وفي الدولة الريعية هناك نسبة صغيرة من السكان تشارك في توليد الريع، كما أن الحكومة هي المستفيد الأول من هذا الإيجار الخارجي لموارد الدولة. نظرية الدولة الريعية بتبسيط شديد تدّعي أنَّ الدولة ليست مضطرة لمنح أي نوع من الحريات الاجتماعية والاقتصادية أو السياسية لمواطنيها لأنهم غير منتجين، ويعتمدون في كل حياتهم على الدولة وعطاياها لاستمرار حياتهم ورفاهيتهم، الدولة الريعية ليست دولة جباية ضرائب بل دولة مانحة تعطي المواطن من مدخول بترولها، إذن المواطن ليس لديه وسيلة ضغط للتغيير كما هو الحال في الديمقراطيات الغربية والتي يكون فيها التمثيل مقابل الضرائب.
هذا الشعار الذي أطلقه باترك هنري في بدايات الثورة الأميركية 1765 «لا ضرائب من دون تمثيل» هو الذي مثَّل جوهر النظرية الريعية. وبما أنَّ هذه المعادلة غير موجودة في دول الخليج -وحسب النظرية الريعية- فلن تكون هناك فرصة لليبرالية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلا بنهاية الاقتصاد الريعي. وإذا كان الأمر كذلك فكيف لنا أن نفسِّر ما حدث من تغيرات في المملكة العربية السعودية من تحولات اجتماعية جرت في خمس سنوات منذ أن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة، خصوصاً حرية المرأة؟ حدثت في المملكة تطورات وإنجازات لم يكن ليتصور حدوثها أكثر الباحثين حصافة في الشأن السعودي خلال خمسين عاماً.
بالطبع ليس هناك مجال في مقال قصير أن نطرح سؤالاً آخر مفاده: لماذا لم تزدهر الحريات في الدول غير الريعية أو غير البترولية في المحيط العربي وهي دول تجبي ضرائب من دون تمثيل أو بتمثيل شكلي لا يتعدى كونه قشرة على طلاء قديم؟
ما يحدث في السعودية اليوم لا أقول إنه ينسف نظرية الدولة الريعية في فهم التغيرات الاجتماعية وتنمية المجتمعات ولكن على الأقل يجعلها محدودة الصلاحية في قدرتها على فهم أو تفسير ما يحدث من تغيرات كبيرة حدثت في المملكة خلال السنوات الخمس الماضية.
إذن كيف نفسر ما يحدث إذا كانت نظرية الدولة الريعية قد فشلت في التفسير؟
هناك نظرية أخرى في العلوم السياسية تُعرف بـ«نظرية النخبة»، أو التغيير من أعلى مقابل التغيير الاجتماعي أو التغيير من أسفل.
ترى تلك النظرية أنه في وجود نخبة متماسكة بيدها القرار لا تخضع للضغط ومستنيرة تستطيع أن تأخذ المجتمع في تحولات إلى الأمام، وتكون القيادة ركناً أساسياً في تلك النخبة. الملك سلمان منذ أن تولى الحكم وبمساعدة ومتابعة دؤوبة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، استطاعا أن يؤسّسا لحركة التغيير الاجتماعي الذي لا يعرِّض المجتمع إلى هزات تعصف بالاستقرار، فالتغيير دائماً كالزلازل له هزات مصاحبة وارتدادات، ومن هنا تكون إدارة التحول والتغيير بذات الأهمية إن لم تكن أهم من التغيير ذاته. ولا شك أن نسبة التغيير التي حدثت في المملكة بأقل تكلفة لاستقرار النظام السياسي كانت أعلى من التغيرات التي كانت مرجوّة في دول ما عُرف اصطلاحاً بالربيع العربي، أي أن المملكة كان لها ربيعها الخاص الذي حقق إنجازاً أعلى وبتكلفة أقل، وما عليك إلا أن تقارن ما حدث من تغير سلمي في المجتمع السعودي بدول الجوار حتى تعي حقيقة ما أرمي إليه.
أتمنى ألا يُفهم ما أقوله في إطار مديح أجوف، فالهدف من المقال هو محاولة البحث عن نظرية تفسِّر لنا ما يحدث في مجتمعاتنا، وما السعودية إلا مثال واضح على فشل تطبيق نظريات غربية على مجتمعات أكثر تعقيداً وتحتاج إلى فهم أعمق للسياق الذي يحدث فيه التغيير.
--------
الشرق الاوسط
هذا الشعار الذي أطلقه باترك هنري في بدايات الثورة الأميركية 1765 «لا ضرائب من دون تمثيل» هو الذي مثَّل جوهر النظرية الريعية. وبما أنَّ هذه المعادلة غير موجودة في دول الخليج -وحسب النظرية الريعية- فلن تكون هناك فرصة لليبرالية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلا بنهاية الاقتصاد الريعي. وإذا كان الأمر كذلك فكيف لنا أن نفسِّر ما حدث من تغيرات في المملكة العربية السعودية من تحولات اجتماعية جرت في خمس سنوات منذ أن تولى الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة، خصوصاً حرية المرأة؟ حدثت في المملكة تطورات وإنجازات لم يكن ليتصور حدوثها أكثر الباحثين حصافة في الشأن السعودي خلال خمسين عاماً.
بالطبع ليس هناك مجال في مقال قصير أن نطرح سؤالاً آخر مفاده: لماذا لم تزدهر الحريات في الدول غير الريعية أو غير البترولية في المحيط العربي وهي دول تجبي ضرائب من دون تمثيل أو بتمثيل شكلي لا يتعدى كونه قشرة على طلاء قديم؟
ما يحدث في السعودية اليوم لا أقول إنه ينسف نظرية الدولة الريعية في فهم التغيرات الاجتماعية وتنمية المجتمعات ولكن على الأقل يجعلها محدودة الصلاحية في قدرتها على فهم أو تفسير ما يحدث من تغيرات كبيرة حدثت في المملكة خلال السنوات الخمس الماضية.
إذن كيف نفسر ما يحدث إذا كانت نظرية الدولة الريعية قد فشلت في التفسير؟
هناك نظرية أخرى في العلوم السياسية تُعرف بـ«نظرية النخبة»، أو التغيير من أعلى مقابل التغيير الاجتماعي أو التغيير من أسفل.
ترى تلك النظرية أنه في وجود نخبة متماسكة بيدها القرار لا تخضع للضغط ومستنيرة تستطيع أن تأخذ المجتمع في تحولات إلى الأمام، وتكون القيادة ركناً أساسياً في تلك النخبة. الملك سلمان منذ أن تولى الحكم وبمساعدة ومتابعة دؤوبة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، استطاعا أن يؤسّسا لحركة التغيير الاجتماعي الذي لا يعرِّض المجتمع إلى هزات تعصف بالاستقرار، فالتغيير دائماً كالزلازل له هزات مصاحبة وارتدادات، ومن هنا تكون إدارة التحول والتغيير بذات الأهمية إن لم تكن أهم من التغيير ذاته.
أتمنى ألا يُفهم ما أقوله في إطار مديح أجوف، فالهدف من المقال هو محاولة البحث عن نظرية تفسِّر لنا ما يحدث في مجتمعاتنا، وما السعودية إلا مثال واضح على فشل تطبيق نظريات غربية على مجتمعات أكثر تعقيداً وتحتاج إلى فهم أعمق للسياق الذي يحدث فيه التغيير.
--------
الشرق الاوسط