نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة

تأملات في الثورة الفاشلة

16/03/2024 - ماهر مسعود


ماذا يقرأ الجزائريون؟الصالون الدولي للكتاب تحول لظاهرة اجتماعية




الجزائر -  استطاع "صالون الجزائر الدولي للكتاب"، أن يتحوّل إلى موعد سنوي هام ينتظره جمهور القرّاء مثلما ينتظره الناشرون العرب والأجانب على حد سواء. فهو من أكثر المعارض العربية تحقيقا للمبيعات، ويحطم في كل مرة الأرقام القياسية من ناحية الزوّار المقدّرين بالملايين. فما سر نجاح هذا المعرض في بلد قيل إن شعبه لا يقرأ؟ وماذا وجد الجزائريون في معرضهم؟ وماذا يقرأون؟


تكاد المكتبات "تنقرض" من المدن الجزائرية ومن الجزائر العاصمة على وجه الخصوص، والكثير من محلاّت بيع الكتب التي كانت منتشرة في كبرى الشوارع بدأت تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى، لتغيّر نشاطها إلى مطاعم ومحلّات للأكل السريع وأخرى لبيع الألبسة والأحذية. وعند غلق كل مكتبة يتأسف البعض، ويقال إن "الجزائريين لا يقرأون". وبعض من أرادوا الاستثمار في الكتاب اصطدموا بواقع مرّ وسرعان ما غيّروا النشاط.
ووسط هذه الصورة القاتمة، يبرز "صالون الجزائر الدولي للكتاب"، الذي احتفل هذه السنة بالطبعة الثالثة والعشرين لتأسيسه، وهو المعرض الذي تأسس في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يختفي مثلما اخفت الكثير من المهرجانات والمظاهر الثقافية مع الأزمة التي عرفتها البلاد منذ انهيار أسعار النفط في السوق الدولية منتصف ثمانينيات القرن العشرين، وأدت إلى انفجار الاحداث في تشرين أول/ أكتوبر 1988 وما تبع ذلك من انزلاق إلى حرب دموية أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الجزائر في تسعينيات القرن نفسه.
في سنة 2000، قررت الدولة الجزائرية إعادة إحياء الصالون في طبعته السادسة، بمقاييس جيدة، ورغم الكثير من النقائص التي برزت إلا أن النجاح كان ملحوظا، وتقرر أن يُنظم المعرض مرة كل سنتين بحجة أن تنظيمه بشكل جيد يستدعي تحضيرا طويلا، وبالفعل اختفى "الصالون" سنة 2001، ليعود في طبعته السابعة سنة 2002.
ولأن طبعة 2002، كانت أحسن من سابقاتها، ولأن الناشرين الأجانب اكتشفوا سوقا مربحة وحقّق الكثير منهم مبيعات قياسية وأصبح الموعد مربحا للجميع فقد تحوّل المعرض إلى سنوي اعتبارا من ذلك التاريخ ، ولم ينقطع منذ ذلك الوقت سنة واحدة وها هو يصل إلى موعده الثالث والعشرين.
ومنذ ترسيم صالون الجزائر الدولي كواحد من أهم معارض الكتب في العالم العربي، برزت كثير من المشكلات، وكانت في البداية تتمثل في ظاهرة البيع بالجملة، فمع مشكل الجمركة والصعوبات التي يجدها مستوردو الكتب وجدوا في المعرض فرصة نادرة لاقتناء ما يشاؤون بالجملة وهكذا تحوّل المعرض إلى مناسبة لإخراج "الكراتين" وتخزينها لبيعها في السوق المحلية بعد ذلك بأسعار مرتفعة.
هذه المشكلة وجدت لها حلا "معقولا" بعد ذلك بمنع البيع بالجملة وعدم السماح بإدخال كميات كبيرة من الكتب، ورغم ذلك ما يزال كثير من " تجّار الكتب" يتحايلون بطرق شتى وبيع أكبر عدد ممكن من عناوين محددة وبالخصوص بعض الكتب الدينية ذات المحتوى الإيديولوجي.
وعلى ذكر الكتاب الديني، فما يزال هذا الأخير يحقق أرقاما قياسية للمبيعات، حيث أن زبائنه يخرجون محملين بأكوام الكتب في كل مرة، وخصوصا المجلّدات القديمة التي تباع بثمن زهيد جدا نظرا لأن الكتاب منها بلغ عشرات الطبعات إضافة إلى غياب حقوق المؤلف وكثير من أصحاب تلك الكتب توفي منذ قرون.
