تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


الرواية والغربة ......الكتابة في المنفى والصراع مع الآخر في ندوة لكبار الروائيين العرب في بيروت




بيروت - حسن عبّاس – تنظم وزارة الثقافة اللبنانية والنادي الثقافي العربي لقاءً أدبياً تحت عنوان "ملتقى الروائيين العرب". الملتقى يجمع كبار الروائيين العرب حول مواضيع متنوعة في مدينة بيروت في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب. الموضوع الأول تناول يوم الثلاثاء مساءً مسألة "الرواية والغربة".
تحلّقت مجموعة من كبار الروائيين العرب حول طاولة مستديرة لبحث بعض جوانب مسألة علاقة الرواية بالغربة. اجتمع الروائيون املي نصر الله، حبيب السالمي وبهاء طاهر في ندوة أدارها الشاعر والكاتب اللبناني اسكندر حبش


الروائية املي نصرالله
الروائية املي نصرالله
الحضور كان متحفزاً للقاء هذه الأعلام الأدبية، ومنتظراً بشغف ما سيقوله روائيون أحبّهم في موضوع يقلق نفوس كافة مواطني الدول العربية من المحيط الى الخليج. فالغربة هي الوجه الآخر البعيد عن الوطن للقمع السياسي وصعوبة العيش.
املي نصر الله
العرض الأول للمسألة تناولته الروائية اللبنانية املي نصر الله. عرّفها اسكندر حبش ككاتبة تربط عملية الكتابة بعامل الهجرة. فنصر الله التي بدأت عملها في مجال الصحافة كتبت روايتها الاولى "طيور ايلول" مدفوعة بمعايشتها الشخصية لتجربة الهجرة الصعبة.
الروائية اللبنانية اعتبرت ان موضوع اللقاء "عشت فيه وعاش فيّ زمناً". تساءلت عن سبب شعورها بأن الندوة موجهة إليها، فهي تردها الى الستينات من القرن الماضي، اي الى زمن كتابتها "طيور ايلول". في ذلك الزمن لم تكن قد عايشت بعد تجربة الهجرة شخصياً لكنها تأثرت بالأجواء الناتجة عن هجرة إخوة جدتها على محيطها العائلي.
تقول انه "كان اغتراب الأجيال القديمة حقيقياً"، فهم كانوا يرحلون ولا يرجعون. كانت وصغار العائلة يقيمون في الحزن والقلق، كما كل الحاضرين، امّا الغائبون "فيمكثون معنا وجوهاً تبهت ولا تشيخ".
استذكرت الكاتبة مشهداً "يستقر في الذاكرة"، وهو التقاء المسنين في مركز البريد الذي كان يسمى حينها "البوسطة". كان "البوسطجي" يأتي مرتين في الاسبوع راكباً على فرس بسبب وعورة الطرقات في ذلك الحين. كان يحمل لأهل القرية رسائل الأحبة التي تكون تارة محملة بالأخبار السارة والمعونة المادية، وطوراً ناقلة خبر غياب الأحباب الذي يتحول الى فاجعة.

