
ويقع المطعم في مقدمة مبنى سكني، وهو أحد المطاعم الخاصة – أو كما يطلق عليها في العامية الكوبية "بالاداريس" - والتي بدأ العشرات منها في فتح أبوابها في كوبا، بعد أن قرر الرئيس "راؤول كاسترو" إعطاء مساحة أكبر في خططه الإصلاحية للقطاع الخاص، بهدف تحديث مذهب الاشتراكية القائم في الجزيرة.
فقد ظل القطاع الخاص متجمداً كنشاط لعقود طويلة .... لكن مع بداية التسعينيات، ومع الأزمة الاقتصادية الجامحة التي ضربت البلاد بعد انهيار الكتلة الاشتراكية، قامت الحكومة الكوبية بإعطاء الفرصة من جديد للقطاع الخاص والبدء في الأعمال والمشاريع الذاتية! مثال على ذلك ما يطلق عليه "لاس بالاداريس" والتي وصل عددها في وقت من الأوقات إلى 600 في هافانا فقط، لكن بقى منها بضع عشرات إثر سيطرة الدولة القوية والمنافسة الصعبة في مواجهة المصير السياحي الذي لم يكن يشهد هذا القدر من التطور والتنمية كما هو الحال في يومنا هذا.
وتمر الأعوام، ويشهد مجال الغذاء والمطاعم الخاصة في كوبا دفعة جديدة ويبدأ فترة الزخم .... وذلك منذ تشرين اول/ أكتوبر عندما شرعت حكومة "كاسترو" في منح تراخيص لبدء المشاريع الصغيرة في حوالي 178 مهنة مختلفة ... والتي تعد فرصة للعمال الذين يجوبون شوارع الجزيرة في إجازة مفتوحة بعد أن قامت الدولة بتسريح حوالي 500 ألف عامل.
حتى أواخر كانون أول/ ديسمبر، وصل عدد الكوبيين، الذين قدموا طلبات للحصول على ترخيص أو حصلوا على تراخيصهم بالفعل ليصبحوا أصحاب أعمال خاصة، إلى حوالي 83403 ... بعضهم والذي يكاد يصل إلى الربع في قطاع التغذية والطهي والمطابخ. ولأسابيع قريبة استمر فتح الجديد في هذا المجال الذي لم يقتصر على الـ"بالاداريس" فقط بل رأينا أيضا محال البيتزا وأكشاك لبيع المشروبات والشطائر والوجبات الخفيفة، ذلك إلى جانب محلات الوجبات السريعة أو الجاهزة "تيك أواي"، التي نراها في المنازل الخاصة أو الكراجات والعربات المتحركة.
ويحدثنا الشيف "خافيير مارتينيز" ، البالغ من العمر 38 عاماً، من وراء عارضة مدخل المحل الذي يعمل به ستة أشخاص، فيقول: "لقد كان افتتاح مطعم "أباناميه" بمثابة الحلم الذي تحقق ... فسرعان ما قمت بتقديم طلب الحصول على ترخيص فور أن أتاحت الحكومة المجال أمامنا ووفرت لنا هذه الفرصة .... إنها مخاطرة ومجازفة، فالمنافسة كبيرة للغاية، ولكننا متفائلون".
وكان مارتينيز يعمل من قبل طباخاً في العديد من المطاعم الحكومية أو التابعة للدولة ويتمنى الآن أن يكون لمتجره هيبته ومكانته، ورغماً عن ذلك لا يحلم بأن يكون من مطاعم النخبة، فأسعار الـ"بالاداريس"، بشكل عام، ليست في متناول الغالبية العظمى من الكوبيين .... والطبق الأول، المعروف باسم "لا لانجوستا كومباي سيجوندو" أو "إستكوزا كومباي سيجوندو"، يبلغ ثمنه 50ر18 بيزو قابل للزيادة (أي حوالي 50ر16 دولاراً)، وهو ما يوازي تقريباً دخل شهري متوسط لأفراد من سكان الجزيرة.
وقد صمم المطعم على طراز "آرت ديكو"، وهو تصميم فني على طراز العمارة الفرنسية، نشأ في باريس في العقود الأولى من القرن العشرين. وبعيداً عن بساطة المطبخ الكوبي، يأتي مع طبق اللحم عدد لا بأس به من أنواع الصلصة، ويمكن أن تشكل من السلطات ما تشاء .... وتضم قائمة الطعام أطباق من السندوتشات أطلق عليها أسماء مثل: "دجاج نابليون"، "سمك برينسيبنيو" و "ملكة جمال هافانا".
