مفتي سلطنة عمان في زيارة للجماهيرية التي لا تعترف بالافتاء ولا بمنصب المفتي
ومن بين هذا تبرز قضية مفتي عام الدولة، او مجلس فقهي ومؤسسة مختصة بفصل وتقرير المطالب الدينية والشرعية كما يقول من ينادي بذلك.
فجوة الغياب … والحضور
يُظهر الكاتب محمد طرنيش، وهو أيضا ناشط حقوقي ليبي، في مقال له سابقا؛ أن إيقاف وظيفة "مفتي البلاد" منذ السبعينات أسهمت في مظاهر عدة ليس أولها الاختلاف حتى حول بداية التقويم الهجري، والمناسبات الدينية كالصوم والأعياد، وصولا لبروز مظاهر وتحركات أثرت على السلم الأهلي، وأدت لنتائج وخيمة على المواطنين والدولة معا.
فيما يعتقد الصحفي والأستاذ الجامعي محمد مليطان في مقال له أيضا، أن مبدأ وجود مفتي او مؤسسة إفتاء، تعارض مفهوم حقوق الإنسان المعاصر، لصالح مفهوم سلفي غير مجدي، وتجاوزه الزمن.
مفهوم عثماني.. وسلطة قضائية
وتورد الموسوعة البريطانية "بريتانيكا" أن لفظ الفتوى ظهر في الخطاب الإسلامي حوالي عام 1889، إبان الدولة العثمانية، حيث كانت هي "الرأي القانوني او الشرعي الصادر عن رجل الدين المسلم"، وكانت سلطة المفتي يومها أعلى سلطة فصل في البلاد، تماثل اليوم الجهات القضائية العليا أو السلطة القضائية.
بينما تذكر مصادر تاريخية أخرى أن أول من ثبت تلقيبه بالمفتي هو الليث بن سعد المالكي، مفتياً للديار المصرية، كما تقول شاهدة قبره، لكن الليث بن سعد كان قاضياً لمصر كذلك.
وحول هذا يقول الأستاذ جلال عامر القذافي، مدرس أصول الدين بجامعة روتردام الإسلامية بهولندا، أنه "إذا كانت الفتوى من الدين، ولا غنى للمسلمين عنها، فإن مكانة المفتي مقررة شرعا، وان بعض الفقهاء ذهب لوجوب وجود مفتي للمسلمين في كل مسافة قصر للصلاة، وبالتالي فتنظيم الفتوى بشخص أو مؤسسة يصبح أمرا طبيعيا، ومطلوبا شرعيا".
بين الحداثة والسلفية
أما محمد مليطان فيتحدث عن أن مفهوم حقوق الإنسان هو مفهوم حداثي بينما ينتمي مفهوم الإفتاء لمنظومة قديمة وسلفية، هذا من حيث المبدأ واختلاف الجهة، أما عمليا فالمفتي هو بحسب العديد من الجهات الشرعية، هو نائب عن الرسول، ومبلغ لأمره، فهو يحمل خاصية الإلزام، لأنه إذا كانت اجتهاده اختياريا فلا معنى لتنصيبه، وإذا كان إلزاميا، فهذا محل الخلاف، خاصة مع وجود سلطة القضاء، الذي هو تطوير معاصر للمؤسسة الفقهية التقليدية".
وبحكم العادة، وما يجري في الدول العربية والإسلامية، فإن مجال عمل المفتي ينحصر غالبا، في القضايا الشخصية، والفتاوى ذات الشأن العام، بحيث يظل على مسافة من القرارات السيادية والسياسية، التي تناط بالحكام، او على الأقل – ولو شكليا - بالمؤسسة التشريعية كمجلس النواب أو الأمة أو غيره، كما أن منصب المفتي هو عادة محدد من قبل السلطة، ونادرا ما يخرج عن طورها.