كان يرجع بعض المغتربين ليزور الأهل ويبحث عن عروس مناسبة، وهي "حالة تكررت فصارت إطلالة فارس ما من وراء البحار حلم الصبايا والمراهقات". أما ما كان يحدث في عالم الغربة فكان يبقى في عالم الغيب.
لم تتوقف الهجرة مع جيل الأجداد، بل تواصلت وصولاً الى جيل الكاتبة واخوتها. "ومثلما سجل الأهل اسمي في دائرة النفوس حين ولادتي، سجلوني في دائرة الهجرة الاميركية". كانت دائرة الهجرة هذه تعرف بالـ"كوتا"، وقد دام هذا النظام سنوات. فعندما زفت دائرة الهجرة "النبأ السعيد" لأهل الكاتبة، كانت قد اكملت دراستها وتزوجت وانجبت ولدين.
"كأنما إرادة قدرية أقوى من إرادة الأجيال ظلت تتحكم بمصائرهم". تلك المشاهد كانت تتراكم في وعي ولاوعي الكاتبة حين كتبت "طيور أيلول". فهذه الرواية "تروي عن الناس المقيمين في الانتظار". قالت نصر الله انها لم تكن مهتمة بمداراة الأسلوب، بل كانت تسكب "حرقة الروح التي طافت بها النفس فراحت تتدفق"، وأنها حين كتابتها كانت تمسك دموعها في بعض الاوقات "لكي لا تسبق الحبر الى معانقة القرطاس".
لقد فكرت الروائية اللبنانية "بكل سذاجة" بكتابة رواية تحمل اسم "عودة طيور ايلول"، "إلا أن الرياح ظلت تهب في الواقع بما لا تشتهيه سفن الخيال". فبعد بدء الحرب اللبنانية الاهلية سنة 1975، تزايدت حركة الهجرة، و"كنت آنذاك زرت المغتربين وتعرفت على الناس الذين واكبوا خيالي". كانت تغتنم فرصة اللقاء بالأقارب، فتنبش الصناديق القديمة وتقرأ الرسائل المرسلة وتسمع رواياتهم واسلوبهم في القص.
ظلت هذه المشاعر تتراكم الى أن زار والديها اولادهم في كندا لأن زيارة الأبناء لهم في لبنان كان خطراً بسبب ظروف الحرب. عندها استطاعت تسجيل رؤية العالم في عيني رضوان ابو يوسف، بطل روايتها "الإقلاع عكس الزمن".
تعترف الكاتبة انها لم تهاجر بالمعنى المألوف للهجرة، ولكنها انتقالها من قرية الكفير الى بيروت جعلها تدرك معنى الإبتعاد عن "الأرض التي امتزجت ذرات كياني بذرات ترابها الأحمر".
في رواية "الجمر الأحمر"، تخلت الكاتبة عن الحنين وأدخلت عناصر جديدة الى النظرة الى المغترب والغربة من خلال اسلوب السخرية. وفي روايتها "ما حدث في جزر تامايا"، وتامايا هو اسم وهمي لمكان حيث تدور الأحداث في إحدى جزر الكاريبي، استندت الى لقاء بعض ابناء قريتها إضافة الى قراءتها بعض رسائل المهاجرين.
هذه هي رواياتها الأربع التي تدور حول الهجرة. ختمت الكاتبة كلامها بالقول: "نحن كتاب الرواية نكتب ما عشنا. نتوارى، ولكن التجربة الشخصية تبقى في صميم القصّ".
حبيب السالمي
الروائي التونسي الذي ولد في القيروان تتوزع رواياته على مسارين بحسب حبش. لقد كتب الروايات التي تحاول العودة في الذاكرة الى الماضي لترسم صورة الريف التونسي، وبشكل خاص مرتع طفولته ريف العلا. كما كتب الروايات التي تدور أحداثها في باريس والتي تعطينا صورة عن الراهن، رغم أن شخصياتها هي عموماً من المغاربة الذين يعيشون في فرنسا. حبش اعتبر ان السالمي هو "كاتب مكان في الدرجة الاولى"، وان رواياته التي مزجت بين مكانين لا تلعب لعبة الشرق والغرب.
في كلمته اعتبر السالمي ان "الغربة هي شرط الكتابة الأول وحافزها الأساسي فهي التي تولّد الإنزياح والتباعد، ودونها لا توجد كتابة"، ولذلك فإن كل "كاتب حقيقي" هو مغترب سواء أقام او ارتحل.
الكاتب الذي يقيم في فرنسا منذ 26 عاماً، اشار الى ان وعيه تشكل في وطنه الام في فضاء حر مفتوح "يحكمه زمن بطيء ثقيل". استنكر تسارع زمن البشر الذي بات مراوغاً وصلفاً وهشاً.
تحدث عن وجعه الناتج عن ان اللغة التي يكتب بها، وبها اكتشف متعة النصوص الاولى التي كتبها، هي لغة غائبة في بيئة الإغتراب. قال انه يريد "علاقة فيزيقية مع اللغة"، وانه لا يستطيع ان يكتب إلا بلغة حاضرة في وعيه ولاوعيه.
في تجربته الخاصة، يقرأ الآداب الأجنبية بترجمتها الفرنسية منذ ان اكتشف "حقيقة ان الترجمات العربية هجينة"، فهي لا تترجم عن لغة الأصل. اشار الى اقامته داخل ثقافتين غير تصادميتين على الرغم مما يدعيه الأصوليون من الجهتين. ويرى في ذلك فاتحة لآفاق جديدة وتحريضاً على مغامرات.
اوضح اعتقادة بأنه "كلما ابتعد الكاتب عن الإنشاء اقترب من صوته وبالتالي من ذاته وبالتالي من الكتابة". انتقد كون اللغة العربية التي نستعملها اليوم لغة لم يزج بها في الواقع، فظلت خارجة عنه في مجالات عدّة. فبرأيه "نرى الواقع من خلال ستارة تحجبه عنّا"، بينما يجب ان نرى "تحركات الواقع الدائم السيلان كنهر هيرقليطس". اشار الى ان الكثير من النقاد العرب يتحدثون عن الواقع "كما لو أنه معطى موضوعي وقائم بذاته"، فهم يعتبرونه منفصلاً عن الذات، متسائلاً: "أليس ما يخيّل الينا انه واقع هو تمثلنا لهذا الواقع؟".
