
عبدالعزيز بلخادم امين عام حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر
يحدث هذا الجدل على مرأى و مسمع جيل من الشباب يمثل الغالبية الساحقة من المجتمع لم يعد يؤمن بـ "التاريخ المجيد" الذي قدّمته له السلطة في شكل برامج مدرسية مثلما سوقته في شكل روايات يعتبرها بعض المؤرخين من أصحاب الفحص العلمي لحقائق الماضي إنها "هي و الأسطورة مرادفان".
"نرجو من أصحاب تاريخ الجزائر و مجدها أن يكفوا عن استفزازنا بخرجاتهم التي لا تزيدنا إلا مقتا للماضي و تنصلا منه، و يبحثوا عن خشبات أخرى يعرضون عليها مسرحياتهم التي تجازوها الزمن كما تجاوز التاريخ الذي يتحدثون عنه" هكذا يجيب حكيم / 26 عاما/ الموظف في إحدى الهيئات الحكومية بالجزائر العاصمة، حينما سألناه عن رأيه في الجدل القائم و "حرب" المذكرات التي طفت على السطح في السنوات الأخيرة.
يربط حكيم الجدل التاريخي الحاصل بـ "الصراع من أجل البقاء في السلطة، و محاولة البعض ركوب أمجاد التاريخ من بوابته الضيقة و لو على حساب الحقيقة".
ويقول "قصد ضمان استمرارية البقاء في دواليب السلطة و تسليم المشعل لأقاربهم بعد أن بلغوا عتبات الموت، بدأ بعض المجاهدين في تنفيذ سيناريو جديد يشكل شرعية ثورية مكررة تضمن لأبنائهم و حاشيتهم ، تبوأ المناصب السامية في الدولة لنصف قرن آخر".
وعلى نهج حكيم، يرصد خالد / 30 عاما / تجربته وقال " حاولت إسقاط نماذج تسيير المسار المهني للموظفين المطبقة في الغرب على منطق التعيينات و الترقيات في الجزائر، فلم أجد مكانا لها إلا في أدراج ذهني، و بالضبط في درج الأحلام و الأمنيات، لأنني اصطدمت بواقع يرفض أن يكون الشاب في الطليعة...،و كأن الشباب في تصورات مسؤولينا ليس هو الذي صنع ملحمة الجزائر بالأمس لما كانت تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، و ليس هو الذي هندس لأكبر و أعظم ثورة في التاريخ الحديث، و ليس هو الذي حرر بيان أول نوفمبر و خطط لمؤتمر الصومام و ما انبثق عنهما من مبادئ و أسس تنكر لها الكثير في لحظة طيش بسبب متاع الدنيا و حب جامح للسلطة".
وبحسرة و ملامح الغضب بادية على وجهه، يضيف خالد "المفارقة التي ربما لا تحدث إلا في أرض المليون و نصف المليون شهيد هي أن الجزائر التي يبدو إنها لا تتردد في اغتيال أحلام شبابها هي نفس البلد الذي يقوده رئيس كان بعد الاستقلال عام 1962 نائبا في أول مجلس تأسيسي وطني و هو ابن الخامسة و العشرين، و في نفس السنة عين وزيرا للشباب و السياحة في أول حكومة جزائرية، ليعين بعد سنة واحدة أي في سن السادسة و العشرين من عمره وزيرا للخارجية، و ذلك في تواز مع مشوار سياسي آخر أكثر تقدما بتعيينه عضوا في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني عام 1964، أي لما كان عمره 27 سنة و فقط".
ويخلص خالد بالقول:"أن مكمن العلة الكبرى في الجزائر هي إن الغالبية المطلقة من الشعب شباب، و الغالبية المطلقة من المسؤولين شيوخ، شباب له تطلعات أخرى و حياة أخرى و فكر آخر، و شيوخ لا زالوا يهضمون أوهام الماضي و يرتلون ملحمة المجد الضائع، و يقدمون أنفسهم في صورة الأبطال و الزعماء و القادة الذين يستصدرون باسم الثورة و شرعيتها صكوك غفران عند كل تعدّ و عند كل جرم و جنحة بل و حتى مخالفة سير".
