تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


بانتظار السلام والسياح .......دير موسى الحبشي قرب العاصمة السورية يتحول الى ملتقى لحوار الاديان




دمشق - جوني عبو - يعاني دير مار موسى الحبشي الاثري الذي يقع في منطقة النبك ويبعد عن العاصمة السورية شمالا حوالي 80 كم من عدم وجود شاخصات وشارات دالة لكيفية الوصول إليه ، وهو الامر نفسه الذي تعاني منه معظم المواقع والمناطق السياحية والأثرية في سوريا ما يؤثر سلبا على نمو هذا القطاع الحيوي في بلد مليء بالكنوز الأثرية والتاريخية لمختلف الحضارات والديانات .


دير مار موسى الحبشي الاثري الذي يقع في منطقة النبك السورية
دير مار موسى الحبشي الاثري الذي يقع في منطقة النبك السورية
يقول رجل السياحة السورية نشأت صناديقي لوكالة الانباء الالمانية(د.ب.أ) " مقتل السياحة السورية هو عدم وجود خارطة سياحية متوفرة في الطرقات الرئيسة و صعوبة حصول السياح على الخارطة الورقية هذه ، تزيد الطين بلة ، ويضيف الرئيس السابق لأتحاد غرف السياحة السورية ان السائح الذي يريد زيارة سوريا و التعرف اليها لوحده ، يجد صعوبة في ذلك منذ وصوله مطار العاصمة إذ لا توجد لوحات دلالة كافية، إذا أراد السفر من مطار دمشق إلى تدمر مثلا ، فضلا عن العديد من الخدمات التي يمكن تصنيفها من ضمن البنية التحتية للسياحة السورية، لكن بالمقابل تتوفر في سوريا عوامل كثيرة جاذبة للسياحة ابرزها الامان والاستقرار وكرم الضيافة والتنوع السياحي وخاصة منه الأثري والديني والتنوع المناخي .

يقول الكاهن الذي اسهم بقوة في اعادة ترميم دير مار موسى الحبشي الأثري الذي يرتفع عن سطح الارض أكثر من 1300 متر في صحراء جبال القلمون وسط سوريا يقول لوكالة الانباء الالمانية لقد اصبح الدير مؤسسة حضارية إذا جاز التعبير فهو لم يعد ديرا للتنسك والعبادة فقط .. هو الآن بالتعاون مع الادارة المحلية والرعاة والمتطوعين محمية مجتمعية وطبيعة تسهم في الصالح العام وتقدم للناس الحاجة الروحية والثقافية و التعليم و الاطلالة السياحية على أحد معالم سوريا التاريخية التي لم تبق قدم لأحد الانبياء الا ووطئتها .

و يعود تاريخ دير موسى الحبشي إلى القرن السادس الميلادي، فيما يصفه رجال الدين الاسلامي والمسيحي بأنه أصبح الآن مركزا للحوار بين الأديان ومكانا يؤمه السوريون والأجانب للاستجمام والتثاقف الروحي .

تروي القصص التاريخية أن الدير يحمل اسم مار موسى الحبشي لأن إثيوبياً كان يعيش هناك منعزلاً في مغارة في القرن السادس الميلادي بين الجبال، ولم يكن كسائر الإثيوبيين، بل كان هو القدّيس موسى الحبشي، إبن أحد ملوك الحبشة. وهذا الإبن كان قد رفض انتقال الخلافة الملكية اليه والتمس، بدلا من الحياة الدنيوية الطريق إلى الله ثم مات شهيداً في ذالك المكان.

ومن المعروف أن في مناطق قريبة لدير موسى الحبشي تقع أديرة كثيرة ابرزها دير معلولا وسط صخور الجبال ودير صيدنايا على قمة جبل صخري يؤمهم مئات آلاف السياح من جميع انحاء العالم وتروي قصص التاريخ مدى التشابه والتقارب في حياة هذه الاديرة التي تبعد عن بعضها عشرات الكيلو مترات فقط ، وهي في معظمها تعود لجذور الحضارة السريانية السورية .

وتنقل كتب التاريخ عن موسى الحبشي أن الرهبان الذين تنسكوا معه في ذاك المكان أسسوا بعد وفاته هذا الديرَ باسمه على شكل كنيسة صغيرة، وظل هذا الدير مئتي عام من الزمان مهجوراً ، حتى زاره القسيس والباحث الإيطالي باولو دي أجليو عام 1983، وبعد ذلك عزم على ترميمِ هذا الدير الذي انتهت أعمال البناء فيه نهاية عام 2002 ووضع في خدمة الزائرين بعد ذلك بأشهر قليلة ، وظهرت على الجدران تلك النقوشُ التي تعود إلى القرنين الحادي والثاني عشر ميلادي مرة أخرى.

