نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام

التعميم بوصفه "تخبيصة" العقل الأولى

18/04/2024 - مصطفى تاج الدين الموسى

رسائل النيران بين إيران وإسرائيل

15/04/2024 - محمد مختار الشَنقيطي

جنوب لبنان.. بعد غزة

06/04/2024 - عبد الوهاب بدرخان

غزة والأخلاق العابرة للحدود والأرباح

06/04/2024 - عدنان عبد الرزاق

نزار قباني وتلاميذ غزة

06/04/2024 - صبحي حديدي


الحق على الطليان ..... السوريون يأملون أن يخلصهم مركز خدمة المواطن من سرطان الفساد




دمشق - جوني عبو - " لم يعد بمقدورنا ان نتحمل وزر الاعباء النفسية وهدر الوقت والجهد والتكاليف المالية من أجل عيون شبكات البيروقراطية والفساد في الدوائر الحكومية السورية خاصة أن حل هذه المعضلات لم يعد بالأمر المستحيل ".


الرئيس السوري بشار الأسد أثناء افتتاح مركز خدمة المواطن قبل فترة قصيرة _ ارشيف
الرئيس السوري بشار الأسد أثناء افتتاح مركز خدمة المواطن قبل فترة قصيرة _ ارشيف
هكذا كان أحمد يصرخ ويردد أمام مبنى محافظة دمشق الذي يقع في قلب العاصمة السورية وهو مبنى كبير ويضم مئات الموظفين .

يقول أحمد وهو أحد المراجعين لمقر محافظة دمشق من أجل اتمام أوراق بعض المعاملات الخاصة له ولعائلته والعرق يتصبب من جبينه " من الصعب ان نستمر كشعب وبلد يطمحان إلى التقدم والرقي والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة بوضعنا الحالي ، حتى الآن لا يزال البعض يضع اللوم على الطليان كما يقول المثل الدارج ، لقد آن الآوان أن نعترف أن المشكلة فينا ولدينا وليس لدى الآخرين يكفينا هروب إلى الأمام ".

ووسط زحمة المراجعين تبدي أم حسان وهي سيدة في الخمسين من عمرها الحيرة والقلق مما تراه أمامها وتقول إنها بدأت باتمام معاملة أوراق فصل الملكية بين زوجها المتوفى وأخوته بغية ان تضمن لأولادها الأربعة منزلا يقيهم عوز السكن والتنقل وتقول أم حسان وهي معلمة مدرسة ابتدائية " بدأت انجاز أوراق المعاملة منذ أيام بعد أن انتهى العام الدراسي للمدارس الابتدائية في سوريا ، ولأنني اعرف كم سألف وأدور وأصعد وأنزل أدراج فإنني قلت في نفسي يجب أن أبدأ مبكرا خشية أن تمرالعطلة الصيفية قبل أن انتهي من هذه المعاملة ، فالوضع لا يسمح بالتأجيل" .

وتوضح أم حسان وهي تعمل عملين آخرين إلى جانب عملها مستثمرة وقتها إلى أقصى حد " أقوم بتدريس بعض الاطفال الميسورة حالتهم وأقوم أيضا بتربية أطفال آخرين بشكل غير منتظم لأن أهاليهم إما لديهم اعمال كثيرة أو مرتبطين بسفر مستمر وهكذا أحصل على دخل مقبول اعيل فيه أسرتي المؤلفة من أربعة أفراد أكبرهم في الصف العاشر حيث يذهب لتعلم بعض المهن في فصل الصيف " ويأخذ مصروفه " .