وأمام هذه المنافسة المتزايدة، اضطر أصحاب الـ"بالاداريس" التقليدية للتجديد. فقد وضعت، مؤخراً، لافتة كبيرة مضيئة على واجهة مطعم "ديكاميرون" ويمكنك الآن أن ترى من النوافذ ما بداخل المطعم، وأصبح بابه مفتوحاً... أمر ما كان ليحدث في الماضي حيث أنه فيما مضى كانت المحال تعرف عن طريق الحديث عنها فيما بين الأشخاص وكان مدير "ديكاميرون" يعمل في مطعمه هذا مع زوجته، أما الآن فقد وضع قائمة جديدة للطعام، وقام بالتعاقد مع بعض الأيدي العاملة الإضافية.
ونرى من المستجدات في كوبا أن يقوم الأفراد باستئجار أفراد آخرين. فمن المتعارف عليه حتى الآن أن أفراد الأسرة الواحدة هم فقط المخول لهم العمل في الـ"بالاداريس" فرجال الأعمال الجدد عليهم دفع ضريبة الدخل، بالإضافة إلى ضريبة المبيعات والمساهمة في الضمان الاجتماعي، سواء لأنفسهم أو لموظفيهم.
و تماشياُ مع الأحداث، أقرت حكومة "كاسترو" بعض القوانين لتشجيع ما يطلق عليه "العمالة الذاتية" أو "العمل للحساب الخاص" والتي قضت على المحاذير والممنوعات وأنهت الحظر على المطاعم الخاصة حيث سمح لها أيضاً بتقديم المأكولات البحرية ولحم البقر ذلك ما كان في الماضي حكراً على المطاعم التابعة للدولة. في حين تم زيادة عدد المقاعد من 12 إلى 20 مقعداً. ومع ذلك، فهناك العديد من الـ"بالاداريس" اعتادوا تخطي هذه القيود وغيرها.
وقد أتت هذه القوانين الجديدة بإعادة فتح "لا جوارديا"، أكثر الـ"بالاداريس" شهرة في هافانا حيث تم تصوير الفيلم الشهير "فراولة وشوكولا" .... وللمطعم كثير من المريدين بدءاً من الملكة "صوفيا"، ملكة اسبانيا، مروراً بـمطرب البوب الشهير "ستينج" و النجم السينمائي المخضرم "جاك نيكلسون". ويعترف "إنريكي نونيث"، مالك المطعم "أنه ظل مغلقاً طيلة عامٍ ونصف لأسبابٍ كثيرة ليس فقط بسبب الحاجة إلى الإصلاح، بل بسبب القيود القوية على النشاط التجاري
ويوضح لنا هذا المهندس، البالغ من العمر 42 عاماً، فيقول: "يبلغ عددنا الآن عشرة أشخاص، نعمل جميعا بطريقة قانونية"، وهو على ما يبدو راضٍ عن السرعة التي تمكن بها من إعادة فتح مطعمه.
في كلمة ألقاها "راؤول كاسترو" أمام البرلمان في كانون أول / ديسمبر، ناشد خلالها الشيوعيين المتشددين بـ "تغيير العقلية والمفاهيم وطريقة التفكير" لقبول الأشكال الجديدة للقطاع الخاص و"تجنب المزايدة أو الوصم بالعار والانحياز أو تبني أحكام مسبقة ضدهم"، كما كان شائعا في الماضي .
وبهذا الصدد دعت الكنيسة الكاثوليكية لقبول أصحاب المشاريع والأعمال الخاصة الجديدة، حتى مع وجود خطر ظهور ما يسمى بـ"الأغنياء الجدد" أو"نوفو ريش".... حيث أن عدد الكوبيين الذي تتعدى دخولهم المتوسطة في تزايد، وأن مبدأ المساواة الذي تدعمه السلطات الشيوعية في الجزيرة منذ عقود ينتهي.
وفي مقالها الافتتاحي الأخير جاء في جريدة "كلمة جديدة"، وهي الجريدة الكاثوليكية الأولى في الجزيرة: "إن نهاية نظام الدولة الأبوية سوف تجعل البعض يشعر باليتم والبعض الآخر يشعر بالحرية. ويجب علينا الاستعداد لواقع جديد وحقيقة جديدة وهي كسب العيش بالمجهود الشخصي، وذلك بعد سنوات عديدة من الانتظار".
ومن ثم فالكوبيون ينتظرون إعلانات اقتصادية جديدة بدءاً من نيسان/ابريل، خلال انعقاد المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الحاكم في كوبا. وسيكون هذا المؤتمر، هو الأول منذ عام 1997، و سيتناول الاقتصاد كموضوع وحيد يتم من خلاله مناقشة بعض القضايا من بينها: توحيد العملتين المتداولتين في البلاد (البيزو الوطني والبيزو القابل للتحويل) والمرونة في حركة شراء وبيع وشراء العقارات أو إلغاء ما يسمى ببطاقة التموين المدعوم بموجب القانون.
