نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :


الانتاج التلفزيوني في الجزائر..متألق بالخارج ورديء جدا بالداخل






الجزائر - تحفل المواضيع الثقافية والفنية دوريا بأخبار تتحدث عن تألق جزائريين من مخرجين وممثلين وروائيين ونقاد في المهرجات السينمائية والجوائز الأدبية الدولية والعربية، ما يعكس طاقات هائلة من الإبداع بوسعها حجز مكان لها تحت الشمس في أي مكان إذا ما أتيحت الفرصة أمامها لتفجير كل مواهبها.

لكن الملاحظات التي ظلت تسجلها سلطة السمعي البصري وهي هيئة "مستقلة" انشئت لضبط مشهد السمعي –البصري ومنع "التجاوزات" في الانتاج التلفزيوني سواء في القطاع العام أو الخاص، وما تنقله وسائط التواصل الاجتماعي من غضب واستهجان متكرر، يعكسان حجم التناقض الكبير بين الابداع الذي يلقى التقدير والاعتراف في الخارج، وبين الرداءة التي تريد أن تكون " قدرا محتوما على أعين الجزائريين".


 
ففي خلال شهر رمضان الذي تجتمع فيها العائلة الجزائرية أمام التلفزيون أكثر من أي وقت آخر، تدخلت سلطة ضبط السمعي البصري لأداء مهمتها وقامت بتوجيه إنذارات للعديد من القنوات التلفزيونية الخاصة، وكانت في كل مرة تطلب منها توضيحات حول الشكاوى التي وصلتها من مواطنين بسبب برامج تم بثها، واعتبروا أن مضمونها يشكل "إساءة للأعراف الاجتماعية والثقافية والروحية" للجزائريين.

التزم مسؤولو القنوات "المتهمة" بحسب ما جرى تناقله إعلاميا بمعاقبة المخطئين والمذنبين، وبتقديم اعتذارات لـ" الضحايا" سواء كان فرادى أو جماعات، لكن ذلك لم يمنع المراقبين والملاحظين من الإشارة إلى حقيقة لا يمكن حجبها تتعلق بضعف المستوى والذوق العام للإنتاج والمنتجين الذين يحظون بفرصة عرض وتسويق " بضاعتهم".

زادت الكلمات التعريفية التي اختارها تلفزيون "البديل" الذي بدأ للتو البث التجريبي تزامنا مع ذكرى استرجاع الجزائر لسيادتها الوطنية، الشكوك حول ما يتردد بشأن الأداء التلفزيوني ومضمونه في الجزائر.

وقدم " البديل" نفسه على انه قناة موضوعاتية متخصصة تحرص على أن تنأى بنفسها عن كل ساحات الجدل والتجاذبات والاستقطابات المختلفة، وانه تلفزيون بمحتوى علمي وثقافي وفكري شامل ينتهج الوسطية وينبذ المغالاة والتطرف ويحتفي بتعدد الآراء وتعدد الأفكار. كما اعتبر نفسه فضاء إعلاميا جامعا يحترم التنوع والثراء الثقافي والفكري في الجزائر، ويُشيع ثقافة التحضر والتمدن والتسامح والحق في الاختلاف.

الشعارات التي رفعها " البديل" حتى وإن بدا أنها استنساخ لبعض الشعارات التي دأبت بعض الأحزاب والجمعيات السياسية على ترديدها، فهمت على أنها رسالة مباشرة لمنافسيه الموجودين في الساحة بأنه لن يكون مثلهم، وأنه سيحاول أن يكون فعلا الملجأ المفضل للفئة التي تبحث عن بديل بمستوى راق ونوعية رفيعة.
السبب...الاحتكار وغياب التخطيط
يتحدث الإعلامي كمال زايت، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب. أ)، عن الانتاج التلفزيوني في الجزائر وسبب ضعف مستواه، فيقول إنه يتعين العودة إلى الوراء قليلا، لفهم الكثير من الأمور.

ويشير زابت إلى أن قطاع الاذاعة والتلفزيون ظل محتكرا من طرف الدولة منذ استقلال البلد سنة 1962 وحتى عام 2012، عندما تم الترخيص بإنشاء قنوات خاصة على عجل، حتى قبل صدور القانون الذي يسمح بنشاط هذه التلفزيونات التي ظهرت للنور دون دراسة ودون تفكير أو تخطيط، لأن قرارا سياسيا صدر بإنشاء هذه القنوات لقطع الطريق على قنوات تبث من وراء البحار.

ويسترسل زايت، فيشير إلى أن الاحتكار شمل أيضا الانتاج التلفزيوني، فلسنوات طويلة كان التلفزيون الحكومي هو الذي ينتج لنفسه، وحتى عندما ظهر بعض المنتجين من القطاع الخاص، لم تكن عملية التعامل بين التلفزيون وتلك الشركات المنتجة تخضع غالبا للمعايير المهنية، الأمر الذي أثر على نوعية الانتاج، لأن الجودة لم تكن المعيار الأهم في وقوع الاختيار على هذا العمل دون ذاك.

والشيء نفسه تكرر مع تجربة القنوات الخاصة، فظهور هذه القنوات على نحو مفاجئ وبشكل غير مخطط له خلق حاجة مستعجلة لإنتاجات تلفزيونية، وهو الأمر الذي فتح شهية الكثير من شركات الانتاج، التي زاد عددها بغرض الاستفادة من الكعكة. ولكن أصحاب القنوات الخاصة سرعان ما استهلكوا الميزانيات، واكتشفوا أن سوق الاعلانات شحيح، وتفاقم الوضع بسبب الازمة الاقتصادية التي بدأت تزداد منذ عام 2015، وهو ما جعل الكثير من القنوات تبحث عن الأقل تكلفة بصرف النظر عن النوعية.

