع بلا حرب، كيف ينهض اليمنيون بأنفسهم في شتى المجالات، بعد أن أصبح العديد منهم على حافة المجاعة.


الصفحات
سياسة









