تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

أعيدوا لنا العلم

18/09/2025 - أحمد أبازيد

عودة روسية قوية إلى سوريا

17/09/2025 - بكر صدقي

لعبة إسرائيل في سوريا

10/09/2025 - غازي العريضي

من التهميش إلى الفاشية

10/09/2025 - انس حمدون

الوطنية السورية وبدائلها

04/09/2025 - ياسين الحاج صالح


الجزائريون يتأهبون لركوب المترو بعد ثلاثة عقود من الانتظار




الجزائر - :يوسف تازير - يترقب الجزائريون بشغف استلام مشروع "مترو الجزائر" وانطلاق أول رحلاته، بعد ثلاثة عقود من الانتظار، كبرت معه أجيال ورحلت أخرى دون أن ترى عرباته تخرج من نفق مظلم امتد لفترة 28 عاما، بعدما استهلك مئات ملايين الدولارات وفشل في فك معضلة الازدحام الذي يخنق العاصمة وقاطنيها يوميا.


الجزائريون يتأهبون لركوب المترو بعد ثلاثة عقود من الانتظار
أعادت التصريحات الأخيرة لوزير النقل الجزائري،الأمل، لسكان ومرتادي العاصمة الجزائر، في ركوب عربات مترو الأنفاق، ابتداء من الفاتح من تشرين ثان/ نوفمبر القادم المصادف لذكرى الـ57 لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية، ويكتفي السكان خلال السهرات الرمضانية بزيارة مختلف المحطات التي انتهت بها الأشغال، في إطار الأبواب المفتوحة التي تنظمها السلطات، في محاولة لـ إبهار "الزوار" بالمستوى الفني والتقني الحديث الذي أنجز به المشروع، والاحتكاك عن قرب بالعربات المتنقلة عبر مختلف المحطات في مرحلة التجارب التقنية التي انطلقت منذ أكثر ثلاثة أشهر.

يعود تاريخ تسجيل مشروع "مترو الجزائر"، إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما وضعت الحكومة عددا من المشاريع الكبرى في أجندتها، كان أهمها في قطاع النقل "مترو الجزائر العاصمة"، الذي كان الأول من نوعه على مستوى القارة الإفريقية والوطن العربي، قبل مشروع "مترو القاهرة" الذي أنجز سنة 1987.

انطلقت أول عمليات أشغال الإنجاز سنة 1983، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها انهيار أسعار النفط، أخلطت أوراق الحكومة التي تبني ميزانية إنفاقها على أساس سعر برميل النفط في الأسواق العالمية، وببلوغ هذا الأخير سعر اقل من 18 دولارا آنذاك، اضطرت الجزائر للتخلي عن مشروع "المترو" مؤقتا.

وحاولت الحكومة في بداية التسعينيات بعث المشروع، إلا أن العراقيل البيروقراطية وعدم جدية المسؤولين بالإضافة إلى افتقاد الشركات المحلية المكلفة بالانجاز للخبرة المطلوبة، حال دون إحراز تقدم يذكر، في حين التهم المشروع عشرات الملايين من الدولارات، وأقيل بسببه أيضا عدد قياسي من المسؤولين القائمين على المشروع.

وعند استلامه للسلطة عام 1999، وضع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة نصب عينيه تجسيد المشاريع الكبرى التي تم تجميدها بداية الثمانينيات،منها مشروع مترو الجزائر، واستعان بعدة عوامل توفرت مجتمعة، أهمها استعادة البلاد الأمن والاستقرار والارتفاع القياسي لسعر برميل النفط، لإعادة بعث المشروع .

لا يريد احد من المسؤولين الجزائريين الخوض في مسألة الأغلفة المالية التي التهمها المشروع منذ انطلاقته سنة 1983 ، وتبقى الفترة الممتدة بين هذه السنة إلى غاية 1999، نقطة سوداء في التسيير المالي والإداري، وحجة هؤلاء الذي تحدثنا إليهم كون "الفترة الجدية بدأت مع إقرار الرئيس بوتفليقة بعث المشروع، أما ما قبلها فهو لا يعدو أن يكون حديث عن ماضي كان له مسؤوله ومشاكله وأزماته المتعددة الأوجه".