قضايا هامة.. وحياتية
ولا يرفض الشيخ جلال عامر ذلك، لكنه يقول أن الأصل في المفتي هو بروزه واشتهاره عند المسلمين، وليس بتسمية فوقية من السلطة، كما أن مهمته تمتد حتى لقضايا عامة ومؤثرة، تخص علاقات الناس فيما بعض، ليضرب مثلا، بنزع أجهزة الرعاية الصحية عند تقرير عجز الطب عن انقاذ مريض ما، وتقرير حياة او موت مواطن، وان هذه أمور بحاجة لفتوى شرعية وفقهية بلا شك.
ويرفض محمد مليطان كون الجدل حول هذه القضية، منازعة للإسلاميين، أو دعوى علمانية، قائلا "مبدئيا لا أرى تعارضا بين العلمانية والدين، ولكن طرح القضية في صورة تهمة مجردة، أمر لا يعنيني، ولا يمكن معه النقاش، وهو نوع من أنواع المصادرة والإقصاء".
الإلزام ليس إكراها ..
ويدافع الشيخ جلال القذافي عن وظيفة المفتي ومنطق الإلزام فيها بقوله "أن كل القوانين ملزمة، مهما وافق عليها الناس أو اختلفوا، والمطلوب الامتثال وليس الاقتناع، وإلا اضطربت الحياة. وان ما يتعين إتباعه هو المذهب الغالب على الدولة او الكيان السياسي، وان مفتي الدولة ليس بالضرورة أن يتعرض لكل المسائل، وخذ مثلا - كما يقول - دار الإفتاء المصرية، التي هي أشبه بـ "المستشفى" يأتيه الناس ويأخذون الفتوى من مفتين مختلفين، وليس من المفتي الذي هو مشرف عام مؤسسة الإفتاء عموما".
وعلى كل فإن وجود المفتي أو مؤسسة الإفتاء ليس تناط الموافقة عليه أو رفضه بالجدل الذي يمكن أن يظهر الآن، بل بالرغبة السياسية وقرار السلطة، وهو أمر لا ينتظر فيه المرء مراعاة السلطة للرأي الغالب او غيره، حتى وإن جاءت التبريرات - و التمجيدات - لاحقا
فجوة الغياب … والحضور
يُظهر الكاتب محمد طرنيش، وهو أيضا ناشط حقوقي ليبي، في مقال له سابقا؛ أن إيقاف وظيفة "مفتي البلاد" منذ السبعينات أسهمت في مظاهر عدة ليس أولها الاختلاف حتى حول بداية التقويم الهجري، والمناسبات الدينية كالصوم والأعياد، وصولا لبروز مظاهر وتحركات أثرت على السلم الأهلي، وأدت لنتائج وخيمة على المواطنين والدولة معا.
فيما يعتقد الصحفي والأستاذ الجامعي محمد مليطان في مقال له أيضا، أن مبدأ وجود مفتي او مؤسسة إفتاء، تعارض مفهوم حقوق الإنسان المعاصر، لصالح مفهوم سلفي غير مجدي، وتجاوزه الزمن.
مفهوم عثماني.. وسلطة قضائية
وتورد الموسوعة البريطانية "بريتانيكا" أن لفظ الفتوى ظهر في الخطاب الإسلامي حوالي عام 1889، إبان الدولة العثمانية، حيث كانت هي "الرأي القانوني او الشرعي الصادر عن رجل الدين المسلم"، وكانت سلطة المفتي يومها أعلى سلطة فصل في البلاد، تماثل اليوم الجهات القضائية العليا أو السلطة القضائية.
بينما تذكر مصادر تاريخية أخرى أن أول من ثبت تلقيبه بالمفتي هو الليث بن سعد المالكي، مفتياً للديار المصرية، كما تقول شاهدة قبره، لكن الليث بن سعد كان قاضياً لمصر كذلك.
