تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
Rss
Facebook
Twitter
App Store
Mobile



عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد


تونس ... حيث تشهد الشواطئ على التكلفة الأكثر مرارة للهجرة






تونس - لا تكاد تمر بضعة أيام حتى تعلن السلطات التونسية عن ضبط مهاجرين غير شرعيين أو العثور على جثث بعضهم. ورغم الجهود التي تبذلها السلطات في هذا الصدد فإن محاولات الهجرة غير الشرعية مستمرة، حتى أن إيطاليا أعلنت رسميا أن تونس أصبحت المورّد الأول للهجرة للبلاد.


 
وتنشط قوارب الهجرة على السواحل الجنوبية لحوض البحر المتوسط عموما بشكل أكبر في فترة الصيف، برغم القيود التي فرضتها دول الاتحاد الأوروبي والحكومة الشعبوية في إيطاليا ضد منظمات الإنقاذ غير الحكومية التي تنشط في البحر.
وأعلنت الداخلية الإيطالية مؤخرا أن أكبر تدفق لقوارب المهاجرين المسجلة خلال العام الماضي كانت من تونس، بنسبة 8ر36% من إجمالي المهاجرين الذين وصلوا إلى البلاد، وعددهم 8691 مهاجرا، في الفترة من آب/أغسطس 2018 إلى تموز/يوليو 2019.
كما أعلنت السلطات التونسية إحباط العديد من محاولات الهجرة السرية انطلاقا من سواحلها بالتزامن مع عيد الأضحى، ولفتت إلى أن محاولات الهجرة تنشط بشكل لافت مع استقرار الطقس وارتفاع درجات الحرارة.
ويأتي استمرار هذه المحاولات رغم المآسي والكوارث التي تقض المضاجع. وكانت السواحل الجنوبية لتونس شهدت في تموز/يوليو الماضي واحدة من أسوأ حوادث الهجرة عندما غرق أكثر من 80 مهاجرا من دول أفريقية كانوا انطلقوا عبر قارب مطاطي من شاطئ بمدينة زوارة الساحلية الليبية القريبة جدا من الحدود التونسية، ولكن جرفتهم أقدارهم إلى الشواطئ التونسية.
وكان مامادو، وهو صبي خجول من مالي، قد صعد مع 85 آخرين على متن القارب منطلقين إلى أوروبا. لقد كانت هذه هي الخطوة الأولى في السعي لتحقيق حلمه في أن يصبح لاعب كرة قدم محترف.
فجأة، أصبحت الأمواج تتلاطم بالقارب وسط حالة من الذعر. وبعد ساعات، انقلب القارب وسقط الجميع بأحلامهم في الماء.
تشبث مامادو وأمسك بلوح خشبي. تمسك به بصورة أقوى وهو يسقط في الماء، مع ستة آخرين.
ومع كل موجة جديدة من حوله، كان يختفي المزيد من المهاجرين تحت سطح البحر. وظل متمسكا باللوح لثلاثة أيام حتى عثر عليه قارب صيد تونسي.
لم يتبق منهم سوى أربعة، وتوفي أحدهم لاحقا في المستشفى.
وبعد أيام قليلة من الحادثة، بدأت المياه تجرف الجثث إلى الساحل التونسي. ووصلت 16 منها إلا جزيرة جربة، وهو أمر غير معتاد للوجهة السياحية الشعبية.
يقول منجي سليم، ويعمل سليم طبيبا متطوعا بمنظمة الهلال الأحمر التونسي منذ 25 عاما :"من النادر أن تصل الجثث إلى جربة ... الرياح والتيار جلبوا الموتى إلى هنا".
وتم دفن الضحايا في بلدة جرجيس القريبة جنوبي تونس، بين الحدود الليبية- حيث تدور حرب أهلية- وبين وجربة حيث يفد سائحون من حول العالم للاستمتاع بالفنادق الشاطئية.
وجربة هي الجزيرة التي تقطعت السبل بالمحارب الأسطوري أوديسيوس عليها بعدما تاه في البحر عشر سنين. ويربط الجزيرة بالبر الرئيس جسر طوله خمسة كيلومترات.
ويقول سليم إن عدد الضحايا ارتفع هذا العام. ويوضح :"منذ بدأ القتال في التصاعد في ليبيا في نيسان/أبريل، بدأ عدد أكبر وأكبر من المهاجرين في الإبحار ... وربما كان الممكن إنقاذ هؤلاء الضحايا لو كانت هناك قوارب نجاة فقط".
ولكن منذ قيام إيطاليا والكثير من الدول الأوروبية الأخرى بإغلاق موانئها أمام قوارب الإنقاذ، أصبح نادرا تواجد قوارب إنقاذ مدنية قبالة الساحل الليبي.
ورغم أن العدد الإجمالي للاجئين في تراجع، فإن هذه الرحلة غير الشرعية أصبحت أكثر خطورة.
وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد غرق 840 شخصًا في البحر الأبيض المتوسط منذ مطلع آب/أغسطس الجاري.
ويوضح سليم :"وهذه هي فقط البيانات الرسمية".
وبينما تستمر الخلافات الداخلية في أوروبا حول توزيع المهاجرين، فإن البلديات التونسية تتجادل فيما بينها حول مكان دفن الضحايا. وقد أعلنت العديد من بلديات الجنوب التونسي أنها لن تقبل الجثث.
ويوضح سليم، الذي يتفاوض مع البلديات، :"بعض المناطق تقول إن مقابرهم مخصصة للمسلمين فقط". ويقوم سليم بالمفاوضات لأن الهلال الأحمر هو المسؤول حاليا عن الموتى. ولكن كيف يتسنى معرفة ما إذا كانت الجثة لمسلم أو غيره؟
ويعرض متطوع في الهلال الأحمر صورا تظهر عمليات الإنقاذ على هاتفه المحمول تعكس حجم المأساة: أجساما منتفخة وجثة مفقودا منها عدة أصابع وأخرى بدون رأس وساق. الموت على الشواطئ هنا ليس هادئا ولا سلميا، وإنما أمر بشع.
واشترى الهلال الأحمر مؤخرا قطعة أرض جنوب جرجيس لدفن الموتى في المستقبل. وفي ذلك الحين، كان تم دفن معظمهم في أرض تبرعت بها البلدية. المكان كان أشبه بمكب نفايات.
يتوجه مامادو وزميله عثمان كوليبالي ذي العشرين عاما، الذي نجا هو الآخر من الكارثة، لزيارة "مقبرة الغرباء" التي تبعد مئات الأمتار عن مركز اللاجئين التابع للهلال الأحمر.

وفي الخلفية يوجد استاد جرجيس لكرة القدم. المدينة نفسها بعيدة. هناك، لا يريدون أن يفعلوا أي شيء مع الأحياء أو الأموات.
ويبدو مكان دفن الضحايا وكأنه مخصص للتخلص من كافة الأشياء التي لم تعد لها حاجة. هنا تم حفر قبور جديدة بعمق مترين حتى لا تتمكن الكلاب من نبشها.
وخلفها، يوجد المزيد من القبور. وتصبح قطع الطوب والصخور الصغيرة بمثابة شواهد للقبور المؤقتة. كما تبقى الزهور الذابلة كعلامة على محاولة لخلق القليل من الكرامة.
المكان هنا يبدو أنه ليس لدفن الجثث فقط وإنما أيضا الأحلام الغارقة.

د ب ا
الخميس 29 أغسطس 2019