ومع تنامي سمعة الدير بدأ يلفت انتباه الحجاج اليه بعد وضعه في الخدمة البشرية ولما كان الزحام كبيرا قررت جماعة الدير الصغيرة إنشاءَ ابنية أُخرى جديدةٍ على الطراز القديم البسيط لاستضافة الزوار والحجاج.

يقول باولو (كما يحلو له ان يناديه الآخرين ) للـ( د. ب. أ) " نحن اليوم اصبحنا عائلة لدينا دير /مار أليان / في منطقة القريتين ( تابعة لمحافظة حمص وسط سوريا ) وهي واحة على طريق تدمر ، و"دير كوريه " في ايطاليا جنوب روما ونحن في دير موسى أكثر من عشرة رهبان ، نتأثر جميعا بالجانب الروحي و بالأرث الروحي للآباء الذين عاشوا في البرية في هذه المناطق ، عملنا في الدير يمكن تقسيمه إلى ثلاثة محاور عمل يدوي وهو تطوعي يخص كل اعمال الدير وتأمين احتياجاته من محيطه الطبيعي لدينا ما يشبه الاكتفاء الذاتي من الأشجار والحيوانات الأليفة التي نربيها ، ومن ذلك ايضا يمكن التركيز على حماية الطبيعة والمسؤولية البيئية

والمحور الثاني في عملنا هو الجانب الروحي والثقافي والاجتماعي.

والمحور الثالث هو الضيافة بصفتها موقف أخلاقي وسياسة أجتماعية وهذا المفهوم هو مشروع نرى فيه رمزية العلاقة المسيحية الاسلامية والرمز الكبير في ذلك هو إبراهيم الخليل والضيافة هي الفضيلة الكبيرة للعرب ، نحن نعتقد أن الله خلقنا ضيوفا ونحن كبشر نستضيف بعضنا البعض .

ويضيف المستشرق الايطالي الذي يتحدث العربية بطلاقة "الضيافة في عمقها بالنسبة لنا ليست شيئا ماديا فقط ، نحن استضفنا زوارا وسياحا من مختلف دول العالم ، مؤخرا جاءنا ضيوف من اقصى آسيا ومن الصين ومن مختلف الدول الأسلامية نحن ايضا مركز حوار للأديان ، اخواننا المسلمون السكان المحليون يتعايشون معنا باستمرار والمكان يعنيهم روحيا .

ولا يغيب عن ناظر الزائر إلى الدير ذلك الحراك الملحوظ في ترتيب المكان والذي تعتبر فيه الحياة بسيطة للغاية، حيث أن ساكني الدير، اختاروا عيشة متواضعة لأنفسهم ولَبِسوا ملابس الرهبان القطنية الغامقة اللون، وعندهم في الدير أيضا كمبيوتر وموقع إلكتروني وخطوط هاتف ومنذ اللحظات الاولى للزيارة لا يشعر المرء بالغربة اطلاقا ، انت كزائر مرحب بك دون معرفة انتمائك كل ما عليك هو ان تحترم الانسان والمكان وتخدم نفسك و تحافظ على المياه فهي قليلة بعض الشيء .

يقول جان قواق أحد رجال الدين من طائفة السريان الارثوذكس التي لا تزال تتكلم لغة السيد المسيح الآرامية ان أحجار دير ما ر موسى ومعظم الاديرة السورية هي سريانية شرقية و تعود في جذورها الى سوريا القديمة وان بعضها انتقلت تابعيته الى الكنائس الكاثوليكية ، لكن لا أحد يستطيع ان ينكر حقيقتها التاريخية السريانية ، الحجارة شاهد على ذلك.

كان الدير تابع للكنيسة السريانية الإنطاكية الأرثوذكسية وتدل الكتابات العربية على جدران الدير على أن بناء الكنيسة الحالية يعود إلى سنة 1058 للميلاد.

الرهبان والراهبات الذين يسكنون لفترة في هذا الدير لا يفرقون بين الاسلام والمسيحية كديانتين متساويتين ومعترف بهما في العالم. و حال التعايش في سوريا هو واقع راهن منذ مئات السنيين في سوريا التي اشتق اسمها من ال"asyrian "أي السريان وهم شعب سوريا القديم.

