
سليم عمامو ....المدون الذي صار وزيرا عبر السجن
منذ مطلع التسعينيات أدركت عدة دول عربية ضرورة إيجاد منافذ للتعبير عن الآراء المعارضة، مما يسهل التعامل معها والسيطرة عليها. يمكن رؤية هذا التحول بوضوح في مصر والأردن والمغرب واليمن، حيث سـُمح بتأسيس صحف ومحطات إذاعية مستقلة، وأتيح هامش للرأي المعارض، وإن كان هذا الهامش يضيق ويتسع وفقاً لما تقرره السلطة. في المقابل استمرت بعض الدول العربية على الأسلوب التقليدي في الرقابة ومنع الآراء المعارضة. سوريا وليبيا وتونس هي أوضح الأمثلة على هذا الخيار. لكن هذه الأمثلة بدأت تواجه تحدياً حقيقياً تمثله تكنولوجيا المعلومات التي تجرف الممانعين في طريقها. وتشكل الإمكانيات التي أتاحتها الانترنت، وبشكل أكثر الشبكات الاجتماعية، من نشر للمعلومات، والالتفاف على الرقابة الحكومية، كابوساً لكثير من الأنظمة الدكتاتورية. وتبذل هذه الأنظمة جهوداً واسعة للتحكم بهذه النافذة المفتوحة، وفرض الرقابة عليها، والتقليل من أخطارها.
مصر.. مجتمع المدونين
تمتلك مصر هامشاً معقولاً من حرية التعبير. وتنشر الصحف المستقلة أو التابعة للأحزاب المعارضة أحياناً نقداً مباشراً حتى لرئيس النظام. وإن كانت السلطة تظهر من حين لآخر أنيابها لتذكر الصحافيين بالخطوط الحمراء. إلى جانب الصحافة التقليدية، ينشط الشباب المصريون بقوة على الإنترنت. وهناك عدد كبير من المدونين المصريين، بعضهم حاز شهرة عالمية بسبب مدوناته، وهناك مدونات نشرت لاحقاً في كتب وترجم بعضها إلى لغات أخرى. ويشكل المدونون المصريون مجتمعاَ قائماً بذاته، يتواصلون في ما بينهم، ولديهم جمعية تهتم بشؤون التدوين الالكتروني. لم تسلم هذه الشريحة من المتابعة والرقابة. وقد سجن بعض المدونين بسب ما نشروه على الإنترنت. ويشكل المدنون المصريون من حين لآخر مجاميع ناشطة على الفيس بوك، تدعو إلى هدف معين، كان أشهرها مجموعة "6 ابريل" التي دعت إلى اعتصمات واحتجاجات يوم السادس من أبريل 2008، وقد سجن اثرها عدد من مؤسسي المجموعة ونشطائها. وحاولت بعد ذلك أن تتحول إلى حركة شبابية شبه منظمة.
شكلت الانتفاضة التونسية مصدر إلهام للمصريين. وقد ظهرت على الانترنت عدد من مجموعات الفيس بوك المتضامنة مع التونسيين، والداعية إلى تكرار ما فعلوه في مصر. ولوحظ أن كثيراً من المصريين قد غيروا صورهم على الفيس بوك وأبدلوها بصور العلم التونسي، أو بصورة الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على سوء أوضاع،مما أشعل شرارة الانتفاضة في البلاد.
