تم إيقاف أقسام اللغات الأجنبية مؤقتا على أمل ان تعود لاحقا بعد ان تتغير الظروف

الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بخمس لغات عالمية
الهدهد: صحيفة اليكترونية عربية بأربع لغات عالمية
عيون المقالات

طبالون ومكيودون وحائرون

07/11/2025 - ياسين الحاج صالح

"المتلحف بالخارج... عريان"

07/11/2025 - مزوان قبلان

كيف ساعد الهجري و"قسد" سلطة الشرع؟

07/11/2025 - حسين عبد العزيز

” قسد “.. ومتلازمة انتهاء الصلاحيّة

07/11/2025 - رئيس تحرير صحيفة الرأي

مفتاح الشَّرع الذَّهبي

06/11/2025 - د. مهنا بلال الرشيد

هل يعرف السوريون بعضهم بعضا؟

29/10/2025 - فارس الذهبي


مسرحية عن سجناء جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية وعذاباتهم الصامتة




برلين - يوتا شوتس - أصبح معتقل جهاز أمن الدولة الشرقية السابقة المعروف باسم "شتازي” محفورا في أذهان الكثير من الناس، بعضهم لم يستطع أن يتحدث عنه منذ سنوات، والبعض الآخر يتحدث بلا توقف عن الوقت الذي قضاه في الزنزانة


المعتقل السابق جيلبرت فوريان في معتقل جهاز أمن الدولة الشرقية السابق المعروف باسم شتازي يمسك مفاتيح زنزانته
المعتقل السابق جيلبرت فوريان في معتقل جهاز أمن الدولة الشرقية السابق المعروف باسم شتازي يمسك مفاتيح زنزانته
وماذا عن مصير المعتقلين السابقين اليوم؟ كيف يمارسون حياتهم الطبيعية؟ فهذه محاولة لتتبع التاريخ بعد خمسين عاما من إقامة سور برلين.

ترقد الكلبة "دفانه" مغلقة العينين تحت المنضدة في المقهى وكأنها تشعر أن جلوسها سيطول، إنها كلبة المعتقل السابق ماريو روليج التي تشاركه كل شيئ.

ويجلس الرجل النحيف ذو الشعر القصير/ 43 عاما/ في مقهى "جاجارين" المحبب إليه، في الحي البرليني، مسرح الأحداث، برينتسلاور بيرج، شرق برلين، وشعاره الجديد: الاستمتاع بالحياة، والتخطيط للمستقبل.

ويحكي روليج أنه كان قبل عشر سنوات فقط شخصا مختلفا عنه الآن قائلا:"كانت الحياة عذابا، وفي بعض الأيام لم أكن أخرج من الشقة، ولم أكن سعيدا بأي شيئ، وبعبارة أكثر موضوعية: لقد استمرت آثار اعتقال روليج في سجون جهاز أمن الدولة في حي هوهنشونهاوزن ببرلين على الرغم من أنه اعتقل ثلاثة أشهر “فقط””.

أكد الأطباء إصابة روليج بـاضطرابات نفسية نتيجة آثار المعتقل وأنه كان صامتا وأنه عولج نفسيا أكثر من مرة كما حاول روليج البرليني المولد الانتحار مرتين مبررا ذلك بقوله:”لم أتحمل أن يسوء حالي بهذه الدرجة من القذارة".

واعتقل روليج عام 1987 في حي هوهينشونهاوزن ببرلين بعد أن فشلت محاولته الهروب لبرلين الغربية عبر المجر، حيث أراد الرجل الشاب غير السياسي في ذلك الوقت الهروب من ألمانيا الشرقية والذهاب إلى صديق حميم له في برلين تعرف عليه في بودابست، إلا أنه رفض محاولات الابتزاز من جانب موظفي وزارة جهاز أمن الدولة والتي كانت ترمي للحصول من روليج على معلومات عن صديقه الذي يكن له حبا كبيرا. ويقول روليج بصراحة انه بعد ذلك تبين أن صديقه هذا كان معروفا في جمهورية ألمانيا الديموقراطية بميوله الجنسية المثلية.

