
الأديب البيرواني ماريو بارجاس يوسا الفائز مؤخرا بجائزة نوبل للآداب للعام الحالي
ومن أبرز المتناقضات التي تبدو واضحة للعيان في العاصمة البيروانية ليما التي تعد واحدة من أعرق حواضر أمريكا اللاتينية، أن خمسة أمتار فقط يمكن أن تمثل الخط الفاصل بين عالم الكتب المقرصنة وعالم النسخ الشرعية، وأحيانا تكون المسافة أقل بكثير، حيث يجد الباحث عن الكتاب البائع غير الشرعي يعرض بضاعته المقرصنة على أبواب المكتبات الرسمية، على مرأى ومسمع من الجميع.
الفارق بين العالمين شاسع برغم ضآلة المسافة التي تكاد تكون شبه معدومة، فمن حيث السعر أحيانا تصل النسبة إلى 400%، على سبيل المثال تحولت أعمال بارجاس يوسا النموذج الحي الصارخ على هذه الظاهرة خاصة بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب التي أقيم حفل تسليم جوائزها في العاشر من الشهر الجاري.
بجرأة شديدة قررت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) اقتحام عالم القرصنة في شوارع بيرو، حيث قمنا في إحدى الأمسيات بالدخول في عملية "مساومة" مع أحد باعة الأعمال المقرصنة لآخر روايات يوسا "حلم الكلتي". كان البائع يقف على مسافة خمسة أمتار من إحدى مكتبات حي (ميرافلوريس) الراقي بالعاصمة البيروانية.
في البداية عرض البائع الرواية مقابل 30 سول) ما يعادل 7ر10 دولار)، ثم خفضها لعشرين سول ما يعادل 1ر7 دولار، وعندما هم الزبون المزعوم بالابتعاد في بادرة على عدم اقتناع ورفض للسعر، ناداه البائع معلنا إمكانية إنهاء الصفقة سريعا مقابل 18 سول أي 4ر6 دولار، "وهذا سعر نهائي".
أما في المكتبات الشرعية التي تبيع الرواية بترخيص من دار نشر (الفاجوارا) المسئولة عن توزيع الكتاب في بيرو والعالم، فتباع "حلم الكلتي" مقابل 69 سول أي ما يعادل 6ر24 دولار، وهو سعر مرتفع نسبيا، يمكن أن يوفرا وجبة غداء مناسبة لموظف من الطبقة المتوسطة لمدة 10 أيام بأحد مطاعم الحي الراقي.
لا يعتبر السعر المرتفع الفارق الوحيد بين النسخة الأصلية أو الشرعية والنسخة المقرصنة، فالنسخة غير الشرعية تباع منقوصة (100 صفحة)، صفحاتها مليئة بالأخطاء الإملائية، فضلا عن ارتباك ترتيب الجمل مما يؤثر بصورة كبيرة على فهم النص، بالإضافة إلى أنها طبعة رديئة، بالرغم من ذلك تلقى إقبالا كبيرا من جانب مختلف قطاعات الجماهير.
بدأت الفاجوارا توزيع رواية "حلم الكلتي" أولى أعمال بارجاس يوسا بعد إعلان فوزه بجائزة نوبل، في الثالث من تشرين ثان/ نوفمبر، الماضي، وبعد أقل من أسبوع، كانت النسخ المقرصنة، تملأ جميع أركان بيرو، ومن المستحيل الآن حصر عدد هذه النسخ، وبالرغم من أنه لا توجد فواتير أو إحصائيات رسمية، إلا أن التقارير تتحدث عن ما يقرب من 100 ألف نسخة، أي خمسة أضعاف نسخ الطبعة الأولى الرسمية التي طرحتها الفاجوارا في مسقط رأس الأديب.
يشار إلى أن البائع الذي تفاوضت (د.ب. أ) معه صوريا بزعم الحصول على الكتاب، يمارس هذا النشاط غير المشروع منذ سنوات في هذا الركن من المدينة منذ سنوات، ويمكن متابعته يوميا وهو يقوم بمساومة زبائنه في الحي الراقي، وبالرغم من أن الجميع يعلمون بعدم شرعية هذا النشاط إلا أنه مستمر فيه على مرأى ومسمع من الجميع، وهو بالطبع ليس الوحيد في هذا المجال.
