
ويأمل ياسين أن يحصل على مقابل مالي جيد بعد بيع الدراجة ليؤمن جزءا من مبلغ لا يقل عن ألف دولار في المتوسط، وهو ثمن الرحلة إلى ايطاليا، ليس عبر الطائرة وإنما على قارب صيد وهذه المحاولة الثالثة التي يستعد ياسين لخوضها للوصول إلى السواحل الإيطالية بعد فشل محاولتين سابقتين كلفتاه أكثر من ثلاثة آلاف دولار.
وقال ياسين بن عبد الوهاب /27 عاما/ لوكالة الانباء الألمانية (د. ب .أ) "لولا الرحلة لما سلمت في دراجتي. ولكن لم أعد اطيق البقاء هنا... لا يوجد سبب يدفعني لأن أتشبث بالبقاء في تونس".
ويعمل ياسين كعون استقبال في قاعة رياضية بمنطقة "حي النصر" الراقية في العاصمة ولا يتجاوز مرتبه الشهري 300 دولار، ولكن مع الاقتطاعات الشهرية بسبب التأخير في العمل ومصاريف التنقل وسداده لقرض بنكي فإنه لا يحصل في الأخير سوى على نصف مرتبه.
والآلاف من الشباب مثل ياسين الذين يعملون في المصانع والمقاهي والمحلات، يعتبرون محظوظين مع حصولهم على هذا المرتب وسط الازمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في تونس. ومع ذلك فإن هذا المرتب لا يمكنه من مجابهة غلاء المعيشة في البلاد ولا يترك للشغالين خيارا آخر غير التداين بمجرد نفاد مرتبهم في منتصف الشهر.
وقال ياسين "السنوات تمر بسرعة ولا يمكن الاستمرار بهذا الوضع... المرتب لا يعني شيئا ما زلت إلى اليوم آخذ مصروفي من والدتي، لا يمكنها أن تتحملني أكثر من هذا".
وعلى الرغم من الازمة الاقتصادية التي تعصف بدول منطقة اليورو ومن بينها إيطاليا فإن كثيرين من الشباب التونسي يعتقدون أن الفردوس الاوروبي سيوفر لهم العمل والمال وفرص حياة أفضل ولكن هذه الاحلام تلقت ضربة قوية في شهر أيلول/ سبتمبر ودفعت ياسين والآلاف من الشباب إلى مراجعة حساباتهم او تأجيل رحلاتهم على الأقل.
وهزت حادثة غرق مركب كان يقل أكثر من 100 شخص، لم ينجو منهم سوى 56، شاركوا في رحلة سرية باتجاه جزيرة لامبيدوسا الإيطالية في الليلة الفاصلة بين السادس والسابع من الشهر الماضي ، صدمة في الشارع التونسي.
وأحدثت صور الجثث المنتشلة وأنباء المأساة القادمة من السواحل الإيطالية خوفا في نفوس الكثير من الاهالي التونسيين، ولكن زادت معها أيضا مشاعر الإحباط والغضب بسبب تردي الوضع الامني إلى جانب الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وقال النائب في المجلس الوطني التأسيسي ابراهيم القصاص "الحكومة التونسية عجزت عن توفير الخبز لأبنائها وعوض ذلك قدمتهم طعاما لأسماك القرش في البحر المتوسط".
وشارك تونسيون من جمعيات وأحزاب سياسية ومواطنون وسط شارع الحبيب بورقيبة رمز الثورة التونسية، في وقفة احتجاجية بالليل رافعين شعارات مثل "هربوا من جحيم الفقر فابتلعهم البحر"، و"إلى متى"، و"شباب الثورة من نيران القناصة إلى قوارب الموت" كما أوقد المشاركون في الوقفة الشموع للترحم على أرواح العشرات من الغرقى.
وبعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 14 كانون ثان/يناير العام الماضي، شد الآلاف من الشبان التونسيين الرحال إلى جزيرة لامبيدوسا عبر "قوارب الموت"، وقد ناهز عددهم في أشهر قليلة بلامبيدوسا وحدها عشرين ألف فيما لا يتجاوز عدد السكان المحليين بالجزيرة الستة آلاف.
وعلى الرغم من حوادث الغرق المتكررة في البحر المتوسط لا يزال التونسيون يغامرون عبر رحلات محفوفة بالمخاطر للوصول إلى السواحل الإيطالية هربا من الفقر وانحسار فرص العمل بتونس، حيث ترتفع معدلات البطالة إلى أكثر من 17 بالمئة.
