نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي


الموت من أجل فكرة " 2 من2 ".... الموقف من الإغتيالات السياسية غير موحد وطنيا في لبنان





خلفية القتل السهل
- العنف المرافق لبناء الدولة كخلفية مشجعة على القتل
يبدو لي ان أحد أسباب هذه السهولة في اللجوء الى الاغتيالات كسلاح لفرض واقع سياسي، وعدا عن حرية الحركة النسبية في لبنان لمختلف أجهزة المخابرات والاتجاهات الممثلة لجهات اقليمية ودولية إضافة الى عبث إسرائيل الدائم بأمن لبنان، بسبب من تركيبته الخاصة، يعود الى خصوصية الدولة الوطنية في لبنان. وهي ليست خصوصية لبنانية "مطلقة" ولكنها تندرج في سياق حداثة وهشاشة تكون الدول الوطنية في المنطقة.
لقد استغرقت الحداثة في التجربة الغربية مئات السنين لكي تركز مؤسساتها العلمانية والديمقراطية، ولكي تجد في الدولة – الوطنية Etat-nation الشكل الملائم للحكم . وهذا الشكل من التنظيم الاجتماعي والسياسي جديد تماما، فلم يتم إعلاء شأن الدولة الوطنية إلا ابتداء من القرن العشرين بحيث صارت تؤلف الإطار الأساسي الذي تتحد الأمم عبره بمعيار الارادة السياسية للعيش المشترك او بمعيار الثقافة المتجانسة والمجانسة في نفس الوقت.
و الحداثة لا تستتب بالسهولة التي نعتقدها ولا تصل الى مستوى من التوازن من دون ألم وعنف. وأنواع العنف التي عرفها ويعرفها لبنان في تاريخه الحديث هي نوع من آلام الولادة التي تتعرض لها الدول والأوطان. فالاغتيالات التي حصلت وتحصل بسهولة مثيرة للتساؤل نلاحظ انها تجد دائماً طرفاً لبنانياً داخلياً يبررها ضمنياً أو لنقل يتغاضى عنها لأنها تطال الطرف الذي ينافسه ويشكل تحدياً للهوية الجزئية التي يدين لها بولائه. ونشوء دولة لبنان الكبير عرفت الكثير من التجاذبات في قبولها والانتماء اليها ونُظر اليها في الكثير من الاحيان كدولة او حتى كدويلة مصطنعة. وهذا التوصيف ينطبق على معظم الدول العربية الحديثة التي ولدت بشكل متزامن ومن ضمن الترتيبات التي خضعت لها المنطقة بعد انهيار السلطنة العثمانية ومن دون أفضلية لدولة على أخرى. ومن هنا لا تزال هذه الدول تبحث عن شرعيتها التامة في انتظار دفء "الامبراطورية" العربية المنشودة كبديل عن تلك العثمانية المفقودة. لكن أكثر ما تجسدت لا شرعية الدولة – الوطنية في دولة لبنان الذي ينظر اليه كأكثر الكيانات اصطناعاً!! وإذا ما بحثنا عن السبب في استسهال إلصاق صفة "الاصطناع" هذه ربما لن نجد سوى صغر مساحته وضعف الدولة المركزية واقتناع بعض أبنائه بهذه الصفة والالتحاق الدوري لفئة او طائفة لطائفة من طوائفه بالخارج وتبعيتها في ما يشبه الولاء التام لهذا الخارج تارة باسم القومية أو المقاومة وتارة باسم الدين واخرى باسم المذهب.
ومن هنا نجد لا إجماعاً حقيقياً على رفض استخدام العنف والتصفيىة الجسدية. فالموقف من الاغتيالات على المستوى الوطني غير موحد وعندما يدين طرف ما اغتيال معين يكون هذا الاغتيال مصدر ارتياح او احتفال عند الطرف الآخر. ويساهم ضعف الدولة في انعدام القدرة على إيقاف دورات العنف هذه عبر ملاحقة ومحاسبة ومحاكمة المجرمين لأن هناك دائماً من يغطيهم ضمنياً. ومن هنا سهولة استمرار عمليات الاغتيال واعمال العنف.
- العنف المرتبط بمرجعية النمط الواحد
ربما يمكننا فهم الموقف العام الفاتر تجاه الاغتيالات في بلادنا، بأنه برهان، في معظم الأحيان، على قلة المبالاة بأفعال القتل الشائعة الحدوث بسبب ما يسميه مراقب ياباني "الانشغال بفكرة النمط الواحد"، على غرار الحاكم الواحد والزعيم الواحد والقائد الواحد. فمن هنا نلاحظ أن الناس يوحدون في أشكال ملابسهم وسلوكهم وآرائهم. في مثل هذا النمط تذوب الفروق الفردية وتتدنى استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين. ولا يعود المواطن كفرد موجودا وتحل محله فكرة الجماعة المهيمنة المتشابهة والممتثلة للنظام السائد في الاعتقاد وفي السياسة وفي العادات اليومية. وفينتج عن ذلك خوف الابتعاد عن الآراء الجماعية السائدة والمواقف الجامدة التي تطبع كل مجموعة ينطبق عليها صفة الجماعة العضوية مثل الطوائف او المذاهب. لذا نلاحظ عدم الاهتمام بمصير السجين السياسي أوالقتيل السياسي لأنهم بآرائهم الجريئة ومواقفهم المعترضة والمخالفة للسائد تجعلهم يتحملون هم ومحيطهم تبعة مجازفاتهم في الابتعاد عن الموقف السائد في جماعتهم الحاضنة. ولأن القتل يجد له تبريراً إيديولوجياً في الكثير من الحالات، يجعل من القتيل إما عميلاً أو خائناً أو خارجاً عن الدين وملحداً يستحق هذا القتل لعبثه بمقدسات الأمة وقضاياها وأول مثال، في موضوع اهتمامنا، على ذلك مقتل كامل مروة صاحب جريدة الحياة . يعيد شرارة سبب هذا النوع من القتل الى "تقديس الأمة والواحد" .
