نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

عن روسيا وإيران شرق المتوسّط

08/05/2024 - موفق نيربية

( في نقد السّياسة )

05/05/2024 - عبد الاله بلقزيز*

أردوغان.. هل سيسقطه الإسلاميون؟

03/05/2024 - إسماعيل ياشا

" دمشق التي عايشتها " الغوطة

28/04/2024 - يوسف سامي اليوسف

( أيهما أخطر؟ )

24/04/2024 - محمد الرميحي*

إيران.. من يزرع الريح يحصد العاصفة

23/04/2024 - نظام مير محمدي

وقاحة استراتيجية مذهلة

21/04/2024 - راغدة درغام


ظاهرة البيع بالمقايضة تشهد ازدهارا كبيرا في إسبانيا نتيجة للكساد




ماتاإلبينو/ مدريد - إيلينا بوكس - في صباح يوم سبت مشمس، حيث يقام سوق القرية في منطقة ماتاإلبينو الواقعة بين الجبال المحيطة بالعاصمة الإسبانية مدريد، يمكن لرواد السوق الذي يضج بالحياة أن يجدوا في "النصبات" المقامة كل شيئ يتخيلونه بدءا من مستحضرات التجميل الطبيعية حتى خبز الردة والخبز الشمسي، مرورا بالسراميك والملابس بطبيعة الحال، فضلا عن الحصول على استشارة قانونية على الماشي. لكن خصوصية هذا السوق لا تنبع من التنوع الهائل في ما يقدمه من منتجات بل اعتماد ثمار التوت كعملة يمكن المقايضة بها في البيع والشراء.


    ظاهرة البيع بالمقايضة تشهد ازدهارا كبيرا في إسبانيا نتيجة للكساد
جدير بالذكر أنه بسبب الكساد والأزمة الاقتصادية التي دخلت عامها الخامس في 2013، أصبح نظام المقايضة أمرا شائعا في إسبانيا ولا يقتصر على المقايضة بثمار التوت فقط، فمنذ ما يقرب من عام تقريبا، بدأ في إسبانيا ما يعرف ببنك المقايضة وبلغ عدد المتعاملين معه حتى الآن 400 شخص موزعين على 10 بلديات في العاصمة وحدها، وقد بدأت بالفعل مؤسسات تتحمس للفكرة وتنضم إلى معاملات البنك.
جدير بالذكر أن اختيار ثمرة التوت في مدريد لم يأت عشوائيا، فشعار المدينة منذ عصر النهضة، هو دب يأكل من شجرة توت، ومن ثم تمثل هذه الثمرة رمزا قوميا مهما بالنسبة لسكان العاصمة.
 
وكما أن المدريديين يعتزون بالثمرة التي يرمز إليها شعار مدينتهم، اتخذ سكان الشمال البطاطا، فيما اعتمد سكان بلباو في إقليم الباسك الحمضيات كعملة للمقايضة.
 
في بلد الوليد وسط إسبانيا  تعادل عملة (البيثينو) الاجتماعية المحلية واحد يورو ويمكن لحاملها الحصول على الاحتياجات الأساسية من الغذاء لحين حصوله على عمل، وتعد من أبرز أشكال التضامن والتكافل، وقد بدأت فكرة تداولها في برشلونة وانتقلت إلى بلد الوليد بعد ذلك مع استمرار أزمة البطالة. أما في أشبيلية فالـ (jaras) وهو نبات بري فهو العملة المعتمدة في المدينة الأندلسية، وفي كتالونيا يتداولون أنواع مختلفة من (الإيكو). وفي قادش أقصى الجنوب "فمرحبا بك في منتدى العملة المحلية (زق نبيذ الخيريس) وهي السلعة التقليدية الأكثر تضامنا وقوة، نظرا لأن هذا التقليد متعارف عليه منذ بداية الأزمة ولا يزال مستمرا حتى الآن.
 
في المجمل أصبحت أقاليم إسبانيا تضم كتالوجا طريفا ومتنوعا من السلع المحلية لتنظيم عمليات المقايضة التي تعكس برغم صعوبة أوقات الأزمات مدى استعداد الناس للتكافل فيما بينهم. 
 
يؤكد المتعاملون مع هذه الأنظمة التقليدية التي لا دخل للمال فيها أن الهدف الأساسي منها هو خلق مجتمعات أكثر ترابطا وتماسكا، كما أن هذه الأنظمة لا تسير بصورة عشوائية، بل لها مجالس إدارة وتنسيقيات لترتيب عملها وتحديد قيمة كل سلعة يتم المقايضة بها مقابل باقي السلع أو المنتجات أو الخدمات. الطريف في الأمر أن كل هذا يتم أونلاين عبر شبكة الانترنت.
 
وتكفي نقرة بسيطة بالفارة على قائمة عروض موقع (http://dpaq.de/2v6sq ) للتعرف على ملامح هذا النشاط وتطوراته في البلدة المدريدية: مثل إصلاح الدراجات، خدمات ترجمة، رعاية أطفال، أو جلسات (مساج) تدليك طبي مقابل (10 توتات/ ساعة) كما يمكن عمل حلوى شرقية بالطلب مقابل 7 توتات للقطعة أو حزمة خضار أورجانيك مقابل 10 توتات.
 