وليس بعيدا عن سكنى ياسين كانت سيارة الفيات الإيطالية لفيصل مرايدي /37 عاما/ رابضة امام المنزل، وكان قد عاد إلى تونس في أواخر آب/اغسطس لقضاء عطلته الموسمية بين أهله وبرفقته زوجته وابنتيه.
وفيصل الذي كان يعمل موزعا للمشروبات الغازية في تونس، سافر في منتصف التسعينات إلى ايطاليا في رحلة سرية على قارب صيد ونجح في الوصول إلى لامبيدوسا ومنها انطلق إلى مدينة ميلانو ليبني حياته الجديدة هناك.
وقال فيصل لـ(د .ب. أ) "الأمر لم يكن هينا بالمرة. واجهنا خطر الموت في البحر، ولما وصلنا ايطاليا قضينا شهورا نبيت في غرفة واحدة وعددنا يتجاوز العشرة انفار نقتات من الإعانات والأعمال الهامشية وبيع المخدرات" وأضاف فيصل "لم أكن لأبقى في ايطاليا لو لم اتحمل الكثير من التضحيات...اضطررت للبقاء خمس سنوات قبل العودة في اول زيارة إلى تونس. الوضع الآن مستقر والحمد لله ولكن فرص العمل أصبحت محدودة وهذا سيصعب مهمة المهاجرين الجدد".
ولكن لا يبدو ان تلك الصعوبات المضاعفة ستنجح في إثناء الحالمين بإيطاليا. فبالنسبة لعدد كبير من العاطلين في تونس فإن البطالة في إيطاليا وحتى سجونها أفضل من العيش في تونس.
وقال هيثم العياري /26 عاما/ وهو يعمل بورشة نجارة وكان جالسا إلى جانب ياسين "إيطاليا راسخة في ذهني ولن اتخلى عنها... حلمي هناك، إما ان ادركه او ندفن سويا في البحر".
ويعاقب القانون التونسي المهاجرين غير الشرعيين ومنظمي الرحلات السرية بعقوبات تتراوح بين ثلاثة أشهر و20 عاما وغرامات مالية تصل إلى 100 الف دينار، لكن القانون وحده لا يكفي لإيقاف النزيف.
وصرح رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس عبد الرحمان الهذيلي لوسائل إعلام محلية، إن عدد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين الذين انطلقوا نحو السواحل الإيطالية منذ سقوط نظام بن علي في كانون ثان/يناير العام الماضي ناهز الأربعين ألف.
وعندما زار الوزير المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج حسين الجزيري مع وفد حكومي إلى جزيرة لامبيدوسا لمعاينة المأساة هناك. قال إن الناجين من حادثة الغرق وعددهم 56 رفضوا العودة إلى تونس برغم التسهيلات التي عرضتها السلطات. بل إن دفعة من المهاجرين السريين وعددهم 42 وصلوا إلى الجزيرة فيما كان الوزير يؤدي زيارته.
وفي نفس الأسبوع أحبطت أيضا البحرية التونسية محاولة أخرى للهجرة السرية من سواحل جرجيس وجربة بالجنوب التونسي عبر إيقاف مركب يقل 139 شخصا كانوا يعتزمون الابحار إلى لامبيدوسا وقد تبين أن اغلب المغامرين يتحدرون من الجنوب التونسي، من محافظات قابس ومدنين وتطاوين، وهي مناطق ترتفع فيها البطالة عن المعدل الوطني.
وأججت الرحلات المتتالية انتقادات للسلطة بشأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تلك المحافظات، والذي ما فتئ يدفع الكثير من الشباب اليائس إلى الهجرة عبر "قوارب الموت" متحدين المخاطر والقانون.
وقال الناطق باسم الحكومة ووزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو "نحاول تحسين الوضع بتونس وهذا يحتاج إلى وقت. نحتاج إلى الصبر والناس لا يطيقون الصبر" وأضاف ديلو "النظام السابق كان يسوق للواقع الاقتصادي في تونس على انه جنة، لكن الشباب في نفس الوقت كانوا يغامرون بحياتهم باتجاه السواحل الإيطالية".
وكان المعهد الوطني للإحصاء قد قدر معدل البطالة في البلاد بـ 6ر17 بالمئة خلال الربع الثاني من العام الجاري فيما بلغ عدد العاطلين الى حدود نفس الفترة 691 ألف وسجلت أعلى نسبة للبطالة في البلاد في محافظة تطاوين بأقصى الجنوب حيث بلغت 7ر51 بالمئة وقال ياسين ابراهيم القيادي بالحزب الجمهوري المعارض "تونس في أزمة اجتماعية كبيرة وليست في تحسن".