بين رفوف مكتبة الجامعية المركزية وسط العاصمة الجزائرية، التقينا بأنيسة/ 23 عاما/، و هي بصدد تصفح كتاب عن تاريخ "النازية في أوروبا"، حينما فاجأئاها بسؤال حول موقفها عن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة ،أحمد بن بلة، بشأن الثورة التحريرية ( من 1954 إلى 1962)، معتبرة إياها بـ "رقصة انتهت موضتها في 2011"، مضيفة " نحن اليوم أمام جيل قد لا يعرف حتى من هو بن بلة و لا عن من يتحدث أيضا، نريد أن نتخلص من هؤلاء من ذاكرتنا، نريد مستقبلا من دون أوجه عمرت في أذهاننا و أذهان آبائنا و أجدادنا. نريد أن نتحرر بالفعل".
يكتب المدون السياسي ،محمد سلامنة، على صفحته الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" قائلا:"هناك نوعان من التاريخ، هناك التاريخ الذي يطلق عليه التاريخ الرسمي والذي نقحه مؤرخو البلاط ليخرجوه في صورة تمجد النظام وإتباعه، وهناك التاريخ الذي نعتز به والذي نكتشف جزءا يسيرا منه ويحتاج إلى أن نكون أكثر جرأة في طرحه وأكثر إلحاحا في البحث عنه وطلبه لأنه مصدر الهام للمستقبل".
غير أن زميله في التدوين الإلكتروني ،لساني سمير، لم يخف مخاوفه مما يسميه "المتاجرة بالتاريخ" لحساب أهداف سياسية ضيقة كما انه يخشى من أن "تختلط الأمور على الشباب بين تاريخ ناصع وبين المتاجرين به وبين وطن عظيم وبين مسؤولين مرتشين سارقين موبوئين بكل أوبئة الزمن".
ويقول "المشكلة الكبرى هي أن المسؤولين لدينا لا يعترفون بأن هذا الشعب الذي يحكمونه و يمارسون الاغتيال المستمر لأحلامه و طموحاته هو شعب لم يعد له نفس التكوين و لا نفس التشكيلة و الذهنيات و الأفكار و الأحلام و الطموحات و غير ذلك مما عايشوه يوم وصلوا هم للحكم و أمسكوا بالسلطة. اليوم في الجزائر شباب يقدس التاريخ و يمجد الثورة، و لكن التاريخ الحقيقي الذي لم يكشف بعد و الثورة الحقيقية التي انقضت و انقضى معها صناعها الحقيقيون. شباب يريد لنفسه حياة أخرى، و مستقبلا آخر: حياة يبنيها هو و مستقبلا يؤمن به، بل تاريخا آخر يصنعه و إن اقتضى الأمر ثورة أخرى".
يقر الوزير السابق و المجاهد عبد العزيز رحابي، أن الجيل الحالي من الشباب الذين عايشوا الإرهاصات الأولى لدخول الجزائر في الأزمة الاقتصادية مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ثم الأزمة السياسية و الأمنية التي تلتها في بداية التسعينيات "لم يعد يكترث لما حدث، و لم يعد يهمه من كان السبب في صناعة مآسيه و اغتيال أحلامه، جيل طوى صفحة الماضي المزور و نزع من ذهنه فضول اكتشاف حقائق لم تعد تنفعه في تخليصه مما هو فيه".
ويضيف رحابي "جيل اليوم في الجزائر لا يريد أن يقرأ عن بطولات ياسف سعدي (احد المجاهدين) و لا مجد زملائه القابعين في مجلس الأمة، و لا يريد أن يسمع عن شهامة مجلس الدولة بداية التسعينيات الذي انتهى باغتيال إرادة الشعب و سحق أحلامه و طموحاته إلى الأبد، بل يريد تاريخا يصنعه هو بنفسه، لا تاريخا يقدم له في شكل روايات و أساطير". ويستطرد قائلا "شباب الجزائر و مستقبله يريد حياة جديدة أخرى تتماشى و تطلعاته لعيش كريم و بيئة لائقة، و ليس وصاية تمارس عليه حتى اللحد".
يصف المؤرخ و الباحث في تاريخ الحركة السياسية و الثورة الجزائرية، عبد المجيد مرداسي، تبادل التهم بين من كانوا سابقا ضمن صفوف الثورة لمحاربة المستعمر الفرنسي بـ "جدل المسنين"، وسط إجماع بين الشباب الذين يمثلون 75 في المئة من إجمالي سكان البلاد بـ "جهلهم لتاريخ الحركة الوطنية و أهم رهانات ثورة 1954 التي توجت بإعلان استقلال الجزائر عن فرنسا بعد سبع سنوات من الكفاح المسلح"، مستطردا:"بعبارة بسيطة اسم ياسف سعدي (أحد مفجري الجدل التاريخي) ليس لديه أي صدى في الأوساط الشبابية".