ويجمع اغلب المسؤولين انه من غير المجدي النبش في ذلك الماضي "غير الجميل" وضرورة التركيز على المستقبل. غير أن المتداول هو وجود سوء تسيير مفضوح للمال العام ، وتحدثت تسريبات غير رسمية أن المخصصات المالية الكبيرة غالبا ما كانت تحول دون حسيب ولا رقيب في عشرية يسميها الجزائريون اصطلاحا بـ"العشرية السوداء"، من أهم مميزاتها استحالة على الدولة أو الحكومة مراقبة كل مشاريعها بفعل انشغالها بإعادة الأمن والاستقرار للبلاد.

وتكشف الإحصائيات الرسمية إن مشروع المترو، خصصت له الدولة منذ 1999 مخصصات مالية هامة في إطار المخطط الخماسي لدعم الإنعاش الاقتصادي (2000 - 2005) ومخطط دعم النمو( 2005 - 2009)، وصلت إلى 1ر2 مليار دولار، فيما سيتم تمويل أشغال التمديدات الثلاثة الأخرى في إطار البرنامج الخماسي للفترة 2010-2014،لتصل تكلفته الإجمالية إلى 85ر1 مليار دولار.

شكل تنظيم أبواب مفتوحة لصالح عموم المواطنين لزيارة أهم محطات المترو، فرصة للالتقاء بعديد العائلات والزوار من مختلف الفئات العمرية ، مما يعكس بلا شك مدى شغف وانتظار الجزائريين كلهم لركوب أولى رحلات المترو. وأول ما لفت انتباهنا مجموعة من الشباب في منتصف العشرينيات من العمر، كانوا بصدد أخذ صور لهم داخل العربات المتوقفة بمحطة "البريد المركزي"، سألناهم عن انطباعهم حول وسيلة النقل الجديدة ،فأجابونا كلهم برد واحد" إنها مفخرة لنا كلنا أن تدخل هذه الوسيلة الحديثة الخدمة بعد شهرين ، فهي من الجيل الجديد وتجعلنا نحلم بأننا في دولة أوربية ". وقاطعنا شاب كان يجلس بالقرب من مكان تواجدنا وهو مبهور بالعربات الزرقاء التي كانت تمر كالبرق من الجانب الآخر، معلقا "العاقبة عندما نكون داخل العربات المتحركة، سيكون ذلك بحق مفخرة لنا كشباب في بلد نريده دائما جميلا بهذه الصفة".

في الطابق الأرضي الأول، حيث شبابيك التذاكر والأروقة المؤدية إلى المحلات وقاعات الشاي، ومنها إلى خارج المحطة، التقينا بيوسف رفقة زوجته وابنه وهم يشرحون الصور التي تروي تاريخ المشروع منذ الثمانينيات ،سنة بسنة، وراح الزوجان يتذكران تلك الأيام فقطعنا حبل ذكرياتهما لنعود بهما إلى الواقع ، فقال الزوج "إنها حقا مسيرة عمر ولكن نحمد الله أننا رأينا الحلم يتحقق، وإذا كان والدي قد حدثني عن المشروع ورحل دون أن يراه، فانا اليوم محظوظ مع ابني ويمكنني أن أطمئن بأنه سيركب هذه العربات اليوم، وسيكبر معه كإنجار وليس كحلم كما كبر معه والداه". شرد ذهنه قليلا ثم أردف مبتسما "هرمنا من اجل هذه اللحظة".

وتقول سميحة وهي طالبة ثانوية "المترو مفخرة حقيقية لأبناء جيلي ولكل الجزائريين الذين يحق لهم اليوم أن يتباهوا به أمام نظرائهم من باقي البلدان في انتظار أن يتم توسيعه إلى محطات أخرى حتى يستفيد من خدماته اكبر عدد من المواطنين".

أما السيدة نعيمة التي رافقت زوجها ، فأعربت عن اندهاشها من الإنجاز النوعي فيما يخص الجانب الجمالي داخل المحطة والتجهيزات الموجودة بداخلها، وكذا مجموعة الاختيارات الممنوحة للزبون فيما يخص اقتناء التذاكر، ولم تجد ما تعبر به سوى القول "إنني فخورة جدا بهذا الإنجاز ....انه رائع بحق".