وقال ياسين بن عبد الوهاب /27 عاما/ لوكالة الانباء الألمانية (د. ب .أ) "لولا الرحلة لما سلمت في دراجتي. ولكن لم أعد اطيق البقاء هنا... لا يوجد سبب يدفعني لأن أتشبث بالبقاء في تونس".
ويعمل ياسين كعون استقبال في قاعة رياضية بمنطقة "حي النصر" الراقية في العاصمة ولا يتجاوز مرتبه الشهري 300 دولار، ولكن مع الاقتطاعات الشهرية بسبب التأخير في العمل ومصاريف التنقل وسداده لقرض بنكي فإنه لا يحصل في الأخير سوى على نصف مرتبه.
والآلاف من الشباب مثل ياسين الذين يعملون في المصانع والمقاهي والمحلات، يعتبرون محظوظين مع حصولهم على هذا المرتب وسط الازمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة في تونس. ومع ذلك فإن هذا المرتب لا يمكنه من مجابهة غلاء المعيشة في البلاد ولا يترك للشغالين خيارا آخر غير التداين بمجرد نفاد مرتبهم في منتصف الشهر.
وقال ياسين "السنوات تمر بسرعة ولا يمكن الاستمرار بهذا الوضع... المرتب لا يعني شيئا ما زلت إلى اليوم آخذ مصروفي من والدتي، لا يمكنها أن تتحملني أكثر من هذا".
وعلى الرغم من الازمة الاقتصادية التي تعصف بدول منطقة اليورو ومن بينها إيطاليا فإن كثيرين من الشباب التونسي يعتقدون أن الفردوس الاوروبي سيوفر لهم العمل والمال وفرص حياة أفضل ولكن هذه الاحلام تلقت ضربة قوية في شهر أيلول/ سبتمبر ودفعت ياسين والآلاف من الشباب إلى مراجعة حساباتهم او تأجيل رحلاتهم على الأقل.
وهزت حادثة غرق مركب كان يقل أكثر من 100 شخص، لم ينجو منهم سوى 56، شاركوا في رحلة سرية باتجاه جزيرة لامبيدوسا الإيطالية في الليلة الفاصلة بين السادس والسابع من الشهر الماضي ، صدمة في الشارع التونسي.
وأحدثت صور الجثث المنتشلة وأنباء المأساة القادمة من السواحل الإيطالية خوفا في نفوس الكثير من الاهالي التونسيين، ولكن زادت معها أيضا مشاعر الإحباط والغضب بسبب تردي الوضع الامني إلى جانب الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وقال النائب في المجلس الوطني التأسيسي ابراهيم القصاص "الحكومة التونسية عجزت عن توفير الخبز لأبنائها وعوض ذلك قدمتهم طعاما لأسماك القرش في البحر المتوسط".
وشارك تونسيون من جمعيات وأحزاب سياسية ومواطنون وسط شارع الحبيب بورقيبة رمز الثورة التونسية، في وقفة احتجاجية بالليل رافعين شعارات مثل "هربوا من جحيم الفقر فابتلعهم البحر"، و"إلى متى"، و"شباب الثورة من نيران القناصة إلى قوارب الموت" كما أوقد المشاركون في الوقفة الشموع للترحم على أرواح العشرات من الغرقى.
وبعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 14 كانون ثان/يناير العام الماضي، شد الآلاف من الشبان التونسيين الرحال إلى جزيرة لامبيدوسا عبر "قوارب الموت"، وقد ناهز عددهم في أشهر قليلة بلامبيدوسا وحدها عشرين ألف فيما لا يتجاوز عدد السكان المحليين بالجزيرة الستة آلاف.
وعلى الرغم من حوادث الغرق المتكررة في البحر المتوسط لا يزال التونسيون يغامرون عبر رحلات محفوفة بالمخاطر للوصول إلى السواحل الإيطالية هربا من الفقر وانحسار فرص العمل بتونس، حيث ترتفع معدلات البطالة إلى أكثر من 17 بالمئة.
وليس بعيدا عن سكنى ياسين كانت سيارة الفيات الإيطالية لفيصل مرايدي /37 عاما/ رابضة امام المنزل، وكان قد عاد إلى تونس في أواخر آب/اغسطس لقضاء عطلته الموسمية بين أهله وبرفقته زوجته وابنتيه.