فقد ظل القطاع الخاص متجمداً كنشاط لعقود طويلة .... لكن مع بداية التسعينيات، ومع الأزمة الاقتصادية الجامحة التي ضربت البلاد بعد انهيار الكتلة الاشتراكية، قامت الحكومة الكوبية بإعطاء الفرصة من جديد للقطاع الخاص والبدء في الأعمال والمشاريع الذاتية! مثال على ذلك ما يطلق عليه "لاس بالاداريس" والتي وصل عددها في وقت من الأوقات إلى 600 في هافانا فقط، لكن بقى منها بضع عشرات إثر سيطرة الدولة القوية والمنافسة الصعبة في مواجهة المصير السياحي الذي لم يكن يشهد هذا القدر من التطور والتنمية كما هو الحال في يومنا هذا.
وتمر الأعوام، ويشهد مجال الغذاء والمطاعم الخاصة في كوبا دفعة جديدة ويبدأ فترة الزخم .... وذلك منذ تشرين اول/ أكتوبر عندما شرعت حكومة "كاسترو" في منح تراخيص لبدء المشاريع الصغيرة في حوالي 178 مهنة مختلفة ... والتي تعد فرصة للعمال الذين يجوبون شوارع الجزيرة في إجازة مفتوحة بعد أن قامت الدولة بتسريح حوالي 500 ألف عامل.
حتى أواخر كانون أول/ ديسمبر، وصل عدد الكوبيين، الذين قدموا طلبات للحصول على ترخيص أو حصلوا على تراخيصهم بالفعل ليصبحوا أصحاب أعمال خاصة، إلى حوالي 83403 ... بعضهم والذي يكاد يصل إلى الربع في قطاع التغذية والطهي والمطابخ. ولأسابيع قريبة استمر فتح الجديد في هذا المجال الذي لم يقتصر على الـ"بالاداريس" فقط بل رأينا أيضا محال البيتزا وأكشاك لبيع المشروبات والشطائر والوجبات الخفيفة، ذلك إلى جانب محلات الوجبات السريعة أو الجاهزة "تيك أواي"، التي نراها في المنازل الخاصة أو الكراجات والعربات المتحركة.
ويحدثنا الشيف "خافيير مارتينيز" ، البالغ من العمر 38 عاماً، من وراء عارضة مدخل المحل الذي يعمل به ستة أشخاص، فيقول: "لقد كان افتتاح مطعم "أباناميه" بمثابة الحلم الذي تحقق ... فسرعان ما قمت بتقديم طلب الحصول على ترخيص فور أن أتاحت الحكومة المجال أمامنا ووفرت لنا هذه الفرصة .... إنها مخاطرة ومجازفة، فالمنافسة كبيرة للغاية، ولكننا متفائلون".
وكان مارتينيز يعمل من قبل طباخاً في العديد من المطاعم الحكومية أو التابعة للدولة ويتمنى الآن أن يكون لمتجره هيبته ومكانته، ورغماً عن ذلك لا يحلم بأن يكون من مطاعم النخبة، فأسعار الـ"بالاداريس"، بشكل عام، ليست في متناول الغالبية العظمى من الكوبيين .... والطبق الأول، المعروف باسم "لا لانجوستا كومباي سيجوندو" أو "إستكوزا كومباي سيجوندو"، يبلغ ثمنه 50ر18 بيزو قابل للزيادة (أي حوالي 50ر16 دولاراً)، وهو ما يوازي تقريباً دخل شهري متوسط لأفراد من سكان الجزيرة.
وقد صمم المطعم على طراز "آرت ديكو"، وهو تصميم فني على طراز العمارة الفرنسية، نشأ في باريس في العقود الأولى من القرن العشرين. وبعيداً عن بساطة المطبخ الكوبي، يأتي مع طبق اللحم عدد لا بأس به من أنواع الصلصة، ويمكن أن تشكل من السلطات ما تشاء .... وتضم قائمة الطعام أطباق من السندوتشات أطلق عليها أسماء مثل: "دجاج نابليون"، "سمك برينسيبنيو" و "ملكة جمال هافانا".