سوريا.. احتكار ورقابة وتجسس
تكاد سوريا أن تخلو تماماً من أي صحافة مستقلة أو معارضة. ولا تزال الدولة تحتكر قطاع الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع، وتديره بطريقة تقليدية جداً. خدمة الإنترنت تقدمها شركة تتبع للحكومة، مما يسهل حجب المواقع، ومراقبة الحسابات البريدية والشخصية وغيرها. حركة التدوين والنشاط الالكتروني في سوريا لا تزال محدودة، والناشطون فيها يمارسون رقابة ذاتية شديدة. وتشكل حالة المدونة الشابة طلّ الملوحي نموذجاً لما يمكن أن يتعرض له من يفكر باستخدام وسائل الإعلام الجديدة خارج قيود السلطة. فقد اعتقلت هذه الشابة وهي في التاسعة عشرة من عمرها، ولا تزال في السجن، رغم مرور عام على اعتقالها، دون محاكمة. واتهمتها السلطات، حسب مواقع خبرية سورية قريبة من السلطة، بالتجسس لصالح جهة أجنبية. ولا تتضمن مدونات الشابة الملوحي أشياء خطيرة أو انتقادات مباشرة للسلطة، بل تتضمن مقالات عامة حول الحرية والكرامة الإنسانية. لكن بروز اسمها في مواقع انترنت مختلفة، وتواصلها عبر الشبكات الاجتماعية مع سوريين معارضين في الخارج أدى إلى اعتقالها.
تجاهلت الصحف الرسمية السورية أحداث تونس بشكل كامل تقريباً. وحتى بعد نجاح الانتفاضة بإجبار الرئيس على الفرار، اكتفت الصحف السورية الرسمية بنشر أخبار قصيرة في الصفحات الداخلية. وينطبق الأمر نفسه على الإذاعة والتلفزة الحكومية.
السوريون في الخارج هم وحدهم من أظهروا اهتماماً كبيراً بالثورة التونسية، ودعوا إلى تكرارها في بلادهم. ولم يجرؤ سوريو الداخل على الخروج على التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطات على الحدث.
ليبيا.. تشويه السمعة
في ليبيا المجاورة لتونس، تنعدم أيضاً الصحافة المستقلة أو المعارضة. ويلجأ الصحافيون الذين يريدون إظهار بعض من مواقفهم الانتقادية الحذرة، إلى الصحف التي أنشأها سيف الاسلام، نجل العقيد القذافي، في السنوات الاخيرة، والتي تعمدت إعطاء هامش معين للأصوات الانتقادية، دون المس بأسس النظام، أو شخص زعيمه. ولكن حتى هذا الهامش المسيطر عليه جيداً لا يخلو من الأخطار، كما في حالة الصحافية شريفة الفسي. فبعد أن أجرت سلسلة لقاءات من ذوي ضحايا مذبحة سجن بوسليم، التي قـُتل فيها أكثر من ألف سجين، فـُصلت من وظيفتها في جريدة "قورينا" إحدى الصحف التابعة لمؤسسة الغد التي يديرها سيف الإسلام. بعد فصلها اتجهت للنشر على المدونات والمنتديات والمواقع الالكترونية، خاصة تلك التي تدار من خارج ليبيا. تعرضت بسبب ذلك للكثير من المضايقات، حيث استدعيت إلى جهاز الأمن وتم التحقيق معها، ثم بدأت تتلقى تهديدات من قبل أشخاص يقولون إنهم من الأجهزة الأمنية، ووصل الأمر إلى المحاولة لتشويه سمعتها أخلاقياً من خلال نشر صور مفبركة لها على الإنترنت.
كان العقيد القذافي هو الوحيد من بين زعماء الدول الذي أعلن بصراحة رفضه للانتفاضة التونسية وما نتج عنها من الإطاحة بالرئيس السابق زين بن علي. ووصف القذافي بن علي، بعد يومواحد من فراره من البلاد، بأنه كان زعيماً جيداً خسره التونسيون. ورأى مراقبون في خطاب القذافي ذاك، رسالة موجهة لأبناء شعبه من الليبيين، أكثر مما هي موجهة للتونسيين. كان خطابه بمثابة تحذير لكل ليبي يفكر باستلهام التجربة التونسية.
اليمن.. مشاكل مركبة
التجربة التونسية بدأت تتكرر بشكل مصغر في بلد بعيد عن تونس، جغرافياً وثقافياً، اليمن الذي يعاني من مشاكل مركبة وبعضها يكاد يكون مستعصياً: التخلف، الفقر، انخفاض مستوى التعليم، نفوذ القبائل وتحديها للدولة، الإرهاب الذي يهدد بتحول اليمن إلى قاعدة للجهاد العالمي، التمرد الحوثي المسلح في الشمال، والحراك الانفصالي في الجنوب. رغم ذلك امتدت آثار الانتفاضة التونسية الناجحة إلى اليمن، وخرجت إلى الشارع فئات مشابهة لتلك التي قادت الاحتجاجات في تونس: طلبة، صحفيون، ناشطو انترنت، وناشطون حقوقيون ومدنيون.