وحول هذا يقول الأستاذ جلال عامر القذافي، مدرس أصول الدين بجامعة روتردام الإسلامية بهولندا، أنه "إذا كانت الفتوى من الدين، ولا غنى للمسلمين عنها، فإن مكانة المفتي مقررة شرعا، وان بعض الفقهاء ذهب لوجوب وجود مفتي للمسلمين في كل مسافة قصر للصلاة، وبالتالي فتنظيم الفتوى بشخص أو مؤسسة يصبح أمرا طبيعيا، ومطلوبا شرعيا".
بين الحداثة والسلفية
أما محمد مليطان فيتحدث عن أن مفهوم حقوق الإنسان هو مفهوم حداثي بينما ينتمي مفهوم الإفتاء لمنظومة قديمة وسلفية، هذا من حيث المبدأ واختلاف الجهة، أما عمليا فالمفتي هو بحسب العديد من الجهات الشرعية، هو نائب عن الرسول، ومبلغ لأمره، فهو يحمل خاصية الإلزام، لأنه إذا كانت اجتهاده اختياريا فلا معنى لتنصيبه، وإذا كان إلزاميا، فهذا محل الخلاف، خاصة مع وجود سلطة القضاء، الذي هو تطوير معاصر للمؤسسة الفقهية التقليدية".
وبحكم العادة، وما يجري في الدول العربية والإسلامية، فإن مجال عمل المفتي ينحصر غالبا، في القضايا الشخصية، والفتاوى ذات الشأن العام، بحيث يظل على مسافة من القرارات السيادية والسياسية، التي تناط بالحكام، او على الأقل – ولو شكليا - بالمؤسسة التشريعية كمجلس النواب أو الأمة أو غيره، كما أن منصب المفتي هو عادة محدد من قبل السلطة، ونادرا ما يخرج عن طورها.
قضايا هامة.. وحياتية
ولا يرفض الشيخ جلال عامر ذلك، لكنه يقول أن الأصل في المفتي هو بروزه واشتهاره عند المسلمين، وليس بتسمية فوقية من السلطة، كما أن مهمته تمتد حتى لقضايا عامة ومؤثرة، تخص علاقات الناس فيما بعض، ليضرب مثلا، بنزع أجهزة الرعاية الصحية عند تقرير عجز الطب عن انقاذ مريض ما، وتقرير حياة او موت مواطن، وان هذه أمور بحاجة لفتوى شرعية وفقهية بلا شك.
ويرفض محمد مليطان كون الجدل حول هذه القضية، منازعة للإسلاميين، أو دعوى علمانية، قائلا "مبدئيا لا أرى تعارضا بين العلمانية والدين، ولكن طرح القضية في صورة تهمة مجردة، أمر لا يعنيني، ولا يمكن معه النقاش، وهو نوع من أنواع المصادرة والإقصاء".
الإلزام ليس إكراها ..
ويدافع الشيخ جلال القذافي عن وظيفة المفتي ومنطق الإلزام فيها بقوله "أن كل القوانين ملزمة، مهما وافق عليها الناس أو اختلفوا، والمطلوب الامتثال وليس الاقتناع، وإلا اضطربت الحياة. وان ما يتعين إتباعه هو المذهب الغالب على الدولة او الكيان السياسي، وان مفتي الدولة ليس بالضرورة أن يتعرض لكل المسائل، وخذ مثلا - كما يقول - دار الإفتاء المصرية، التي هي أشبه بـ "المستشفى" يأتيه الناس ويأخذون الفتوى من مفتين مختلفين، وليس من المفتي الذي هو مشرف عام مؤسسة الإفتاء عموما".
وعلى كل فإن وجود المفتي أو مؤسسة الإفتاء ليس تناط الموافقة عليه أو رفضه بالجدل الذي يمكن أن يظهر الآن، بل بالرغبة السياسية وقرار السلطة، وهو أمر لا ينتظر فيه المرء مراعاة السلطة للرأي الغالب او غيره، حتى وإن جاءت التبريرات - و التمجيدات - لاحقا