هناك المئات من الباعة الذين يروجون لهذه البضاعة المقرصنة، ويكفي الوقوف في إحدى إشارات المرور حتى يتعرض المرء إلى هجوم الباعة الجائلين وفي مقدمتهم مروجي الكتب المقرصنة، أما في أحياء وسط العاصمة ليما مثل حي سان ايسيدرو فيعرض الباعة الصنفين المقرصنة والشرعية حسب الظروف ومزاج الزبون، فإذا اشتكى المشتري من ارتفاع الأسعار فالبديل دائما موجود وبفارق كبير. ومع ذلك فالمشكلة ليست في نقص القوانين والتشريعات، بل في عدم تنفيذها.
في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أكد وزير الثقافة البيرواني خوان أوسيو أن "لدينا التزام كامل بالتصدي لهذه الظاهرة السيئة". يعتبر أوسيو من الأصدقاء المقربين لبارجاس يوسا، وعقب ما حدث مع آخر رواياته، تعهد بالتنسيق مع كافة مؤسسات الدولة لمكافحة ظاهرة القرصنة الثقافية.
وضرب أوسيو مثالا على ذلك بوزير الداخلية السابق، فرناندو باريوس، الذي في بادرة غير مألوفة لجهاز الشرطة قرر توجيه ضربة قوية ومباشرة لمصادر هذه الأنشطة غير المشروعة من خلال مهاجمة المطابع غير القانونية.
أسفرت هذه العملية عن مصادرة مئات الآلاف من نسخ رواية يوسا الأخيرة – لم يتحدد عددها الفعلي رسميا-، وفقا لتقارير الشرطة، إلا أن هذا النجاح كان نسبيا وهو ما يتجلى بوضوح في استمرار صدور النسخ المقرصنة لتصبح في متناول أيدي الجميع.
بعيدا عن الأدب والقرصنة، بعد كل هذا المديح والإشادة من جانب أوسيو، لكفاءة باريوس في التصدي للقرصنة الأدبية، تم إثبات تورط وزير الداخلية السابق في أنشطة فساد، حيث تبين أنه كان قد فصل من عمله السابق في رئاسة هيئة التأمينات الاجتماعية، بسبب تقاضيه تعويضات غير قانونية، ومن ثم يرى المحللون أن المسألة تتجاوز مجرد ظاهرة فردية لتصبح "أزمة ضمير" جذورها ضاربة لأبعد مدى.
وفقا لتقارير صحفية، حديثة تقدر خسائر الدولة جراء أنشطة القرصنة الفكرية غير الشرعية، بما يربو على تسعة ملايين دولار سنويا، فيما ترى مصادر أخرى أن هذا الحصيلة متواضعة للغاية وأن الرقم أكبر بكثير، يضاف إليه أيضا خسائر المكتبات ودور النشر والمؤلفين وجميع العاملين في هذا المجال تحت مظلة الشرعية.
من جانبها، تقدر ليليانا مينايا، مدير غرفة الكتاب البيروانية أن حجم النشاط غير الشرعي في سوق الانتاج الأدبي يتجاوز 40% من حجمه، أما المتحدث باسم دار نشر الفاجوارا في بيرو فيرى أن النسبة في الواقع تقدر بـ7 نسخة مقرصنة إلى واحد فقط شرعي.
بالرغم من ذلك، يعكس إقبال الجمهور وموقفه أن هذا الوضع يعد هينا بالنسبة للكتاب مقارنة بقطاعات أخرى، حيث تصل النسبة إلى 95% في مجال الموسيقى مثلا حيث لا تتجاوز المبيعات الشرعية الـ5%، وتتجلى المأساة بأبعادها الحقيقية في قطاع السينما.