الفراغ القانوني أنتج فوضى خلاقة

يهاجم موسى ربيع، الذي أسس شركة انتاج قبل نحو 10 سنوات، وقام بإنتاج العديد من البرامج التلفزيونية لفائدة القنوات الخاصة، ما يسميه " الفراغ القانوني" الذي تسبب برأيه في حالة من الفوضى الخلاقة تتحكم في المشهد العام، متسائلا في نفس الوقت إن كان هذا الوضع سيستمر لفترة أخرى من الزمن.

ويصف ربيع، التلفزيونات الخاصة في الجزائر بالشركات الوهمية التي لا يمكن مقاضاتها إذا وقع أي طرف معها في خلاف في حال عدم التزامها ببند من بنود العقد، على اعتبار أن القانون الجزائري يعتبرها شركات أجنبية لكن في الوقت ذاته يسمح لها بالنشاط.

ويعيب ربيع، على هذه التلفزيونات افتقارها لموازنة تسمح لها بوضع شبكة برامجية متنوعة بإمكانها تلبية جميع الأذواق، وتدفع ما عليها من مستحقات تجاه المتعاملين معها. كما انتقد بشدة عدم استجابتها لدفتر الشروط وعدم اخذها بالمعايير المتعارف عليها في المجال عربيا ودوليا.

ويذكر ربيع، واقعة يقول أنه لن ينساها أبدا تتمثل في إقدام قناتين منافستين على بث نفس البرنامج في نفس اليوم وفي نفس التوقيت، رغم أن القانون لا يجيز ذلك لكن لا أحد تدخل لوضع حد لهذه الفوضى بما فيها سلطة الضبط التي تجاوزتها الأحداث، على حد قوله.

ويتفق ربيع، مع كمال زايت، فيتحدث عن المعايير غير المهنية وغير الأخلاقية التي يتم الاستناد إليها في اختيار البرامج خاصة اذا كان مقابلها المادي مغري جدا، مؤكدا أن ما حققته شركته من إنتاج في ظل محيط متعفن ولا يضمن تكافؤ الفرص لا يمكن وصفه إلا بـ" المعجزة".

غياب الإبداع وافتقار المهارات

تتحدث المخرجة والمنتجة فتيحة بوروينة، عن اقتحامها مجال الانتاج التلفزيوني، واصفة ذلك بأصعب قرار اتخذتها قبل 11 عاما، فأسست مع ولديها بسرى وعبد الرحمن، وهم الثلاثة درسوا نفس الاختصاص في الجامعة، وكالة للإنتاج السمعي البصري.

وتخصصت بوروينة، في صناعة الوثائقيات في محاولة منها الاستثمار في التنوع الثقافي والجغرافي للجزائر وهوياتها، مشددة على أنه ملعبها الوحيد وأنها ستمضي فيه مهما كلفها من ثمن كون الاشتغال على هذا النوع السينمائي الراكد يعد مغامرة حقيقية.

رغم اعترافها بأن الانتاج التلفزيوني في الجزائر لا يزال مجالا ذكوريا بامتياز، تريد بوروينة أن تصنع لنفسها مكانة في الوسط وتجسيد مشاريعها وأحلامها التي هي أكبر من أن تختصر في جمع المال، حتى لو كان ذلك شرطا ضروريا لرسم معالم المستقبل.

يرى منير أحمد، وهو من الكفاءات الجزائرية التي خاضت تجربة في الخليج ثم في اوروبا قبل أن يستقر في الخليج مرة ثانية، أن البرامج التلفزيونية في الجزائر تفتقر للإبداع والكثير من المهارات الفنية، فضلا عن عدم مواكبتها للتطورات الخاصة في عالم التكنولوجيا الرقمية وهو ما يجعلها بعيدة جدا عن المعايير المعتمدة في كثير من الدول العربية على سبيل المثال.

ويدعو منير، إلى الاستثمار في العنصر البشري، وتشكيل لجان داخلية تتكفل بالقراءة والمراقبة ولا تسمح بقبول سيناريوهات ضعيفة ومبتذلة، وتتجنب السقوط في " المحظور"، بينما تشدد بوروينة، على ضرورة وضع معايير فنية وتقنية تقوم على الكفاءة وحدها، وأخرى تراعي المضمون، مع الابتعاد عن المحاباة والروابط العائلية في تمويل البرامج والأعمال التلفزيونية.

أما كمال زايت، فيؤكد على أن الحل يمكن أن يأتي من خلال تشجيع شركات الانتاج المبدعة والتي تقترح افكارا جديدة ومبتكرة، والتركيز على الانتاجات غير المكلفة، والتي لا تتطلب امكانيات ضخمة.

في خضم كل هذا، يأمل محمد لوبار، رئيس سلطة ضبط السمعي البصري المعين من قبل رئيس الجمهورية في عدم تكرار مثل هذه الأخطاء التي خرجت للعلن، مبرزا الحاجة لتطوير القطاع بالتنسيق مع جميع الفاعلين والمتدخلين في ظل احترام القيم والأعراف الأخلاقية والمهنية.

لكن ثمة إجماع على أن الإصلاح مرهون بما تنوي الدولة المسؤولة على ضبط المشهد برمته، فعله، وكأن الأمر في النهاية متوقف على إرادتها وليس على نوايا الآخرين.
(د ب ا) ي ت/ ب ت

د ب ا
الاثنين 20 يوليوز 2020