ينتج عن كل ذلك ما يعرف بثقافة الخوف. الخوف من إدانة الجريمة ومن التعاطف مع القتيل لأن ذلك يجعل من المُتضامن شريكاً في الجرم الموجّه إلى الضحية وتصبح أصابع الاتهام موجّهة إليه أيضاً. كما أن هذا السلوك هو أحد أفضل التعبيرات عن التعصّب والاصطفاف في خنادق مذهبية ضيقة يعتبر الجمهور أن ولاءه الأولي هو لها وليس للدولة بما هي الإطار الشرعي الوحيد الذي ينبغي أن يكون له الولاء التام.
- عامل الحرب الأهلية والاحتلال
ساعدت الحرب الأهلية الممتدة رسمياً من العام 75 الى بداية التسعينيات على استسهال فكرة القتل. كما أن عدم الاستقرار الامني الذي سببه الاحتلال الاسرائيلي المستمر للجنوب وتهديده لأمن لبنان ككل ساعد من ناحية اخرى على "اعتياد" اللبناني على العنف.
والخلفية لذلك ضعف السلطة المركزية المتأتي عن الحروب والتقاتل المتتابعين، والتفكك المتمادي للدولة شكّل عاملاً أساسياً في شيوع القتل واستسهاله وهذا ما أوصل الأوضاع الى ما وصلت إليه مؤخراً من تعديات مستمرة على المواطنين بالأسلحة حتى البيضاء كما حصل في عين الرمانة مما سمّي "الاستعداد للقتل" في تفسير هذه الظواهر المتفشية والتي لا تجد لها رادعاً طالما أن الطرف القائم بها إما أنه محمي أو أنه يتصرّف على أنه كذلك. ومن هنا الصمت المتمادي عن جرائم الاغتيال وعدم الاهتمام بالمطالبة بمتابعة مرتكبيها او تسليمهم للعدالة ومحاكمتهم. ولقد ظل هذا الأمر ساري المفعول حتى اغتيال الحريري الذي شكل اغتياله المحرك الذي قلب المعادلات وجعل من المطالبة بمحاكمة المجرمين وقيام المحكمة المتعلقة به كسابقة لبداية تشكل سلوك جديد لا يمرّر اغتيال المواطنين وقتلهم مرور الكرام . وهو دليل على بداية تحول في المنطقة العربية لجهة محاسبة المجرمين في قضايا الاغتيال وإرساء لقاعدة إن لكل سلوك محاسبة الذي لم تعرفه المنطقة من قبل. أن معاقبة المذنب هي دفاع عن المجتمع وتدعيم لسلطة القضاء، لأنه بارتكابه الجرم قد وضع نفسه في مواجهة مع الجسد الاجتماعي وضده. لذلك يحق للمجتمع ككل أن يواجه المجرم ويقتص منه. فهو باعتدائه على القانون الاجتماعي تحول إلى عاصٍ، وإلى خائن ايضاً. لذا لا يمكن الاحتفاظ به وبالدولة في الوقت نفسه على واحدهما أن يقضى عليه لمصلحة الآخر. وتأتي أهمية إجراء المحاكمات من قبل الدولة و عن طريق القضاء العادل والنزيه في أنها تساهم بالارتقاء بالمجتمع عبر تخليصه من دائرة العنف المفزعة التي ترمي بثقلها على المجتمعات البدائية وترمي بها في دائرة العنف والثأر. إن وجود المؤسسات وفاعليتها ربما لا تقضي عل العنف، لكنها تحدّه فعلياً بواسطة المقاضاة وإنزال الجزاء. جزاء وحيد يناط تنفيذه بسلطة سامية ومتخصصة في ميدانها. إن قرارات السلطة القضائية هي دائماً كلمة الفصل الأخيرة في المجتمعات المتطورة.
وهذا ما ينحو المجتمع الدولي نحو تحقيقه عبر إيجاد أشكال منظمة من التدخل الحقوقي والقانوني على مستوى العالم ككل كما حصل في كوسوفو أو لبنان. فمع تشكيل اللجنة الدولية لمتابعة موضوع التحقيق الجنائي في جريمة اغتيال الحريري تتشكل ظاهرة جديدة في العالم الجنائي القضائي حاملة إرثاً جديداً وعصرياً تجاه عالم يستخدم الجريمة السياسية المنظمة كأداة حكم في مجتمع يجهّل الفاعل في الجرائم السياسية. لكن العدالة في العالم ربما لن تتحقق قبل أن تنطبق نفس المعايير على الجميع، بما فيها إسرائيل!! فلا تظل فلسطين محتلة ويقبل اغتيال قادتها دون اعتراض!!
وإلى أن يحين ذلك ربما لن نتوصل في لبنان إلى ما يخرجنا من دائرة العنف المهدِّد باستمرار والذي يقف حاجزاً أمام مطلب السلم البسيط والبديهي.

1 2


د . منى فياض
الخميس 19 نونبر 2009