| | |||
من منظور أنقرة، شكل الحكم في سوريا شأن يخص السوريين، لكنها تعتبر وحدة الأراضي السورية خطًا أحمر. فمنذ 2011، اعتمدت تركيا دعمها السياسي والعسكري والإنساني للثورة على هدف واحد: بقاء سوريا موحدة ومركزية، لأن وجود إدارة قوية في دمشق يُعدّ الضمان الأنجع لمنع قيام كيان مسلح تابع لـPKK/PYD على حدودها الجنوبية. كما ترى أن مركزية الدولة السورية تتيح التعامل مع طرف رسمي موحد وتفتح الباب للتكامل الاقتصادي مستقبلاً.
خلفية خطة الفيدرالية
فكرة الفيدرالية ليست جديدة. فقد طُرحت سابقًا من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الأوروبيين كـ“حل فيدرالي” يقوم على ترسيخ الانقسامات العرقية والمذهبية، عبر توزيع جغرافي للسلطة: منطقة كردية في الشمال الشرقي يسيطر عليها الـPYD، ومنطقة علوية في الساحل ودمشق، وإدارة سنية في حلب، ومنطقة جنوبية تحت التأثير الإسرائيلي. غير أن تركيا رأت منذ البداية أن هذا المشروع تهديد مباشر لأمنها القومي، إذ يمنح الـPKK عمقًا جغرافيًا على حدودها. لذلك تبنّت أنقرة سياسة استباقية لدعم وحدة الأراضي السورية ومنع منح الفيدرالية أي شرعية دولية.
الخطة الإسرائيلية الجديدة
المقترح الإسرائيلي الحالي أكثر تعقيدًا، إذ يقسم سوريا إلى أربع مناطق ذات حكم ذاتي:
1. إدارة سنية في الشمال (حلب مركزها).
2. منطقة شرقية خاضعة لـPKK/PYD.
3. جنوب (درعا–القنيطرة–السويداء) تحت النفوذ الإسرائيلي.
4. إدارة علوية في دمشق والساحل.
وتبقى صلاحيات الأمن والسياسة الخارجية شكليًا بيد دمشق، بينما تُمنح الإدارات المحلية سلطات واسعة. يُسوّق الغرب هذه الفكرة كـ“نموذج توازن إداري يضمن السلام”، لكنها في جوهرها تمهّد لتقسيم دائم.
تدعم إسرائيل الخطة لأن سوريا مركزية ومستقرة بدعم تركي تمثل خطرًا جيوسياسيًا على تل أبيب، إذ يمكن أن توسّع نفوذ تركيا في العالم العربي وتعزز موقعها في معادلة شرق المتوسط وفي القضية الفلسطينية. لذا تسعى إسرائيل لترويج الفيدرالية تحت شعار “الحل الديمقراطي”، في محاولة لإضعاف سوريا ومنع بروز دور تركي مؤثر.
الموقف الروسي–الإيراني–الصيني
هذه القوى، رغم دعمها السابق للأسد، أصبحت أكثر براغماتية بعد خسارتها لنفوذها الكامل في سوريا ما بعد الثورة. وترى في الفيدرالية فرصة لتقاسم مناطق النفوذ مع تراجع المركزية. لكن هذا التوجه يتعارض جذريًا مع رؤية تركيا، التي تعتبر الفيدرالية خطرًا مزدوجًا: إذ تُعيد تأجيج الانقسامات الطائفية وتخلق بيئة خصبة للراديكاليين.
دور دمشق والبرلمان الجديد
بعد 8 كانون الأول/ديسمبر، أصبح البرلمان المنتخب حديثًا أداة سياسية يمكن أن يستخدمها الرئيس أحمد الشرع لمقاومة الضغوط نحو الفيدرالية. فبدلًا من رفض مباشر قد يثير العقوبات الغربية، يمكنه الاستناد إلى البرلمان للتعبير عن “إرادة الشعب الرافضة للفيدرالية”، ما يمنحه غطاءً داخليًا وخارجيًا. هذا الموقف يخدم أيضًا الاستراتيجية التركية القائمة على الدفاع عن وحدة سوريا.
الخلاصة
النقاش الدائر حول “الفيدرالية السورية” ليس مشروع إصلاح إداري، بل أداة لإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي.
إسرائيل تسعى إلى سوريا ضعيفة ومنقسمة يسهل التحكم بها، بينما تعمل تركيا على دعم سوريا قوية ومركزية ومستقرة.
هاتان الرؤيتان تمثلان نهجين متناقضين:
• الأول هو “فوضى مُدارة” وفق العقيدة الإسرائيلية،
• والثاني هو “دبلوماسية الوحدة” التي تتبناها تركيا.
مستقبل سوريا سيتحدد بين هذين المسارين، وتركيا ستواصل مقاومة أي مشروع فيدرالي لأنه يعني ولادة جديدة للتطرف والحروب بالوكالة، في حين أن سوريا الموحدة تمثل عنصر توازن واستقرار يخدم الأمن
الإقليمي والاقتصادي التركي
----------------------------------
فقرات مختارة من مقال كاتب تركي


الصفحات
سياسة









