نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

واقع الديمقراطية في سورية الجديدة

09/05/2025 - مضر رياض الدبس

(سوريا بين حرب أهلية ومشاريع تقسيم؟)

05/05/2025 - عبدالوهاب بدرخان

دلالات التصعيد الإسرائيلي في سوريا

04/05/2025 - العميد المتقاعد مصطفى الشيخ

السياسة المزدوجة

25/04/2025 - لمى قنوت


الواقع والخيال في وداع ترامب الذي طال انتظاره!






في رواية نانسي ميتفورد الكوميدية «لا تخبر ألفريد»، التي نُشرت عام 1960، تصل زوجة السفير البريطاني الجديد في باريس إلى السفارة لتجد أن لديها مشكلة مربكة؛ وهي أن زوجة السفير السابق رفضت المغادرة. ففي الواقع كانت بولين ليون، زوجة السفير السابق، تشعر بقدر كبير من الارتباك والتشوش إزاء ما قد يخبئه المستقبل الخالي من المكانة الاجتماعية ؛ لدرجة أنها أعدت بلاطاً منافساً خاصاً بها؛ حيث تستقبل بحفاوة حشود الزوار، كما لو أنها لا تزال بالنسبة إلى بقية العالم زوجة السفير المسيطرة اجتماعياً في باريس.


وقال أحد المسؤولين البريطانيين مازحاً: “في البداية قد يظن المرء أنها مزحة وأنها بعد يوم أو اثنين ستمل الأمر؛ لكن ذلك لم يحدث، فقد كانت تحظى بأفضل أوقات عمرها”، وأضاف: “بصراحة لا أرى طريقة يمكننا من خلالها حثها على الرحيل”. وفي الوقت الذي تتأمل فيه الأمة الحالة الحرجة لدونالد ترامب ، الرئيس الذي لن يعترف بأنه قد تمت إقالته، من المفيد أن ننظر إليه من خلال تجارب أناس آخرين؛ سواء أكانوا خياليين أم حقيقيين، والذين لم يتمكنوا من تقبل حدوث تطورات غير مرغوب بها في حياتهم الشخصية والمهنية.

فهل ترامب مثل الملك لير ، يستشيط غضباً على ما ضاع من يدَيه، ويتشبث يائساً بزخارف السلطة حتى وهم يجردونه منها؟ أم أنه أشبه بـ”بارتليبي النساخ” النموذج الغامض للمقاومة السلبية الذي يرفض في أحد الأيام القيام بأي عمل إضافي أو حتى مغادرة المبنى، قائلاً: “أفضل عدم القيام بذلك”.

هل يشبه مثلاً شخصية نيللي في مسلسل “المكتب” التي تظل جالسة على مكتب المدير الإقليمي عندما يكون خارج المدينة وتنصب نفسها رئيسة؟ أو ماذا عن (جورج) في مسلسل “ساينفيلد”، الذي استقال من إحدى الوظائف العديدة التي شغلها وهو في نوبة غضب ، وبغض النظر عن أنه حاول استعادتها دون جدوى، ظل يرسل تقريره إلى العمل وكأن شيئاً لم يحدث

يقول تيموثي نفتالي؛ أستاذ التاريخ في جامعة نيويورك، إن إحدى الطرق للنظر إلى ترامب ستكون رؤيته كنسخة من الآنسة هافيشام؛ العروس التي تم هجرها في رواية ديكنز «آمال عظيمة»، والتي تعيش إلى الأبد في الماضي، ولا تخلع أبداً ثوب زفافها الرثّ، حتى ومنزلها يتهاوى من حولها. ويضيف: “فهو يرتدي عباءة الرئاسة وهو عالق في غرفته، يعفِّي عليه الزمن، في حين أن الجميع قد مضوا قدماً”.

اعتداء على الواقع

ولم يسبق لأي رئيس في التاريخ الأمريكي أن رفض لهذه الفترة الطويلة أن يعترف بخسارته الواضحة في الانتخابات؛ لكن عندما يتعلق الأمر بالتمسك بنسخة بديلة من الواقع، فإن ترامب لديه الكثير من الرفقاء غير الرئاسيين؛ فقد كان هناك إيتيوكليس؛ ابن أوديب في الأساطير اليونانية، والذي تمسك بالبقاء على عرش طيبة، مخلفاً وعده بمشاركته مع أخيه التوأم؛ مما أدى إلى معركة قتل فيها كل منهما الآخر.

وكان هناك حاكم ولاية تكساس إدموند ديفيس، وهو جمهوري، رفض ترك منصبه بعد خسارته انتخابات عام 1873، مدعياً أنه متبق له عدة أشهر في فترة ولايته، وتحصن في الطابق الأرضي من مبنى الكابيتول. (قام الحاكم المنتخب حديثاً وأنصاره بتنصيب أنفسهم في الطابق الأول، باستخدام سلالم للدخول عبر النوافذ).