يقول محمد بن عبد الله، هو صاحب مكتبة، أنه يحرص على اغتنام فرصة صالون الجزائر الدولي للكتاب من أجل شراء أكبر عدد ممكن من الكتب، عوضا عن اللجوء إلى الاستيراد مباشرة بسبب ما قال أنها "عراقيل جمركية تجعل ثمن الكتاب باهظا، وصالون الجزائر الدولي للكتاب هو مناسبة سنوية من أجل اقتناء ما يحتاجه القراء طيلة أيام السنة، وأرى أن القارئ الجزائر لا يشتري أي كتاب من اجل الشراء وإنما يحتاج إلى الكتاب الذي يفيده في دراساته الجامعية ومن اجل تكوينه الفكري".
وبدا فى معرض الجزائر الدولي للكتاب أن هناك اختلالا كبيرا في طلب الكتاب لصالح الكتاب الديني مقابل الكتاب الأدبي والفكري الذي يباع بأعداد قليلة جدا مما أثار جدلا إعلاميا وثقافيا كبيرا، جعل المنظمون يلجأون إلى حيلة لإنهاء هذا الجدل تتمثل في تخصيص الجناح الرئيسي للمعرض للناشرين المشتغلين في الكتاب الأدبي والفكري والسياسي بمختلف اللغات، على أن تخصص الأجنحة الأخرى البعيدة نسبيا عن أنظار الإعلام للكتب الدينية. وأصبح بموجب ذلك كل قارئ يعرف وجهته جيدا، وعندما تنتقل من هذا الجناح إلى ذاك كأنك تنتقل من واقع إلى واقع آخر مختلف تماما.
ويفتخر المشرفون على صالون الجزائر الدولي للكتاب في كل مرة بالمستويات القياسية لعدد الزوار، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة وتراجع قيمة الدينار الجزائر الذي أثّر سلبيا على القدرة الشرائية وغلاء الكتاب كان الجميع يتوقع تراجع عدد الزوار إلا أن الأرقام الرسمية عند الختام أكدت عكس ذلك تماما. لقد صرّح محافظ الصالون الدولي للكتاب، حميدو مسعودي، أن عدد الزوار سنة 2018 تجاوز رقم 2.2 مليون زائر، مقابل 1.7 مليون زائر سنة 2017 التي شهدت بدورها رقما قياسيا مقارنة بالسنة التي سبقتها.
وعدد الزوار يستدعى التساؤل عما إذا كان هذا الرقم حقيقيا أم مبالغا فيه؟ وما هي المقاييس المتبعة في ذلك؟ ثم هل كل زائر لصالون الكتاب كان من أجل الكتاب أم لأسباب أخرى، وهنا يؤكد بعض الناشرين ساخرا أن الزائر يأتي لمشاهدة الكتاب لكنه لا يشتري إلا الأكل ممثلا في شطائر الشوارما التي تقدم بشكل متسرع نظرا للطلب الكبير عليها لكن بأثمان باهظة مقارنة بسعرها الحقيقي.
الروائي والناشر الجزائري كمال قرور، اهتدى إلى فكرة لتسويق سلسلة "كتاب الجيب" الذي تصدرها دار النشر التي يشرف عليها، وقد دعا جمهور صالون الجزائر الدولي للكتاب إلى شراء كتاب "بثمن سندوتش شوارما"، ويقول في هذا الصدد: "فعلا وجدت في معرض الكتاب عدد الزوار مرتفعا جدا، لكن الذين يشترون الكتاب عددهم أقّل بكثير، ولئن كان الكتاب هو عنوان المعرض إلا أن باعة الشوارما هم المستفيد الأول من الاحتفالية السنوية. لذا قررت أن أعبّر عن تلك المفارقة العجيبة بذلك الشعار الذي يبدو غريبا لكنه يعبّر بصدق عن التناقض الذي نعيشه". ويرى أن صناعة الكتاب تحتاج إلى ثقافة جيدة بالنظر إلى التحديات الجديدة، كما تحتاج إلى استثمار كبير وهو ما يحاول القيام به بوسائله المتاحة.
ويعتقد قرور، أن الرهان ليس المعرض في حد ذاته وإنما "ما بعد المعرض"، والهدف من خفضه لسعر الكتاب ليس الربح السريع بقدر ما يكمن في الاستثمار بعيد المدى، من خلال تأسيس شبكة توزيع للكتب غير متوفرة حاليا هو ما يعمل عليه من خلال محطات البنزين الممتدة على الطريق السريع الذي يربط شرق الجزائر بغربها.
ومع التراجع الكبير للقدرة الشرائية في الجزائر، وجد كثير من مدمني قراءة الكتب في الانترنيت ملاذا لهم لتحميل ما يريدونه مجانا، وهكذا وجد الكثير نفسه مضطرا لتغيير عادات القراءة وهجر الكتاب الورقي لصالح الألواح الالكترونية. والغريب أن الكثير من الكتب المتوفرة على النت مجانا يجدها القارئ في معرض الكتاب بأسعار تبدو خيالية، ويجد نفسه زاهدا في شرائها، لأنه في العادة كان قد حمّلها أو قرأها بالفعل.

