نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

عن نافالني… بعد أربعين يوماً!

27/03/2024 - موفق نيربية

أوروبا والسير نحو «هاوية»...

18/03/2024 - سمير العيطة

( خيار صعب لأميركا والعالم )

18/03/2024 - عبدالوهاب بدرخان*

لماذا لم يسقط نظام الأسد؟

17/03/2024 - يمان نعمة


معظم الليبيين يرون في الهجرة والغربة طوق نجاة






طرابلس/ ليبيا/ - أشرف العزابي- "لا أحبها" ... كلمات قالتها إحدى المغتربات، مختصرةً علاقتها ببلدها الأصلي، ليبيا. وعند الاستفسار عن السبب، تعجَّبت قائلة لوكالة الأنباء الألمانية(د.ب.أ) : "ما الذي قد يعجبني فيها؟ الجهل، الحرب والخراب، الطوابير، القمامة المنتشرة في كل مكان، أم الناس الذين لا يتركون أحداً وشانه".
وتضيف قائلة: "حتى ملابسي وشعري لم يسلما من ألسنة الناس، هم لا يقدِّرون مسائل شخصية كهذه، ويطلبون منك بكل جرأة إتباع ذوقهم، أو يمطرونك بنظرات تتهمك في شرفك دون أن تفعل أي خطأ".