وأطلقت الدولة مؤخرا حملات مكثفة لتوعية المواطنين بأن بيع أو شراء أعمال مقرصنة يعد جريمة، إلا أن نتائجها لا تزال محدودة للغاية، فيما كشفت دراسة أعدتها جامعة سان ماركوس الوطنية أن 63% يجهلون أن الملكية الفكرية أصبحت تمثل حقا من حقوق الإنسان وان انتهاكها جريمة دستورية يعاقب عليها القانون
الفارق بين العالمين شاسع برغم ضآلة المسافة التي تكاد تكون شبه معدومة، فمن حيث السعر أحيانا تصل النسبة إلى 400%، على سبيل المثال تحولت أعمال بارجاس يوسا النموذج الحي الصارخ على هذه الظاهرة خاصة بعد فوزه بجائزة نوبل للآداب التي أقيم حفل تسليم جوائزها في العاشر من الشهر الجاري.
بجرأة شديدة قررت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) اقتحام عالم القرصنة في شوارع بيرو، حيث قمنا في إحدى الأمسيات بالدخول في عملية "مساومة" مع أحد باعة الأعمال المقرصنة لآخر روايات يوسا "حلم الكلتي". كان البائع يقف على مسافة خمسة أمتار من إحدى مكتبات حي (ميرافلوريس) الراقي بالعاصمة البيروانية.
في البداية عرض البائع الرواية مقابل 30 سول) ما يعادل 7ر10 دولار)، ثم خفضها لعشرين سول ما يعادل 1ر7 دولار، وعندما هم الزبون المزعوم بالابتعاد في بادرة على عدم اقتناع ورفض للسعر، ناداه البائع معلنا إمكانية إنهاء الصفقة سريعا مقابل 18 سول أي 4ر6 دولار، "وهذا سعر نهائي".
أما في المكتبات الشرعية التي تبيع الرواية بترخيص من دار نشر (الفاجوارا) المسئولة عن توزيع الكتاب في بيرو والعالم، فتباع "حلم الكلتي" مقابل 69 سول أي ما يعادل 6ر24 دولار، وهو سعر مرتفع نسبيا، يمكن أن يوفرا وجبة غداء مناسبة لموظف من الطبقة المتوسطة لمدة 10 أيام بأحد مطاعم الحي الراقي.
لا يعتبر السعر المرتفع الفارق الوحيد بين النسخة الأصلية أو الشرعية والنسخة المقرصنة، فالنسخة غير الشرعية تباع منقوصة (100 صفحة)، صفحاتها مليئة بالأخطاء الإملائية، فضلا عن ارتباك ترتيب الجمل مما يؤثر بصورة كبيرة على فهم النص، بالإضافة إلى أنها طبعة رديئة، بالرغم من ذلك تلقى إقبالا كبيرا من جانب مختلف قطاعات الجماهير.
بدأت الفاجوارا توزيع رواية "حلم الكلتي" أولى أعمال بارجاس يوسا بعد إعلان فوزه بجائزة نوبل، في الثالث من تشرين ثان/ نوفمبر، الماضي، وبعد أقل من أسبوع، كانت النسخ المقرصنة، تملأ جميع أركان بيرو، ومن المستحيل الآن حصر عدد هذه النسخ، وبالرغم من أنه لا توجد فواتير أو إحصائيات رسمية، إلا أن التقارير تتحدث عن ما يقرب من 100 ألف نسخة، أي خمسة أضعاف نسخ الطبعة الأولى الرسمية التي طرحتها الفاجوارا في مسقط رأس الأديب.
يشار إلى أن البائع الذي تفاوضت (د.ب. أ) معه صوريا بزعم الحصول على الكتاب، يمارس هذا النشاط غير المشروع منذ سنوات في هذا الركن من المدينة منذ سنوات، ويمكن متابعته يوميا وهو يقوم بمساومة زبائنه في الحي الراقي، وبالرغم من أن الجميع يعلمون بعدم شرعية هذا النشاط إلا أنه مستمر فيه على مرأى ومسمع من الجميع، وهو بالطبع ليس الوحيد في هذا المجال.