يقول ايليا احد رهبان الدير لقد تحول الدير الى مقصد سياحي والزيارات يمكن ان تقسم الى ثلاثة انواع زيارة " الشاي " اي انها زيارة اطلاعية قصيرة وهذه لا تحتاج الى موعد او تنسيق مسبق ، وزيارة قضاء يوم وهي زيارة نحتاج فيها لأخذ العلم من أجل تعريف الزائرين الى كيفية الاستخدام الأمثل لوقتهم في الدير او تحذيرهم من مخاطر الاماكن المرتفعة والزيارة الثالثة هي زيارة طويلة وهذه تحتاج لتنسيق مسبق بغية تأمين المكان ولكن على الضيوف ان يحضروا معهم طعامهم وشرابهم الخاص أو بعض أدويتهم الخاصة وشراشف النوم التي يريدون استخدامها.

وجميع الزوار مرحب بهم ، ويمكنهم الاستراحة من عناء صعود الجبل في خيمة بدوية، حيث يشربون كوبا من الماء أو يتناولون وجبة بسيطة مع الرهبان. إن كرم الضيافة يُعتبر من أهم الأشياء في الدير، وهذا يرجع إلى التقاليد القديمة للرهبان في كل منطقة الشرق الأوسط وأهالي المنطقة.

ويحتاج الزائر الى صعود مئات الدرجات ولكن ثمة آلية يمكن ان تساعد على حمل الاثقال والحاجيات منها استخدام الحمير أو البغال أو طريق السحب بالحبال المنصوبة بطريقة تلي فريك في لبنان.
وكثيرا ما يزور الدير وفود أسلامية ويؤدون الصلاة الجماعية في احدى القاعات حيث يعتبر باولوا و الرهبان ان الروحانيات المشتركة تعتمد على بساطة الحياة والسلام والاعتراف بالاسلام والمسيحية كديانات سماوية، وان تعدد الأديان هو سر من أسرار الناس.

يقول البعض ممن يهتمون بمساعدة الدير "لقد أدركنا أن تعددية المذاهب في سوريا أصبحت مهددة في بعض الفترات ، بسبب هجرة الأقليات لذلك يعمل دير مار موسى على تأصيل السكان والاهتمام بالنواحي الاجتماعية".
وتقرأ الطقوس الدينية في الدير باللغة السريانية وباللغة العربية، على الرغم من أن الرهبان والراهبات من جنسيات اوروبية وسورية.

ويكشف باولو خلال "الذي يعرفه المجتمع السوري بشكل واسع ومن مختلف الاطياف ان الدير سيبدأ حاليا ببناء فندق صغير " نزل الملائكة "، فيه عدد قليل من غرف المبيت البسيطة وقاعات للمؤتمرات ، هناك العديد من الرعاة وبعض المعونات والتبرعات والمتطوعين الذين سيساعدوننا، سنقوم ببناء مشاغل حرفية لتأمين عمل للشباب العاطلين، نريد ان يكون للدير دورة حياة اصلاحية وتنموية في الشأن العام السوري، المكان لم يعد مجرد دير بسيط ، لقد تعاونت معنا كثيرا الحكومة، وجمعية اصدقاء النبك وعندما يصير السلام ( مع أسرائيل ) يوما ممكنا ، سيكون عدد الزوار اكبر ، سيمرون في سوريا ، انها ارض وطئتها اقدام كل الانبياء، سوريا هي ممر طريق الحرير وممر لكثير من الحضارات وهي ايضا من صنع وصدر حضارات تعاقبت عليها، هي مثال أعلى للتفاهم الديني و الثقافي ، نحن نفهم ان لسوريا حقوق ، ونصبر حتى تعود الحقوق، والمقاومة لها عدة طرق منها مثلا مقاومة الشر، لا بد من المقاومة، ولكن من دون اللجوء للعنف ، لأننا كرجال دين وباحثين في علوم الاديان والتاريخ ، متسامحون".

وعندما يخيم الليل على منطقة دير مار موسى الحبشي فان الصورة تبدو ساحرة مكسوة بتدرجات ألوان الصحراء محمية بسطوة صخور الجبال التي فتحت ذراعيها لتحتضنه ، و يصبح المكان واحة للهدوء والتأمل الروحي والتفكر بعيداً عن المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحياتية ، المتراكمة فوق الرؤوس والضاغطة على النفوس والصحة ، في عالم معاصر ، تتداخل فيه العولمة مع تفاصيلنا اليومية أينما أتجهنا.

جوني عبو
السبت 12 ديسمبر 2009