نظرا للصعوبات الاقتصادية التي رافقت الجائحة وأعقبتها اضطررنا لإيقاف أقسام اللغات الأجنبية على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

خديعة الرحمة

03/07/2025 - هناء محمد درويش

التريمسة...حين يلتقي العائد بظلّه

24/06/2025 - عبير داغر إسبر

انهيار إمبراطورية إيران

17/06/2025 - براءة الحمدو

حزب حاكم جديد في سورية

08/06/2025 - بشير البكر

المفتي قبلان صاحب الرؤية

02/06/2025 - يوسف بزي

المثقف من قرامشي إلى «تويتر»

24/05/2025 - د. عبدالله الغذامي :


ما بعد الأسد..وعي جديد يطيح بثقافة التقديس وعبادة الأشخاص






في مرحلة ما بعد الثورة، بدأت ملامح وعي جديد تتشكّل في وجدان الشعب السوري، متحررة من إرثٍ طويل من التقديس القسري والتمجيد المفروض، لم يعد السوريون يصفقون عشوائياً، ولا يقدّمون الولاء دون بصيرة، بل باتوا يميزون بين الفعل وصاحبه، ويقفون ضد الخطأ أياً كان مصدره، دون خوف أو مجاملة.


 هذا التحول لم يولد صدفة، بل كان نتيجة سنوات طويلة من الاضطهاد والمواجهة والصمود، منذ اللحظة التي اندلعت فيها الثورة السورية في آذار/مارس 2011، حين خرج السوريون مطالبين بحريتهم وكرامتهم، متحدّين منظومة قمعية رسّخها نظام آل الأسد على مدار ستة عقود. نظامٌ أحكم قبضته على المجتمع، وفرض العبودية السياسية وتمجيد الزعيم كقدرٍ لا يُردّ.
اشتهر النظام البائد بولعه بالتطبيل، وهو ما تجلّى في انتشار تماثيله وصوره في كل مدينة وشارع ومدرسة، وفي محاولته تحويل عبادة الفرد إلى ثقافة متغلغلة في كافة مجالات الحياة: من الرياضة إلى التعليم، ومن الطب إلى الفنون. ولطالما فُرض على الناس الخروج قسراً إلى مسيرات مؤدلجة تهتف بحياة القائد، وتردد عبارات لا تقبل الاعتراض، وتدعو للتضحية في سبيله.
لكن السوريين، رغم جراحهم وتضحياتهم الهائلة، رفضوا هذا الإرث الثقيل. قاوموا التمجيد وتمرّدوا عليه حتى بعد سقوط صانعه، المخلوع بشار الأسد، وأصروا على المضي في بناء ثقافة تقوم على احترام القيم لا الأشخاص، وعلى الوعي لا الولاء الأعمى، حتى وإن تعلق الأمر بالحاكم الجديد.
وقد تجلى هذا الوعي الشعبي من جديد، في ردود الفعل الواسعة على قيام المنشد "أحمد حبوش" بتغيير كلمات أنشودة "أرض وسما بتحبك" المخصصة للنبي محمد ﷺ، ليُوجّهها إلى الرئيس السوري أحمد الشرع. فبادر ثلاثة محامين من حلب – عثمان الخضر، معروف تفتنازي، وأحمد عبدو غرغور – إلى رفع دعوى قضائية ضد حبوش، معتبرين تصرفه مظهراً من مظاهر التقديس الفردي الذي لطالما استخدمه النظام البائد لإذلال السوريين.
الخطوة لقيت ترحيباً واسعاً من ناشطين رأوا فيها رسالة واضحة بأن زمن صناعة الأصنام قد ولّى، وأن من حاول أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء سيُواجَه بالرفض والمحاسبة، وهو ما يعبّر عن إصرار السوريين على ألّا تعود البلاد إلى مربع عبادة الأشخاص، أحد أبرز الأسباب التي فجّرت ثورتهم ضد نظام الأسد.
وفي السياق ذاته، عكس مؤتمر السلام الأهلي الذي عُقد في حزيران/يونيو الماضي في مناطق الشمال السوري، مناخاً جديداً من الحرية والانفتاح. إذ شهد المؤتمر نقاشات علنية وشفافة بين إعلاميين وصحفيين من جهة، ومسؤولين حكوميين من جهة أخرى، كان من أبرزها مواجهة مع المسؤول "حسن صوفان"، طُرحت خلالها اعتراضات وأسئلة جريئة دون أي تدخل أمني أو قمع، وهو مشهد نادر في ذاكرة السوريين الذين عايشوا عقوداً من الكبت والملاحقة الأمنية.
كما سجّلت مدينة اللاذقية بدورها موقفاً ذا دلالة، حين قامت عناصر الأمن العام في أيار/مايو الماضي بإزالة لافتة علّقها أحد المواطنين على شرفة مكتبه، تتضمن عبارات تمجيد للرئيس أحمد الشرع. ورغم أن الخطوة قد تبدو إجرائية في ظاهرها، إلا أن رمزيتها العميقة لا تخفى، إذ تعكس اتجاهاً واضحاً لفكّ الارتباط مع ثقافة التقديس السياسي التي طغت على البلاد في عهد الأسد.
لم تقف مؤشرات الوعي عند هذا الحد. فقد اختفت مظاهر المسيرات القسرية، وغابت صور القادة عن جدران الشوارع، وتلاشت الأغاني التي كانت تُبجّل الزعيم وتدعو للفداء بحياته. كما أصبح من المعتاد أن يواجه أي تصرف مسيء للوطن أو منافٍ للحرية بانتقادات علنية، بصرف النظر عن موقع الفاعل أو درجته. لأن سوريا الجديدة، التي يسعى السوريون لبنائها، تقوم على الوعي والمحاسبة، لا على التطبيل والولاء الأجوف.
في النهاية، يبدو أن السوريين قد كسروا الحلقة التي طالما كبّلتهم، وبدأوا يكتبون فصلاً جديداً من تاريخ بلادهم، قوامه الكرامة والحرية، لا القمع والتقديس.

شبكة شام
الخميس 3 يوليوز 2025