اوضح ان ثمة أشياء تسربت الى كتابته منذ ان اغترب من نصوص كتاب أحبّهم ومن رسوم تشكيلية. وختم بأنه لم يكتب ابداً عن تونس مثلما يكتب عنها الآن: "كأنني كان يجب ان ابتعد عنها جسدياً لأقترب منها روحياً".
بهاء طاهر
الروائي بهاء طاهر ولد في محافظة الجيزة في مصر. منع من الكتابة عام 1975 فهاجر قبل ان يعود الى مصر. اشار حبش الى ان "حدة حالة المنفى هي أبرز عند بهاء طاهر". وهو، كما رأى، مبتكر لعوالم مدهشة تأخذنا في رحلة بين الماضي والحاضر.
في كلمته، اشار طاهر الى ان موضوع الغربة يحتمل الإغتراب مذكراً بقول ابو حيّان التوحيدي الذي اعتبر ان الغريب ليس من اغترب عن الدار بل هو من اغترب في الدار. قال انه سيعتبر ان موضوع الغربة يعني الاغتراب غرباً، فهذا هو الموضوع الذي اهتم به النقاد العرب مستبعداً الهجرة الى آسيا التي لم يتحدث عنها الروائيون العرب، والهجرة البينية بين الأقطار العربية التي لم تثر اهتمام النقاد رغم بعض الاعمال المهمة كالتي كتبها محمد برّادة.
بدأ تحليلة التاريخي باقتباس عن رفاعة الطهطاوي من كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" الذي اعتبره رواية سيرة ذاتية. في كتابه هذا شرح الطهطاوي للمصريين بلغة العصر واقع "الجورنالات" في الغرب التي يستطيع المواطن ان يقول رأيه فيها في تدبير الدولة، ففي ذلك الزمن لم يكن العرب يعرفون الصحف اليومية. كما يعرض للفكرة التي حكمت عقل الغربيين والتي تعتبر ان العدالة والإنصاف تكمن في صلب تدبير الممالك، ولفكرة الإختلاف المادي والسياسي والاجتماعي بين العرب والغربيين.
تحدث عن إحدى اولى الروايات التي تعالج موضوع الغربة، وهي رواية "عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم". في روايته نجد انعكاساً لكل القضايا التي سيتناولها كتاب الغربة العرب فيما بعد كالعلاقة بالمرأة والتقدم... حاول توفيق الحكيم الرد بفكرة الإستعلاء على تقدم الغرب وذلك بإعلاء قيمة روحانية الشرق لدرجة وصلت الى إعلاء شأن إقامة الحيوانات مع البشر في ذات المسكن.
انتقل الى رواية "موسم الهجرة الى الشمال" للطيب صالح التي التمس فيها أخذ صراع الشرق والغرب شكل الشرق المذكر في مواجهة الغرب المؤنث. أما رواية "الحي اللاتيني" لسهيل ادريس فقد حاولت التوفيق بين الجانبين تأثراً بهذه السمة التي كانت ملازمة لفترة الخمسينات.
وتحدث عن روايات احدث منتقياً منها رواية "روائح ماري كلير" للحبيب السالمي. تقدم هذه الرواية صورة مختلفة عن العلاقة بين الشرق والغرب. ففيها نجد الشرق المهاجر لجوءً الى الغرب هرباً من واقع العالم العربي المرير. المسألة عنده ليست كيف نصبح أنداداً للغرب بل هي الإستعانة به. أشار الى أن روايته هذه تنتهي نهاية ملغزة: الغربية هي التي تأمر الشرقي بعكس رواية الطيب صالح.
انتقل الى روايته الشخصية "الحب في المنفى"، التي كتبها منتصف التسعينات. رأى أن "اوهاماً كثيرة انجلت فيها"، وبات الروائي المغترب اكثر واقعية في نظرته للعلاقة بين الشرق والغرب. ففي رواية "روائح ماري كلير" بقي الصراع موجوداً ولكن بشكل خفي: يبدو انفصال بطلي الرواية محتوماً، وهما يتقبلان ذلك.
قال انه تناول في قصصه الصغيرة التي سبقت روايته "الحب في المنفى" مسألة الهجرة دون ان يكون هدفه التنظير. وذكر أن باحثة نرويجية كتبت دراسة عن أعماله لاحظت فيها ان معالجته للعلاقة بين الشرق والغرب ليس فيها صراعاً بين الجنسين ولا بين الشرق الروحاني والغرب المادي ولا بين الثقافتين الغربية والعربية ولا حديث عن طهر الشرق في مقابل انحلال الغرب. علق على المسألة بقوله ان طه حسين في رواية "أديب" اقتصر على الرواية الموضوعية للطرفين وانتهى الى انه هناك خللاً ما في الغرب، وخللاً ما في الشرق.
اعتبر ان روايته "الحب في المنفى" حظيت بأكبر قدر من الإهتمام. واشار الى انها تناولت مسألة صبرا وشاتيلا منظوراً اليها بعين مغترب الى اوروبا. والغربة فيها لا تقتصر على الصحافي العربي المقيم في اوروبا بل هي تشمل مهاجرين من تشيلي ومن العالم العربي ومن فتاة اوروبية مغتربة عن وطنها.
وختم حديثه بالقول ان "العولمة الوحيدة الحقيقية الراهنة هي عولمة الغربة والاغتراب".







حسن عباس
الاربعاء 16 ديسمبر 2009