وعلق مراد وزميل له في العمل على المترو من جانبه "النفعي"، وقالا أنهما ينتظران بشغف دخوله الخدمة للقضاء غلى شبح التأخيرات المتكررة عن موعد العمل بسبب الزحمة الكبيرة التي تعرفها مختلف طرق وشوارع العاصمة.

يجتهد عمار تو، وزير النقل، في كل مرة على طمأنة الجميع والتقليل من مخاوف انعدام الأمن في مترو الأنفاق، وشدد على أنه يتوفر على أقصى درجات الأمن ويعتمد الإجراءات الأكثر فعالية المطبقة عالميا، حيث يعمل في مختلف محطاته 400 عون امن تابعين للشرطة و 400 حارس تلقوا تكوينا خاصا. وأكد تو، بان العملية ستستمر من اجل ضمان العدد الكافي من الأعوان على مستوى باقي المحطات المرتقب تسلمها خلال السنوات القادمة، ناهيك عن تواجد أعوان الحماية المدنية واعتماد مخارج متعددة لامتصاص أي دخان قد ينبعث من العربات، يضاف له المراقبة المستمرة بالكاميرات من خلال مراكز المراقبة المتواجدة داخل كل محطة والمحطة المركزية المتواجدة بحي "العناصر" يتراوح عددها ما بين 24 و30 كاميرا في كل محطة.

ولم يجد تو، حرجا في الافتخار بنوعية الخدمات الراقية المتواجدة داخل كل محطة ومن بينها الموزع الآلي للتذاكر وكيفية المرور منها إلى العربات ممازحا المواطنين بقوله "إن الجهاز لا يمكنه إن يسدي خدمة لأي من معارفه بالسماح له بالمرور دون أن يدفع ثمن التذكرة".

وكان الحرس المقرب من الوزير في "خرجاته الميدانية" يحرص في كل تنقل له بين العربات وجوانب المحطة على توفير المساحة اللازمة لتنقله خشية تكرار ما حدث له في إحدى محطات "ترامواي الجزائر" عندما تعثر وسقط أرضا وأصيب بكدمة في يده.. وكأن عين حاسدا أصابته.

يعتبر "مترو الجزائر" من أهم مشاريع قطاع النقل في الجزائر إلى جانب الطريق السيار "شرق غرب" الذي أطلق عليه اصطلاحا "مشروع القرن" كونه يمتد على مسافة بأكثر من 1200 كيلومتر ويربط شرق البلاد بغربها، وسيسمح المترو بالتخفيف من الازدحام الخانق الذي تشهده العاصمة الجزائرية خاصة بوسطها، إذ سيتيح نقل 41 ألف مسافر قي الساعة في الاتجاهين،أي حوالي 150 مليون شخص في السنة، يضمنها 14 قطارا بطول 108 متر بـ 6 عربات لكل قطار ، ويتسع لـ 1206 راكب، بينهم 208 جلوس، يبدأ الخدمة من الخامسة صباحا حتى الحادية عشر ليلا،ويكون الفاصل الزمني بين مرور عربة و أخرى دقيقتين.

وتزيد أهمية المشروع من كون الخط الحالي الذي يضم عشر محطات من حي "البدر" إلى ساحة "البريد المركزي" على مسافة 5ر9 كيلومتر، سيعرف توسعة أولى يشرف عليها مجمع فرنسي-ألماني-إيطالي، عبر جسر يبلغ طوله 250 مترا يمر بباش جراح اتجاه الحراش، أما التوسعة الثانية، فستكون بين محطة البريد المركزي باتجاه محطة ساحة الشهداء يشرف عليه مجمع جزائري-برتغالي-برازيلي وتكون التوسعة الثالثة من حي "البدر" إلى حي "عين النعجة". كما يتضمن المشروع عدة عمليات توسعة لبلوغ عام 2020 شبكة طولها 40 كيلومترا تربط بلدتي الدار البيضاء ودرارية.

وفي انتظار تحديد ثمن التذكرة والجوانب الملحقة الأخرى، يبقى الجزائريون يتلهفون لهذه اللحظة التي انتظروها..عقودا كاملة.

:يوسف تازير
الاثنين 29 أغسطس 2011