ويبدي أحمد وهو مهندس في العقد الرابع من عمره رايه بالبيروقراطية والفساد قائلا " اليوم شعرت أن هناك شبكات وحلقات من الفساد المالي والاداري فضلا عن بيروقراطية مقيتة لا يمكن لأحد ان يتخيلها ، لا ابالغ إذا قلت إن هذا عدو لبلادي ربما يوازي عداء اسرائيل لمستقبلنا جميعا، لم يعد الأمر يطاق ليس فقط في هذه الدائرة.. معظم الدوائر حالها مثل هذه وربما أسوأ". ويتساءل أحمد أمام بضع اعداد من المراجعين اتخذوا زاوية من طرف المبنى بانتظار عودة أحد الموظفين من زيارة زميله في العمل حيث كانا يشربان " المتة " سويا غير عابئين بأحوال المواطنيين المراجعين قائلا" هل معقول أن نصل إلى هذا الحد من التدهور الاخلاقي والمهني ، اليوم صرفت 700 ليرة سورية أي جزأتها إلى فئة الخمسين ليرة وقلت لنفسي هذا يكفي اعطي لكل موظف خمسين ليرة عن توقيعه وربما بعضهم سيطلب مئة ليرة ، صدقوني من 700 ليرة بقي معي خمسين واحدة ولدي ثلاثة تواقيع حتى إنهاء معاملتي شيء لا يصدق " .

ولا يشكل وضع احمد وأم حسان استثناء بل إن حجم الفساد الاكبر هو في أماكن أخرى لعل منها سلك الشرطة التابعين لوزارة الداخلية أو بعض موظفي الدوائر العقارية والعدلية ومعاملات انجاز تسجيل السيارات كما يقول أحد المحامين الذي رفض الافصاح عن اسمه لوكالة الأنباء الالمانية(د.ب.أ) .

وتتوزع المقرات الحكومية في العاصمة دمشق على رقعة جغرافية واسعة نسبيا وهو الأمر الذي يحيل الناس إلى التنقل والتكاليف وضياع الوقت بشكل كبير ، فضلا عن أن وجود مئات المؤسسات الرسمية داخل المدينة بات الوصول اليه بشق الأنفس نتيجة الازدحام المروري الذي يؤدي لبطء شديد في الوصول الى الأماكن الرسمية .

يقول محافظ دمشق بشر الصبان في لقاء مع الاعلاميين عقده في الايام الاخيرة "نحن نريد بشتى السبل أن نزيل عبء الورقيات عن كاهلنا كجهة حكومية ، ونعطي كل الاسباب والتوجهيات والأوامر التي من شأنها تسهيل انجاز معاملات الاخوة المواطنين ، لكن لنعترف هذا ليس بالأمر السهل ، نحن نصطدم أحيانا مع واقع يصعب ازالته ، لكن تلك الصعوبات والعوائق لن نزيدنا إلا اصرارا على تطوير العمل عاجلا أم آجلا ، ويمكن القول إن فريق من المتخصصين يقوده الدكتور ليان قطيني الخبير في علوم التطوير والادارة ، ينجزون الآن مراحل جيدة من مركز خدمة المواطن الذي يختزل العديد من المراحل الروتينية التي تضر بكل أطراف عملية التعاون بين المواطن والحكومة وتطوير اساليب النهج العام كما يوصي السيد الرئيس بشار الأسد دوما ".

يقول المهندس بشار القدة مدير قسم المعلوماتية في محافظة مدينة دمشق لـ"د.ب.أ" ان " كلاما كثيرا قيل في السابق عن الحكومة الألكترونية ، وانها الحل لكل مشاكلنا وهي ستعالج كل الخلل من خلال الأتمتة ، والواقع أن الأتمتة هي أحد الحلول لكنها لن تكون كذلك دون علوم إدارية فالتجارب الناجحة في هذا الاتجاه في العالم تشير إلى أن 80 بالمئة من الأتمتة هي نتيجة عمل وعلم الادارة الناجح ، لذلك فنحن في مركز خدمة المواطن الذي افتتحه السيد الرئيس بشار الأسد قبل فترة قصيرة ، أختصرنا عشرات التواقيع على المواطنين المراجعين.. كل الاوراق يمكن انجازها من هذا المركز دون الحاجة إلى كل الروتين ومشاكله السابقة وقد وجه الرئيس الاسد العاملين كافة حين افتتح هذا المركز بأن تكون هذه التجربة نواة ناجحة من أجل توسيعها وتعميمها على باقي الدوائر والمؤسسات الحكومية علما اننا يجب ان نوحد الشبكة الألكترونية في حال توسعنا بهذا المشروع لا ان يكون هناك مجموعة شبكات تشكل جزر منعزلة عن بعضها وهو الأمر الذي حصل سابقا مع بعض التجارب ما ادى الى فشل التجربة".