تؤكد ميرسيدس إحدى سيدات الأعمال التي تحمست للفكرة، وأخذت تعرض منتجاتها من الخزف والسيراميك في سوق (ماتاإلبينو) والتي تصنعها يدويا على سبيل الهواية، قائلة إن "كل منا يستطيع أن يقدم شيئا، بدءا من تمشية كلاب الجيران الذين ليس لديهم وقت للقيام بذلك، مرورا بإصلاح الثياب أو القيام بتوصيل الناس بالسيارة".
 
بجوار "نصبة" ميرسيدس المرتجلة توجد منضدة بيع شطائر الجبن والمربى منزلية الصنع في منتصف السوق، ولكن البائع يتقاضى نصف الثمن باليورو والباقي توت.
 
وهكذا يترجم التوت فلسفة المقايضة و"بنك الوقت" معا، وهو تقليد قديم يتمثل في مبادلة ما يحصل عليه المنتفع من سلع أو منتجات أو حتى استشارات معرفية مقابل خدمات تحدد بمدة زمنية، وتم ابتكار العملة المحلية المشار إليها سابقا في كل منطقة لتحديد قيمة كل عملية أو صفقة مقايضة ويتم الدفع من خلال منصة سوفت وير حرة.
 
ما هي إذا فوائد هذا النظام مقارنة باليورو؟ تراكم التوت لا يترتب عليه فوائد، لأن ما يسعى إليه هذا النظام هو قيمة الثقة المضافة التي تغرس في المجتمع، حيث أن المنتفع بالنظام لا يحق له امتلاك أكثر من 300 ثمرة توت في حسابه الإئتماني، وعندما يصل إلى الحد الأقصى يجب عليه انفاق ما لديه على خدمات أو سلع لدى منتفعين آخرين، حتى تبقى أرصدة الدائن والمدين لدى جميع المنتفعين (صفر).
 
من ناحية أخرى، الذين ليس لديهم وصلات إنترنت أو غير معتادين على التعامل مع الفضاء الرقمي، فيمكنهم تدوين احتياجات المبادلة التي يرغبون فيها في بطاقات يتم تغذية المنظومة بها عن طريق التنسيقيات المحلية. وبغرض تيسيير عمليات التداول في الأسواق الشعبية التي تقام في المناطق الريفية، فقد تم سك ثمرات توت من الخزف لتتحول بعد ذلك إلى صكوك رقمية.
 
إلى هنا يمكن لأي منظومة قانونية أن تستوعب حدود مبادرات العملات المحلية كتداول في إطار المقايضة، ولكن ماذا عن حسابات الفوترة؟ تحدد التعاملات في الغالب مقابل قيمة افتراضية باليورو تسجل في فاتورة أو قسيمة التداول سواء كان ذلك مقابل سلع أو خدمات إلا أنه مؤخرا، بدأ بعض المتعاملين يصرون على تسجيل القيمة نصفها باليورو والباقي بثمار التوت أو وفقا لما يعرف بـ(LETS: Local Exchange Trading Scheme) وهي مبادرة تسعى بقدر الإمكان إلى تقليص الآثار السلبية للعولمة من خلال تشجيع استعادة ملامح الثقافة المحلية التقليدية.
 
جدير بالذكر أن فكرة المبادرة ليست جديدة فقد تم استخدامها كثيرا وشاعت لفترات طويلة على مر العصور، وفي التاريخ الحديث ظهرت بقوة أثناء فترة الكساد العظيم التي بدأت عام 1929 في الولايات المتحدة واستمرت خلال الثلاثينيات وحتى الحرب العالمية الثانية.
 
ففي الولايات المتحدة لمواجهة الكساد العظيم بدأت مبادرة استخدام الطوابع والكوبونات كوسيلة للمقايضة، أما في ألمانيا فقد انطلقت تجربة نقود حرة أطلق عليها "Wara" من خلال مؤسسة تداول خاصة عرفت بـ "Wara Exchange Society" لمكافحة البطالة في إرفورت، من خلال تشجيع مبادلة الخدمات والسلع مقابل كوبونات، وتم تعميم التجربة في العديد من المناطق بنجاح كبير إلى أن تم حظر "Wara" وغيرها من المعاملات بالنقود الحرة، بعد ذلك بعامين بموجب قرار من وزارة المالية.   
 
الطريف في الأمر أن العولمة لم تكن سيئة بصورة مطلقة على كل ما هو محلي، ففكرة شبكة تنسيقيات التداول بعملات اجتماعية محلية (CES) بدأت أصلا في جنوب أفريقيا من خلال برنامج سوفت وير. وتعتبر إسبانيا رائدة في هذا المجال حيث تضم شبكتها بحسب الإحصائيات التي يمكن الحصول عليها من موقع (http://dpaq.de/YRpDF ) أكثر من 148 بلدية في حين لا يتجاوز العدد 87 بلدية في الولايات المتحدة.
 
وبطبيعة الحال لم تسلم أنظمة المقايضة من الانتقادات، التي تتركز بصفة أساسية على أنها تتعدى على جزء من النظام، ولكن هذه الأصوات توثر الصمت حين تجد أسرا تكمل باقي الشهر بالتوت حين تنفد مواردها، فيما تفكر المجالس البلدية في منح قروضا متناهية الصغر من ثمار التوت للأسر الأكثر احتياجا لتكون نواة مشروعات تنمية مستدامة.

إيلينا بوكس
الاحد 2 يونيو 2013