ومع هذا الواقع الجديد بدأت تترسخ عادة جديدة تتمثل في أن القارئ عندما يزور أي جناح من أجنحة المعرض ويبدي إعجابه بكتاب معيّن، يحتفظ بعنوانه واسم مؤلفه ثم يبحث عنه في شبكة الانترنيت، فإذا وجده متوفرا مجانا فيكتفي بتحميله، اقتصادا للمال وتوجيهه لبعض الكتب غير المتوفرة على الشبكة.
وفي هذا الصدد يقول ميلود بن أحمد، وهو صحفي سابق ويشغل في مؤسسة إدارية، إنه "مع الأزمة الاقتصادية، أصبح المرتب الشهري لا يكفي لتلبية كل الحاجيات اليومية، رغم إدماني على قراءتي للكتب التي لم أكن أتصور أن أعيش دونها، إلا أن الواقع علمني عادة جديدة، تتمثل في تحميل ما أريده وقراءته، في البيت أو في المكتب أو أثناء ركوبي لقطار ضواحي الجزائر العاصمة. كنت أعتقد أن الكتاب الورقي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنه، إلا أنني ألفت العادة الجديدة ولست نادما عليها، وكل ما أشتريه من المعرض هو كتب بعض الأصدقاء موقّعة بأقلامهم والقليل النادر من الكتب التي احتاجها وغير المتوفرة على الشبكة".
لقد تغيّرت عادات القراءة في الجزائر بفعل التقلبات الاقتصادية، إلا أن الصالون الدولي للكتاب، ما يزال يحطم الأرقام القياسية لعدد زواره، في ظاهرة أصبحت اجتماعية أكثر منها ثقافية على ما يبدو، إذ أصبح مناسبة سنوية لأن يأتيه الطلبة والتلاميذ والمواطنون العاديون من كل مكان، وليس شرطا أن يشتري الزائر معرض الكتاب كتابا.

د ب ا
الجمعة 7 ديسمبر 2018