هناك المئات من الباعة الذين يروجون لهذه البضاعة المقرصنة، ويكفي الوقوف في إحدى إشارات المرور حتى يتعرض المرء إلى هجوم الباعة الجائلين وفي مقدمتهم مروجي الكتب المقرصنة، أما في أحياء وسط العاصمة ليما مثل حي سان ايسيدرو فيعرض الباعة الصنفين المقرصنة والشرعية حسب الظروف ومزاج الزبون، فإذا اشتكى المشتري من ارتفاع الأسعار فالبديل دائما موجود وبفارق كبير. ومع ذلك فالمشكلة ليست في نقص القوانين والتشريعات، بل في عدم تنفيذها.
في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أكد وزير الثقافة البيرواني خوان أوسيو أن "لدينا التزام كامل بالتصدي لهذه الظاهرة السيئة". يعتبر أوسيو من الأصدقاء المقربين لبارجاس يوسا، وعقب ما حدث مع آخر رواياته، تعهد بالتنسيق مع كافة مؤسسات الدولة لمكافحة ظاهرة القرصنة الثقافية.
وضرب أوسيو مثالا على ذلك بوزير الداخلية السابق، فرناندو باريوس، الذي في بادرة غير مألوفة لجهاز الشرطة قرر توجيه ضربة قوية ومباشرة لمصادر هذه الأنشطة غير المشروعة من خلال مهاجمة المطابع غير القانونية.
أسفرت هذه العملية عن مصادرة مئات الآلاف من نسخ رواية يوسا الأخيرة – لم يتحدد عددها الفعلي رسميا-، وفقا لتقارير الشرطة، إلا أن هذا النجاح كان نسبيا وهو ما يتجلى بوضوح في استمرار صدور النسخ المقرصنة لتصبح في متناول أيدي الجميع.
بعيدا عن الأدب والقرصنة، بعد كل هذا المديح والإشادة من جانب أوسيو، لكفاءة باريوس في التصدي للقرصنة الأدبية، تم إثبات تورط وزير الداخلية السابق في أنشطة فساد، حيث تبين أنه كان قد فصل من عمله السابق في رئاسة هيئة التأمينات الاجتماعية، بسبب تقاضيه تعويضات غير قانونية، ومن ثم يرى المحللون أن المسألة تتجاوز مجرد ظاهرة فردية لتصبح "أزمة ضمير" جذورها ضاربة لأبعد مدى.
وفقا لتقارير صحفية، حديثة تقدر خسائر الدولة جراء أنشطة القرصنة الفكرية غير الشرعية، بما يربو على تسعة ملايين دولار سنويا، فيما ترى مصادر أخرى أن هذا الحصيلة متواضعة للغاية وأن الرقم أكبر بكثير، يضاف إليه أيضا خسائر المكتبات ودور النشر والمؤلفين وجميع العاملين في هذا المجال تحت مظلة الشرعية.
من جانبها، تقدر ليليانا مينايا، مدير غرفة الكتاب البيروانية أن حجم النشاط غير الشرعي في سوق الانتاج الأدبي يتجاوز 40% من حجمه، أما المتحدث باسم دار نشر الفاجوارا في بيرو فيرى أن النسبة في الواقع تقدر بـ7 نسخة مقرصنة إلى واحد فقط شرعي.
بالرغم من ذلك، يعكس إقبال الجمهور وموقفه أن هذا الوضع يعد هينا بالنسبة للكتاب مقارنة بقطاعات أخرى، حيث تصل النسبة إلى 95% في مجال الموسيقى مثلا حيث لا تتجاوز المبيعات الشرعية الـ5%، وتتجلى المأساة بأبعادها الحقيقية في قطاع السينما.
وأطلقت الدولة مؤخرا حملات مكثفة لتوعية المواطنين بأن بيع أو شراء أعمال مقرصنة يعد جريمة، إلا أن نتائجها لا تزال محدودة للغاية، فيما كشفت دراسة أعدتها جامعة سان ماركوس الوطنية أن 63% يجهلون أن الملكية الفكرية أصبحت تمثل حقا من حقوق الإنسان وان انتهاكها جريمة دستورية يعاقب عليها القانون