وفيصل الذي كان يعمل موزعا للمشروبات الغازية في تونس، سافر في منتصف التسعينات إلى ايطاليا في رحلة سرية على قارب صيد ونجح في الوصول إلى لامبيدوسا ومنها انطلق إلى مدينة ميلانو ليبني حياته الجديدة هناك.
وقال فيصل لـ(د .ب. أ) "الأمر لم يكن هينا بالمرة. واجهنا خطر الموت في البحر، ولما وصلنا ايطاليا قضينا شهورا نبيت في غرفة واحدة وعددنا يتجاوز العشرة انفار نقتات من الإعانات والأعمال الهامشية وبيع المخدرات" وأضاف فيصل "لم أكن لأبقى في ايطاليا لو لم اتحمل الكثير من التضحيات...اضطررت للبقاء خمس سنوات قبل العودة في اول زيارة إلى تونس. الوضع الآن مستقر والحمد لله ولكن فرص العمل أصبحت محدودة وهذا سيصعب مهمة المهاجرين الجدد".
ولكن لا يبدو ان تلك الصعوبات المضاعفة ستنجح في إثناء الحالمين بإيطاليا. فبالنسبة لعدد كبير من العاطلين في تونس فإن البطالة في إيطاليا وحتى سجونها أفضل من العيش في تونس.
وقال هيثم العياري /26 عاما/ وهو يعمل بورشة نجارة وكان جالسا إلى جانب ياسين "إيطاليا راسخة في ذهني ولن اتخلى عنها... حلمي هناك، إما ان ادركه او ندفن سويا في البحر".
ويعاقب القانون التونسي المهاجرين غير الشرعيين ومنظمي الرحلات السرية بعقوبات تتراوح بين ثلاثة أشهر و20 عاما وغرامات مالية تصل إلى 100 الف دينار، لكن القانون وحده لا يكفي لإيقاف النزيف.
وصرح رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس عبد الرحمان الهذيلي لوسائل إعلام محلية، إن عدد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين الذين انطلقوا نحو السواحل الإيطالية منذ سقوط نظام بن علي في كانون ثان/يناير العام الماضي ناهز الأربعين ألف.
وعندما زار الوزير المكلف بالهجرة والتونسيين بالخارج حسين الجزيري مع وفد حكومي إلى جزيرة لامبيدوسا لمعاينة المأساة هناك. قال إن الناجين من حادثة الغرق وعددهم 56 رفضوا العودة إلى تونس برغم التسهيلات التي عرضتها السلطات. بل إن دفعة من المهاجرين السريين وعددهم 42 وصلوا إلى الجزيرة فيما كان الوزير يؤدي زيارته.
وفي نفس الأسبوع أحبطت أيضا البحرية التونسية محاولة أخرى للهجرة السرية من سواحل جرجيس وجربة بالجنوب التونسي عبر إيقاف مركب يقل 139 شخصا كانوا يعتزمون الابحار إلى لامبيدوسا وقد تبين أن اغلب المغامرين يتحدرون من الجنوب التونسي، من محافظات قابس ومدنين وتطاوين، وهي مناطق ترتفع فيها البطالة عن المعدل الوطني.
وأججت الرحلات المتتالية انتقادات للسلطة بشأن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تلك المحافظات، والذي ما فتئ يدفع الكثير من الشباب اليائس إلى الهجرة عبر "قوارب الموت" متحدين المخاطر والقانون.
وقال الناطق باسم الحكومة ووزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو "نحاول تحسين الوضع بتونس وهذا يحتاج إلى وقت. نحتاج إلى الصبر والناس لا يطيقون الصبر" وأضاف ديلو "النظام السابق كان يسوق للواقع الاقتصادي في تونس على انه جنة، لكن الشباب في نفس الوقت كانوا يغامرون بحياتهم باتجاه السواحل الإيطالية".
وكان المعهد الوطني للإحصاء قد قدر معدل البطالة في البلاد بـ 6ر17 بالمئة خلال الربع الثاني من العام الجاري فيما بلغ عدد العاطلين الى حدود نفس الفترة 691 ألف وسجلت أعلى نسبة للبطالة في البلاد في محافظة تطاوين بأقصى الجنوب حيث بلغت 7ر51 بالمئة وقال ياسين ابراهيم القيادي بالحزب الجمهوري المعارض "تونس في أزمة اجتماعية كبيرة وليست في تحسن".