وبعد أن تمكن روليج بشق الأنفس من مغادرة ألمانيا الشرقية عام 1988 حالفه الحظ في كل شيء تقريبا على حد تذكر النادل المثقف روليج الذي عمل ساقيا في فندق كمبينسكي في برلين الغربية، ومرشدا سياحيا وعضو المجلس العمالي وبائعا في متجر الغرب" المشهور باسم "كا.دي.في".

ويتذكر روليج بالضبط انه في 17 كانون ثان/يناير 1999 فوجىء برجل يقف أمامه في متجر لبيع السجائر، وأراد أن يشتري سيجارا من نوع هافانا.

وعن ذلك يقول روليج: "كان هذا الرجل أحد المحققين معي في جهاز أمن الدولة بألمانيا الشرقية سابقا، وكان المحقق الودود من بين بقية المحققين، وكانت تفوح منه أيضا رائحة عطرة طيبة، وكان شخصا متحضرا مهذبا، ووقف ثوان، لكنه لم يعرفني".

راود روليج لثوان أمل في أن يقدم هذا المحقق اعتذارا له ولكنه لم يفعل.وعند ذلك تحدث إليه روليج قائلا:"سيادتك كنت المحقق معي" ، فأجابه المحقق: أحقا؟ وماذا يعني ذلك؟" ثم قام المحقق بتوبيخه بصوت عال لأنه توقعه كان في محله.

عن ذلك يقول روليج: "عند ذلك انتهت حياتي الجميلة، ولم أستطع التوقف عن البكاء والصراخ، وأطاح بي ذلك إلى فوضى عميقة، واستعدت ذكريات الماضي التي كنت قد طويتها على النحو الأمثل. وعادت الصدمة التي تتمثل في عدم إمكانية الدفاع عن النفس، مرة أخرى”.

لكن روليج سعد بعد أن عين رونالد يان، أحد المعارضين والمضطهدين السابقين في ألمانيا الشرقية، رئيسا للهيئة الألمانية المعنية في التحقيق في وثائق جهاز أمن الدولة السابق "شتازي" "لأن من يملك مثل هذا الشعور بالعدل ، يعزز عملية الإصلاح".

ويواصل روليج حديثه قائلا إن بركان الغضب لدى الجمعيات الممثلة لمصالح الضحايا يفور مرارا وتكرارا من وقاحة رجال الصفوة الألمان الشرقيين السابقين، فهؤلاء ضباط الجيش الشعبي السابق يصطفون في زيهم العسكري القديم في أحد مطاعم برلين محتفلين بتأسيس جيش جمهورية ألمانيا الديموقراطية.

وكان الساسة المتشددون يحتفلون كذلك باحتفالات أخرى علنا دون أي خجل ويكتبون الكتب، ويتحاكون بسخرية عن الضحايا ويتقابلون بشكل منتظم ومحكم في جمعياتهم ،وكل ذلك يتم تحت حماية دولة القانون، بل ويرى كثير من كبار المسؤولين منهم حتى اليوم أنهم لم يفعلوا أي شيئ ظالم".

ويقول روليج الذي يعيش اليوم على معاش التقاعد الذي يعطى للعاجز عن العمل إن ما اكتشفه من خلال الفتحة المظلمة موجود أيضا في مشروع مسرحية باسم "أمن الدولة"، وفي عام 2008 قام 15 من المعتقلين السابقين بتمثيل قصتهم على خشبة المسرح، وكانوا هم الممثلين في المسرحية التي تكونت حسب رؤية ليا روش وريناته كرايبيش فيشر وإخراج المخرج كليمينس بيشتل.

ولم يمثل فقط المعتقلون السابقون على خشبة المسرح في مدينتي بوتسدام أو ماجدينبورج، بل أيضا في مدينتي دوسلدورف وهايديلبرج بألمانيا،وتم عرضها 30 مرة حتى الآن.

وقام البروفيسور البرليني كريستيان بروس بدراسة علمية لمشروع المسرحية جنبا إلى جنب مع طالبة الطب ليا هيرمان.

