نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


الأكاديمية آمال قرامي : حالة العمى جعلت الرجال لا يرون النساء جديرات بالمناصب




تونس : صوفية الهمامي - باحثة رصينة، وناقدة جريئة تنبش في تاريخ النساء وتقف عند المسكوت عنه، تسعى للاختلاف ولا تهمل اسبابه ودلالاته بالكشف عن ملامح الأنثى وملامح الذكر ائتلافا واختلافا، تغازل العربية الاسلامية وتقارن الأديان والدراسات التراثية والفقهية، تحلل الخطاب الاعلامي وتتقصى اخبار الصحافة ودواليب تسييرها.
تتلون كتابات الدكتورة آمال قرامي وأبحاثها المقارنة والمختلف عليها، بين الفكر العربي والمسيحي والاسلامي والمتوسطي والدراسات النسائية ودراسات الجندر والدراسات الثقافية والإعلامية ...
تميزت الدكتورة آمال قرامي بالطرافة في اختيار المواضيع والروح النقدية والصرامة الاكادمية والجهد العلمي المتين، هي من التونسيات الحاضرات اليوم الغائبات البارحة..


الأكاديمية آمال قرامي : حالة العمى جعلت الرجال لا يرون النساء جديرات  بالمناصب
 
الثورة التونسية كشفت عن وجه المرأة التونسية الجريئة والقادرة والفاعلة في الميدان فقد سارت بندية مع الرجل في الصفوف الأمامية وابدت شجاعة تفوق الرجال في اكثر من مناسبة ورغم ذلك تم تغييبها ولم يتم الاعتراف بدورها، حسب اختصاصك كيف تفسرين تصرف الرجل تجاه المرأة ولماذا؟ ثم كيف لربيع عربي ان يتنكر للياسمين التونسي؟
 
دور الباحث/ ة هو كشف النقاب عن الانحياز والتناقضات في الخطاب السائد وفي السياسات المعتمدة ولذلك ارتفعت عديد الأصوات لتندّد بظاهرة تهميش النساء، إن كان ذلك في مستوى  تشكيل الحكومات أو في منابر الحوار السياسي في مختلف وسائل الإعلام واستبعادهن من مراكز صنع القرار في الأحزاب السياسية.
وهذه الأصوات تستحضر تجارب سابقة في إيران والجزائر والعراق وغيرها من البلدان التي عرفت تحوّلات إذ كانت سياسات الحكومات الناشئة بعد تغييرات التنكّر لحقوق النساء ولذلك استفادت التونسيات من هذه التجارب لتدفع باتجاه المقاومة وفرض الذات من خلال التنديد والتشهير والكتابة والمساءلة.   
 
هل يشكل غياب المرأة عن مواقع القرار رغم الكفاءات العالية وعن المنابر الإعلامية السياسية خطوة اولى لابعادها عن النشاط السياسي ؟
 
هشاشة التجربة السياسية لأغلب الأحزاب تجعلها لا تعتبر المشاركة النسائية من ضمن سلّم الأولويات ومن ثمّة فإنّ حالة العمى السائدة التي يتذرّع أصحابها بأنّهم لا يرون نساء جديرات بهذه المناصب تُبين اختلاف التصورات والمشاريع. فمسار ما بعد الثورة قد يراه بعضهم فرصة لإثبات قدرات الرجال أوّلا علّهم بذلك يستعيدون ثقة الجمهور فيهم، في مناخ  تنافسي ذكوري. ولا مجال، حسب هذه القيادات الحزبية، للتنافس مع النساء إذ السياق لا يسمح، والعقليات غير مستعدّة. ولكن من يبرّرون عدم تشريك النساء في العمل السياسي يغفلون حقيقة مفادها أنّ النساء لا ينتظرن الفرص ولا يتوقعنّ المنّ ولذلك نراهن يفرضن شروطهن ويستأسدن في سبيل تمكينهن من الفرص لإثبات كفاءاتهن.  
 
وهل يعتبر العمل الجمعياتي الذي انخرطت فيه المراة التونسية بكثافة تعويضا عن المواقع القيادية التي لم يتم دعوتها له؟
 
هذا سبب ذكر في اعترافات عدد من النساء اللواتي قاطعن العمل السياسيّ ولكن نجد أسبابا أخرى منها :الرغبة في النهوض بالوطن، أو حبّ الظهور، أو البحث عن سدّ الفراغ ، ومنها أيضا خدمة الحزب إذ لا يخفى أنّ عددا من الجمعيات أسس بغرض خدمة حزب من الأحزاب فضلا عن الرغبة في اكتشاف العمل الاجتماعي وإثبات الذات بشكل من الأشكال والانخراط في المقاومة.وطالما أنّنا لم نجر بحوثا ميدانية فإنّ الأمور تبقى في نطاق الترجيح ولكن أعتبر أنّ هذه المحاولات سواء الانخراط في العمل السياسي أو العمل الجمعياتي تثبت ديناميكية النساء ومفارقتهن لحالة الخنوع والرضا بالمكتوب والعزلة. إنّها حالة من الحراك النسائي الذي يجب أن يدرس.
 