وهناك أيضاً هيرو أونودا؛ ضابط الجيش الإمبراطوري الياباني، الذي لم يستسلم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وظل في حالة تأهب قتالي في الأدغال لمدة 29 عاماً حتى وصل قائده السابق المسن، آنذاك، وألغى أمره بعدم الاستسلام. وكانت هناك حكومة مولدوفا بأكملها، التي قررت عام 2019 عدم إفساح المجال أمام الحكومة الجديدة ؛ ما أدى إلى وضع غريب ادَّعت فيه كلتا المجموعتَين، لفترةٍ من الوقت، أنها مسؤولة عن البلاد. وانتهى المأزق أخيراً عندما تنحَّى رئيس الوزراء السابق على مضض في مواجهة الغضب الوطني المتزايد والضغوط الدولية.

وفي حين أن عمليات انتقال السلطة الرئاسية الأمريكية كانت سلسة وتُدار بشكل جيد وفقاً للتقاليد، فإن تاريخ العالم مليء بأمثلة من الديكتاتوريين والرجال من ذوي السلطة الذين يستخدمون وسائل مشينة للبقاء في مناصبهم. ففي بعض الأحيان يرفض هؤلاء الحكام قبول نتائج الانتخابات التي أُجريت بنزاهة. وفي أحيانٍ أخرى يتجاهلون فترات الولاية المحددة، ويستمرون في الحكم. وأحياناً يسجنون أو يعذبون أو يقتلون أو يخفون خصومهم السياسيين. وفي بعض الأحيان يفعلون كل هذه الأمور معاً.

وقد تحدث ترامب بإعجاب عن بعض هذه الممارسات، قائلاً، على سبيل المثال، إنه “ربما يحق له” الحصول على ولاية ثالثة “استناداً إلى الطريقة التي عوملنا بها”. (كان ذلك قبل أن يخسر الانتخابات)؛ لكن في ضوء الأنباء التي تتطاير كأعمدة الدخان من البيت الأبيض، حيث يُقال إن بعض مستشاري الرئيس وأقاربه يحاولون استخدام تقنيات نفسية مختلفة لحمل ترامب على قبول حقيقة أنه الآن رئيس منتهية ولايته، فإن سلوكه يبدو أقرب إلى الانقلاب وأكثر من كونه نوبة غضب مطولة. وكما قال دان راذير؛ أحد كبار رجال الدولة في الصحافة الأمريكية على “تويتر “: “يا صاحبي. لقد خسرت”.

ويقولجوزيف بورغو؛عالم النفس السريري الذي درس ترامب،وكتب عن جاذبيته للناخبين: “لا يمكنه تحمل أن يكون الخاسر، وبالتالي فهو الآن يبذل كل ما في وسعه للاعتداء على الواقع الذي يكرهه”.

بينما يقول الدكتور بورغو؛ مؤلف كتاب «النرجسي الذي تعرفه.. الدفاع عن نفسك ضد النرجسيين المتطرفين في عصر التمحور حول الذات»: “بمجرد أن يستنفد كل السبل الممكنة للطعن في الانتخابات ، فإنه سوف يقضي بقية حياته مصراً على أن النظام تآمر لحرمانه من الفوز، وسوف يلجأ إلى اللوم والشفقة على الذات والسخط المبرر لتعزيز إحساسه بالذات، وبالتالي درء الإذلال الناجم عن الهزيمة الحقيقية”.

ماذا عن التملق؟ 

وفي هذه الأثناء، سيسهم العديد من المشرعين الجمهوريين، الذين يكرهون إغضاب ترامب، في دعم الوهم بأنه لا يزال في السلطة بطريقة ما تذكرنا بأفراد البلاط في كتاب ريشارد كابوشينسكي «الإمبراطور»، والذين نالوا مكانتهم من خلال التملق والكذب في الأيام الأخيرة من حكم الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي.

اقرأ أيضاً: دور وسائل التواصل الاجتماعي في “الربيع الأمريكي” ومستقبل الانتخابات الأمريكية

ومن المثير للاهتمام أن هناك سابقة لهذا الأمر داخل عائلة ترامب نفسها؛ فعندما أُصيب والد الرئيس، فريد، بمرض ألزهايمر، قيل إن العائلة تآمرت لمساعدته على الاعتقاد بأنه لا يزال يدير منظمة ترامب. ووفقاً لمجلة “فانيتي فير”، فإن ترامب المسن كان يذهب للعمل كل يوم، ويوقع أوراقاً فارغة ويستخدم هاتفاً مكتبياً متصلاً فقط بخط سكرتيرته. وقال صديق العائلة للمجلة إنه “تظاهر بالعمل”.