ويضيف المهندس القدة ان المركز الجديد لخدمة المواطن استطاع ربط نظام دفع مالي الكتروني مع المصرف التجاري السوري وبات بامكان المواطن الدفع ببطاقات الإتمان مهما كان نوعها، ويشير المهندس القدة إلى أن عدد المراجعين يوميا الى المؤسسات الحكومية في العاصمة دمشق يبلغ 30 ألف أي تسعة ملايين مراجع سنويا وهو رقم كبير.

يقول المسؤول الاعلامي عن مركز خدمة المواطن ابراهيم ياخور لـ"د.ب.أ" "المركز أختصر على الناس أكثر من خمسين توقيعا من أصل حوالي 60 توقيعا كان المواطن مضطرا للمرور بهذه السلسلة الطويلة من التهلكة ، فما بالنا اذا كان المواطن المراجع احد المغتربين وجاء لقضاء اجازة ممتعة مع أهله وعائلته واصحابه ، خاصة ان عدد المغتربين السوريين في الخارج يعد بالملايين" .

ويقول ياخور إن مركز خدمة المواطن يجب التعامل معه بمبدأ نقطة تفشي الزيت ، بحيث يكون الوضع منتشرا بالرؤية التي تحدث عنها الرئيس الأسد والتعاطي مع الاعلام بجدية وليس كأسلوب دعائي .

ويشكو مئات المستثمرين ، السوريين والعرب والاجانب ، من روتين انجاز أوراق معاملاتهم في الدوائر الحكومية لا سيما ان هذا الروتين يضر بخلق فرص العمل التي تحتاجها البلاد نتيجة تزايد حجم القوى العاملة الداخلة الى سوق العمل والتي تتجاوز 300 ألف طالب وطالبة فرص العمل سنويا .

وكان الرئيس الأسد دعا لدحر البيروقراطية ووجه بضرورة الأهتمام بعلوم الادارة وتسهيل معاملات السوريين أواخر أيار /مايو الماضي عندما افتتح مركز خدمة المواطنين وهو مؤشر كما يقول البعض على ان هناك أهتماما مباشرا واشرافا منه شخصيا بتطوير مفاصل عمل الحكومة لصالح الناس.

وتفكر الحكومة السورية بنشر تجربة " مركز خدمة المواطن " في الفترة المقبلة في ثلاث محافظات على أن يتم تعميم التجربة على كل سوريا لاحقا .

يقول الدكتور أحمد برقاوي وهو استاذ علم الاجتماع والفلسفة في جامعة دمشق لـ"د.ب.أ" ان التغيير في القوانين يجب ان يرافقه تغيير في ثقافة وتكوين المجتمعات والافراد ، و حتى يتم ذلك لا بد من توعية متواصلة و تكريس ثقافة الاخلاص في العمل ولا بد من الاكتفاء المادي لدى الموظفين حتى يتمكنوا من التفرغ للعيش والعمل دون خوف على مستقبلهم .

وتحاول سوريا التخلص من مكانتها المتقدمة في سلم الدول الأكثر فسادا وفق تقارير واحصاءات لمنظمة الشفافية العالمية حيث نالت سوريا المركز 147 من بين 180 دولة خلال العام الماضي وهي تحتل الرقم 17 من بين 18 دولة عربية اجريت عنها دراسات واحصاءات في السنتين الأخيرتين ، إلا ان أكاديميين سوريين يقولون ان هذه الارقام مبالغ فيها .

جوني عبو
الاحد 11 يوليوز 2010