كيف تقيمين أداء "نساء التأسيسي" وهل هؤلاء النسوة يمثلن المرأة التونسية ؟
 
أداء نساء المجلس التأسيسي يتفاوت من كتلة إلى أخرى وأيضا داخل نفس المجموعة .هناك نساء عُرفن بتدخلات ملفتة للنظر واضطلعن بأدوار تتسم بالفاعلية  وأخريات كنّ غير مرئيات لا نعرفهن بسبب صمتهن وانعدام كفاءتهن فكن عن حق غير ممثلات لما وصلت إليه المرأة التونسية من وعي واقتدار وحسن إدارة للأزمات، فكنّ بذلك خارج التاريخ....
ويمكن القول إنّ نساء كتلة النهضة تميّزن بانضباطهن والتزامهن بتوجهات الحزب وإن شذت بعض الأصوات فالشاذ لا يقاس عليه. أمّا على مستوى التدخلات فقد كانت خطابات بعضهن محلّ سخرية وتندّر نتيجة الارتجال ونقص الخبرة والوعي بمقتضيات المرحلة ، وتبقى مية الجريبي أنموذجا دالا على قدرة في المحاورة وإثبات التمسّك بمتطلبات المواطنية. أمّا محرزية العبيدي فقد كانت في منزلة بَينية، أي بين بين، تبدو حازمة وقادرة على إدارة الجلسات والمحاورة حينا ، وميّالة إلى مراعاة المصالح والتوازنات أحيانا أخرى . وهو ما جعلها لا تحظى بالترحاب في صفوف الجماهير إذ يجب الحسم وتجاوز الحسابات الضيّقة والاعتبارات الخاصّة. 
 
بعض نائبات التاسيسي لم يبدين اي انزعاج مما ورد في  المادة 28 من مشروع الدستور المتعلقة بحقوق المرأة بصيغتها التي عرضتها حركة النهضة والتي تحد من حقوق المواطنة للمرأة إنطلاقا من مبدأ أنها مكملة للرجل وليس على أساس مبدأ المساواة ، كيف لنا ان نثق في امرأة تقف ضد حقوقها وبين يديها دستور الأجيال القادمة ؟
 
ليس من المستغرب أن نجد فئة من النساء تعيد إنتاج قيم النظام البطريكي ذلك أنّ الوعي بالمسألة النسائية والخلفيات الحقوقية متفاوت من امرأة إلى أخرى  ولذلك نجد عددا من النهضاويات يستبطن دونيتهن ويدافعن عن إبقاء النساء في وضع التابعات والحال أن التاريخ الإسلامي يزخر بنماذج قيادية تجلّت في خديجة بنت خويلد، وعائشة، وأمّ سلمة ،وفاطمة الزهراء ، وزينب وأخريات وصولا إلى منوبية الورتاني وراضية الحداد ولكن أغلب هؤلاء المدافعات عن التكامل ثقافتهن هشّة لا ترتقي إلى المطلوب ومن هنا وجدنا ضعفا في الاحتجاج وتفسيرا لا يعبّر عن إدراك التحولات التي مرّ بها المجتمع التونسي. 
 
هل انت مع راي الجمعيات الناشطة في مجال المرأة  التي ترى أن المواد المتعلقة بالحقوق والحريات في مسودة الدستور "لا ترتقي إلى مستوى طموحات الشعب التونسي الذي رفع شعارات الحرية والكرامة في ثورة 14 جانفي2011 ؟
 
لا شك أنّ سقف المطالب ارتفع بعد الثورة التي اتسمت بالتحضّر والانخراط في قيم الحداثة ومن هنا حُقّ للمواطنين الدفاع عن مشروع يعكس طموحات أغلب التونسيين والتونسيات. لقد كانت المسودة غير عاكسة لهذا المطمح ذلك أنّ المسافة واضحة بين المنشود و المنجز ، ومن حقّ التونسيات مواصلة النضال حتى يكون الدستور الجديد معبّرا عن آمالهن في المساواة التامة في المواطنية.
ولعلّ ما يسترعي الاهتمام أنّ هذا الدستور يغيّب التنصيص على ما به ترتكز مدنيّة الدولة إذ تحاشى المشرٌعون الإشارة إلى كونية حقوق الإنسان وحرية الضمير وغيرها من المواد .  
 
تونس البلد العربي الذي راهن كثيرا على حرية المرأة كعنوان لمجتمع حديث تتمتع فيه النساء بحقوق المواطنة تحول فيه وضع المرأة اليوم الى قاع هرم الهشاشة كيف ترين امكانية الخروج من هذا الوضع؟
 
وعي التونسيات بحقوقهن وواجباتهن خلال هذه المرحلة الحرجة التي تمرّ بها البلاد واضح لا مرية فيه إذ وجدنا شابات ينخرطن لأول مرّة في العمل النضالي يُنتجن أفكارا ، يُبادرن بالفعل يتحرّكن في ربوع الوطن، ووجدنا نساء من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية والانتماءات الأيديولوجية يحضرن الندوات والدورات التدريبية وهذه علامات دالّة على إيمانهن بأنّ اللحظة الراهنة تقتضي بناء الديمقراطية التشاركية لبنة لبنة بسواعد الرجال والنساء. أمّا الفئة التي دعت إلى السير عكس التيار فهي معبّرة عن 'جيل الضياع 'جيل لم تتح له فرصة التعليم والتثقف واقتناص الفرص من أجل بناء الذات ومن هنا فإنّ الارتماء في أحضان التيارات المتشدّدة مَثّل الملجأ ولعلّ فتح فضاءات الحوار سيخوّل لهذه الفئات الخروج من حالة مُفاصلة المجتمع وثقافة الكره إلى فضاء أرحب يسمح بالعيش معا . 
 
