تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي

كلمة للفائزين بعضوية مجلس الشعب السوري

26/10/2025 - ياسر محمد القادري


كأنها ذهب الليل المشتعل في زرقة البحر.....أصيلة المغربية هبة الجغرافيا وعاشقها التاريخ




أصيلة - صوفية الهمامي - لم أستطع وأنا أصل إلى هذه المدينة الساحرة عند الأصيل، من أن أربط لغويا بين أصيلة والأصيل، ولست أعلم أي منهما قد ألقى بظلال إسمه على الآخر. فقد كانت المدينة تذوب بجميع تفاصيلها الصغيرة في ذهب الأصيل وشمسه المتوهجة، وهي تنثر برتقال لونها على سلال الأفق للمحطات الأخيرة قبل أن تنزل خدرها الليلي .


أصيلة كما تبدو مساءا من طرف قصر الريسوني
أصيلة كما تبدو مساءا من طرف قصر الريسوني
كان لكل جزئية من تفاصيل المدينة نصيب من برتقال اللون وذهب المساء السائل في الطرقات والذائب بين خطى السابلة والشجر، وحين تغرق ذؤابات أصيلة في سرير الأصيل، لا يملك المرء إلا أن يصلي للّغة التي جمعت هذين التاجين على رأس الجناس.
وأمام هذا التاج الملكي المتجانس والجامع بين أصيلة والأصيل، تبدأ جميع أيقونات التاج اللغوي في التداعي والإنهمار أمام نهر التداعي اللغوي المتفق، فأصيلة إسم يتسع للأصالة وتتفتح دوائره عن انشقاقات شتى.
فهذه الطفلة الليلية التي يبدأ نهارها مع بداية الليل، تحتفي بوجهها الخاص كلما خيّم الظلام على الأفق، وأشعت هي مثلما تشع نجمة في سرير السماء.

فمن يا ترى يوقظ أصيلة من سباتها النهاري ليلا ؟ أهي الخطوات المزدحمة والقامات المتلاصقة في الطرقات الضيقة التي تفوح بعبق التاريخ؟ أم تلك الأبواب المواربة المتلفعّة بالزرقة المشعة؟ أم هي الفضاءات الثقافية التي شيّدتها إرادة سكانها وشوقهم للمعرفة وطموحهم نحو الإتصال بالعالم؟ أم هو هذا المزاج السحري المتسامح، الذي عادة ما تتميز به مدن السواحل حيث الرغبة في التواصل والإنفتاح على العالم، كأن أصيلة مشدودة بقوة الجغرافيا إلى عبق التاريخ، فهي بجمالها المتألق هبة الجغرافيا وبكثرة ما مر عليها من احداث وغزاة وفاتحين صارت عشيقة مفضلة للتاريخ فكل شيء في هذه المدينة المكتظة بتفاصيلها الجغرافية الصغيرة يتصل بعرق نازف من جسم التاريخ، حيث يختبىء تحت كل حجر واحدة أو لقية من لقياه وأثر من آثاره ، لكأن التاريخ الساكن بين شقوق الأسوار مازال يمشي مهيبا في ردهات المدينة العتيقة الساحرا بدروبها الضيقة وأزقتها الأنيقة وبمنازلها المتراصة المتشحة بالبياض وهو يلبس قفطانه الأندلسي المقصب بذهب العزّ، محركا حوله وخلفه جمع من الناس أطفالا ونساء ورجالا.

أما الجغرافيا ذلك التاريخ الساكن أو المتجمد في مفاصل المدينة، فيمكن ملاحظته متحركا في رقة البحر التي تتزنر بها خاصرة المدينة، وهي ترقص مثل الغجرية بخلاخيلها وتضرب بأقدامها العارية خدّ الأرض المترب حيث يتحلق حولها فرح الوقت وعيون العشاق التي تختلس النظر إلى تفاصيل جسمها الساحر.
تحت إنحدار قرص الشمس الذهبي، نعم لأصيلة شمسها وغروبها الخارج عن دائرة الكون، يقف شبان وصبايا أصيلة يتبادلون الكلام المبهم، هو أشبه بغزل خفيف، في حين تقترب منهم أصيلة رويدا رويدا حتى تعلق مساءها على أطراف رموشهم، وتمنحهم السكون، كل السكون ليعبروا إلى الضفاف المبهمة في ذواتهم.