ويرى المؤرخ أن الظرف التاريخي و تكرار مثل هذه الاتهامات تتزامن مع ما يسميه بـ "تفكك غير مسبوق للروابط الوطنية" القائمة على أساس الثوابت المشتركة و الشعور بالهوية الوطنية، مشيرا إلى أن مثل هذا الجدل ليس وليد اليوم بل هو نتاج احتكار السلطة للتاريخ الذي وظفته لسنوات انطلاقا من مبدأ الشرعية الثورية للبقاء في الحكم، بالموازاة مع تراكم لمسار انطلق منذ ثلاثة عقود بدأ بصراع للنخب المعربة أواخر السبعينيات من القرن الماضي مرورا بمطالب الأزمة البربرية (الأمازيغ) وصولا إلى العنف الاسلاماوي. تراكمات يذكر مرداسي أنها أنجبت جيلا مشككا في الهوية الوطنية بلغت حد المقاطعة لكل ما يرمز إلى الماضي.
ويعزو مرداسي السبب في تفجير مثل هذه المشاكل، إلى فترة ما بعد الاستقلال، أين تم تناقل الأطروحة "الكاذبة"، المتمثلة في أن البطل الوحيد للثورة هو الشعب المجيد، أين تم إلغاء الأفراد الذين ظلوا غير بارزين، وهذا ما يغطي واقع الحرب. مضيفا أنه تم الانتقال من هذه الأطروحة إلى الشهادات الفردية لضباط وإطارات بدأوا في طرح مذكراتهم كل على حدى.
ويرى أن الجدل الدائر مؤخرا، ليس سوى حدث هامشي، حيث قال "أنا كباحث أغتنم الفرصة لأقول كفانا كذبا ومراقبة للأرشيف دعوا الناس تعرف الحقيقة". مشيرا أن هناك من يمنع المساس بالدولة الاستعمارية، لأنه ليس من مصلحته كشف جرائم فرنسا لان ذلك سيؤثر على تجارته.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هل ينجح شباب الجزائر في التطلع إلى المستقبل الذي يحلم به دون معرفة ماضيه أو تاريخه ودون الاتعاظ من تجارب و دروس أجداده وآبائه؟
"نرجو من أصحاب تاريخ الجزائر و مجدها أن يكفوا عن استفزازنا بخرجاتهم التي لا تزيدنا إلا مقتا للماضي و تنصلا منه، و يبحثوا عن خشبات أخرى يعرضون عليها مسرحياتهم التي تجازوها الزمن كما تجاوز التاريخ الذي يتحدثون عنه" هكذا يجيب حكيم / 26 عاما/ الموظف في إحدى الهيئات الحكومية بالجزائر العاصمة، حينما سألناه عن رأيه في الجدل القائم و "حرب" المذكرات التي طفت على السطح في السنوات الأخيرة.
يربط حكيم الجدل التاريخي الحاصل بـ "الصراع من أجل البقاء في السلطة، و محاولة البعض ركوب أمجاد التاريخ من بوابته الضيقة و لو على حساب الحقيقة".
ويقول "قصد ضمان استمرارية البقاء في دواليب السلطة و تسليم المشعل لأقاربهم بعد أن بلغوا عتبات الموت، بدأ بعض المجاهدين في تنفيذ سيناريو جديد يشكل شرعية ثورية مكررة تضمن لأبنائهم و حاشيتهم ، تبوأ المناصب السامية في الدولة لنصف قرن آخر".
وعلى نهج حكيم، يرصد خالد / 30 عاما / تجربته وقال " حاولت إسقاط نماذج تسيير المسار المهني للموظفين المطبقة في الغرب على منطق التعيينات و الترقيات في الجزائر، فلم أجد مكانا لها إلا في أدراج ذهني، و بالضبط في درج الأحلام و الأمنيات، لأنني اصطدمت بواقع يرفض أن يكون الشاب في الطليعة...،و كأن الشباب في تصورات مسؤولينا ليس هو الذي صنع ملحمة الجزائر بالأمس لما كانت تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، و ليس هو الذي هندس لأكبر و أعظم ثورة في التاريخ الحديث، و ليس هو الذي حرر بيان أول نوفمبر و خطط لمؤتمر الصومام و ما انبثق عنهما من مبادئ و أسس تنكر لها الكثير في لحظة طيش بسبب متاع الدنيا و حب جامح للسلطة".