 المرأة التونسية تعيش الى جانب الأعباء اليومية حالة من التوجس والخوف من تراجع مكاسبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، الا ترين ان  تسلل الخوف مجددا هو بداية التاسيس للدكتاتورية ضد المرأة ؟
 
الترويع استراتيجية من استراتيجيات الضبط فكلّما تعدّدت حالات العنف ضدّ النساء تقلّص هامش الحريات : حرية اللباس، حرية التنقل، حرية التعبير...وبالفعل نجد فئة من النساء استبطنت مشاعر الخوف وراقبت سلوكها وقولها وفعلها ولكن في المقابل مكّنت الثورة فئات كثيرة من التونسيات من كسر جدار الصمت، وتجاوز وضع تلذّذ الضحية بضعفها وانكسارها إلى حالة من الفعل والتنظم والتحالف من أجل مقاومة كلّ من تخوّل له نفسه تأسيس دكتاتورية دينيّة أو سياسية.
 
ما المطلوب في الوقت الراهن القيام به للخروج من "ازمة الخوف" التي استبدت بالتونسيات للحفاظ على مكتسباتهن ؟
 
مخاوف النساء مشروعة أمام حالات الفوضى وتعدّد الخطابات التي تعكس أهواء الرجال : فهؤلاء يحلمون بامرأة خانعة، تابعة ، تُلبي طلباتهم وتأتمر بأوامرهم، وتُعيد لهم الثقة في ذواتهم. فمن خلال الحطّ من شأن المرأة يَخال هؤلاء الرجال أنّهم سيصنعون أنموذجا ذكوريا جديدا يُحافظ على امتيازاتهم ولكن يبقى الحنين إلى ماض يتمثلونه غير قابل للتحقّق مادام السياق التاريخي مختلفا ومادام وعي النساء قد تحقّق بالرغم من وجود حالات خرجت عن السرب. ولعلّي أذهب إلى أنّ المخاوف ستدفع بالنساء إلى بذل الجهد أكثر فأكثر والتضحية بالوقت والمال في سبيل المقاومة فالدنيا تؤخذ غلابـــــــــــا. 
 
وما هي الخطوة الثانية التي يجب اعتمادها لو تم التراجع عن بعض مكتسبات المرأة بشكل فعلي ؟
 
التاريخ لا يرحم الخانعات والمتماديات في الشكوى واحتراف البكائيات لا سبيل أمامهن إلى نحت معالم المستقبل بدون دفع الثمن والتعويل على الذات. ولكن فئة من التونسيات لازالت تعول على جهود الأخريات يُطالبن المثقفات والجمعيّات بالتحرّك ويكتفين بالمشاهدة وتوجيه الانتقادات أو التظاهر بغاية التقاط الصور ونشرها على الفايسبوك وهو أمر يثبت أنّ مسار النضال يتطلّب جهدا كبيرا من أجل التوعية وإنتاج البدائل وتغيير العقليات حتى داخل الأوساط المتعلّمة والتي تحتلّ مواقع اجتماعية مرموقة فكثيرة هي النماذج التي تأتينا من الريف والقرى والتي تثبت أنّ ثقة المرأة في نفسها تدفعها إلى الأمام وشقّ عصا الطاعة : طاعة من يمثّلون مجتمعا تسلّطيا يريد إرساء قواعده عنوة . 
 
اريد منك تعليقا عن رواج الزواج العرفي وسكوت الحزب الحاكم عنه ، وعن مخاطره على المجتمع التونسي ؟
 
الزواج العرفي السري خَرق واضح للقانون التونسي الذي يُجرّم هذه الحالات من الزواج . بيد أنّ صمت الحزب الحاكم لا يفسّر في نظري، إلا ّوفق 'نظريّة التدافع' فعن طريق استشراء هذه الحالات يتم تسريب فكرة التعدّد ممّا يُمهد الطريق لتغيير مجلة الأحوال الشخصية إذ ثمة ملامح تحوّل اجتماعي نلمحها في التركيز على الفصل بين الجنسين، وتغيير الأدوار ، وشكل التنشئة الاجتماعية، والتعليم الديني الموازي....ومهما كانت المبررات فإنّ الركون إلى مخالفة القانون يوضّح أنّنا لسنا بصدد تكريس دولة القانون والمؤسسات، وبناء مجتمع ديمقراطيّ ودولة مدنيّة.  
 
 

صوفية الهمامي
الاثنين 3 يونيو 2013