وليس من الواضح ما إذا كانت الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الالكترونية قد لعبت دوراً مهماً في الاحتجاجات اليمنية، خاصة وأن نسبة مستخدمي الإنترنت في اليمن، الفقير والقبلي، أقل بكثير منها في تونس المستقرة اقتصاديا والمنفتحة حضارياً
مصر.. مجتمع المدونين
تمتلك مصر هامشاً معقولاً من حرية التعبير. وتنشر الصحف المستقلة أو التابعة للأحزاب المعارضة أحياناً نقداً مباشراً حتى لرئيس النظام. وإن كانت السلطة تظهر من حين لآخر أنيابها لتذكر الصحافيين بالخطوط الحمراء. إلى جانب الصحافة التقليدية، ينشط الشباب المصريون بقوة على الإنترنت. وهناك عدد كبير من المدونين المصريين، بعضهم حاز شهرة عالمية بسبب مدوناته، وهناك مدونات نشرت لاحقاً في كتب وترجم بعضها إلى لغات أخرى. ويشكل المدونون المصريون مجتمعاَ قائماً بذاته، يتواصلون في ما بينهم، ولديهم جمعية تهتم بشؤون التدوين الالكتروني. لم تسلم هذه الشريحة من المتابعة والرقابة. وقد سجن بعض المدونين بسب ما نشروه على الإنترنت. ويشكل المدنون المصريون من حين لآخر مجاميع ناشطة على الفيس بوك، تدعو إلى هدف معين، كان أشهرها مجموعة "6 ابريل" التي دعت إلى اعتصمات واحتجاجات يوم السادس من أبريل 2008، وقد سجن اثرها عدد من مؤسسي المجموعة ونشطائها. وحاولت بعد ذلك أن تتحول إلى حركة شبابية شبه منظمة.
شكلت الانتفاضة التونسية مصدر إلهام للمصريين. وقد ظهرت على الانترنت عدد من مجموعات الفيس بوك المتضامنة مع التونسيين، والداعية إلى تكرار ما فعلوه في مصر. ولوحظ أن كثيراً من المصريين قد غيروا صورهم على الفيس بوك وأبدلوها بصور العلم التونسي، أو بصورة الشاب التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه احتجاجاً على سوء أوضاع،مما أشعل شرارة الانتفاضة في البلاد.
سوريا.. احتكار ورقابة وتجسس
تكاد سوريا أن تخلو تماماً من أي صحافة مستقلة أو معارضة. ولا تزال الدولة تحتكر قطاع الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع، وتديره بطريقة تقليدية جداً. خدمة الإنترنت تقدمها شركة تتبع للحكومة، مما يسهل حجب المواقع، ومراقبة الحسابات البريدية والشخصية وغيرها. حركة التدوين والنشاط الالكتروني في سوريا لا تزال محدودة، والناشطون فيها يمارسون رقابة ذاتية شديدة. وتشكل حالة المدونة الشابة طلّ الملوحي نموذجاً لما يمكن أن يتعرض له من يفكر باستخدام وسائل الإعلام الجديدة خارج قيود السلطة. فقد اعتقلت هذه الشابة وهي في التاسعة عشرة من عمرها، ولا تزال في السجن، رغم مرور عام على اعتقالها، دون محاكمة. واتهمتها السلطات، حسب مواقع خبرية سورية قريبة من السلطة، بالتجسس لصالح جهة أجنبية. ولا تتضمن مدونات الشابة الملوحي أشياء خطيرة أو انتقادات مباشرة للسلطة، بل تتضمن مقالات عامة حول الحرية والكرامة الإنسانية. لكن بروز اسمها في مواقع انترنت مختلفة، وتواصلها عبر الشبكات الاجتماعية مع سوريين معارضين في الخارج أدى إلى اعتقالها.
