نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي


صحيفة الهدهد الدولية تطالب بتحقيق وتنفرد بنشر أسباب فيضانات أهلكت أرواحا بالرديف التونسية




تونس - صوفية الهمامي - يبدو أن إطلاق سراح سجناء الحوض المنجمي بالرديف عشية الإحتفال بالذكرى 22 لتحول السابع من نوفمبر بعفو خاص أو ما يطلق عليه في قاموس القضاء بالسراح الشرطي، لن يحل مشاكل أشهر مدينة تونسية عرفت بالعصيان لدى البعض وبالنضال لدى البعض الآخر، إذ مازالت بعض الداعيات الاجتماعية تخيم على سماء الرديف التي نكبت مرتين، الأولى حين انتفض أهاليها احتجاجا على عدم تشغيل أبنائهم والزج بالبعض منهم في السجن، والمرة الثانية حين غمرتهم مياه الفيضانات نهاية سبتمبر الماضي وغضب في وجوههم وادي الدخلة .


يوم اغرقت الفيضانات الرديف بلدة الفوسفات التونسية
يوم اغرقت الفيضانات الرديف بلدة الفوسفات التونسية
فالسيول الغاضبة على الرديف جرفت الأخضر واليابس، وشردت العائلات وذهبت بعشرات الأرواح، وعمقت أزمة سكانها الذين كانوا يعانون البطالة فحسب لكنهم وجدوا أنفسهم في حالة عدم استقرار حقيقي جراء فقدانهم لبعض أهاليهم ولمنازلهم وممتلكاتهم.

الرديف لحقتها نكبة رغم الوعي الاجتماعي والسياسي الذي يتميز به أهلها وإيمانهم القوي وغيرتهم على تلك البقعة الغنية من الأرض التونسية، فمختلف مشارب اليسار واليمين هناك تتناغم في الرديف، وتعلم جيدا مطالبها وما عليها من واجبات، لكن بعض الضمائر الميتة هي من تسبب في نكبتها.

فالفيضانات على الرديف والأضرار الحاصلة، لم تكن نتيجة المعطى الطبيعي بل جاءت نتيجة غش الشركات الخدماتية التي عملت على الحد من مخاطر وادي الدخلة الذي يعبر المدينة، وأنجزت الطريق الحزامية البالغ طولها أكثر من 9 كيلومترات لتجنيب المتساكنين مخاطر أساطيل الشاحنات التي تنقل الفوسفات يوميا والتي تسببت في حوادث قاتلة للأطفال خاصة عند عبورها داخل المدينة.

تتوفر الرديف المنجمة، على خمسة أنفاق لإنتاج الفوسفات وهي "زمرة" و"حمدة" و "البراشيم" و "الشوابين" و " Table de sud " وهذه تسمية منذ الاستعمار الفرنسي لتونس احتفظت بها شركة فسفساط قفصة.
كما يوجد بالرديف أودية صغيرة مثل الشرايين أنتجتها طبيعة تضاريس المنطقة،وهي تصب في وادي الدخلة كلما انهمرت الأمطار وكانت الرديف تنعم دوما بالغيث النافع وتستفيد منه ولم يشتكي يوما متساكنوها من احتقان المياه.

لكن انقلبت الأحوال، وأصبح الغيث دمارا ونكبة على الرديف جراء انجاز الطريق الحزامية وترميم وادي الدخلة، وتحولت المدينة يومي 25 و26 سبتمبر 2009 إلى بحيرة غمرتها المياه وحاصرت سكانها ولولا الجيش التونسي الذي تدخل بكل قوته لكانت القيامة قامت في الرديف.

ويعود قرار انجاز هذا المشروع إلى اجتماع المجلس الجهوي لمحافظة قفصة سنة 2000 الذي أشرف عليه رئيس الجمهورية التونسية زين العابدين بن علي حيث تم إصدار قرار ورصد مبالغ مالية طائلة للنهوض بالجهة ومن ضمنها الرديف التي كانت تعاني من حوادث الشاحنات .
الشركة التي تولت إنجاز المشروع والمعتمدة من قبل الجهات المعنية، لم تراعي المكونات الجيولوجية والتضاريس الطبيعية التي تحتم دراسة هندسية يتم اعتمادها في مثل هذه الأشغال الصعبة، والأكيد أن الشركة حصلت على المناقصة بتقديم كراس شروط مكتمل، لكن وبعد فوزها بالمليارات لم تقم بتنفيذ المطلوب على أرض الواقع واستهترت بالرديف وبأرواح الأبرياء حتى الحجارة المستعملة في الأشغال كانت تجلبها من الجبال المجاورة بدون مقابل، المهم هو تكديس الأموال على حساب أرواح سكان الرديف .

فالشركة عند انجاز الطريق الحزامية قامت بردم الشرايين أو الجداول التي كانت تصب في وادي الدخلة عند نزول الأمطار بالأتربة، بدلا من مد جسور على تلك الأودية الصغيرة الفرعية لتترك المجال مفتوحا أمام سيلان مياه الأمطار، الأمر الذي تسبب في تجمع المياه حول المدينة بشكل مخيف وباتت الرديف مثل جزيرة مهددة بهجوم الماء في كل لحظة.
تلك المياه المتجمعة ومع تزايد نزول الأمطار جرفت الأتربة وحملتها معها وهجمت على الرديف وبيوتها بكل قسوة وجرفت البيوت والأرواح بالعشرات وأغرقتهم في الوحل.

اعلى ما ظهر من  علامات المرور في الرديف
اعلى ما ظهر من علامات المرور في الرديف
السلطات التونسية ولمعالجة الموقف وتهدئة تلك النفوس الثائرة الغاضبة والحزينة، طلبت من العائلات المتضررة فتح حسابات بنكية أو بريدية لتزويدهم بالأموال لجبر الأضرار، وهو الأمر الذي استقبله أهالي الرديف بارتياح عميق.
لكن، أين الشركة المتسببة في تلك الكارثة؟ وأين ذهبت الأموال التي رصدتها الدولة التونسية للنهوض بالرديف؟ ولماذا لا تتم محاسبة الشركة ومحاسبة كل من كان له ضلع فيها لاسترجاع المليارات والأموال العامة؟ وإلى متى سيظل الفساد والغش مستفحلا داخل بعض المؤسسات ؟؟؟

الرديف اليوم، ومع تواتر هذه الأحداث برزت على الساحة الإعلامية، بل أصبحت محل بحث الأجانب على مواقع الانترنيت ومواقع الشات حيث أضحى شبابها محل اهتمام الشابات الغربيات اللواتي يبحثن عن كل ما هو جديد في طينة رجال غرقوا ذات يوم في الطين وفي انتظار من سيغسل وجوههم.


صوفية الهمامي
الاثنين 16 نونبر 2009