
داني مطلق يبلغ من العمر خمسين عاما، وأب لطفلين، دخله أقل قليلا من 2200 دولار شهريا وهو متوسط الدخل في إسرائيل بوجه عام، لكن دخله لا يغطي نفقاته الشهرية وفي وقت سابق هذا العام كان على الرجل أن يختار بين سداد نفقة طليقته وطفليه أو سداد إيجار شقته.
اختار الرجل طفليه، والآن يقيم في خيمة نصبها على رقعة خضراء تطل على شارع أرلوزوروف قرب محطة القطارات الرئيسية في تل أبيب، كان عمدة تل أبيب خصصها لمخيمات الاحتجاجات الشعبية هذا العام.
الصيف الماضي شهدت تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى مسيرات أسبوعية شارك فيها عشرات الآلاف احتجاجا على تكاليف الحياة الباهظة في إسرائيل، وبخاصة تكاليف السكن.
وفي ليلة سبت شارك أكثر من أربعمئة ألف شخص في أضخم تظاهرة احتجاجية اجتماعية في تاريخ إسرائيل، وهي مسيرة ضخمة بحق في بلد لا يتجاوز تعداد سكانه 9ر7 مليون نسمة لكن احتجاجات هذا العام فقدت ذلك الزخم.
مخيم أرلوزوروف لم يعد يحوي أكثر من ثلاثين خيمة، في وقت سابق كان هناك المئات، وباتت احتجاجات السبت لا تجذب أكثر من عدة مئات، أو عدة آلاف على الأكثر، ولا وجه للمقارنة بالطبع بالأعداد التي كانت تتوافد العام الماضي ففي تموز/يوليو الماضي، أضرم رجلان يعانيان مشكلات مالية النار في نفسيهما، لكن حتى موتهما لم يتمكن من إعادة الحشود إلى الشوارع.
الإسرائيليون الذين شاركوا بحماسة في احتجاجات العام الماضي أصابهم الضجر وخيبة الأمل لاحساسهم أن شيئا لم يتغير، رغم الجهود التي تبذلها لجنة شكلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
داني ورفاقه على قناعة بأن الخمسين أسرة التي تتحكم في الكثير من ثروات تل أبيب، تطلب من مالكي وسائل الإعلام عدم تغطية احتجاجات هذا العام بشكل كبير، بعد أن خسروا الكثير جراء مقاطعة منتجاتهم، أو أن مجالس التحرير الصحفي، التي تضع عينها على عوائد الإعلانات، طلبوا من مراسليهم تخفيف لهجة الحديث عن تلك الاحتجاجات، بحسب داني ورفيقيه ،الاقتتال الداخلي أيضا بين قادة الحركة الاحتجاجية العام الماضي، زاد الأمر سوءا.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التي تقرر إجراؤها في تشرين أول/أكتوبر 2013، قل تركيز الكثيرين على الاحتجاجات نفسها، مكثفين جهودهم في محاولة استغلال الدعاية التي حققوها لأنفسهم لدخول معترك السياسة وتشكيل أحزاب جديدة تؤكد على الجانبين الاجتماعي والاقتصادي.
الأمور لم تتغير كثيرا بالنسبة لأناس عاديين على شاكلة داني، فبعد سداد نفقة زوجته الشهرية(750 دولارا) وتكاليف الوقود والكهرباء والماء والغذاء لا يتبقى معه سوى 450 دولار شهريا على الأكثر لسداد إيجار مسكن.
لكن هذه النقود لا تكفي على الإطلاق للعثور على غرفة في شقة مشتركة في حي شعبي من أحياء جنوب تل أبيب التي تصنف كأكثر مدن الشرق الأوسط كلفة، بل إن تكاليف حياة فيها أكبر من تكاليف الحياة في معظم عواصم أوروبا ومنها باريس نفسها، بحسب مسح أجرته شركة ميرسر للاستشارات ذلك أن إيجار شقة مكونة من غرفتي نوم في حي لائق تتكلف شهريا 1250 دولارا على الأقل، فيما لا يقل ثمنها عن نصف مليون دولار.
داني، الذي يعمل فنيا وهو متخصص في توصيل كابلات الإنترنت، حاول العيش خارج المدينة حيث الإيجارات منخفضة، غير أن ذلك كان يعني أن تزيد فاتورة الوقود الذي تستهلكه السيارة بشكل كبير.
عندما انتهى آخر عقد إيجار له قبل شهرين وأبلغه المالك انه يعتزم رفع الإيجار ثانية-إيجار الشقة تضاعف بالفعل مقارنة بقيمته وقت انتقل داني إلى الشقة قبل ست سنوات- اضطر الرجل لترك الشقة والنوم في سيارته.
دخل داني متوسط، لذا من المفترض أن يصنف كأحد أبناء الطبقة المتوسطة، لكن "ليس هناك طبقة متوسطة" حسبما يقول داني نفسه "تمنيت لو كنا دولة من دول العالم الثالث.. على الأقل هناك إسكان شعبي في الصين(مثلا)" داني لا يرى أكثر من سبب واحد لتراجع حدة الاحتجاجات :إنها إيران.
"خلال الأشهر الستة الماضية لم تتحدث الصحف سوى عن شيء واحد.. إنهم يصيبوننا بالجنون بـ(ذلك الهاجس الدائم) الأمن ..الأمن .. الأمن" ،ويضيف داني "عندما يعتقد الناس أن صاروخا سوف يسقط على رؤوسهم.. لا يفكرون كثيرا في أمر المسكن أو الديون".