تجاهلت الصحف الرسمية السورية أحداث تونس بشكل كامل تقريباً. وحتى بعد نجاح الانتفاضة بإجبار الرئيس على الفرار، اكتفت الصحف السورية الرسمية بنشر أخبار قصيرة في الصفحات الداخلية. وينطبق الأمر نفسه على الإذاعة والتلفزة الحكومية.
السوريون في الخارج هم وحدهم من أظهروا اهتماماً كبيراً بالثورة التونسية، ودعوا إلى تكرارها في بلادهم. ولم يجرؤ سوريو الداخل على الخروج على التعتيم الإعلامي الذي فرضته السلطات على الحدث.
ليبيا.. تشويه السمعة
في ليبيا المجاورة لتونس، تنعدم أيضاً الصحافة المستقلة أو المعارضة. ويلجأ الصحافيون الذين يريدون إظهار بعض من مواقفهم الانتقادية الحذرة، إلى الصحف التي أنشأها سيف الاسلام، نجل العقيد القذافي، في السنوات الاخيرة، والتي تعمدت إعطاء هامش معين للأصوات الانتقادية، دون المس بأسس النظام، أو شخص زعيمه. ولكن حتى هذا الهامش المسيطر عليه جيداً لا يخلو من الأخطار، كما في حالة الصحافية شريفة الفسي. فبعد أن أجرت سلسلة لقاءات من ذوي ضحايا مذبحة سجن بوسليم، التي قـُتل فيها أكثر من ألف سجين، فـُصلت من وظيفتها في جريدة "قورينا" إحدى الصحف التابعة لمؤسسة الغد التي يديرها سيف الإسلام. بعد فصلها اتجهت للنشر على المدونات والمنتديات والمواقع الالكترونية، خاصة تلك التي تدار من خارج ليبيا. تعرضت بسبب ذلك للكثير من المضايقات، حيث استدعيت إلى جهاز الأمن وتم التحقيق معها، ثم بدأت تتلقى تهديدات من قبل أشخاص يقولون إنهم من الأجهزة الأمنية، ووصل الأمر إلى المحاولة لتشويه سمعتها أخلاقياً من خلال نشر صور مفبركة لها على الإنترنت.
كان العقيد القذافي هو الوحيد من بين زعماء الدول الذي أعلن بصراحة رفضه للانتفاضة التونسية وما نتج عنها من الإطاحة بالرئيس السابق زين بن علي. ووصف القذافي بن علي، بعد يومواحد من فراره من البلاد، بأنه كان زعيماً جيداً خسره التونسيون. ورأى مراقبون في خطاب القذافي ذاك، رسالة موجهة لأبناء شعبه من الليبيين، أكثر مما هي موجهة للتونسيين. كان خطابه بمثابة تحذير لكل ليبي يفكر باستلهام التجربة التونسية.
اليمن.. مشاكل مركبة
التجربة التونسية بدأت تتكرر بشكل مصغر في بلد بعيد عن تونس، جغرافياً وثقافياً، اليمن الذي يعاني من مشاكل مركبة وبعضها يكاد يكون مستعصياً: التخلف، الفقر، انخفاض مستوى التعليم، نفوذ القبائل وتحديها للدولة، الإرهاب الذي يهدد بتحول اليمن إلى قاعدة للجهاد العالمي، التمرد الحوثي المسلح في الشمال، والحراك الانفصالي في الجنوب. رغم ذلك امتدت آثار الانتفاضة التونسية الناجحة إلى اليمن، وخرجت إلى الشارع فئات مشابهة لتلك التي قادت الاحتجاجات في تونس: طلبة، صحفيون، ناشطو انترنت، وناشطون حقوقيون ومدنيون.
وليس من الواضح ما إذا كانت الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الالكترونية قد لعبت دوراً مهماً في الاحتجاجات اليمنية، خاصة وأن نسبة مستخدمي الإنترنت في اليمن، الفقير والقبلي، أقل بكثير منها في تونس المستقرة اقتصاديا والمنفتحة حضارياً