 
وتقول: "عدة مفاهيم في ليبيا مغلوطة جداً، كمفهوم الشرف، فالرجل مثلا قد يتثاقل في عمله ويتغيب متى شاء، أو يستغل وظيفته لتحقيق مكاسب غير قانونية. قد لا يدفع ثمن الكهرباء والمياه ويخالف المرور، ثم يتّهِم من ترتدي بنطالاً وشعرها سافر بأنها عديمة الشرف. ونساء كثر تكلن نفس الاتهامات أيضاً بعد أن اختزلن الشرف في الملابس. فبعد كل هذا، كيف أستطيع الإقامة في ليبيا؟ ".
قد يكون الاغتراب المبكِّر الذي عاشته هذه الفتاة منحها فرصة مقارنة ليبيا بدول أخرى، وقد ولدت في اسطنبول لوالد ليبي وأم تركية. فهل يختلف الأمر مع من ولد وترعرع وبقى في ليبيا؟
يؤكد أحد الشباب الليبيين صحة هذا الكلام عن تجربة، يقول الشاب العشريني "محمد عبد السلام" لـ (د .ب. أ): "قبل أن أجرِّب السفر كانت فكرة الهجرة تراودني كأغلب الشباب، وبعد أن عشت شهراً واحداً خارج البلاد أصبحت الفكرة مُلِحّة ولم تغادر ذهني، والآن أعود إلى وطني مُرغماً، فلا أستطيع البقاء في الخارج بطريقة غير قانونية كما يفعل البعض".
ليس الكل مثل عبد السلام، فبعد أن كانت فكرة الهجرة غير القانونية مُستبعدة من أذهان الليبيين، صارت هي ذاتها حلماً يراود البعض، فكيف بدأت القصة؟
تمتلك ليبيا ساحلاً هو الأطول على البحر الأبيض المتوسط يقابل دول غرب أوروبا، وساعد هذا الأمر -مع الانفلات الأمني- في تكوين عصابات تمتهن الهجرة غير القانونية. في السابق كانت القوارب تنطلق من الغرب الليبي الأكثر قرباً من إيطاليا حاملةً مهاجرين أفارقة. انضم الآسيويون لاحقاً، وجاء أخيراً دور الليبيين أنفسهم، حتى أن رجال حرس السواحل الليبي عند إنقاذ بعض القوارب المشرفة على الغرق كانوا يفصلون الليبيين قليلي العدد عن الأجانب، بغية إبعادهم عن عدسات وأسئلة الصحفيين. ولكن مع زيادة المهاجرين في العامين الأخيرين باتت المداراة أكثر صعوبة، وصارت صفحات التواصل الاجتماعي تنقل صور المهاجرين الليبيين، بعضها بلهجة الاستغراب، وأخرى بلهجة الافتخار بترك البلاد.
لم يكن الأمر قابلاً للفهم في الدولة الغنية بالنفط والثروات الطبيعية، ولم يستطع الكثيرون تصديق المواقع وهي تشتعل بصور الشباب المقبلين على مغامرة غير مضمونة النهاية، بل ويسجدون شكراً عند وصولهم شواطئ أوروبا. تفاقم الأمر، وبدأت لاحقاً تظهر صور عائلات ليبية مصحوبة بالأطفال تعيش ذات المغامرة. لقد تغير وتدهور حال البلاد وتبدّلت فيها كل المفاهيم بعد أحداث عام 2011. ولعل مغادرة السفارات عام 2014، وتخريب أو إغلاق أغلب المطارات لم يتركاً مجالاً رحباً للطرق القانونية.
تختلف وجهات نظر الليبيين الذين حاورتهم وكالة الأنباء الألمانية داخل وخارج ليبيا حول أسباب التدافع للهجرة، فيرى البعض أن الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد هي المسبب الأول، بينما يظن آخرون أن السِّر يكمن في تدهور الوضع الأمني وانتشار السلاح والجريمة والاشتباكات والحروب المتعاقبة، هذا عدا الأسباب الإنسانية مثل العلاج بالخارج، وأسباب أخرى تتعلق بالتعليم وحقوق الإنسان وحرية التعبير والعقيدة، بالإضافة للنقص المتكرر لخدمات المياه والكهرباء والوقود والاتصالات.
يرى مدير إدارة التوعية والتثقيف والإعلام بوزارة الشؤون الاجتماعية "خالد مسعود" في حديثه لوكالة الأنباء الألمانية أن "الوضع الأمني الهش، وضبابية المستقبل بالنسبة للشباب، وانعدام الفرص الاقتصادية هي الأسباب الرئيسية للهجرة". يتفق معه في ذلك الإعلامي والناشط المقيم في دولة البحرين، "كريم الزيّاني"، ويضيف إلى ذلك في حديثه لـ (د. ب. أ) "البحث عن فرص حياة وتعليم أفضل للأطفال".
عند استعراض التاريخ الحديث لليبيا نجد أن البحث عن الأمن سبّب هجرات عديدة متوالية، فطوال حكم العقيد القذافي الذي دام 42 عاماً هاجر أغلب معارضيه من البلاد، لأن من لم يتمكن من ذلك كان من الممكن في بعض الحالات أن يكون مصيره السجن المطوّل أو الشنق في الميادين العامة. وبعد أحداث 2011 ومقتل القذافي انقلب الأمر وهاجر أغلب المقربين من نظامه خوفاً من ذات المصير.
زاد الأمر تأزماً عام 2014 بعد تشكّل عمليتي "الكرامة" و"فجر ليبيا" المسلحتين، فقد رفضت كلتاهما أي رأي معارض، ما دفع لمزيد من النزوح الداخلي والهجرات الخارجية، هذا فضلاً عن انتشار عصابات الخطف وطلب الفدية التي نالت في الغالب من أبناء ميسوري الحال، ولم يجد بعضهم بُدّاً من الهجرة أملاً في حماية أبنائهم وأنفسهم.
تخالف إحدى المهاجرات الليبيات هذا الرأي، وترى "رويدا بلحاج" المقيمة في بيروت أن "بعض ميسوري الحال استفادوا من الفوضى وصاروا تجّار حروب، وأن الطبقتين المتوسطة والفقيرة هما من دُفِعوا إلى الهجرة، لقلة فرص الحياة الكريمة".
يوافق "عبد السلام" على هذه النظرة، ويظن أن البحث عن فرص العمل هو الدافع الأول. يقول: "لا توجد فرص عمل حقيقية في ليبيا، فبعد أن أنهيت الدراسة الجامعية عملت بمحل للملابس، ثم بإحدى شركات الإنترنت، والأجر الشهري لا يكفي لتحقيق أبسط أحلامي".
يضيف: "بعد تراجع سعر الدينار أمام باقي العملات، لم ترتفع أجورنا بالمقابل، وانخفضت القدرة الشرائية إلى الربع، فكيف سنحقق ما نصبو إليه؟ ".
ويغبط الشباب الذين حاورتهم (د. ب. أ) الأجيال السابقة في ليبيا، ويرون أن "فرصهم في الهجرة كانت أوفر، وكثير منهم استقروا في دول الغرب المتقدمة وحققوا نجاحات". يتفق معهم في ذلك "إبراهيم هلال" أحد المهاجرين القُدامى والمقيم في ليفربول منذ ثمانينيات القرن الماضي ، ويرى أن "دوافع الهجرة كانت موجودة حتى قبل عام 2011"، ويلوم في ذلك طريقة حكم القذافي وطِباع الشعب الليبي الصعبة "حسب وصفه"، بالإضافة لتقلّص فرص العمل والاستثمار. يقول لـ (د. ب. أ): "لم ألتفت للوراء حين غادرت، وعندما أذهب لليبيا أعتبر نفسي زائراً لا أكثر، فالليبي يعثر على نفسه الضائعة عندما يهاجر، ويعيش في الغربة الواقع على حقيقته، ويجد فرص حقيقية للتعليم والعمل والابتكار".
يتابع: "من يعش سنوات في الغربة ومازال يتنفس يعتبر مكافحاً وحراً يعيش دون خداع أو كذب، ولا يحتاج أحداً ليضمن حقوقه، فالقانون كفيل بذلك".
للأسف، كل الشباب الذين حاورتهم (د.ب.أ) في هذا الشأن يؤيدون الهجرة، ويظنّون أن المهاجرين يحققون طموحاتهم في الخارج. ويقول مسؤول وزارة الشؤون الاجتماعية: "اعتقد أن الكثير من المهاجرين يحققون بعض النجاح، على الأقل بتغيير عقلية وسلوك شبابٍ تربى في مجتمعٍ أبويٍ بالنسبة للأسرة، وريعيٍ بالنسبة للاقتصاد".
ويؤكد المسؤول عدم وجود أي إحصائيات بالوزارة حول أعداد المهاجرين الليبيين، ويحثَ مؤسسات المجتمع المدني على القيام بهذا الدور بسبب غياب الدولة، حسب قوله.
وإلى حين عودة الدولة شبه الغائبة، سيتلخّص حلم طيف من الشباب الليبي في طائرة تنفيه عن الوطن، أو قارب صغير تتّجه بوصلته شمالاً.

أشرف العزابي
الجمعة 21 فبراير 2020