وبحسرة و ملامح الغضب بادية على وجهه، يضيف خالد "المفارقة التي ربما لا تحدث إلا في أرض المليون و نصف المليون شهيد هي أن الجزائر التي يبدو إنها لا تتردد في اغتيال أحلام شبابها هي نفس البلد الذي يقوده رئيس كان بعد الاستقلال عام 1962 نائبا في أول مجلس تأسيسي وطني و هو ابن الخامسة و العشرين، و في نفس السنة عين وزيرا للشباب و السياحة في أول حكومة جزائرية، ليعين بعد سنة واحدة أي في سن السادسة و العشرين من عمره وزيرا للخارجية، و ذلك في تواز مع مشوار سياسي آخر أكثر تقدما بتعيينه عضوا في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني عام 1964، أي لما كان عمره 27 سنة و فقط".
ويخلص خالد بالقول:"أن مكمن العلة الكبرى في الجزائر هي إن الغالبية المطلقة من الشعب شباب، و الغالبية المطلقة من المسؤولين شيوخ، شباب له تطلعات أخرى و حياة أخرى و فكر آخر، و شيوخ لا زالوا يهضمون أوهام الماضي و يرتلون ملحمة المجد الضائع، و يقدمون أنفسهم في صورة الأبطال و الزعماء و القادة الذين يستصدرون باسم الثورة و شرعيتها صكوك غفران عند كل تعدّ و عند كل جرم و جنحة بل و حتى مخالفة سير".
بين رفوف مكتبة الجامعية المركزية وسط العاصمة الجزائرية، التقينا بأنيسة/ 23 عاما/، و هي بصدد تصفح كتاب عن تاريخ "النازية في أوروبا"، حينما فاجأئاها بسؤال حول موقفها عن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها أول رئيس للجمهورية الجزائرية المستقلة ،أحمد بن بلة، بشأن الثورة التحريرية ( من 1954 إلى 1962)، معتبرة إياها بـ "رقصة انتهت موضتها في 2011"، مضيفة " نحن اليوم أمام جيل قد لا يعرف حتى من هو بن بلة و لا عن من يتحدث أيضا، نريد أن نتخلص من هؤلاء من ذاكرتنا، نريد مستقبلا من دون أوجه عمرت في أذهاننا و أذهان آبائنا و أجدادنا. نريد أن نتحرر بالفعل".
يكتب المدون السياسي ،محمد سلامنة، على صفحته الخاصة على شبكة التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" قائلا:"هناك نوعان من التاريخ، هناك التاريخ الذي يطلق عليه التاريخ الرسمي والذي نقحه مؤرخو البلاط ليخرجوه في صورة تمجد النظام وإتباعه، وهناك التاريخ الذي نعتز به والذي نكتشف جزءا يسيرا منه ويحتاج إلى أن نكون أكثر جرأة في طرحه وأكثر إلحاحا في البحث عنه وطلبه لأنه مصدر الهام للمستقبل".
غير أن زميله في التدوين الإلكتروني ،لساني سمير، لم يخف مخاوفه مما يسميه "المتاجرة بالتاريخ" لحساب أهداف سياسية ضيقة كما انه يخشى من أن "تختلط الأمور على الشباب بين تاريخ ناصع وبين المتاجرين به وبين وطن عظيم وبين مسؤولين مرتشين سارقين موبوئين بكل أوبئة الزمن".
ويقول "المشكلة الكبرى هي أن المسؤولين لدينا لا يعترفون بأن هذا الشعب الذي يحكمونه و يمارسون الاغتيال المستمر لأحلامه و طموحاته هو شعب لم يعد له نفس التكوين و لا نفس التشكيلة و الذهنيات و الأفكار و الأحلام و الطموحات و غير ذلك مما عايشوه يوم وصلوا هم للحكم و أمسكوا بالسلطة. اليوم في الجزائر شباب يقدس التاريخ و يمجد الثورة، و لكن التاريخ الحقيقي الذي لم يكشف بعد و الثورة الحقيقية التي انقضت و انقضى معها صناعها الحقيقيون. شباب يريد لنفسه حياة أخرى، و مستقبلا آخر: حياة يبنيها هو و مستقبلا يؤمن به، بل تاريخا آخر يصنعه و إن اقتضى الأمر ثورة أخرى".