ويقول الطبيب والمتخصص في الصدمات النفسية بروس عن المسرحية:" إنها تجربة فريدة من نوعها يستطيع من خلالها أن يتخلص المصابون من جزء من تاريخهم –ويلاقون استحسانا جاء متأخرا من قبل المجتمع".

ويتحدث بروس، الذي تولى بعد سقوط السور في برلين علاج ضحايا جهاز "شتازي" وأشرف بنفسه على علاج المصابين لسنوات عديدة، عن أنها تجربة إصلاح مجتمع بأكمله.

ويقول بروس: "يعاني بعض مضطهدي جهاز مخابرات ألمانيا الشرقية السابقة "شتازي” حتى اليوم من مهارات اجتماعية محدودة، فهم يشعرون بأنهم أقلية معزولة" ويضيف:"ما زالت الآلام والمعاناة من الاتهام تتشبث بهم" في حين أن الأمور تسير على ما يرام لدى كثير منهم من خلال المعاشات التقاعدية المضمونة – دون شعور بالظلم الذي وقع عليهم، حيث فقد الكثير وظائفهم، ويعيش سجناء سابقون جزئيا من خلال المعونات الاجتماعية، وبعضهم "لم يعد يتمكن من الوقوف على قدميه مرة أخرة ويتعافى."

ويضيف بروس أن نوبات الفزع والخوف من التعرض لهجمات، استمرت أكثر من 20 عاما بعد سقوط سور برلين. والبعض لم يتحمل الغرف المظلمة والبعض الآخر كان يبحث دائما عن مكان آمن بينما يدير ظهره إلى الحائط، ويقول بروس :"كان هذا الشعور يتكرر دائما، على الرغم من محاولة كتمانه" مضيفا: "حقيقة أن معاناة عواقب الاعتقال لم تختف من خلال التمثيل المسرحي إلا إنه من الممكن أن ينجح المعتقلون في إغلاق هذه الصفحة”.

ويوضح البروفيسور أن "حوالي 25 إلى 30 في المئة من المعتقلين السابقين كانوا يعانون من مرض اضطراب ما بعد الصدمة، ويوضح البروفيسور:"وكانت هذه الاضطرابات أصعب على من لم تكن له علاقة بالنشاط السياسي".

ويضيف أنه بينما استطاع العديد من الناشطين الحقوقيين أن يتعاملوا مع غضبهم وعجزهم جراء الاعتقال وقلبوا هذه الصفحة من حياتهم، تفتحت الجراح عند الآخرين بعد فراق أحد أقاربهم أو وفاته."

ويقول ماريو روليج إنه منذ أن يقف على المسرح يصغى إليه الجمهور باهتمام من خارج النصب التذكاري لضحايا أمن الدولة، إلا أن حياته لم تعد مثالية منذ وقت طويل حيث ظلت تتأرجح بين التفاؤل والمرارة.. لكن لم يعد من السهل إخراجي من مسار حياتي الطبيعية".

وينهى روليج حديثه قائلا إنه ما يزال حتى اليوم يعاني من هواجس الاعتقال، فأحيانا يتأكد من أنه ينام على ظهره حسب أوامر سجن هوهنشونهاوزن.

ولم ينتقل روليج للعيش في شرق برلين إلا من أجل شريكه فقط، وكان الشك يراوده دائما في أن مخبرين يلاحقونه في كل مكان.

أما جيلبرت فوريان/66 عاما/ فوجد طريقا آخر، وهو أيضا من الممثلين المشاركين في المسرحية، وولد بمدينة جورليتس بولاية سكسونيا واعتقل عام 1985، وجلس سبعة أشهر في معتقل شتازي في حي هوهنشونهاوزن ببرلين ثم في معتقل مدينة كوتبوس الصغيرة بوسط ألمانيا الشرقية سابقا، قبل أن تحرره جمهورية ألمانيا الاتحادية "ألمانيا الغربية”.

واليوم يرشد فوريان الزوار كل يوم الاثنين عبر نصب ضحايا جهاز "شتازي" التذكاري في برلين ويحكي عن تجربة اعتقاله.