بعد أن يتناصف ليل أصيلة المستطيل، يقف العشاق في إنتظار أن يظهر نجم من نجوم الغناء أو التمثيل أو الشعر أو الصحافة في شوارع أصيلة، تتعطّل حركة المرور حين يظهر أحدهم، يهلل الشباب ترحيبا بكل من يسير في شوارع أصيلة يعروضون عليهم بضاعتهم، رسوم فنانين تشكيليين من مختلف المدارس والأجيال، كتب، منحوتات، أغاني وإذا لزم الأمر أبيات من قصيدة شعرية، تلك هي البضاعة التي تباع وتشترى في أصيلة.
فما أصيلة إلا مقهى الشاعر، يؤمه السياح، عرب وأجانب وضيوف موسم أصيلة الثقافي من الأدباء والشعراء والقصاصين والإعلاميين والفنانين، يجسلون إلى الطاولة يستمتعوا بكأس الشاي الأخضر العابق برائحة النعنان والمخيلة تتزاحم بالشعر والشعراء.

ومعطم "غارسيا" المطل على البحر، وحديقة الشاعر الكونغولي الراحل "تشيكايا أوتامسي" أحد أصدقاء مدينة أصيلة الأوفياء. ومكتبة الأمير بندر بن سلطان التي تم افتتاحها رسميا في 2004، وهي بناية رائعة مزودة بأحدث الأجهزة السمعية البصرية وتتوفر على قاعة سينمائية وأخرى للمطالعة وأخرى للندوات.
وحديقة المفكر المغربي الراحل محمد عزيز الحبابي وساحة محمد الخامس، و"كدية السلطان"، وهي عبارة عن فضاء على شكل مسرح دائري صغير في الهواء الطلق، يعلوه نصب إسمنتي على شكل موجة من تصميم الفنان التشكيلي محمد المليحي، شيد فوق ربوة توقف بها المغفور له محمد الخامس أثناء مروره من مدينة أصيلة متوجها إلى مدينة طنجة لإلقاء خطاب 9 أبريل سنة 1947.
وحدائق كثيرة بإخضرارها البراق لا تحصى، فهنا حديقة الشاعر العراقي الجواهري وهناك حديقة الراحل عبد الوهاب البياتي الذي قال في أصيلة أعذب الأشعار، وغير بعيد عن البياتي حديقة الأديب السوداني الطيب صالح، وإلى جوارها حديقة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش...

أما داخل المدينة العتيقة الفائقة النظافة المزنرة بسور يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1471م حين إحتل البرتغاليون أزريلا أو أصيلة، ينتصب قصر "الريسوني"أهم معالم المدينة العتيقة، الذي أصبح اليوم يحمل إسم "قصر الثقافة " ويحتضن بعضا من أنشطة موسم أصيلة الثقافي مثل ورشات فنون الرسم والنحت والحفر وبعض السهرات الفنية وعروض الأزياء الراقية وكل ما يتماشى مع عمارة الفن العربي الإسلامي التي تميز القصر البديع بنقوشه وقبابه وألوانه.
وعلى بعد أمتار قليلة من باب القصبة، يوجد مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية الذي كان في الأصل مخزنا للحبوب، قبل أن يعاد بناؤه وفق هندسة جميلة، ويتحول إلى مقر رسمي لمؤسسة منتدى أصيلة وفضاء لاحتضان المفكرين والأدباء والمثقفين والمبدعين من مختلف مناطق العالم.
وغير بعيد عن مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، يوجد برج "القمرة" التاريخي الذي قضى به دون سيباستيان ملك البرتغال ليلته الأخيرة قبل قيادة جيوشه إلى معركة وادي المخازن، وقد أعيد ترميمه في بداية التسعينيات بالتعاون بين وزارة الثقافة المغربية ودولة البرتغال بمبادرة من جمعية المحيط بعدما كان آيلا إلى السقوط، وهو الآن يحتضن معارض خاصة بالفنون التشكيلية والصور الفوتوغرافية.

وفي الطريق إلى الأسواق توجد ساحة "الطيقان" المؤدية إلى برج "القريقية" الشهير المطل على المحيط، والذي يمكن من خلاله الاستمتاع بمشاهدة غروب الشمس ورؤية ميناء مدينة أصيلة وإلقاء نظرة على ضريح سيدي أحمد المنصور أحد المجاهدين الذين تصدوا للإحتلال البرتغالـي.
أرزيلا أو أصيلة جوهرة الشمال المغربي، وجوهرة المحيط هي قطب ثقافي وسياحي وملتقى المثقفين العرب والأجانب ومملكة الشموس وراحة المصطافين الذين يحجون إليها من كل العالم.
أخيرا،،، ما أصيلة إلا ذهب الأصيل الذائب في أحداق الليل المزهر بسهاد الأنجم وضياء العتمة، وأصيلة أيضا زنار البحر الغارق في زرقته كالطفل النائم في حضن أمومته.

صوفية الهمامي
الاثنين 12 يوليو 2010