يقر الوزير السابق و المجاهد عبد العزيز رحابي، أن الجيل الحالي من الشباب الذين عايشوا الإرهاصات الأولى لدخول الجزائر في الأزمة الاقتصادية مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ثم الأزمة السياسية و الأمنية التي تلتها في بداية التسعينيات "لم يعد يكترث لما حدث، و لم يعد يهمه من كان السبب في صناعة مآسيه و اغتيال أحلامه، جيل طوى صفحة الماضي المزور و نزع من ذهنه فضول اكتشاف حقائق لم تعد تنفعه في تخليصه مما هو فيه".
ويضيف رحابي "جيل اليوم في الجزائر لا يريد أن يقرأ عن بطولات ياسف سعدي (احد المجاهدين) و لا مجد زملائه القابعين في مجلس الأمة، و لا يريد أن يسمع عن شهامة مجلس الدولة بداية التسعينيات الذي انتهى باغتيال إرادة الشعب و سحق أحلامه و طموحاته إلى الأبد، بل يريد تاريخا يصنعه هو بنفسه، لا تاريخا يقدم له في شكل روايات و أساطير". ويستطرد قائلا "شباب الجزائر و مستقبله يريد حياة جديدة أخرى تتماشى و تطلعاته لعيش كريم و بيئة لائقة، و ليس وصاية تمارس عليه حتى اللحد".
يصف المؤرخ و الباحث في تاريخ الحركة السياسية و الثورة الجزائرية، عبد المجيد مرداسي، تبادل التهم بين من كانوا سابقا ضمن صفوف الثورة لمحاربة المستعمر الفرنسي بـ "جدل المسنين"، وسط إجماع بين الشباب الذين يمثلون 75 في المئة من إجمالي سكان البلاد بـ "جهلهم لتاريخ الحركة الوطنية و أهم رهانات ثورة 1954 التي توجت بإعلان استقلال الجزائر عن فرنسا بعد سبع سنوات من الكفاح المسلح"، مستطردا:"بعبارة بسيطة اسم ياسف سعدي (أحد مفجري الجدل التاريخي) ليس لديه أي صدى في الأوساط الشبابية".
ويرى المؤرخ أن الظرف التاريخي و تكرار مثل هذه الاتهامات تتزامن مع ما يسميه بـ "تفكك غير مسبوق للروابط الوطنية" القائمة على أساس الثوابت المشتركة و الشعور بالهوية الوطنية، مشيرا إلى أن مثل هذا الجدل ليس وليد اليوم بل هو نتاج احتكار السلطة للتاريخ الذي وظفته لسنوات انطلاقا من مبدأ الشرعية الثورية للبقاء في الحكم، بالموازاة مع تراكم لمسار انطلق منذ ثلاثة عقود بدأ بصراع للنخب المعربة أواخر السبعينيات من القرن الماضي مرورا بمطالب الأزمة البربرية (الأمازيغ) وصولا إلى العنف الاسلاماوي. تراكمات يذكر مرداسي أنها أنجبت جيلا مشككا في الهوية الوطنية بلغت حد المقاطعة لكل ما يرمز إلى الماضي.
ويعزو مرداسي السبب في تفجير مثل هذه المشاكل، إلى فترة ما بعد الاستقلال، أين تم تناقل الأطروحة "الكاذبة"، المتمثلة في أن البطل الوحيد للثورة هو الشعب المجيد، أين تم إلغاء الأفراد الذين ظلوا غير بارزين، وهذا ما يغطي واقع الحرب. مضيفا أنه تم الانتقال من هذه الأطروحة إلى الشهادات الفردية لضباط وإطارات بدأوا في طرح مذكراتهم كل على حدى.
ويرى أن الجدل الدائر مؤخرا، ليس سوى حدث هامشي، حيث قال "أنا كباحث أغتنم الفرصة لأقول كفانا كذبا ومراقبة للأرشيف دعوا الناس تعرف الحقيقة". مشيرا أن هناك من يمنع المساس بالدولة الاستعمارية، لأنه ليس من مصلحته كشف جرائم فرنسا لان ذلك سيؤثر على تجارته.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هل ينجح شباب الجزائر في التطلع إلى المستقبل الذي يحلم به دون معرفة ماضيه أو تاريخه ودون الاتعاظ من تجارب و دروس أجداده وآبائه؟