ويقول نفتالي: “إنه في ظلّ زمرته الواسعة من المساعدين المستعدين لتصديق تأكيداته التي لا أساس لها حول الانتخابات، فربما يجب مقارنة ترامب بالساحر في فيلم (ساحر أوز)”. ويضيف: “لقد افترض الكثيرون منا أن لحظة ترامب خلف الستار -عندما وصلت دوروثي واكتشفت بفضل توتو، أن الساحر كان محض هراء- ستأتي بسبب تعامله مع أزمة طوارئ (كوفيد-19)؛ لكن أحد الأسباب التي جعلت الرئيس قادراً على الاستمرار في وهم فوزه بولاية ثانية، هو أن 73 مليون شخص لا يوافقون على أنه كان هراء. وعلى الرغم من أن الساحر في طريقه للخروج؛ فإن أوز لا يزال حاضراً”. وبطبيعة الحال، فإن الأشخاص الغاضبين قد يكونون في غاية الخطورة عندما يحشرون في الزاوية، وقد تسبب إيمان ترامب بأكاذيبه في عواقب وخيمة بالفعل في الحياة الواقعية؛ حيث ترفض بعض وسائل الإعلام اليمينية المتعاطفة، والعديد من المسؤولين الجمهوريين الاعتراف بأن جوزيف بايدن الابن هو الرئيس المنتخب. ويبدو أن ملايين الناس يصدقون تأكيدات ترامب أن الانتخابات قد سُرقت وأن فيروس كورونا، الذي بات الآن خارج نطاق السيطرة، لا يمثل مشكلة خطيرة. بينما يزحف أنصاره إلى الشوارع للاحتجاج على نتيجة الانتخابات ، ويبقى أن نرى تحت أي ظروف سيترك البيت الأبيض في نهاية المطاف.

كل هذه الأمور تثير التساؤل “المحرج”: كيف تحمل شخص ما على مواجهة الواقع والخروج من البيت الأبيض ؟ وتقول ميغان وولز؛ المدربة التنفيذية والمستشارة المهنية في شيكاغو: “بالنسبة إلى العملاء الذين فقدوا وظائفهم خلال هذا الوقت المضطرب، فإنني أعمل على مساعدتهم على تقبل ما حدث والمضي قدماً. فالحقيقة هي أننا لا نستطيع السيطرة على الوباء أو الوظائف أو الأعمال التجارية؛ لكن يمكننا فقط أن نسيطر على أنفسنا”.

ورغم ذلك؛ فإن وولز أضافت أن ترامب لن يكون مرشحاً جيدا ً لهذا النوع من التدريب الذي تقدمه. وقالت “لن أعمل مع أشخاص يتجنبون الوضع أو يتصرفون كضحية؛ فالأشخاص المتشبثون برأيهم لا أستطيع مساعدتهم حتى يساعدوا أنفسهم، فربما هم ليسوا بحاجة إلى مدرب؛ بل إنهم بحاجة إلى معالج نفسي”.

على موقع “تويتر”، قارن الصحفي المعجب بترامب جيرالدو ريفيرا، الرئيس ببطل الوزن الثقيل الذي يعرف أنه خسر؛ لكنه يقاتل بشراسة في حال تمكنه من تحقيق انتصار. والواقع أن وصفه الغنائي -“رغم ذلك، سيستجيب للجرس الأخير ويبحث عن الضربة القاضية التي يعرف أنها فرصة بعيدة المنال”- يعيد إلى الأذهان عن غير قصد الفارس الأسود الوهمي من فيلم “مونتي بايثون والكأس المقدسة” الذي لن يستسلم حتى بعد قطع ذراعَيه وساقَيه؛ حيث يقول الفارس: “إنه مجرد خدش”، ويجيب الملك آرثر “ما الذي ستفعله، ستستمر في النزف؟”!

أما بالنسبة إلى زوجة السفير السابق التي تجاوزت فترة الترحيب بها في رواية «لا تخبر ألفريد»، فإن مسؤولي السفارة يقررون أن أفضل طريقة لطردها هي حرمانها من الاهتمام الذي تشتهيه. ويقول المسؤول: “يجب أن نشعرها بالضجر حتى تخرج”. وفي النهاية تغادر على مضض؛ حيث تصادف حشداً من الضيوف الذين وصلوا لحضور حفل لم تتم دعوتها إليه. وتكتب ميتفورد: “صافحتهم كشخص من العائلة المالكة، بينما كانت تبحر خارج المنزل إلى الأبد”.
-------------------
نيويورك تايمز - ترجمة كيو بوست


سارة ليال
الخميس 19 نونبر 2020