وأمام هذه المنافسة المتزايدة، اضطر أصحاب الـ"بالاداريس" التقليدية للتجديد. فقد وضعت، مؤخراً، لافتة كبيرة مضيئة على واجهة مطعم "ديكاميرون" ويمكنك الآن أن ترى من النوافذ ما بداخل المطعم، وأصبح بابه مفتوحاً... أمر ما كان ليحدث في الماضي حيث أنه فيما مضى كانت المحال تعرف عن طريق الحديث عنها فيما بين الأشخاص وكان مدير "ديكاميرون" يعمل في مطعمه هذا مع زوجته، أما الآن فقد وضع قائمة جديدة للطعام، وقام بالتعاقد مع بعض الأيدي العاملة الإضافية.
ونرى من المستجدات في كوبا أن يقوم الأفراد باستئجار أفراد آخرين. فمن المتعارف عليه حتى الآن أن أفراد الأسرة الواحدة هم فقط المخول لهم العمل في الـ"بالاداريس" فرجال الأعمال الجدد عليهم دفع ضريبة الدخل، بالإضافة إلى ضريبة المبيعات والمساهمة في الضمان الاجتماعي، سواء لأنفسهم أو لموظفيهم.
و تماشياُ مع الأحداث، أقرت حكومة "كاسترو" بعض القوانين لتشجيع ما يطلق عليه "العمالة الذاتية" أو "العمل للحساب الخاص" والتي قضت على المحاذير والممنوعات وأنهت الحظر على المطاعم الخاصة حيث سمح لها أيضاً بتقديم المأكولات البحرية ولحم البقر ذلك ما كان في الماضي حكراً على المطاعم التابعة للدولة. في حين تم زيادة عدد المقاعد من 12 إلى 20 مقعداً. ومع ذلك، فهناك العديد من الـ"بالاداريس" اعتادوا تخطي هذه القيود وغيرها.
وقد أتت هذه القوانين الجديدة بإعادة فتح "لا جوارديا"، أكثر الـ"بالاداريس" شهرة في هافانا حيث تم تصوير الفيلم الشهير "فراولة وشوكولا" .... وللمطعم كثير من المريدين بدءاً من الملكة "صوفيا"، ملكة اسبانيا، مروراً بـمطرب البوب الشهير "ستينج" و النجم السينمائي المخضرم "جاك نيكلسون". ويعترف "إنريكي نونيث"، مالك المطعم "أنه ظل مغلقاً طيلة عامٍ ونصف لأسبابٍ كثيرة ليس فقط بسبب الحاجة إلى الإصلاح، بل بسبب القيود القوية على النشاط التجاري
ويوضح لنا هذا المهندس، البالغ من العمر 42 عاماً، فيقول: "يبلغ عددنا الآن عشرة أشخاص، نعمل جميعا بطريقة قانونية"، وهو على ما يبدو راضٍ عن السرعة التي تمكن بها من إعادة فتح مطعمه.
في كلمة ألقاها "راؤول كاسترو" أمام البرلمان في كانون أول / ديسمبر، ناشد خلالها الشيوعيين المتشددين بـ "تغيير العقلية والمفاهيم وطريقة التفكير" لقبول الأشكال الجديدة للقطاع الخاص و"تجنب المزايدة أو الوصم بالعار والانحياز أو تبني أحكام مسبقة ضدهم"، كما كان شائعا في الماضي .
وبهذا الصدد دعت الكنيسة الكاثوليكية لقبول أصحاب المشاريع والأعمال الخاصة الجديدة، حتى مع وجود خطر ظهور ما يسمى بـ"الأغنياء الجدد" أو"نوفو ريش".... حيث أن عدد الكوبيين الذي تتعدى دخولهم المتوسطة في تزايد، وأن مبدأ المساواة الذي تدعمه السلطات الشيوعية في الجزيرة منذ عقود ينتهي.
وفي مقالها الافتتاحي الأخير جاء في جريدة "كلمة جديدة"، وهي الجريدة الكاثوليكية الأولى في الجزيرة: "إن نهاية نظام الدولة الأبوية سوف تجعل البعض يشعر باليتم والبعض الآخر يشعر بالحرية. ويجب علينا الاستعداد لواقع جديد وحقيقة جديدة وهي كسب العيش بالمجهود الشخصي، وذلك بعد سنوات عديدة من الانتظار".
ومن ثم فالكوبيون ينتظرون إعلانات اقتصادية جديدة بدءاً من نيسان/ابريل، خلال انعقاد المؤتمر السادس للحزب الشيوعي الحاكم في كوبا. وسيكون هذا المؤتمر، هو الأول منذ عام 1997، و سيتناول الاقتصاد كموضوع وحيد يتم من خلاله مناقشة بعض القضايا من بينها: توحيد العملتين المتداولتين في البلاد (البيزو الوطني والبيزو القابل للتحويل) والمرونة في حركة شراء وبيع وشراء العقارات أو إلغاء ما يسمى ببطاقة التموين المدعوم بموجب القانون.