وكان فوريان طالب فلسفة إلا أنه انسحب من التسجيل بدراسته الجامعية ولم يسمح له أيضا بأن يصبح من المترجمين الفوريين، واتهم بإجراء مقابلات مع جماعات البانك المعادية للطبقة الوسطى والتي كانت تطاردهم ألمانيا الشرقية.

وأراد فوريان أن يهرب كتيبات ومطويات بمساعدة والدته المتقاعدة إلى الغرب إلا أنه ألقي القبض عليها و وجهت إليه اتهامات بأن كتيباته تضر مصالح جمهورية ألمانيا الديمقراطية وتؤدي إلى تدهور النظام الاجتماعي.

ويقول فوريان إنه بعد سقوط سور برلين قابل بالصدفة أحد محققي جهاز مخابرات ألمانيا الشرقية السابقة (شتازي) في أحد متاجر مدينة برلين، قالها وكأنه كان يتبادل أطراف الحديث عن الطقس.

ويضيف فوريان:"كان الأمر غاية في الرمزية، فقد كنت استقل السلالم المتحركة إلى أعلى بينما كان يهبط هو إلى اسفل”.

وقام المحقق بتحية فوريان كأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ زمن بعيد قائلا: "جيلبرت!"، ثم اعتذر له المحقق عما وقع منه في الماضي.

وعن ذلك يقول فوريان:"إن ما حدث لا يتكرر دائما فقد كنت حالة استثنائية".
ويحكي فوريان انه في عام 1990 رد اعتباره من قبل أول مجلس شعب منتخب في ألمانيا الديمقراطية ويرى أن ذلك كان "مرضيا و أكثر أهمية عن التعويض المادي القليل عن الاعتقال..فليس من الممكن حساب كل شيئ بلغة المال، فلا أزال أعاني من آلام الماضي..”.

ويضيف فوريان انه لا يزال حتى الآن يتواصل مع محققه السابق عندما لا يتذكر بعض تفاصيل اعتقاله بشكل صحيح أو ناقص وأنه يتصل بالضابط المسئول عن وثائق جهاز أمن الدولة السابق لتصحيح هذه المعلومات أو إكمالها.

وعن ذلك يقول فوريان: "في البداية كان هذا شكلا من الانتقام الخفي، كنت أسأل وكان يضطر للإجابة.. أقر رجل أمن الدولة السابق بأنه أذنب ذنبا كبيرا، لقد كان هذا هو العنصر الحاسم لي..ربما كانت هذه سمات شخصية لي إلا أنني لم يكن لدى تخوفات من الاتصال بهؤلاء الضباط السابقين بأمن الدولة وكنت أميل للمصالحة".

ويرى فوريان أن أغلب موظفي جهاز شتازي بؤساء طاعنون في السن يريدون الإبقاء على أكاذيب حياتهم.

وكان موقف فلوريان تجاه ممثلي السلطة السابقين في جمهورية ألمانيا الديموقراطية السابقة مثيرا للجدل عند المعتقلين السابقين الآخرين ، حيث كان جهاز شتازي يفهم نفسه على أنه درع الحزب الشيوعي وسيفه، حتى زوجته نفسها تنظر إلي اتصالاته مع المحقق السابق بعين الريبة وتقول له:"هذا مرض بالفعل، كيف تستطيع أن تتصرف معه بصورة طبيعية".

ويشارك فوريان في مسرحية "أمن الدولة " وعن ذلك يقول:"إنه شيئ رائع، حتى رائحة المسرح تذكرني بأيام شبابي، عندما كنت ممثلا صغيرا على مسرح جورليتس".

ويرى فوريان أن أجزاء العمل في هذه المسرحية قد التحمت ببعضها البعض.
وتجري الآن مناقشات بشأن استمرار عرضها، على عكس ما كان مخططا سابقا، ويؤكد فلوريان أنه سيشارك في هذه العروض في حالة استمرارها.

يوتا شوتس
الاربعاء 4 مايو 2011